الباحث القرآني

قوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ يعني عادًا قوم هود، [وأراد [[(وأراد): في هامش (أ) وعليها علامة التصحيح.]] بقوله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ع).]]: ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ هودًا. والباقي ظاهر إلى قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ الآية. قال الفراء: أعيدت (أَنَّكُمْ) مرتين ومعناهما واحد، إلا أن ذلك حسن لما فرق بينهما بإذا، وهي في قراءة عبد الله (أيعدكم إذا مُتم وكنتم ترابا وعظامًا أنكم مخرجون) [["معاني الفراء" للفراء 2/ 234 مع اختلاف يسير.]]. وقال أبو إسحاق: ﴿أَنَّكُمْ﴾ موضعها نصبٌ على معنى: أيعدكم بأنكم إذا متم. وموضع (أن) الثانية عند قوم كموضع الأولى، وإنما ذكرت توكيدًا. والمعنى على هذا القول: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم. فلما بعد ما بين (أن) الأولى والثانية بقوله (إذا متم وكنتم تربًا وعظامًا) أعيد ذكر (أن) كما قال -عز وجل-: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: 63] المعنى: فله نار جهنم [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 11.]]. قال أبو علي الفارسي: لا يخلو (أن) الثانية في قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ الآية، وفي [[في (ع): (في).]] قوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ﴾ الآية، وفي قوله: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [[قوله: [سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح] ساقط من (ع). وفي (أ): (بيان)، وفي (ظ) قوله: (سوءًا بجهالة). ثم سقط ما بعده وهو قوله (ثم تاب من بعده وأصلح). وفي الإغفال الآية كاملة.]] [الأنعام: 54] من أن يكون: بدلاً من الأول [[هكذا في (أ)، (ظ)، والإغفال. وفي (ع): (الأول. وقد غيرها محقق الإغفال إلى الأولى. وأشار إلى ذلك في الحاشية 2/ 1081.]]، أو يكون مكررًا [[هكذا في جميع النسخ وفي الإغفال أيضا، وقد غيرها محقق الإغفال إلى: تكون مكرره. وغير ما بعدها أيضًا. وأشار إلى ذلك في الحاشية 2/ 1081.]] للتأكيد وطول الكلام، أو يكون زائدًا غير معتد [[في (ظ)، (ع): (غير متعد)، وفي (أ): (غير متعديه)، وانظر: "الإغفال" 2/ 1081.]] به كما في قوله: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ [[النساء: 155، المائدة: 13.]]، أو يكون مرتفعًا بالظرف. فمذهب [[في (أ): (فذهب).]] سيبويه [["الكتاب" 3/ 132 - 133.]]: أن الثانية بدل من الأولى، ومذهب أبي العباس [[هو: المبرد وانظر قوله في "المقتضب" 2/ 356.]] وأبي عمر الجرمي أنه مكرر للتأكيد، ومذهب أبي الحسن [[هو: الأخفش.]] أنه مرتفع بالظرف [[ذكر الأخفش في "معاني القرآن" 1/ 289 في هذه الآية ﴿أَيَعِدُكُمْ﴾ أن الآخرة بدل من الأولى.]]، ولم يقل أحد أنه زائد غير معتد به [[في (ظ)، (ع): (غيرمتعد به).]]. قال سيبويه [["الكتاب" لسيبويه 3/ 132 - 133.]]: مما جاء مبدلًا قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ ...﴾ الآية، فكأنه [[في (ع): (وكأنه).]] قال: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم. وذلك أريد بها ولكنه إنما قدمت (أن) الأولى. ليعلم بعد أي شيء الإخراج. قال ت وزعم الخليل أن مفعل ذلك قوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾. قال أبو على: لا يجوز عندي [[(عندي): ساقطة من (ع).]] أن تكون (أن) الثانية في شيء من الآي بدلاً من الأولى، وذلك لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تبدل (أن) من (أن) [[من أن: ساقط من (ظ).]] وحدها من غير أن تتم بصلتها، وإما أن تبدل منها [[في (ظ): (منهما).]] بعد تمامها بصلتها. فلا يجوز أن تبدل منها من غير أن تتم بصلتها [[في "الإغفال" 2/ 1083، خ ل 112 أ: (من غير أن تتم كل واحدة بصلتها). وأشار محقق الإغفال إلى سقوطها من بعض النسخ.]]؛ لأنها قبل أن تتم بصلتها حرف؛ ولم [[في (ع): (ولا). وفي ساقطة من (ظ).]] نرهم أبدلوا الحرف من الحروف كما أبدلوا [[في جميع النسخ: أبدل. والتصويب من "الإغفال" 2/ 183، (خ) 121 أ.]] الاسم من الاسم والفعل من الفعل. ولا يجوز أن يكون مبدلًا منها في الآية بعد تمام الصلة؛ لأن صلة الأولى لم تتم، وإنما تتم اسمًا إذا استوفت صلتها تامة. وصلتها يكون اسمًا كان مبتدأ قبل دخولها عليه مع خبره، وقوله: ﴿إِذَا مِتُّمْ﴾ لا يكون خبرًا لاسم (أن) كما لا يجوز أن يكون خبرًا له قبل دخول (أن)، ألا ترى أنك لو قلت: أنتم [[في (ع): (أنكم).]] إذا متم، لم يجز؛ لأن الظرف من الزمان لا يكون خبرًا عن الجثث [[في (أ): (الجثث). وفي (ظ): (الجثب). والمثبت من (ع)، والإغفال.]]، فكذلك [[في (ظ)، (ع): (فلذلك).]] لا يجوز أن تكون (إذا) خبرًا لاسم (أن) من قوله: ﴿أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ﴾، وإذا لم يجز أن يكون خبرًا له فقد ثبت أن ﴿أَنَّكُمْ﴾ الأولى لم تستوف صلتها، وإذا لم تستوف صلتها لم يجز البدل منها؛ لأن الاسم المبدل منه حكمه أن يكون تامًا. وكذلك لا يجوز أن تكون الثانية بدلاً من الأولى في قوله: ﴿أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ﴾ لأن الشرط وحده دون الجزاء لا يكون خبرًا لاسم (أن)، كما لم يجز أن يكون خبرًا للمبتدأ [[في (ظ)، (ع): (لمبتدأ).]]. وأبو العباس يذهب إلى أن الثانية مكررة توكيدًا، ولست تريد بها إلا ما أردت بالأولى. قال [[القائل هو: أبو العباس المبرد.]]: وهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية [[انظر: "المقتضب" 3/ 356 - 357.]]. قال أبو علي: قول أبي العباس [[في (أ): (يقول أبو العباس)، وهو خطأ.]] لا يجوز عندي أيضًا، لأنه لا يخلو من أن يقع التكرير للتأكيد في (أن) وحدها دون صلتها أو مع صلتها. فلا يجوز التكرير [[في (أ): (التكرار)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في "الإغفال".]] فيها وحدها، كما لا تكرر سائر الموصولات دون صلاتها، ولو كررت اسمًا موصولاً نحو: ضربت الذي في الدار [الذي في الدار] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ع).]]، لم تكرره إلا مستوفيًا لصلته [فلا يجوز أن يكون (أن) أيضًا مكررًا مفردًا من صلتها غير مستوفية لها] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ع).]]. فلا يجوز في شىِء من الآي الثلاث التكرير؛ لأن الأولى لم تستوف صلتها في واحدة منها. فقد بان الدخل في هذا القول أيضًا. وهو عندي أشبه من القول الأول. وإذا بان فساد القولين ثبت أنها مرتفعة بالظرف الظاهر الذي هو (إذا) كأنه [[في (أ): (فكأنه)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في "الإغفال".]] في التقدير: أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم. كما تقول: وقت موتكم إخراجكم. فموضع (إذا متم) إلى قوله (مخرجون) رفع، لكون ذلك جملة ووقوعه [[في (ع): (وقوعه).]] كله خبرًا لـ (أن) الأولى. فأما موضع [[في (أ): (مواضع)، وهو خطأ.]] (إذا) فنصبٌ من حيث انتصب مثل: يومَ الجمعة القتالُ، واليومَ الإخراج. وحكم هذا أن تُضمر للمرفوع خبرًا [[في "الإغفال" أن يضمر له خبر. وقال المحقق: في (ش): (خبرًا).]] يكون إياه في المعنى، أو يكون له [[في الإغفال: أو يكون له خبر. وأشار المحقق إلى سقوط (خبر) من (ش).]] فيه ذكر؛ لأن يوم الجمعة ليس بالقتال ولا له فيه ذكر، وذلك الخبر المُضْمَر: كائن أو حادث أو يحدث، وما أشبه [[في (ع): (أو ما أشبه).]] ذلك. فإذا أضمر هذا لعلما: الذي لابد من إضماره عمل في الظرف. ولا يجوز أن يكون العامل في الظرف الإخراج نفسه من جهة أن الكلام لا يتم ولا يكون له خبر، فيحتاج إلى ما يصير خبرًا له ثم يحذف هذا [[في جميع النسخ: (وهذا)، والتصويب من "الإغفال" 2/ 1092.]] الخبر الذي ذكرت لك أنه لابد من إضماره [[في (أ، ع): (إضمار)، والمثبت من (ظ) و"الإغفال".]]، ويدل على حذفه هذا المنتصب. وكذلك (إذا) في الآية حكمه حكم قولك: غدًا الرحيل. كأن التقدير في الأصل: إذا متم إخراجكم كائن أو حادث أو يحدث، فـ (إذا) منتصب [[في (ظ)، (ع): (انتصب).]] بالخبر المقدر انتصاب غد [[في (ظ): (غدا).]]، وحذف الخبر كما حذف من غد، ثم قام (إذا) مقام الخبر المحذوف فصار فيه ضميره كما صار في سائر الظروف، ثم قام مقام الفعل فرفع [[في "الإغفال" 2/ 1095: فرفع أن.]] كما رفع قوله غدًا الرحيل. فـ (غدًا) و (إذا)، و (في الدار)، وما أشبه ذلك من الظروف كان أصله ما عرفتك من الانتصاب بالفعل الذي تقدم [[في "الإغفال" 2/ 1095: (الذي يقدر).]] أو ما يقوم مقامه، ثم يختزل فتقوم هي مقام المختزل، فتصير مواضعها لذلك [[في (أ): (بذلك)، والمثبت من باقي النسخ و"الإغفال" 2/ 1095.]] رفعًا نحو: زيد في الدار، ونحو: القتال إذا أتيت زيدًا، فيرفع [[في (ط)، (ع): (فرفع).]] الظاهر كما يرفع المضمر [[في "الإغفال" ص 1095 بعد قوله زيدًا: ثم تقدم فترفع الظاهر كما رفع المُضمر.]]، فإذا قدم الظرف [[في (ظ)، (ع): (فرفع).]] لم يكن له موضع من الإعراب، كما أنه ليس لقولك مبتدئًا: (قام زيد) موضع من الإعراب يخالف لفظه [كما أن لقولك عندك [[في (ع): (عندي)، والتصويب من "الإغفال".]] من قولك: زيد عندك موضع يخالف لفظه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ظ).]] وهو الرفع لوقوعه موضع خبر الابتداء، فكذلك [[في جميع النسخ: وكذلك، مقدمه .. له .. للفظه)، والمثبت من "الإغفال".]] حكم (إذا) في الآية، إلا أنه لما وقع موضع الخبر مع ما بعده قلنا إن الجملة بأسرها معها في موضع رفع، وأنها إذا كانت متقدمة [[نفسه.]] مرتفعًا بها الاسم لا موضع لها [[نفسه.]] من الإعراب مخالفًا للفظها [[نفسه.]] من حيث لم يكن لقولك [[في (ظ): (كقولك)، وهو خطأ.]]: في الدار، وعندك -من قولك: في الدار زيد، وعندك عمرو- موضع من الإعراب لقيامهما [[في (ظ): (لمقامها).]] مقام ما لا موضع له، فعلى هذا حكم هذه الظروف في قيامها [[في (أ): (مقامها)، والمثبت من (ظ)، (ع) هو الموافق لما في "الإغفال".]] مقام الفعل. وأبو العباس يقول- في هذه الآية: إن ارتفاعه بالظرف حسن جميل. هذا كله كلام أبي علي في كتاب [[في (أ): (وكتاب).]] الإصلاح [["الإغفال" لأبي علي الفارسىِ 2/ 1081 - 1097 مع تصرف واختصار.]]. وقال في كتاب "الحجة": من قدر [في] [[(في): زيادة من "الحجة" يستقيم بها المعنى.]] (أنَّ) الثانية البدل فإنه ينبغي أن يقدر محذوفًا ليتم بذلك الكلام فيصح البدل، إذ لا يبدل من الاسم إلا بعد تمام الكلام فيكون التقدير: أيعدكم أن إخراجكم إذا متم، فيكون خبرًا لـ (أنَّ) وهو اسم الزمان، والإخراج حدث واسم الزمان يصح أن يكون خبرًا عن الأحداث. وإذا لم يقدر هذا المحذوف لم يتم الكلام؛ لأن قوله: ﴿إِذَا مِتُّمْ﴾ لا يصح أن يكون خبرًا عن المخاطبين بقوله: ﴿أَنَّكُمْ﴾ لأنهم أعيان [[في (ع): (أعوان).]]، وأسماء الزمان لا يصح أن تكون خبرًا عن الأشخاص، وإذا [[في (ظ)، (ع): (فإذا).]] قدرت هذا التقدير صح أن يكون (أَنَّكُم) الثانية بدلاً من الأولى. ومن قدر في الثانية التكرير لم يحتج إلى تقدير محذوف [["الحجة" 2/ 61.]]. قال: فأما [[في (ظ). (وأما).]] قول أبي إسحاق ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ إن موضع (أنَّ) الأولى نصبٌ على معنى: أيعدكم بأنكم فإن [[في (أ): (قد).]] وعدت تتعدى إلى مفعولين، وتعديه إلى المفعول الثاني بغير حرف، ولا حاجة إلى تقدير الباء ألا ترى أن ما جاء في التنزيل من هذا بغير الباء فمن ذلك قوله: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ﴾ [الفتح: 20] ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ﴾ [طه: 80] وجانب مفعول ثان ولا يكون ظرفًا لاختصاصه ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142] و ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً﴾ [الفتح: 29] و ﴿إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: 114] فلم يتعد وعدت في كل هذا إلى المفعول الثاني بالباء، وكذلك ينبغي أن يكون المفعول الثاني في ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ لا تحتاج فيه إلى تقدير حرف الخفض [["الإغفال" للفارسي 2/ 1101 - 1103.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب