الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ قال أبو إسحاق: لما عبدوا من دون الله ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزل به حجة، أعلمهم الله الجواب فيما جعلوه له مثلاً، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ يعني الأصنام [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 438.]]. قال ابن عباس، والكلبي، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 28 ب.]]: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وهو يعني كفار مكة ﴿ضُرِبَ مَثَلٌ﴾ يعني ذكر شبه الصنم ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾. ثم أخبر عنه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يعني: تعبدون من دون الله من الأصنام، وكانت ثلاثمائة وستين صنمًا حول الكعبة ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾ لن يستطيعوا أن يخلقوا ذبابًا في صغره وقلته. وقال الأخفش في هذه الآية: إن قيل فأين [[في (ظ)، (د)، (ع): (أين).]] المثل الذي ذكره الله في قوله ﴿ضُرِبَ مَثَلٌ﴾؟ قلت: ليس هاهنا مثل؛ لأن المعنى أن الله تعالى قال: ضرب لي مثل، أي: شبه بي الأوثان، ثم قال: فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي في قولهم، إنهم لن يقدروا على خلق ذباب ولو اجتمعوا له، أي: فكيف تُضرب هذه الآلهة في ضعفها وعجزها مثلاً لله وهو رب كل شيء ليس له شبه ولا مثل [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 637 مع تصرف. وقول الأخفش هذا محل نظر، فإن == الظاهر المتبادر أن في الآية مثلا، والضارب للمثل هو الله -عز وجل- ضرب مثلا لما يعبد من دونه. انظر "البحر المحيط" لأبي حيان 6/ 390، والألوسي 17/ 200. وانظر: شرح الإمام ابن القيم لهذا المثل في كتابه "إعلام الموقعين" 1/ 181 فقد بين -رحمه الله- أنه حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قبله، ثم شرع في بيان المثل.]]. وتأويل الآية: جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي، فاستمعوا حالها وصفتها، ثم بين ذلك فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾. الآية. والذُّبَاب اسم واحد للذكر والأنثى، وجمعه القليل: أذِبَّة، والكثير: ذِبَّان مثل غُراب وأغْرِبَة وغِرْبان [[هذا كلام الطبري 17/ 203 والثعلبي 3/ 56 ب لكن ليس عندهما للذكر والأنثى. وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 451/ 14 (ذب)، "الصحاح" للجوهري 1/ 126 (ذبب)، "لسان العرب" 1/ 382 (ذبب).]]. قال الزجاجي [[في (أ): (الزجاج)، والأظهر ما في باقي النسخ لأن هذا الكلام ليس موجودًا في كتاب "معاني القرآن". والزجاجي هو: عبد الرحمن بن إسحاق، أبو القاسم الزجاجي، أحد أئمة العربية. لزم أبا إسحاق الزجاج -وإليه ينسب- حتى برع في النحو، وأخذ عن أبي بكر بن السراج وعلي بن سليمان الأخفش وغيرهما. صنف "الجمل في النحو" الكتاب المشهور -وبه يعرف- وغيره من المصنفات. توفي سنة 339 هـ وقيل 340 هـ. "طبقات النحويين واللغويين" ص 129، "نزهة الألباء" ص 306، "إنباه الرواة" 2/ 160، "سير أعلام النبلاء" 15/ 475، "بغية الوعاة" 2/ 77.]]: وسُمي هذا الطائر ذبابًا لكثرة حركته واضطرابه وسرعة انتقاله إلى الموضع الذي يُذَبّ عنه وينحى [[لم أجده.]]. وأصل (ذب ب) [[في (أ): (ذب).]] على هذا الترتيب موضوع [[في (أ): (موضع)، وهو ساقط من (ظ).]] في كلامهم لسرعته في [[(في): ساقطة من (أ).]] الحركة والانتقال والاضطراب والمجيء والذهاب، ومنه قولهم: ذبب الرجل وذبذب، إذا أخذ في السير وأسرع. وذباذبُ الهودج: ما تعلق منه فيتردد في الهواء. والذَّبْذَبُ: ذكر الرجل، سُمّي بذلك لتردده. الذبّ: الرجل الخفيف الحركة [[انظر (ذبب) في: "تهذيب اللغة" للأزهري 14/ 414، "الصحاح" للجوهري 1/ 126 - 127، "مقاييس اللغة" لابن فارس 2/ 348 - 349 (ذب)، "لسان العرب" 1/ 384 (ذبب).]]. قوله: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي: إن سلبهم الذباب شيئًا مما عليهم لا يقدرون أن يستردوا وينزعوا ذلك من الذباب. ومعنى الاستنقاذ والإنقاذ: التخليص [[انظر (نقذ) في "تهذيب اللغة" للأزهري 9/ 74، "الصحاح" للجوهري 2/ 572، "لسان العرب" 3/ 516.]]. وذكرنا ذلك عند قوله ﴿فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ [آل عمران: 103]. قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم الزعفران فيجف، ويأتي الذباب فيختلسه [[ذكره عنه البغوي 5/ 400، وابن الجوزي 5/ 452، والقرطبي 12/ 97.]]، فقال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا﴾ يريد من العطر ﴿لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ يريد الذباب. وقال السدي عن أصحابه: كانوا يجعلون للأصنام طعامًا فيقع عليه الذباب فيأكل، فلا يستطيع أن يستنقذه منه [[رواه ابن أبي حاتم عنه كما في "الدر المنثور" 6/ 75. وذكره عنه البغوي 5/ 400، وابن الجوزي 5/ 452، والقرطبي 12/ 97.]]. وقال مقاتل: أي فكيف [[في (أ): (كيف).]] يعبدون من لا يخلق ذبابًا، ولا يمتنع من الذباب [["تفسيرمقاتل" 2/ 28 ب.]]. وقال أبو إسحاق: أعلم الله أن الذين عُبدوا من دونه لا يقدرون على خلق واحد قليل ضعيف من خلقه ولا على استنقاذ تافه حقير منه [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 438.]]. قوله: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ قال ابن عباس: ﴿الطَّالِبُ﴾: الصنم، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾: الذباب. هذا قوله في رواية عطاء [[ذكره ابن الجوزي 5/ 452 عن عطاء، عن ابن عباس. ورواه الطبري 17/ 203 هذا القول عن ابن عباس من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 75 وعزاه لابن جرير وابن المنذر.]]. وهو قول الكلبي، وابن زيد [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 56 ب.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 28 ب.]]، قالوا: ﴿الطَّالِبُ﴾ هو [[(هو): ساقطة من (ظ).]] الصنم الذي سلبه الذباب ولم يمتنع منه، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ هو الذباب. وعلى هذا معنى الآية: ضعف ﴿الطَّالِبُ﴾ الذي هو الصنم فلم يطلب ما سلب منه، وضعف المطلوب منه وهو الذباب السالب. وهذا القول اختيار الفراء، فقال: ﴿الطَّالِبُ﴾: الآلهة، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ الذباب، وفيه معنى المثل [["معاني القرآن" للفراء 2/ 230.]]. وروى عن ابن عباس: ﴿الطَّالِبُ﴾: الذباب، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾: الصنم [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 56 ب.]]. وذلك أن الذباب يطلب ما يسلب الصنم من طيب أو طعام والصنم المطلوب منه السلب. وقال الضحاك: يعني العابد والمعبود [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 56 أ.]]. وهذا معنى قول السدي: الطالب: الذي يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه، والصنم المطلوب إليه [[(إليه): ساقطة من (ظ).]] [[رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 6/ 75. قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين" 1/ 182 - بعد ذكره للأقوال المتقدمة في معنى الطالب والمطلوب-: والصحيح أن اللفظ يتناول الجميع فضعف العابد والمعبود والمُستلِب والمُستلَب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب