الباحث القرآني

ثم وصف ذلك السعير فقال: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ أنث فعل السعير وهو مذكر؛ لأنه أراد النار [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 70، بتصرف. وهناك قول آخر؛ ذكره البغوي 6/ 75، والزمخشري 3/ 360، فيه إضافة الرؤية إلى الزبانيَّة. وهو مخالف لظاهر الآية. وقد أحسن الواحدي. رحمه الله. في اقتصاره على القول الأول.]]. قال أبو عبيدة: ووصفها بالرؤية [[لم أجد قول أبي عبيدة في كتابه المجاز.]]، وقد قال النبي -ﷺ-: "من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ بين عيني جهنم مقعدًا"، قيل يا رسول الله: وهل لها عينان، قال: "نعم، ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ " [[أخرجه ابن جرير 18/ 187، بسنده عن فُدَيك عن رجل من أصحاب النبي -ﷺ- وهو مرسل؛ لأن فديك وهو ابن سيمان، ويقال: ابن أبي سليمان، من أتباع التابعين يروي عن التابعين كالأوزاعي، وعباد بن عباد، وغيرهم. ولم أجد لفديك سنة وفاة. "التاريخ الكبير" 7/ رقم الترجمة: 613. و"تهذيب التهذيب" 8/ 231. وقال == عنه ابن حجر: مقبول. "التقريب" ص 779. والحديث أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2667، بسنده عن خالد بن دُريك، عن رجل من أصحاب النبي -ﷺ- مع اختلاف في المتن بين الطريقين. وخالد بن دريك، ثقة لكنه يرسل. "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" ص 205. و"التقريب" ص 285. وأخرجه الثعلبي في تفسيره 8/ 93 ب، من طريق خالد بن دريك. وذكر البغوي في تفسيره 6/ 74، هذا الأثر، وحكم عليه بالثبوت، ولم يذكر إسناده، ولا من خرجه. ونسبه السيوطي، في "الدر المنثور" 6/ 238 لعبد بن حميد، وابن المنذر. وذِكر الواحدي -رحمه الله- لهذا الحديث للدلالة على إثبات ظاهر الآية، وهذا مسلك حسن. قال ابن عطية 11/ 11، بعد أن ذكر أن الآية محتملة للحقيقة والمجاز: إلا أنه ورد حديث يقتضي الحقيقة في هذا .. ثم ذكر هذا الحديث.]]. قال الكلبي والسدي ومقاتل: من مسيرة مائة عام [[في "تنوير المقباس" ص 301: خمسمائة عام. وكذا في "تفسير الهوّاري" 3/ 203. وذكره السمرقندي 2/ 455، ولم ينسبه. وقول مقاتل في "تفسيره" ص 43. وقول السدي أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2667. وذكره ابن كثير 6/ 96، وابن الجوزي 6/ 75. وذكر هذا القول عن الكلبي، والسدي: البغوي 6/ 74.]]. ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا﴾ التغيظ: الاغتياظ، يقال اغتاظ عليه، وتَغيَّظ عليه، بمعنى: أنكر عليه أمرًا، وغضب عليه، وغظته أغيظه غيظًا إذا حملته علي الغضب. ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ [الشعراء: 55] ويقال أيضًا: تغيظت الهاجرة إذا اشتد حَمْيُها [["تهذيب اللغة" 8/ 173 (غاظ)، ولم ينسبه.]]. قال الأخطل: لدُنْ غُدْوَةً حتى إذا ما تغَيَّظَتْ ... هواجِرُ من شعبانَ حامٍ أصيلُها [["ديوان الأخطل" ص 569، ورواية الديوان: تقيضت. ورواية الواحدي مطابقة لرواية الأزهري: تغيظت، "تهذيب اللغة" 8/ 173، (غاظ). يصف المطايا التي حملت معشوقته، والمشاق التي تلقتها المطايا بسبب الحر. "شرح ديوان الأخطل" 567.]] قال مقاتل في هذه الآية: ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ من شدة غيظها عليهم [["تفسير مقاتل" ص 43.]] (تغيظا) وفي سماع الغيظ قولان؛ أحدهما: أن هذا من باب حذف المضاف، أي: صوت تغيظ، وغليان تغيظ، كالغضبان إذا غلا صدره من الغضب، وهذا قول أبي إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 59. ونقله الثعلبي 8/ 93 أ. واقتصر عليه الواحدي في تفسيريه، "الوسيط" 3/ 335، و"الوجيز" 2/ 775. قال ابن عطية 11/ 11: وذلك أن التغيظ لا يُسمع، وإنما المسموع أصوات دالة على التغيظ، وهي ولا شك احتدامات في النار كالذي يُسمع في نار الدنيا. قال الراغب 368: الغيظ: أشد الغضب .. ، والتغيظ: إظهار الغيظ، وقد يكون ذلك مع صوت مسموع، كما قال تعالى: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾.]]. ويجوز أن يكون التغيظ بمعنى: الغضب، كقوله تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك: 8] ويجوز أن يكون بمعنى: الحمي والحرارة، كما ذكرنا في قول الأخطل. القول الثاني: أن المعنى: رأوا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرًا، كما قال: متقلدًا سيفًا ورمحًا [[شطر بيت لعبد الله بن الزبعرى، ديوانه 32، وصدره كما في الديوان: يا ليت زوجك قد غدا وأنشده المبرد 1/ 432، والثعلبي في تفسيره 2/ 93 أ، ثم قال: أي: وحاملاً رمحًا. والفراء 1/ 121، والبغوي 6/ 75، والقرطبي 13/ 8. والبيت في "تهذيب اللغة" 4/ 352 (مسح)، و"اللسان" 2/ 593، وهو في "الخصائص" 2/ 431. و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 68. و"البحر المحيط" 6/ 445. كلها غير منسوب.]] وقد تقدم لهذا نظائر [[ذكر الواحدي هذه المسألة في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ == [المائدة: 6]؛ حيث قال: وقال جماعة من أهل المعاني: إن الأرجل معطوفة علي الرؤوس في الظاهر، والمراد فيها الغسل، وقد ينسق بالشيء على غيره والحكم فيهما مختلف كما قال الشاعر: ياليت بعلك قد غدا ... متقلداً سيفاً ورمحاً المعنى: وحاملاً رمحاً.]]، وهذا قول قطرب. والزفير: آخر نهيق الحمار [["تفسير مقاتل" ص 43. وعكسه الفراء؛ فقال: الزفير: أول نهيق الحمار، وشبهه، والشهيق من آخره. "معاني القرآن" 2/ 28. وذكره الأزهري، ولم يتعقبه، "تهذيب اللغة" 13/ 193 (زفر)، وصححه في 5/ 390 (شهق) وجمع بينهما ابن عطية 11/ 11، فقال الزفير: صوت ممدود كصوت الحمار المرجِّع في نهيقه.]]. وقد مر الكلام في تفسيره [[قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود: 106]: قال الليث: الزفر والزفير: أن يملأ الإنسان صدره غماً ثم يزفر به، فالزفير: إخراج النفس، والشهيق: رد النفس .. وهو قول جميع أهل اللغة. قال أبو إسحاق: هما من أصوات المكروبين المحزونين، وحكى عن أهل اللغة جميعاً أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار بالنهيق والشهيق بمنزلة آخر صوته، ونحو هذا قال المفسرون.]]. وقال المبرد: الزفير: الصوت يسمع من جوف المتغيظ، يقال: ست لفلان زفيرًا عليك [[الزفر، والزفير: أن يملأ الرجل صدره غماً ثم يزفر به. والشهيق: مد النفس، ثم يزفر، أي: يرمي به ويخرجه من صدره. كتاب "العين" 7/ 360 (زفر) ونقله عنه الأزهري، "تهذيب اللغة" 13/ 193 (زفر) وبحثت عن قول المبرد في: "المقتضب"، و"الكامل"، فلم أجده.]]. وهذا شائع في الكلام. قال عبيد بن عمير في هذه الآية: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى نبي ولا ملَك إلا خر ترعد فرائصه [[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 56. وابن جرير 18/ 187، وابن أبي حاتم 8/ 2667، وابن كثير 6/ 97، قولهم من طريق عبد الرزاق، وفيها زيادة: حتى إن إبراهم ليجثو على ركبتيه، فيقول: يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي. وهذا الأثر == من المغيبات مما لا مجال للعقل فيه، ولم يصرح فيه عبيد بن عمير بالرفع فيُتوقف فيه؛ لاحتمال أخذه عن بني إسرائيل. والله أعلم. وذكره السمرقندي في تفسيره 2/ 455، وصدَّره بقوله: وروي في الخبر أن جهنّم ..]]. وقال الكلبي: سمعوا تغيظًا كتغيظ بني آدم، وصوتًا كصوت الحمار [[في نسخة: (أ)، (ب): (ونهيق)، بدل: (كصوت الحمار)، وقول الكلبي في "تنوير المقباس" ص 301. و"تفسير السمرقندي" 2/ 455، ولم ينسبه. ونسبه له: القرطبي 13/ 8.]]. [وقال ابن قتيبة: قال قوم: بل يسمعون فيها تغيظ المعذبين، وزفيرهم واعتبروا ذلك بقوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود 106]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ب).]] قال: والتفسير الأول أشبه بما أريد إن شاء الله؛ لأنه قال: ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ ولم يقل: سمعوا فيها، ولا منها [["غريب القرآن" لابن قتيبة ص 210.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب