الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ قال ابن عباس: يريد ألبسته الظلمة ليسكن فيه. وعلى هذا المعنى: ذا لباس من الظلمة؛ أي: أُلبس الظلمة ليُتركَ فيه العملُ والتصرف. قال مقاتل: يعني سكنًا [["تفسير مقاتل" ص 64 أ. وهو قول الهوَّاري 3/ 212.]]. وهو معنى وليس بتفسير، واعتباره بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: 67] [["تأويل مشكل القرآن" ص 144، وذكر فيه أيضًا قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف: 189].]]. وقال أهل العربية، والمعاني: جعل الليل لباسًا؛ لأن ظلمته تلبس كل شخص وتغشاه حتى يمنع من إدراكه، وهو مشتمل عليكم وعلى كل شيء كاللباس الذي يشتمل على لابسه [["تهذيب اللغة" 12/ 444 (لبس)، بمعناه. وفي "تنوير المقابس" ص 304؛ ملبسا يلبس كل شيء فيه.]]. ومن هذا قول ذي الرمة: فلما لبسن الليل [["ديوان ذي الرمة" ص 313، والبيت بتمامه: فلمَّا لَبِسنَ الليلَ أوحين نَصَّبتْ ... له مِنْ خَذا آذانها وهُوَ جانحُ لبسن الليل: دخلن فيه، يريد نصبت آذانها لبرد الليل، كانت قد خفضتها ثم رفعت رءوسها ونصبت آذانها في ذا الوقت حين جنح الليل، والخذا: الاسترخاء. "ديوان ذي الرمة" بشرح الخطيب التبريزي ص 313.]] .. البيت والله تعالى ألبسنا الليل وغشاناه لنسكن فيه [[بنصه، في "تفسير الطوسي" 7/ 270. وذكر ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ص 144، قولين في معنى: ﴿لِبَاسًا﴾ سترًا وحجابًا لأبصاركم. القول الثاني: سكنًا. واقتصر في كتابه "الغريب" ص 313، على القول الأول.]]. وقوله: ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ قال الليث: السبات: السبات: النوم شِبه غشية. يقال: سبت المريض، فهو مسبوت [[كتاب "العين" 7/ 239 (سبت) ونقله عنه الأزهري، "تهذيب اللغة" 12/ 387.]] وقال الزجاج: السبات أن يقطع عن الحركة والروح في بدنه: أي: جعلنا نومكم راحة لكم [[في "معاني القرآن" للزجاج 5/ 272، في تفسير سورة النبأ. قال مقاتل 46 أ: يعني الإنسان مسبوتًا لا يعقل كأنه ميت. وذكر نحوه الهواري 3/ 212.]]. وقد أجاد وأحسن في تفسير السبات [["تهذيب اللغة" 12/ 386 (سبت)، قاله الأزهري بعد نقل قول الزجاج. واقتصر ابن قتيبة، في الغريب ص 313. على تفسير السبات بالراحة ثم قال: وأصل السبات: التمدد. وذكر الأزهري 12/ 386، عن ابن الأنباري، أنه قال؛ لا يعلم في كلام العرب سبت بمعنى: استراح، وإنما معنى سبت: قطع. وجعل الزمخشري 3/ 276، مقابلة السبات بالنشور يمنع من "تفسيره" بالراحة، فقال: والمسبوت: الميت؛ لأنه مقطوع الحياة، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام: 60] ورد هذا أبو حيان 6/ 462، قال: ولا يأباه إلا لو تعين تفسير النشور بالحياة. وهو كلام جيد.]]. وقال ابن الأنباري: ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ أي: قطعًا لأعمالكم [["تهذيب اللغة" 12/ 386 (سبت)، ينصه. منسوبًا لابن الأنباري. وفي "تفسير الثعلبي" 8/ 99 ب: راحة لأبدانكم وقطعًا لعملكم.]]. قال ابن عباس ومقاتل: ينتشرون فيه لابتغاء الرزق [["تفسير مقاتل" ص 64 أ، و"تفسير مجاهد" 2/ 454، وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2704، عن قتادة لمعايشهم ولحوايجهم ولتصرفهم.]] والنشور معناه: التفرق: الانبساط في التصرف، ومنه: نشور الميت، وهو: حياته، وحركته، وتصرفه، بعد هموده. وحَسُن ذكر النشور هاهنا؛ لأن النائم بالليل يكون بانقطاعه عن العمل كالميت، فإذا استيقظ بالنهار وأخذ في أعماله كان النهار نشورًا له من وفاة النوم [["تفسير ابن جرير" 19/ 21، بمعناه. واستشهد على ذلك بقول النبي -ﷺ- إذا أصبح وقام من نومه: ﴿الْحَمْدُ لله الّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾. أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، رقم: 6312 الفتح 11/ 113، والترمذي 5/ 449، كتاب الدعوات، رقم: 3417.]]. وفي هذه الآية تذكير بالنعم من الله تعالى؛ وهي النوم، الذي فيه راحة الأبدان، والنهار، الذي يصلح للتصرف فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب