الباحث القرآني

فأما قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ أي بالزنا ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ﴾ يشهدون على صحة ما قالوا ﴿إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ وتقرأ (أربع شهادات) بالنصب [[قرأ حمزة والكسائي وحفص "أربع" رفعًا، وقرأ الباقون بالنصب. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 452 - 453، "التسيير" للداني ص 162 و"الغاية" لابن مهران النيسابوري ص 218، و "النشر" لابن الجزري 2/ 330.]]. قال أبو إسحاق: من قرأ بالرفع فعلى خبر الابتداء، المعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع، والدليل على هذا قوله {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ}. ومن نصب أربعًا فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، [وعلى معنى: فالذي يدرأ عنهم [[في "معاني القرآن": عنها، وهو خطأ.]] العذاب أن يشهد أحدهم أربع شهادات] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]]. بالله. هذا كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 32 - 33.]]. وشرحه أبو علي -وزاد فيه- فقال: من نصب قوله (أربع شهادات) نصبه بالشهادة، وينبغي أن يكون قوله ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ مبنيًّا على ما يكون مبتدأ [[(مبتدأ) ساقط من (ع).]] تقديره: فالحكم أو فالفرض [[في (ع): (الفرض).]] أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فعليهم أن يشهدوا. وإن شئت حملته على المعنى؛ لأن المعنى: يشهد أحدهم، فقوله (باللهِ) يجوز أن يكون من صلة الشهادة ومن صلة الشهادات إذا نصبت الأربع، وقياس من أعمل الثاني. يعني حيث يجتمع فعلان لا في هذه الآية [[قوله: (يعني .. الآية) هذا من كلام الواحدي.]]. أن يكون قوله (باللهِ) من صلة شهادات وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت وضربني زيد. ومن رفع فإن الجار والمجرور من صلة شهادات، ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة لأنك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول ألا ترى أنَّ الخبر الذي هو أربع شهادات يفصل [[في (أ): (تفضيل).]]. وقوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في قول من نصب (أربع شهادات) يجوز أن يكون من صلة (شهادة أحدهم)، فتكون الجملة التي هي من ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في موضع نصب؛ لأن الشهادة كالعلم فتتعلق بها (إنَّ) كما تتعلق بالعلم، والجملة في موضع نصب بأنه مفعول به، و (أربع شهادات) تنتصب انتصاب المصدر. ومن رفع (أربع شهادات) لم يكن قوله [[في جميع النسخ: (كقوله)، والتصويب من الحجة.]] ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في موضع نصب إلَّا من صلة شهادات دون صلة شهادة؛ لأنك إن جعلته من صلة شهادة) فصلت بين الصلة والموصول [["الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 310 - 311. مع اختلاف يسير. وانظر: "الكشف" 2/ 134، و"مشكل إعراب القرآن" 2/ 509 كلاهما لمكي بن أبي طالب، "البيان" للأنباري 2/ 192، "الدر المصون" للسمين 8/ 385 - 386.]]. وأما تفسير قوله: ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النور: 8]: فروى عكرمة، عن ابن عباس: أن هلال بن أمية لما قذف زوجته بشريك بن السحماء أراد رسول الله -ﷺ- أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي، فقال: "أبشر يا هلال قد جعل الله لك فرجًا ومخرجًا". فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربي. فقال رسول الله -ﷺ-: "أرسلوا إليها" فأرسلوا إليها فجاءت، فتلاها رسول الله -ﷺ- عليهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا. فقال هلال [[(هلال) ساقطة من (أ).]]: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها: فقالت: كذب. فقال رسول الله -ﷺ-: "إنّ الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ " فقال هلال: صدقت [[(صدقت) ساقط من (أ).]]، وما قلت إلَّا حقًّا. فقال رسول الله -ﷺ-: "لاعنوا بينهما"، فقيل لهلال: اشهد. فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كان في الخامسة قيل لهلال [[(لهلال) ساقطة من (أ)، وفي (ع) له.]]: يا هلال، اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإنّ هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. فقال: والله لا يعذبني [[في (ع): (عذبني).]] عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله -ﷺ- فشهد الخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهادات إنه لمن الكاذبين. فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله. كما قيل لهلال، فتلكأت ساعة، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر [[(سائر) ساقطة من (ع).]] اليوم، فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرّق رسول الله -ﷺ- بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى هي ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد. [قال عكرمة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (ع).]]: فكان بعد ذلك أميرًا على مصر ولا يدعى لأب [[رواه الإمام أحمد في "مسنده" 4/ 6 - 9 طبعة شاكر، وأبو داود في "سننه" (كتاب: الطلاق - باب: في اللعان 6/ 344 - 347)، وأبو يعلى في "مسنده" 5/ 124 - 127، والطبري في "تفسيره" 18/ 82 - 83، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 15 أ - ب، 16 أ، والبيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 394 كلهم من طريق عبّاد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وقال الحافظ المنذري في كتابه "مختصر سنن أبي داود" 3/ 169: في إسناده عبَّاد ابن منصور، وقد تكلم فيه غير واحد، وكان قدريًا داعية. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/ 12 بعد ذكره الرواية أبي يعلى: ومداره على عبّاد بن منصور وهو ضعيف. == وذكره في موطن آخر من "الزوائد" مختصرًا 7/ 74 ثم قال: رواه أحمد وفيه عبّاد بن منصور وهو ضعيف، وقد وثق.]]. وأما من قال إن القاذف زوجته بالزنا هو عويمر بن أمية، قال: لما نزلت [[في (ظ)، (ع): (لما نزل).]] آيات [[في (ع): (آية).]] اللعان قال رسول الله -ﷺ- للزوج والمرأة: "قوما فاحلفا بالله"، فقام الزوج عند المنبر في صلاة العصر يوم الجمعة قال: أشهد بالله إن خولة لزانية، وإني لمن الصادقين، وقال في الثانية: أشهد بالله إني رأيت شريكًا على بطنها وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثالثة: أشهد بالله إنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة: أشهد بالله أني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنّي [[في (أ): (إنّي).]] لمن الصادقين، ثم قال في الخامسة: لعنة الله على عويمر إن كان من الكاذبين عليها في قوله. ثم قامت خولة مقام زوجها فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين، أشهد بالله أنه [[في (ع): (أن).]] ما رأى شريكًا على بطني وإنه لمن الكاذبين، أشهد الله إنّي حبلى منه وإنّه لمن الكاذبين، أشهد بالله أنه ما رآني على فاحشة قط وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت في الخامسة: غضب الله على خولة إن كان من الصادقين. ففرّق رسول الله -ﷺ- بينهما [[هذا نصُّ ما ذكره مقاتل في "تفسيره" 2/ 34 ب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب