وقوله: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ قال السدي [[رواه ابن أبي حاتم 7/ 56 ب - 57 أعنه به. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 212 وعزاه لابن أبي حاتم.]]، والكلبي، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 39 ب، 40 أ.]]: يأتي بالليل ويذهب بالنهار، ويأتي بالنهار ويذهب بالليل [[هذا أحد الوجوه في معنى تقليب الليل والنهار، وفيه وجوه أخرى ذكرها الماوردي وغيره منها:
أولاً: أن معنى ذلك ولوج أحدهما في الآخر، وأخذ أحدهما من الآخر.
ثانيًا: أنه يغيِّر النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى، ويغيّر الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة. وتغير أحوالهما في البرد والحر وغيرهما.
ثالثًا: أن تقلّبهما باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر.
قال الرازي: ولا يمتنع في مثل ذلك أن يريد تعالى معاني الكل، لأنَّه في الإنعام والاعتبار أولى وأقوى.
انظر الماوردي 4/ 114، الرازي 24/ 15، القرطبي 12/ 290 "البحر" لأبي حيان 6/ 465، ابن كثير 3/ 297.]].
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ التقلب [[هذا قول مقاتل في "تفسيره" 2/ 40 أ.
وقيل: إن في ذلك المذكور من تسبيح من في السموات والأرض والطير له سبحانه، وإنشاء السحاب، وإنزال الودق منه، والبرد من السماء، وتقليبه الليل والنهار ..
انظر: "الطبري" 187/ 155، الثعلبي 3/ 87 ب، "تفسير سورة النور" للشنقيطي ص 166.]] ﴿لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ لدلالة لأهل [[في (أ): (أهل).]] العقول والبصائر على قدرة الله -سبحانه وتعالى- وتوحيده [[(توحيده): ساقطة من (ظ)، (ع).]].
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ يعني كل [حيوان من] [[ساقط من (أ).]] مميز وغيره مما يشاهد في الدنيا [[هذا قول الزجاج في "معانيه" 4/ 50 مع اختلاف يسير.]]. ولا يدخل الجن والملائكة في هذا؛ لأنَّا لا نشاهدهم ولم يثبت أنهم خلقوا من ماء [[ذكر البغوي 6/ 55، والقرطبي 12/ 291 هذا القول من غير نسبة لأحد.
وقد روى مسلم في "صحيحه" كتاب: الزهد 4/ 2294 عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -ﷺ-: "خُلقت الملائكة من نور، وخلق الجانُّ من مَّارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".]]، يدل على صحة هذا أن المفسرين قالوا في هذه الآية: من نطفة [[روى ابن أبي حاتم 7/ 57 أهذا القول عن ابن زيد، وحكاه الماوردي 4/ 114 عن السدي. وعلى هذا القول اقتصر الطبري 18/ 155.
وحكى الماوردي 4/ 114، وابن الجوزي 6/ 53 في قوله: "من ماء" قولًا آخر: وهو أنه الماء المعروف، وهو أصل كل دابة.]].
وقوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد الحيّات [[ذكر الطبري 18/ 155 هذا القول ولم ينسبه لأحد.]].
وقال مقاتل: يعني الهوام [["تفسير مقاتل" 2/ 40 أ.]].
ويدخل في هذا الجنس الحيتان والديدان.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ كالإنسان والطير [[الطبري 18/ 155، الثعلبي 3/ 88 أ.]] ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ كالبهائم والأنعام [[الطبري 18/ 155، الثعلبي 3/ 88 أ.]].
قال أبو إسحاق: لما كان قوله: ﴿كُلَّ دَابَّةٍ﴾ لما يعقل ولما لا يعقل قيل: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي﴾. ولما خلط الجماعة وقيل [[في (ع): (قبل).]]: (منهم)؛ جعلت العبارة بـ (من) [[الباء زيادة من المعاني يستقيم بها المعنى.]] فقيل: ﴿مَنْ يَمْشِي﴾ [["معاني القرآن" للزجَّاج 4/ 50 مع تقديم وتأخير واختلاف يسير.]].
وهذا معنى ما ذكره الفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 257.]].
وقال المبرّد: قوله: ﴿كُلَّ دَابَّةٍ﴾ للناس وغيرهم، وإذا اختلط النوعان حُمل الكلام على الأغلب كما تقول: جاءني أخواك، وأنت تريد: أخاه وأخته وهذا الوجه المستقيم، وقد يخلط بينهما وهما في الحكم [[في (أ): (الحلم)، وهو خطأ.]] سواء ليس أحدهما أغلب من الآخر كما قال:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدًا سيفًا ورمحًا [[البيت في "الكامل" 1/ 196 منسوبًا لعبد الله بن الزِّبعرى. وهو من غير نسبة في: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 68، "معاني القرآن" للأخفش 2/ 466، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 84 وفيه: "بعلك"، "أمالي المرتضى" 1/ 54، "أمالي ابن الشجري" 3/ 721، "الخصائص" لابن جني 2/ 431، "اللسان" 3/ 367 (لد).]]
والرمح لا يتقلد، ولكنه لما كان محمولًا كالسيف سوى [[في (ع): (وسمَّى)، وهو خطأ.]] بينهما. ومنه قول الآخر:
شرَّاب ألبان وتمر [[في (أ): (وثمر)، وهو خطأ.]] وأقط [[أنشد المبرّد هذا البيت من الرَّجز في "الكامل" 1/ 334، 371، 2/ 275، و"المقتضب" 2/ 50 من غير نسبة لأحد.
وهو في "الإنصاف في مسائل الخلاف" لأبي البركات ابن الأنباري 2/ 613، و"لسان العرب" 2/ 287 (زجج).]] لأن الكل في باب الدخول في الحلق واحد [[انظر نحو هذا الكلام للمبرد في "المقتضب" 2/ 49 - 50، "الكامل" 1/ 334، 371، 2/ 275.]].
وقال أبو عبيدة في قوله ﴿يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾: لا يكون المشي إلاَّ لما له قوائم، فإذا خُلط ما لا قوائم له مع ماله قوائم جاز أن تقول: يمشي، كما تقول: أكلت خبزًا ولبنًا [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 68 مع اختلاف يسير.]].
وهذا ضد ما قال الزجاج في هذه الآية: كل سائر كان [[(كان): ساقطة من (ع).]] له رجلان أو أربع أو لم يكن له قوائم يقال له [[(له): ساقطة من (ظ)، (ع).]]: ماشٍ وقد مشى. ويقال لكل مستمر [[في (ظ): (مشمر) ومهملة في (ع).]]: ماشٍ، وإن لم يكن من الحيوان، حتى يقال: قد مشى هذا الأمر [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 50.]].
والصحيح هذا لا ما قاله أبو عبيدة.
وباقي الآية والذي بعدها ظاهر.
قال ابن عباس [[لم أجد من ذكره عن ابن عباس. وقد روى ابن أبي حاتم 7/ 57 ب، 58 أعنه أبي العالية وقتادة أنها في المنافقين.]]: ثم ذكر أهل النفاق وشكّهم في الله تعالى فقال:
{"ayah":"یُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ"}