الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾. قال ابن عباس: قضى الله تعالى أن من أطاع إبليس أضله ولم يرشده وصيره إلى عذاب السعير [[ورد نحوه باختصار عن مجاهد وقتادة. انظر الطبري 17/ 116، "الدر المنثور" 6/ 8.]]. والكناية في قوله ﴿عَلَيْهِ﴾ [[(عليه): ساقطة من (ظ).]] عائدة على [[في (ظ): (إلى).]] الشيطان، وكذلك في قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ﴾ [[(فأنّه): ساقطة من (ظ).]] [[وقيل الكناية في "عليه"، "أنّه"، تعود على "من" الأولى، أي المجادل. واستظهره أبو حيّان. وقيل الضميران في "عليه"، "أنه" عائدان على "من" الأولى. والضمير في "فأنّه" ضمير الشأن. وقال ابن عطية -بعد أن ذكر أن الضمير في "عليه" عائد على الشيطان ثم ذى احتمالاً أنه يعود على المتولي-: والذي يظهر لي أن الضمير في "أنّه" الأولى للشيطان، وفي الثانية لـ"من" الذي هو المتولي. "المحرر" لابن عطية 10/ 27، "البحر المحيط" 6/ 351، "الدر المصون" 8/ 229 - 230.]]. وهذه الآية دليل على أنَّ [[(أن): ساقطة من (أ).]] الله قد كتب في الأزل وقضى على الشيطان إضلال من تولاه، وأنَّ ذلك من الله تعالى حكم [[(حكم): ساقطة من (ظ).]] لا نكير [[في (ع): (لا يكبر)، وهو خطأ.]] عليه فيه. وفيه تكذيب للقدرية في امتناعهم عن إضافة القدر إلى الله تعالى في الضلال والكفر، وعندهم أن شيئًا من اللطف لم يبق إلا وقد فعله الله بعباده فلم يؤمنوا، ولو منع شيئًا من اللطف خرج عن الإلهية، فإلاههم بزعمهم في صورة عاجز على الحقيقة لا يقدر أن يفعل ما يصير الناس به [[في (ظ)، (د)، (ع): زيادة (إليه) بعد قوله الناس.]] مؤمنين وهم أبدا يقولون [[في (أ): (يقول)، وهو خطأ.]]: إضلاله إياهم وقضاؤه عليهم بالكفر سفه. فيقال [[في (ظ): (فقال)، وهو خطأ.]] ففي خلقه إيّاهم مع علمه بما سيكون منهم مثل ذلك السفه فلم خلقهم وهو يعلم أنهم لا يتعاطون سوى الكفر؟ وفي خلق القدرة لهم حتى يكفروا بها!. فبان بهذا أن الدين كله في الاستسلام للقدرة وتفويض الأمر إلى المشيئة من غير تحكم، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال [[في (ظ): (يزعمون).]] أبو إسحاق: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنَّه) في] [[في (أ): (وقال).]] موضع أرفع (فأنَّه] [[بين المعقوفين كشط من (ظ).]] يضله) عطف عليه، والفاء الأجود فيها أن تكون [في معنى الجزاء، وجائز كسر إنَّ مع الفاء وتكون [[في المعاني: ويكون.]] جزاءً] [[بين المعقوفين كشط في (ظ).]] لا غير. والتأويل: كتب على الشيطان [إضلال متوليه [[في (أ): (متوالية)، وهو خطأ.]] وهدايتهم إلى عذاب السعير. وحقيقة "أن"] [[ما بين المعقوفين كشط في (ظ).]] الثانية أنها مكررة على جهة التوكيد؛ لأن المعنى: كتب عليه أنه من تولاه أضله. انتهى كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 411.]]. قال أبو علي: إعراب هذه الآية مشكل، وأنا أشرحه -إن شاء الله- وأبيّن موضع السَّهو فيه. قوله ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنه) في موضع رفع وهي توصل من الجمل [[في "الإغفال" ص 1031: وهي ما توصل بالجمل.]] بالابتداء والخبر. وخبر الابتداء معلومٌ وجوهه. وقوله ﴿مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ لا تخلو "مَن" مِن أن تكون [[في "الإغفال" ص 1031: فلا يخلو "من" فيه من أن تكون ...]] بمنزلة "الذي" وتكون بمعنى الجزاء. [فإن كان بمعنى الجزاء] [[ساقط من (ظ)، (د)، (ع) وليس موجودًا في الإغفال.]] فالفاء في "فأنَّه" إنّما هو جواب الجزاء، ولا تكون العاطفة [لأنَّها إذا كانت جوابًا للجزاء لم يجز أن تكون العاطفة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).]] كما أنها إذا كانت داخلة على خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ موصولاً، وكانت جملته بمعنى الجزاء لم تكن العاطفة نحو قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: 274] فـ"من" على هذا الوجه في موضع رفع، و ﴿تَوَلَّاهُ﴾ في موضع جزم لكونه شرطًا، والفاء وما بعدها في موضع جزم لوقوعه موقع جزاء الشرط، و"أن" من قوله "فأنه يضله" موضعه رفع بإضمار مبتدأ بين الفاء و"إنّ"، لترتفع "أنَّ" على أنَّه [[(أنه): ساقطة من (ظ).]] خبرُ مبتدأ [[في (أ): (لمبتدأ).]] محذوف تقديره: فشأنه أنَّه يُضلّه، أو أمره، أو نحو ذلك مما يصلح أن يكون مبتدأ لهذا الخبر، إذ كانت "أنَّ" لا تكون مبتدأة وإنَّما تكون مبنية على شيء، ومثل هذا قوله ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: 63] فارتفاع "أنَّ" بما ارتفع به "أنّ" في قوله ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ وقوله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] ﴿مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ في موضع رفع لوقوع جميع ذلك خبرًا لـ"أنّ". كما أنَّ ﴿مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ إلى قوله ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾ [[فيها: ساقطة من (أ).]] في موضع رفع لوقوعها خبرًا لـ"أنَّ"، فالفاء في "فإنه" ليست بعاطفة في [[في "الإغفال" ص 1035: على.]] هذا الوجه. وإن كان "من" من قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ بمعنى "الذي" [[هذا هو شرح الاحتمال الثاني في معنى "من" من قول "من تولاه" الذي ذكره أبو علي في أول كلامه بقوله: وقوله "من تولاه" لا تخلو "من" من أن تكون بمنزلة الذي أو تكون بمعنى الجزاء.]] فالتقدير: كتب على الشيطان أن الشيطان الذي تولاه. فاسم "أنَّ" الهاء التي هي ضمير الشيطان و"من" اسم مبتدأ وخبره ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ فالقول في ارتفاع "أنَّ" من قوله "فأنه" على هذا الوجه كالقول في الوجه الأول وما يقدر فيه من الإضمار الذي يكون "أنَّ" مبنيًّا عليه، وتقديره: الذي تولاه ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] فله إضلاله [أو"فشأنه إضلاله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).]] وهدايته إياه إلى عذاب السعير. فالفاء في هذا الوجه أيضًا داخلة لمعنى الجزاء، ولا يجوز أن تكون العاطفة. ألا ترى أنك لا تقول: زيد فمنطلق. فتعطف الخبر على مبتدأه، وإنّما دخلت هنا لما في الصلة من معنى الجزاء كقوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: 274]، وقوله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]. ومثله في التنزيل كثير. فإذا لم يخل من الوجهين اللذين ذكرنا، وكانت الفاء في كلا الوجهين متعلقة بها لا على جهة العطف لما بينا ثبت أنَّ قول أبي إسحاق: أنّ [[أنّ: ساقطة من (ظ).]] "فأنه" عطف على "أنَّ" خطأ؛ إذ كانت الفاء لا تخلو: إما أن تكون مع ما بعدها في موضع جزم لوقوعه جزاء للشرط، واما أن تكون مع ما بعدها في موضع رفع لوقوعها خبرًا لمبتدأ واقع مع خبره موقع خبر "أنَّ" من قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾. وإذا بطل أن تكون الفاء للعطف بطل قول أبي إسحاق في "أنَّ" من قوله "فأنّه يضله" موضعها رفع أيضًا أن يكون مرفوعًا من الجهة التي ذكر وهو خطأ [[في (أ): (التي ذكره)، هو خطأ.]] ثانٍ [[في (أ): (فإن)، وهو خطأ.]] لزمه لجعله الفاء عاطفة و"أن" من قوله "فأنّه يضله" لا يجوز أن تكون معطوفة على الأولى [[في (ظ)، (د)، (ع): (الأول)، والمثبت مش (أ). وهو الموافق لما في "الإغفال" ص 1040.]]؛ لأنه لا يخلو من أن يكون خبر مبتدأ، أو يكون جواب شرط، ومحال أن يعطف خبر المبتدأ على المبتدأ بحرف [[في (أ): (لحرف)، وهو خطأ.]] عطف أو يعطف جواب الشرط على شىء قبل الشرط [["الإغفال" لأبي علي الفارسي 2/ 1031 - 1040. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 86، "مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب 2/ 486، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري 2/ 168 - 169، "البحر المحيط" 6/ 351، "الدر المصون" 8/ 227 - 228.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب