الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ﴾ يعني: الفرق الخمسة الكافرة والمؤمنين، وهم الذين ذكروا في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية. فالخصم: اسم للواحد وللجميع، فقدله هذان ﴿خَصْمَانِ﴾ كالفئتين، لذلك قال ﴿خَصْمَانِ﴾ لأنهما جمعان. قاله الزجاج [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 419.]]. وزاد الفراء: وليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كان صوابًا، ومثله: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: 9] يذهب إلى الجمع، ولو قيل: اقتتلتا لجاز [["معاني القرآن" للفراء 1/ 220.]]. وذكرنا معنى الاختصام عند قوله: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: 105]. وقوله: ﴿فِي رَبِّهِمْ﴾ أي: في دين ربهم. قال الكلبي: وذلك أن اليهود والنصارى قالوا نحن أولى بالله منكم يا معشر المسلمين؛ لأن نبينا قبل نبيكم وديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم. فقال المسلمون: بل نحن أولى وأحق بالله، آمنا بكتابنا ونبينا ونبيكم، وكفرتم أنتم بنبينا حسدًا. فكان هذا خصومتهم في ربهم [[روى الطبري 17/ 132 عن عاصم والكلبي أنهما قالا: أهل الشرك والإسلام حين اختصموا أيهم أفضل. وذكر الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 49 أعن الكلبي قال: هم المؤمنون والكافرون.]]. هذا قول مجاهد والحسن [[رواه الطبري 17/ 132 عن مجاهد والحسن قالا: هم المؤمنون والكافرون.]]، وابن عباس في رواية عطاء [[لم أجد من ذكره من رواية عطاء، لكن رواه الطبري 17/ 132 من رواية العوفي == بنحو ما ذكره الواحدي هنا عن الكلبي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 20 وعزاه لابن جرير وابن مردويه.]]، وأكثر المفسرين [[انظر: الطبري 17/ 132، " الكشف والبيان" 3/ 49 أ، و"الدر المنثور" 6/ 20.]]، واختيار الزجاج [[انظر: "معاني القرآن" 3/ 419 فقد ذكر نحو رواية الكلبي.]] والفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 219، فقد ذكره نحو رواية الكلبي.]]، وقالوا: الخصمان هم المؤمنون والكافرون. وروي عن أبي ذر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: نزلت هذه الآية في الذين بارزوا يوم بدر من الفريقين، وكان من المسلمين حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث [[هو: عبيدة بر الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، القرشي، المطلبي. أحد السابقين الأولين. أسلم قديما، وكان مع النبي -ﷺ- بمكة، ثم هاجر، وشهد بدرًا وبارز فيها وأصيب في المبارزة، فاحتمل وبه رمق، ثم توفي بالصفراء -قرية بين المدينة وينبع- في العشر الأخير من رمضان سنة اثنين من الهجرة رضي الله عنه. وكان ابن ثلاث وستين سنة. "طبقات ابن سعد" 3/ 50، "الاستيعاب" 3/ 1020، "أسد الغابة" 3/ 356، "سير أعلام البنلاء" 1/ 256، "الإصابة" 2/ 442.]]، ومن الكفار عتبة وابنه الوليد وشيبة ابنا ربيعة [[هو: شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، أحد زعماء قريش في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، وناصبه العداء، قتله حمزة رضي الله عنه يوم بدر بعد مبارزته. "السيرة النبوية" لابن هشام 2/ 356، "البداية والنهاية" 3/ 277، "الأعلام" للزركلي 3/ 181.]] وأقسم أبو ذر أن هذه الآية نزلت في هؤلاء الستة [[روى البخاري كتاب: التفسير -سورة الحج- باب: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ 8/ 443، ومسلم كتاب: التفسير، باب: في قوله تعالى ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ 4/ 2323 عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقسم قسمًا إن هذه == الآية ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ نزلت في حمزة وصاحبه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر. وروى البخاري كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل 7/ 297، والنسائي في "تفسيره" 2/ 85 عن علي رضي الله عنه قال: فينا نزلت هذه الآية ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾.]]. والظاهر هو الأول للإشارة بقوله ﴿هَذَانِ﴾ إلى الفئتين المذكورتين في قول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية [[واختاره الطبري 17/ 133. قال ابن كثير 3/ 212: وقول مجاهد وعطاء أن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها، وينتظم فيه قصة بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- والكافرون يريدون إطفاء نور إيمان وخذلان الحق وظهور الباطل، وهو اختيار ابن جرير وهن حسن، ولهذا قال "فالذين كفروا ... أهـ.]]. وروي عن عكرمة أنه قال: الخصمان هما الجنة والنار [[رواه الطبري 17/ 132 - 133.]]. وهذا ليس بالقوي ولا المرضي [[قال الألوسي في "روح المعاني" 17/ 134: وأما ما قيل من أن المراد بهذين الخصمين الجنة والنار فلا ينبغي أن يختلف في عدم قبوله خصمان أو ينتطح فيه كبشان.]]. ثم بيّن الله تعالى حال الفريقين فقال: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس: يعني أهل الخمسة الأديان [[ذكره القرطبي 12/ 26 بمعناه من غير نسبة.]]. ﴿قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ قال الأزهري: أي [[(أي): ساقط من (ظ) ، (د)، (ع).]]: خيطت وسويت وجعلت لبوسًا لهم [["تهذيب اللغة" للأزهري 1/ 188 (قطع).]]. قال ابن عباس: يريد حين صاروا إلى جهنم لبسوا المقطعات مقطعات النيران [[ذكره عنه بمعناه ابن الجوزي 5/ 417، وذكره البغوي 8/ 374 وصدره بقوله: وقال بعضهم. وذكره القرطبي 12/ 26 من غير نسبة.]]. قال شمر: المقطعات من الثياب كل ثوب يقطع ثم يخاط [[قول شمر في "تهذيب اللغة" للأزهري 1/ 188 - 189 (قطع).]]. وهذا القول هو الصحيح في تفسير المقطعات [[قال أبو حيان 6/ 36: والظاهر أن هذا المقطع من النار.]]. قال أبو إسحاق: وجاء في التفسير أن الثياب التي من (نار) [[في (أ): (من النار)، والمثبت من باقي النسخ وهو الموافق لما في المعاني.]] من نحاس قد أذيب [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 419.]]. وهذا الذي ذكره هو قول سعيد بن جبير [[رواه الطبري 17/ 133، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 21 وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب