الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ﴾ [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2682، عن مجاهد أنه يوم القيامة.]] عطف على قوله: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ﴾ و ﴿تَشَقَّقُ﴾ يجوز فيه أمران؛ أحدهما: أنه يراد به الآتي. والآخر: أن يكون حكايته حالٍ تكون، كما أنَّ قوله: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحجر: 2]، كذلك. وكما أنَّ قوله: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ [الكهف: 18] في أنه حكاية حالٍ قد مضت [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 341، بنصه.]]. وفيه قراءتان: تشديد الشين وتخفيفها [[قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر، بتشديد الشين. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف. "السبعة" 464. و"معاني القرآن" للفراء2/ 267. ومعاني القراءات للأزهري 2/ 215. و"المبسوط في القراءات العشر" ص 271. و"التبصرة" ص 613. و"النشر" 2/ 334. قال ابن جرير 19/ 6: هما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.]]. والتقدير: تتشقق [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 64.]]؛ فمن شدد أدغم التاء في الشين؛ لأن الصوت بالشين يلحق بمخارج هذه الحروف التي هي من طرف اللسان وأصول الثنايا فأدغم [[في "الحجة للقراء السبعة" 5/ 341: فأدغمن فيها كما أدغمن في الضاد لما كانت كذلك.]] فيها ما أدغم في الضاد كما كانت كذلك، ومَنْ خفف حذف التاء التي أدغمها من شدد. قال أبو الحسن: الخفيفة أكثر في الكلام؛ لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 341، بنصه.]]. قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ﴾ قال أبو علي: المعنى: تشقق السماء وعليها غمام. وهذا كقوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق:1] وقوله: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ﴾ [الرحمن: 37] [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 341.]]. وقال الفراء: معناه فيما ذكروا: تشقق السماء عن الغمام. وعلى، وعن، والباء، في هذا الموضع كالواحد؛ لأن العرب تقول: رميت عن القوس، وبالقوس، وعلى القوس. يراد به معنى واحد [["معاني القرآن" للفراء 2/ 267.]]. وهذا هو معنى ما ذكره المفسرون؛ قالوا: هو: غمام أبيض رقيق مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم فتنشق السماء عنه لنزول الرب وملائكته [[في "تنوير المقباس" ص 302: عن الغمام لنزول الرب بلا كيف. و"تفسير مقاتل" ص 44 ب. وليس فيه: ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم. لكنه عند ابن جرير 19/ 6، وابن أبي حاتم 8/ 2682، عن مجاهد. والظاهر من الآية أن الغمام، هو: السحاب المعهود. "تفسير أبي حيان" 6/ 453. والله أعلم.]]. وهو الذي قال الله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: 210] وهذا قول مجاهد ومقاتل والكلب؛ قالوا: ومعنى بالغمام: عن الغمام [[أخرجه ابن جرير 6/ 19، عن مجاهد، و"تفسير مقاتل" ص 44 ب. و"تنوير المقباس" ص 302. وبه قال ابن قتيبة، "غريب القرآن" 312. وبه قال الهوَّاري 3/ 207، ثم قال: هذا بعد البعث، تشقَّق فتراها واهية متشققة، كقوله تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ [النبأ: 19].]]. وذكرنا معنى إتيان الله في سورة البقرة [[قال الواحدي في تفسير هذه الآية: في قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ وجهان؛ أحدهما: أن هذا من باب حذف المضاف: أن يأتيهم عذاب الله، أو أمر الله أو آيات الله .. والثاني: المعنى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من العذاب والحساب فحذف ما يأتي به تهديداً، إذ لو ذكرما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد .. وما ذكره الواحدي عفى الله عنه صرف للفظ عن ظاهره، فالآية فيها إثبات إتيان الله تعالى لفصل الحساب والجزاء، وهو إتيان يليق بجلاله وعظمته، ومثل هذه الآية كما قال ابن كثير 1/ 566، وقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: 21، 22]]]. والمراد بالسماء هاهنا: السموات السبع. كذا قال مقاتل وابن عباس [["تفسير مقاتل" ص 44 ب.]]. وذكره الزجاج؛ فقال: المعنى: تتشقق سماءً سماءً [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 64.]]. قال ابن عباس: تتشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس، ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا، ومن الجن والإنس، ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة، وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها، ثم ينزل الكَرُوبِيُّون [[الكَرُوبِيُّون: سادة الملائكة، المقربون. "النهاية في غريب الحديث" 4/ 161، و"لسان العرب" 1/ 714 (كرب)، و"القاموس المحيط" ص 167.]]، وحملة العرش [["تفسير مجاهد" 2/ 450، عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بسياق أطول مما هو هنا. ومن الطريق نفسه أخرجه ابن جرير 19/ 6. وابن أبي حاتم 8/ 2682، أيضًا. ويوسف بن مِهران لم يرو عنه إلا ابن جُدعان، وهو ليِّن الحديث."التقريب" 1096،"ميزان الاعتدال" 4/ 474. قال ابن كثير 6/ 107، بعد ذكر هذه الرواية عن ابن أبي حاتم: مداره على علي ابن زيد بن جدعان، وفيه ضعف، وفي سياقاته غالباً نكارة شديدة.]]. فذلك قوله: ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ قال مقاتل: من السماء إلى الأرض عند تشققها لحساب الثقلين [["تفسير مقاتل" ص 44 ب. قال الماوردي 4/ 142: وفي نزولهم قولان؛ أحدهما: ليبشروا المؤمن بالجنة، والكافرَ بالنار. والثاني: ليكون مع كل نفس سائق وشهيد. واقتصر الواحدي في "الوجيز" 2/ 777، على أن ذلك لإكرام المؤمنين. وليس هناك ما يمنع من حصول الأمرين معاً. والله أعلم.]]. وقرأ ابن كثير ﴿ننزل﴾ مخففة من الإنزال [["السبعة" 464. و"معاني القراءات" للأزهري 2/ 216. و"المبسوط في القراءات العشر" ص 271. و"التبصرة" ص 613. و"النشر" 2/ 334.]] ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ نصبًا [[في (أ)، (ب): (قال مقاتل: نصباً)، ولعله خطأ من الناسخ لأن السطر الذي قبله فيه: وقال مقاتل. وهو غير موجود في "تفسير مقاتل"، ولا في (ج)، ويدل لهذا أنه عند الأزهري، في معاني القراءات 2/ 216: نصباً. لأنه مفعول به.]]، فجعل الفعل من الإنزال، والمصدر على فَعَّل؛ لأن أنزل مثل نزَّل، كقوله تعالى: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: 8] [[قال السمين الحلبي: ومثله: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ أي: تبتلاً. الدر المصون 8/ 477.]] وقال [[وقال في (أ)، (ب). ويعني به أبا علي الفارسي، في "الحجة" 5/ 342، حيث ذكر البيت، ولم ينسبه.]]: وقد تَطَوَّيْتُ انْطِوَاء الحِضْبِ [[صدر بيت لرؤبة. "ديوانه" 16، أنشده سيبويه، "الكتاب" 4/ 82، ونسبه لرؤبة، وقال بعده: لأن تطويت وانطويت واحد. وأنشد البيت كاملاً ونسبه الأزهري. والحضب: بالكسر: ضرب من الحيات، وقيل: هو الذكر الضخم منها، واستشهد الأزهري بهذا البيت على ذلك، والشاهد فيه: أن يكون الانطواء مصدراً لتطوى. "تهذيب اللغة" 4/ 225 (حضب). وذكره أبو علي، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 342، ولم ينسبه.]] لما كان تطويت، وانطويت متقاربان حمل مصدر ذا علي مصدر ذا [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 342.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب