الباحث القرآني

وقوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ فيه قولان؛ قال مجاهد: يعني حوى الشمسُ إياه [[يعني: الظل. أخرجه ابن جرير 19/ 20. وابن أبي حاتم 8/ 2703.]]. وقال الكلبي: إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضًا يسيرًا [[في "تنوير المقباس" ص 304 ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ﴾ عني: الظل. واستشهد عليه الهواري 3/ 212، بقوله تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ قال النحاس، "إعراب القرآن" 2/ 462: ويقال يسيرًا، يعني: خفيًا فلا يدري أحد أين يصير، وكيف يصير. ونسبه الواحدي في "الوسيط" 3/ 342، للكلبي.]]. وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: خفيًا [[أخرج ابن جرير 19/ 20، وابن أبي حاتم 8/ 2703، عن ابن عباس. رضي الله عنهما. من طريق علي ابن أبي طلحة: في ﴿يَسِيرًا﴾ سريعًا. وأخرجا عن مجاهد: خفيًا. وهو قول مقاتل 46 أ. وجمع بين القولين ابن جرير 19/ 20 فقال: فمعنى الكلام إذا كان ذلك كذلك، يتوجه لما روي عن ابن عباس، ومجاهد؛ لأن سهولة قبض ذلك قد تكون بسرعة وخفاء.]]. وقال عطاء: سهلًا [[ذكره ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ص 315، ولم ينسبه. وكذا الزجاج، "معاني القرآن" 4/ 70.]]. وقال الفراء: الظل إذا لحقته الشمس قبض قبضًا يسيرًا [["معاني القرآن" للفراء 2/ 268.]]. ومعنى الآية على هذا القول: ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخها شيئًا فشيئًا [[ذكر نحوه الثعلبي 8/ 99 ب.]] فذلك قوله: ﴿قَبْضًا يَسِيرًا﴾ وذلك أن الظل بعد طلوع الشمس لا يذهب كله دفعة، وإنما يقبض الله جلَّ وعزَّ ذلك الظل قبضًا خفيًا، شيئًا بعد شيء، ويُعقِبُ كلَّ جزء منه يقبضه بجزء من ضياء الشمس حتى يذهب كله [["تأويل مشكل القرآن" 315، بنصه.]]. القول الثاني: ذكره ابن قتيبة، واختاره؛ فقال: المراد بقبض الظل هاهنا: الظل الذي يعود بعد غروب الشمس إلى ظلمة الليل وسواده؛ وذلك أن الشمس إذا غربت عاد الظل الممدود، ثم يقبض الله ذلك الظل بانتشار الظلمة وتزايدها، ولا يُقبِل الظلام كله جملة، وإنما يقبض الله ذلك الظل شيئًا بعد شيء بجزء من سواد الليل [["تأويل مشكل القرآن" ص 315، بمعناه. وذكر هذا القول ابن جرير الطبري 20/ 19، ولم ينسبه.]]. وعلى هذا القول المراد: قبض الظل بسواد الليل. وعلى القول الأول: قبضه بضياء الشمس. وهذا القول أعم؛ لأن الظل إنما يقبض بضياء الشمس، حيث يكون شخص يقع له ظل، فأما البراري والصحاري فإن ظلها يقبض عند طلوع الشمس دفعة واحدة، فيخرج عن قوله: ﴿قَبْضًا يَسِيرًا﴾ ويقوي القول الأول قوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ﴾ والكناية تعود إلى الظل الذي سبق ذكره؛ وهو: ظل الغداة [[أي: ظل أول النهار. قال تعالى: قال تعالى: ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام 52. الكهف 28] "المفردات"، للراغب ص 358.]] بإجماع المفسرين [[سبق أن أشار الواحدي إلى هذا، بقوله: والمفسرون جميعًا قالوا في معنى الظل هاهنا: إنه الظل من وقت طلوع الفجر، إلى وقت طلوع الشمس.]]. وفي القول الثاني: الكناية تعود إلى ظل من جنس الظل المذكور. وقال ابن قتيبة: دل الله -عز وجل- بهذا الوصف على قدرته، ولطفه، في معاقبته بين الظل، والشمس، والليل، لمصالح عباده وبلاده. قال: وهذا القول الثاني أجمع للمعاني وأشبه بما أراد الله [["تأويل مشكل القرآن" ص 315.]]. يعني: أنه يشتمل على ذكر الليل، وإدخاله بعد غروب الشمس. وأجاز أبو علي الفارسي، في قوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ قولًا ثالثًا؛ فقال: يجوز أن تعود الكناية من قوله: ﴿قَبَضْنَاهُ﴾ إلى ضياء الشمس؛ لأنه يقبض أيضًا قبضًا يسيرًا على التدرج. وعلى هذا معنى الآية: ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء قبضًا يسيرًا [[واختار هذا القول ابن جرير 19/ 20، حيث قال: ثم قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضًا خفيًا سريعًا بالفيء الذي نأتي به بالعشي. وفي الآية وجه آخر؛ وهو: أن يكون المراد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ [سورة: الفرقان: -الآية: 46] كأنه يشعر بذلك. مدارج السالكين 3/ 293. و"تفسير البيضاوي" 2/ 143. و"تفسير أبي السعود" 6/ 223. وهذا القول فيه بعد؛ إذ المراد جعل ذلك آية ظاهرة مشاهدة للناس يدركونها ويشاهدونها في حياتهم؛ والقول بأن المراد به عند قيام الساعة لا يؤدي هذا المعنى. والله أعلم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب