الباحث القرآني

﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [[في (أ)، (ظ)، (د): (وكأيّن)، وهو خطأ.]] أي: وكم من قرية. ومعنى وكم من قرية: عدد كثير [[هذا من كلام الزجاج. انظر: "معاني القرآن" 3/ 431.]]. يعني القرى المهلكة بظلم أهلها حين كذبوا نبيهم. وذكرنا الكلام في "كأين" في سورة آل عمران [[عند قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: 146].]]. وقوله [[(وقوله): ليست في (أ).]]: "أهلكتها" وقرئ "أهلكناها" [[قرأ أبو عمرو: "أهلكتها" بالتاء مضمومة من غير ألف على لفظ التوحيد، وقرأ الباقون: "أهلكناها" بالنّون بلفظ الجمع. انظر: "السبعة" ص 438، "التبصرة" ص 267، "التيسير" ص 157.]] والاختيار التاء؛ لقوله ﴿فَأَمْلَيْتُ﴾ ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ [[قال مكي في الكشف 2/ 121 - 122: وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على لفظ التوحيد الذي أتى بالتاء قبله وهو قوله: "فأمليت للكافرين ثم أخذتهم"، وحمله أيضًا على لفظ التوحيد بعده في قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: 48] فكان حيل الكلام على ما قبله وما بعده أحسن وأليق.]]. ومن قرأ بالنون ذهب إلى أمثاله مما ذكر بلفظ الجمع كقوله: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: 11] و ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ [الأعراف: 4] و ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾ [يونس: 13] [[هذا كلام أبي علي في "الحجة" 5/ 281 - 282 مع تصرف. == قال مكي في "الكشف" 2/ 122. وحجة من قرأ بلفظ الجمع أنه أفخم، وفيه معنى التعظيم، وبه جاء القرآن في مواضع. وانظر "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 480.]]. وقوله: ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ أي: أهلها ظالمون بالتكذيب والكفر ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ مضى تفسيره مستقصى في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [البقرة: 259].]]. وقوله: ﴿وَبِئْرٍ﴾ ذكر الفراء في كسره ثلاثة أوجه: أحدها: العطف على العروش [[قال أبو حبان 6/ 377: وجعل "وبئر معطلة وقصر مشيد" معطوفين على "عروشها" جهل بالفصاحة، وقال السمين الحلبي 8/ 287 عن هذا القول، وليس بشيء. وكذا قال الألوسي 17/ 166.]]. والثاني: الإتباع كقراءة من قرأ ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: 22] بالخفض. الثالث: العطف على ﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [[انظر كلام الفراء في "معاني القرآن" 2/ 228.]]. وهذا هو المختار [[وقال عنه السمين الحلبي 8/ 287، هذا هو الوجه. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 102، "البحر المحيط" 6/ 377.]]، والأولان خلفٌ [[أي خطأ. قال الجوهري: الخلف: الرديء من القول. يقال سكت ألفًا وتكلم خلفًا، أي: سكت عن ألف كلمة ثم تكلم بخطأ. الصحاح 4/ 1354 (خلف).]]؛ لأن المعنى وكم من بئر معطلة وقصر مشيد تركوها بعد إهلاكهم [[في (ط)، (د)، (ع): (هلاكهم).]]. قوله تعالى: ﴿مُعَطَّلَةٍ﴾ أي: متروكة من العمل والاستقاء. ومعنى التعطيل: الترك من العمل. قال الليث: وإذا [[في (أ): (فإذا)، وفي (د)، (ع): (إذا)، والمثبت من (ظ) وهو الموافق لما في "تهذيب اللغة".]] ترك الثغر بلا حام يحميه فقد عطل، وبئر معطلة: لا يستقى منها، ولا ينتفع بمائها [["تهذيب اللغة" للأزهري 2/ 166 (عطل) نقلا عن الليث. وفي "العين" 2/ 9 (عطل): وبئر معطلة: أي لا تورد ولا يستقى منها.]]. قال المبرد: والمعطل: المتروك على هيئته، وأصله مأخوذ من العطل، وهو: الجسم. وكأنها متروكة كما هي [[لم أجد من ذكره عنه.]]. قل ابن عباس: يريد: بئر لا يستقى منها [[روى الطبري 17/ 180 عن ابن عباس "وبئر معطلة" قال: التي قد تركت وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 61 وعزاه لابن جرير وابن المنذر.]]. قوله: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه بمعنى المشيَّد، وهو المطول [[في (أ): (المطلول)، وهو خطأ.]] المرفوع، وذكرنا ذلك في قوله: ﴿بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78]. وهو قول قتادة، والضحاك، ومقاتل [[ذكره الثعلبي 3/ 54 أعنهم جميعًا. وعن قتادة رواه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 40، والطبري 17/ 181 بلفظ: كان أهله شيدوه وحصنوه. وعن الضحاك رواه الطبري 17/ 181 بلفظ: طويل. وهو في "تفسير مقاتل" 2/ 26 ب.]]. والثاني: أنه المجصص يقال: شاده يشيده، إذا بناه بالشِّيد وهو الجص والنورة [[انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 11/ 394 (شاد)، "الصحاح" للجوهري 2/ 495 "شيد"، "لسان العرب" 3/ 244 (شيد). والنورة بالضم: الهناءُ، وهو من الحجر يُحرق ويسوّى منه الكلس. "لسان العرب" 5/ 244 "نور"، "تاج العروس" للزبيدي 14/ 306 "نور".]] وأنشد أبو عبيدة [[في (د)، (ع): (أبو عبيد)، والصواب ما في (أ)، (ظ).]] لعدي بن زيد: شماده مرمرًا وجلله كِلْسًا ... فللطير في ذراه وكور [[البيت أنشده أبو عبيدة لعدي بن زيد في كتابه "مجاز القرآن" 2/ 53. وهو في ديوان عدي بن زيد ص 88، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص 13، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 294، "الكامل" 1/ 90، والطبري 17/ 182، "الجمهرة" لابن دريد 3/ 45 "كلس"، "لسان العرب" 6/ 197 "كلس". والرواية عندهم "جلله" إلا الديوان والجمهرة فإن الرواية فيهما: "خلله"، ثم قال ابن دريد بعد روايته للبيت: هكذا رواه الأصمعي بالخاء معجمة، وقال: ليس جلله -بالجيم- بشيء -وروى غيره بالجيم- وقال الأصمعي: إنَّما هو "خلله" أي: صير الكلس في خلل الحجارة، وكان يضحك من هذا ويقول: متى رأوا حصنًا مصهرجًا. المرمر: الرخام. "الصحاح" للجوهري 2/ 814 (مرر). و"الكلس" -بالكسر-: ما طلبي به حائط أو باطن قصر شبه الجص من غير آجر، وقيل هو الصاروج -يعني النورة وأخلاطها التي تطلى بها النزل، فارسي معرب- أو مثل الصاروج. انظر: "لسان العرب" 6/ 197 (كلس)، 2/ 310 (صرج)، "تاج العروس" للزبيدي 16/ 448 (كلس). (ذراه): أعلاه. الصحاح للجوهري 6/ 2345 (ذرا). (كُور): جميع وكر، وهو العش. "لسان العرب" 5/ 252 "وكر".]] وقال أبو إسحاق: أصل الشيد: الجص والنورة، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مَشِيد [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 432. وقوله: "بفتح الميم وكسر الشين" هذا من كلام الواحدي.]] بفتح الميم وكسر الشين. وهذا قول عطاء، وعكرمة، وأبي صالح، والسّدي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأكثر المفسرين [[ذكره الثعلبي 3/ 54 أعن عطاء وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير. ورواه عن هؤلاء الأربعة الطبري 17/ 180 - 181. ورواه عن عطاء وعكرمة عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 39. ولم أجده من ذكره عن أبي صالح والسدي. قال ابن كثير 3/ 227 بعد ذكره للأقوال: والأقوال متقاربة، ولا منافاة بينهما، فإنه لم يحمل أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78]. وقال العلامة عبد الرحمن بن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن" 3/ 327 - 328: وكم من قصر تعب عليه أهله، فشيدوه ورفعوه وحصنوه وزخرفوه، فحين جاءهم الأمر لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليًا من أهله.]]. ومن المفسرين من يخصص البئر المذكورة في هذه الآية -وهو قول الضحاك، والسدي- قالا: كانت هذه البئر باليمن [[ذكره الثعلبي 54/ 3 أعن الضّحاك. وذكر فيها قصّة. وذكره القرطبي 12/ 75 عن الضحاك وغيره، وساق عنه قصّة طويلها في خبر هذه البتر وأصحابها. الله أعلم بصحة هذا الخبر.]]. وليس بالوجه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب