الباحث القرآني
وقوله: ﴿حُنَفَاءَ﴾ قال ابن عباس: يريد موحدين. وهذا كقول من قال: مسلمين مستقيمين على الدين [[ذكر الماوردي في "النكت" 4/ 23 عن الضحاك قال: مسلمين لله.]]. والحنيف: المائل عن الأديان كلهاه إلى دين الإسلام [[انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 5/ 110 (حنف).]].
وهذا القول اختيار الزجاج؛ لأنه قال: تأويله: مسلمين لا يميلون إلى دين غير [[دين: زيادة من (أ).]] الإسلام [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 425.]].
وقال مجاهد: ﴿حُنَفَاءَ﴾ [[في (أ): (حنيفًا)، وهو خطأ.]] متبعين [[رواه الطبري 3/ 107 (شاكر)، عند قوله: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [البقرة: 135].
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 46 وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]. والحنيفية عند مجاهد إتباع الحق. وقال السدي والحسن: حَجَّاجًا [[روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 396 - 397 عن ابن عباس في قوله (حنيفا) يقول: حاجا. ثم قال ابن أبي حاتم: وروى الحسن، والضحاك، وعطية، والسدي، نحو ذلك.
وروى الطبري في "تفسيره" 3/ 104، 106 عن كثير بن زياد قال: سألت الحسن عن الحنيفية قال: هو حج هذا البيت.
وروى الأزهري في "تهذيب اللغة" 5/ 110 بإسناده عن مرزوق قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (حنفاء لله غير مشركين به) قال: حجاجًا. وكذلك قال السدي قال. حنفاء: حجاحًا.]].
والحنيفية عند العرب: حج البيت [[انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 5/ 110 (حنف)، "لسان العرب" 9/ 57 (حنف).]]. وذكرنا الكلام في هذا عند قوله ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [البقرة: 135].
قوله: ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ قال الكلبي: غير مشركين بالله في التلبية، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يشركون في تلبيتهم بقولهم [[في (ظ): (يقولون).]]: إلا شريك هو لك.
وقال عبد الله بن القاسم [[هو: عبد الله بن القاسم، التيمي، البَصري، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه. رأى عمر، وروى عن جابر وابن عباس وغيرهما. وثقه ابن حبان، وقال ابن القطان: مجهول. وقال ابن حجر: مقبول.
"التاريخ الكبير" للبخاري 5/ 173، "الثقات" لابن حبان 5/ 46، "الكاشف" للذهبي 2/ 118، "تهذيب التهذيب" 5/ 359، "تقريب التهذيب" 1/ 441.]] مولى أبي بكر -رضي الله عنه-: كان الناس يحجون وهم مشركون، وكانوا يُسمون الحنفاء، لأن العرب تسمى الحاج: الحنيف، فلما أسلموا نزلت ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ [[رواه الطبري 3/ 106 (شاكر) بنحوه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 45 بنحوه وعزاه لابن أبي حاتم.]].
أي: كما أنهم كانوا حنفاء مشركين فأنتم حنفاء غير مشركين بالله.
ثم ضرب لمن أشرك مثلا، فقال: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ﴾ [أي سقط] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] ﴿مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾ يقال: خَطِفَ يَخْطَفُ، إذا أخذ بسرعة [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 425.]]. وخَطَفَ يَخْطِفُ أيضًا [[انظر: "تهذيب اللغة" الأزهري 7/ 241 - 243 (خطف).]]. وذكرنا الكلام فيه عند قوله ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة: 20].
وقرأ نافع (فتخطِّفه الطير) بالتشديد [["السبعة" ص 436، "التبصرة" ص 266، "التيسير" ص 157. وقرأ الباقون بإسكان الخاء وتخفيف الطاء.]]. وإنما هو فتتخطِفه فحذف تاء التّفعّل [[هكذا في (أ): وهو الموافق لما في "الحجة" للفارسي. وفي (ظ): (الفعل)، وفي (د)، (ع): (التفعيل).]]، وكلتا القراءتين حكايته حال تكون [[هذا كلام أبي علي الفارسي في "الحجة" 5/ 276.
وقال أبو منصور الأزهري في "علل القراءات" 2/ 424: من قرأ (فتخطفه) والأصل (فتختطفه) فأدغم التاء في الطاء، وألقيت حركة التاء على الخاء ففتحت. وبنحوه قال ابن خالويه في "إعراب القراءات السبع وعللها" 2/ 77.
وانظر أيضًا: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 476، "الكشف" لمكي بن أبي طالب 2/ 119.]]. قال ابن عباس: يريد تخطف لحمه.
وقوله: ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ﴾ أي: تسقطه. يقال: هوى إذا سقط من أعلى إلى أسفل [[انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 6/ 488 (هو ى).]]. وقد مر [[انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ [طه: 81].]].
قوله ﴿فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ قال ابن عباس وغيره: بعيد [[انظر الطبري 17/ 155، و"الدر المنثور" 6/ 46.]].
والسحق: البُعد. يقال: سحقًا له وبعدًا، وأسحقه الله سحقًا، وإنه لسحيق: بعيد [["تهذيب اللغة" للأزهري 4/ 24 (سحق) عن الليث مع اختلاف يسير. وانظر:
"العين" 3/ 37 (سحق).]]. والفعل منه [[في (أ): (به).]] سَحُقَ يَسْحَقَ [[قال الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" 3/ 244: والسحق -بالضم وبضمتين-: البعد، وقد سَحُق -ككرم وعلم- سُحقا بالضم.]].
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك به [[(به): ساقطة من (ظ).]] في بعده من الهدى وهلاكه [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 38، والطبري 17/ 155، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 46 وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم.]].
وذكر أهل المعاني قول قتادة، فقال الزجاج: هذا مثل ضربه الله للكافر في بُعده من الحق، فأعلم أن بُعد من أشرك به من الحق كبعد من خر من السماء، فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 425.]]. ونحو هذا قال ابن قتيبة [[انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 293.]].
وقال غيره: شبه حال المشرك [[في (أ)، (د)، (ع): (الشرك).]] بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع حيث تسقطه الريح، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه في المكان السحيق، كذلك الكافر لا يملك لنفسه شيئًا ولا دفع ضر يوم القيامة حتى يقع في النار، فهو هالك لا محالة [[ذكر الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 52 أنحو هذا المعنى باختصار، ونسبه إلى أهل المعاني. وذكره البغوي 5/ 384 إلى قوله: المكان السحيق. ولم ينسبه لأحد.]].
وقال أبو علي الفارسي: المعنى في هذا [[في (ظ): (هذه). وفي (ع): (ذلك).]] أنه قوبل به قوله ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ﴾ [البقرة: 256] فكما كان المؤمن في إيمانه متمسكًا بالعروة الوثقى] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (د)، (ع).]]، كان المشرك بعكس ذلك فلم يتمسك لكفره [[في (ظ): (مكفره). وفي (د)، (ع): (بكفره).]] وشركه بشيء يتعلق به، ولم يتمسك بما له فيه أمان من الخُرُور ونجاةٌ من الهُوي واختطاف الطير له، كالمؤمن المتمسك بإيمانه فصار كمن خر من السماء، فهوت به الريح، فلم يكن له في شيء من ذلك مُتعلق ولا معتصم فيكون له ثبات [["الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 276.]].
{"ayah":"حُنَفَاۤءَ لِلَّهِ غَیۡرَ مُشۡرِكِینَ بِهِۦۚ وَمَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّیۡرُ أَوۡ تَهۡوِی بِهِ ٱلرِّیحُ فِی مَكَانࣲ سَحِیقࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق