الباحث القرآني

وقوله: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قال الفراء: نصبت عادًا بالتدمير [["معاني القرآن" للفراء 2/ 268.]]. وقال الزجاج: ﴿وَعَادًا﴾ عطفًا [[هكذا في (أ)، (ب)، وفي (ج): (عطف).]] على الهاء والميم، التي في قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾ قال: ويجوز أن يكون معطوفًا على معنى: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ ويكون التأويل: وَعَدْنا الظالمين بالعذاب، ووعدنا عادًا وثمودَ [["معاني القرآن" للزجاج4/ 68.]]. قوله ﴿وَأَصْحَابُ الرَّسِّ﴾ الرس في اللغة: كل محفور مثل البئر، والمعدن، والقبر، ونحوها. وجمعه: رِساس، ومنه قول الجعدي: تَنابلةً يَحفِرون الرِّساسا [[عجز بيت للنابغة، ديوانه 82، وصدره: سَبَقْتُ إلى فَرَطٍ ناهل وأثده ونسبه أبو عبيدة 2/ 75، وقال: الرساس: المعادن. وأنشده ابن جرير 19/ 14، ولم ينبه، وفيه: بأهل، بالباء الموحدة تحت. وأنشده ابن قتيبة، في: غريب القرآن 313، منسوبًا للنابغة وأنشده، وذكر قول أبي عبيدة الثعلبي 8/ 99 أ. وفي "تهذيب اللغة" 12/ 290 (رسس): وكل بئر عند العرب: رَسٌّ، وأنشد البيت للدلالة على ذلك. ضبط: تنابلة، في التهذيب 12/ 290: بالرفع، وفي "الديوان" و"المجاز" لأبي عبيدة: بالنصب. وفي "تهذيب اللغة" 13/ 331 (فرط): الفرَط: المتقدم في طلب الماء. والناهل في كلام العرب: العطشان. "تهذيب اللغة" 6/ 305 (نهل). والتنبال: الرجل القصير. "تهذيب اللغة" 14/ 354 (تنبل). - النابغة الجعدي، الشاعر المشهور المعمَّر -رضي الله عنه-، اختلف في اسمه فقيل: عبد الله ابن قيس، وقيل: قيس ابن عبد الله، من جَعدة بن كعب بن ربيعة، أقام مدة لا يقول الشعر ثم قاله فقيل: نبغ.]] وقال أبو عبيدة: الرس: كل رَكيَّة لم تُطوَ [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 223، في سورة: ق. وفي "غريب القرآن"، لابن قتيبة ص 313، بالإثبات حيث قال: كل ركية تطوى فهي رس. وفي "اللسان" 6/ 99: والرس: البئر المطوية بالحجارة فكلمة: رَسَسْتُ، من الأضداد، تستعمل في الإصلاح، وتستعمل في الإفساد. "الأضداد" للأنباري ص 383.]]، بالحجارة والآجر والخشب [["تفسير الثعلبي" 8/ 99 أ، بنصه.]]. واختلفوا في أصحاب الرس؛ [فروى عكرمة عن ابن عباس، قال: سألت كعبًا عن أصحاب الرس؟] [[ما بين المعقوفين، ساقط من (ج). وقول كعب ذكره الثعلبي 8/ 96 أ، دون ذكر السؤال.]] فقال: صاحب ياسين الذي قال: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: 20] قتلوه [[كلمة: (قتلوه) في (أ)، (ب). ويوجد بعد هذه الكلمة تكرار في (ب)، قدر سطرين.]]، قتله قومه ورسَّوه في بئر لهم يقال له: الرس، أي: دسوه فيها [[أخرج ابن جرير 19/ 14، عن عكرمة أنه قال: أصحاب الرس بفلج هم أصحاب يس. ولم ينسبه لابن عباس. وذكره القرطبي 13/ 32 منسوبًا لابن عباس.]]. وهذا قول مقاتل والسدي؛ قالا: الرس: بئر بأنطاكية [[أنطاكية: قصبة العواصم من الثغور الشامية، وهي من أعيان البلاد، وأمهاتها، موصوفة بطيب الهواء وعذوبة الماء، وكثرة الفواكه وسعة الخير، حاصرها أبو عبيدة بن الجراح، وصالح أهلها، ثم نقض أهلها العهد فأرسل إليهم أبو عبيدة: عياض بن غنم، وحبيب بن مسلمة ففتحاها. "معجم البلدان" 1/ 316. و"مراصد الإطلاع" 1/ 124. وموقعها الآن: جنوب تركيا تبعد عن الساحل الشرقي للبحر المتوسط حوالي 50 كم.]] قتلوا فيها حبيبًا النجار فنسبوا إليها [["تفسير مقاتل" ص 45 ب، لكنه لم يسمه. وذكره الثعلبي 8/ 96 أ، ونسبه لكعب ومقاتل. ونسبه ابن الجوزي 6/ 90، للسدي.]]. وروى عطاء عن ابن عباس في أصحاب الرس قال: بئر كانوا عليها نزولًا [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2695، بسنده عن عكرمة عن ابن عباس: أنها بئر بأذربيجان.]]. وهذا قول مجاهد؛ قال: بئر كان عليها قوم يقال لهم: أصحاب الرس [[أخرجه عن مجاهد، ابن جرير 19/ 14، وابن أبي حاتم 8/ 2695. وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس.]]. ونحو هذا قال وهب، قال: وبعث الله إليهم شعيبًا، وكانوا أهل بئر نزولًا عليها، وأصحاب مواش، وكذبوا شعيبًا، وآذوه فانهارت البئر بهم، وبديارهم ومنازلهم، فهلكوا جميعاً [["الوسيط" 3/ 340 بنصه، منسوباً لوهب. وهو كذلك عند البغوي 6/ 84 والطبرسي 7/ 266. وابن الجوزي 6/ 90. والقرطبي 13/ 32. وكون أصحاب الرس قوم شعيب، -عليه السلام- مذكور في "تنوير المقباس" ص 303. وأخرج ابن جرير 19/ 13، بإسناده عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قال: قرية من ثمود. وذكره ابن كثير 6/ 111، واستبعد هذا أبو حيان 6/ 457، وقال: ويبعده عطفه على ثمود؛ لأن العطف يقضي التغاير. وتبعه الألوسي 19/ 19.]]. وقال قتادة: الرس: قرية بفَلَج اليمامة [[فلج اليمامة: بفتح أوله وثانيه، مدينة بأرض اليمامة، لبني جعدة، وقُشير، وكعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. "معجم البلدان" 4/ 307. وتسمى الآن: الخرج، المدينة المعروفة جنوب الرياض بحوالي 100كم.]] قتل أهلها نبيهم فأهلكهم الله [[أخرج هذا القول بإسناده عن قتادة، ابن جرير 19/ 14، وابن أبي حاتم 8/ 2695. وذكره القرطبي 13/ 32. وزاد البغوي 6/ 84، نسبته للكلب في. ولم يرجح الواحدي -رحمه الله- شيئاً من هذه الأقوال، ولعل أقربها أنهم قوم كانوا على بئر؛ لأن هذا هو الموافق للمعنى اللغوي. وقد اقتصر عليه في "الوجيز" 2/ 779. وهو اختيار ابن جرير 19/ 14. وجزم به السمرقندي 2/ 461. وذكر ابن جرير 19/ 14، والثعلبي 8/ 96 أ، قولاً في أصحاب الرس أنهم أصحاب الأخدود، والرس، هو: الأخدود الذي بنوه. قال ابن جرير 19/ 14: ولا أعلم قوماً كانت لهم قصة بسبب حفرة ذكرهم الله في كتابه إلا أصحاب الأخدود. وذكرا أيضًا خبراً طويلاً مرفوعاً في شأن أهل الرس، وهو لا يصح؛ لأنه من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي، يرفعه للنبي -ﷺ-. وذكره ابن كثير 6/ 111، من طريق ابن جرير، ثم قال: عن محمد بن كعب مرسلاً، وفيه غرابة، ونكارة، ولعل فيه إدراجاً. وقد أعرض عنه الواحدي -رحمه الله- فلم يذكره في تفاسيره الثلاثة، ولا في "أسباب النزول" وذكر الثعلبي 8/ 96 ب، خبراً طويلًا عن علي -رضي الله عنه- موقوفاً عليه في شأن أصحاب == الرس. وهو من الإسرائيليات. وذكر أيضًا أخباراً أخر في شأنهم، وقد أحسن الواحدي -رحمه الله- صنعاً في ترك ذكرها؛ إذ العبرة حاصلة في إهلاكهم. قال الرازي 24/ 82: وأي شيء كان فقد أخبر الله تعالى عن أهل الرس بالهلاك. وقال في ص: 83، بعد ذكره للأقوال الواردة في أصحاب الرس: واعلم أن القول ما قاله أبو مسلم وهو أن شيئًا من هذه الروايات غير معلوم بالقرآن، ولا بخبر قوي الإسناد، ولكنهم كيف كانوا فقد أخبر تعالى أنهم أهلكوا بسبب كفرهم. ما تحته خط هكذا وجدته في "تفسير الرازي". وقال القاسمي 12/ 262: وَيروي هنا بعضهم آثاراً لا تصح. كما نبه عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله فلا تحل الجراءة على روايتها، ولا تنزيل الآية عليها؛ لأنه من قفو ما ليس للمرء به علم، ومثله يحظر الخوض فيه.]]. وقوله: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ أي: وأهلكنا قرونًا ما بين عاد إلى أصحاب الرس [[هكذا في (ج)، وفي (أ)، (ب): (قروناً بين عاد وأصحاب الرس).]]. قاله مقاتل [["تفسير مقاتل" ص 45 ب. واقتصر عليه ابن الجوزي 6/ 91. وظاهر الآية أعم من ذلك. قال ابن جرير 19/ 15: ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سميناها لكم أممًا كثيرة ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: 17]. ونحوه قال السمرقندي 2/ 461. أخرج الحاكم في "المستدرك" 2/ 437، بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: معد بنس عدنان، بن أدد، بن زند، بن البراء، بن أعراق الثرى، قالت: ثم قرأ رسول الله ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ لا يعلمهم إلا الله، قالت أم سلمة: وأعراق الثرى: إسماعيل بن إبراهيم، وزند: هميسع، وبراء نبت. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. وأخرجه البيهقي، في "الدلائل" 1/ 178، قريباً من رواية الحاكم، وهذا الحديث يدل على بطلان الحديث الذى أورده بعض المفسرين، كابن عطية 11/ 41، عن ابن عباس موقوفاً، ومرفوعاً: (كذب النسابون من فوق عدنان)، وهو حديث لا يصح؛ لأنه من طريق: محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح. "سلسلة الأحاديث الضعيفة" 1/ 144، رقم: 111.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب