الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ أكثر المفسرين على أن المعنى: على شك [[انظر الطبري 17/ 123، والدر المنثور 6/ 14.]].
وهو قول مجاهد [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 483 أ.
ورواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ل 155 ب، والطبري 17/ 123.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 14 وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.]] والسدي وقتادة [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 33، والطبري 17/ 123 عن قتادة، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 14 وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.]]، واختيار أبي إسحاق [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 414.]] وأبي زيد وابن الأعرابي.
روى ابن اليزيدي [[في (أ): (ابن الزيدي)، وهو خطأ.
وابن اليزيدي هو: إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة، أبو إسحاق بن أبي محمد العدوي مولاهم، المعروف بابن اليزيدي.
بصري سكن بغداد وسمع من أبيه وأبي زيد الأنصاري والأصمعي وغيرهم. وكان ذا قدر وعلم بالنحو واللغة والقراعة والأدب. له مصنفات كثيرة منها: "ما اتفق لفظه واختلف معناه" كبير جدًّا، و"مصادر القرآن" بلغ فيه إلى سورة الحديد. توفي سنة 225 هـ.
واليزيدي: نسبة إلى يزيد بن منصور الحميري خال المهدي، وكان أبوه يحيى بن المبارك مؤدبًا، لأولاده منقطعًا إليه، فنسب إليه.
انظر: "تاريخ بغداد" 6/ 209، "إنباه الرواة" 1/ 224 - 226، "اللباب" لابن الأثير 3/ 411، "غاية النهاية" 1/ 29، "طبقات المفسرين" للداود 1/ 25 - 27.]] عن أبي زيد: على حرف على شك [[ذكره الأزهرى في "تهذيب اللغة" 5/ 12 من رواية ابن اليزيدي، عن أبي زيد.]].
وقال ابن الأعرابي: [الحرف] [[زيادة من "تهذيب اللغة".]] الشك في قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أي شك [[ذكره عنه ابن جني في "سر صناعة الإعراب" 1/ 14.]]. ونحو هذا قال أحمد بن يحيى [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" 5/ 15 من رواية أبي العباس -وهو ثعلب: أحمد ابن يحيى- عن ابن الأعرابي.]].
وهذا الذي قالوا هو معنى "حرف" في هذه الآية لا تفسيره. وتفسير الحرف في اللغة: الطرف وهو منتهى الجسم، والحرف والطرف والجانب نظائر في اللغة.
والانحراف: الانعدال إلى الجانب وقلم محرف قد عدل بقطعة عن الاستواء والحرف منعدل إلى الجانب عن [[في (ع): (إلى)، وهو خطأ.]] الوسط [[انظر: "حرف" في "تهذيب اللغة" للأزهري 5/ 12، 14، "الصحاح" للجوهري 4/ 1132، "لسان العرب" 9/ 41 - 43.]].
وقال أبو الفتح الموصلي: أما الحرف فالقول فيه أن (ح ر ف) أينما وقعت في الكلام [[في (أ): (الكلاف)، وهو خطأ.]] يراد به حد الشيء وحدته، من ذلك حرف الشيء إنما هو حده وناحيته، وطعام حريف: يراد به [[به: ساقطة من (د)، (ع).]] حدته. ورجل محارف: أي محدود عن الكسب والخير، ومثله محرف كأنَّ الخير قد حرف عنه ما يحرف القلم [[العبارة في "سر صناعة الإعراب": ومثك مجرَّف ومجلَّف، كأنَّ الخير قد جُرِّف عن وجلف، كما يجلف القلم ونحوه.]].
وقولهم: انحرف فلان عني، من هذا، كأنّه جعل بيني وبينه حدًّا بالبعد والاعتزال. ومنه قولهم لهذه البقلة الحادة: الحُرْف [[الحُرْف: حبَّ الرشاد. "القاموس المحيط" 3/ 127.]]، سمي بذلك لحدته. هذا كلامه [["سر صناعة الإعراب" لابن جني 1/ 14، 15.]]
وعلى القول الأول أصل الحرف من الميل سمي الطرف حرفًا لميله عن [[في (أ)، (د): (على).]] الوسط، وعلى قول أبي الفتح أصله من الحدّة والطرف حرفٌ لحدته.
قال أبو إسحاق: وحقيقته أنه يعبد الله على حرف الطريقة في الدين، لا يدخل فيه دخول متمكن [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 414.]].
وقال أبو عبيدة -في قوله: ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ -: أي لا يدوم. قال: وتقول [[في (د)، (ع): (ويقولون).]]: إنَّما أنت على حرف [[هكذا في جميع النسخ و"سر صناعة الإعراب"، وفي مجاز القرآن: إنما أنت لي على حرف. بزيادة (لي).]]، أي لا أثق بك [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 46.]].
قال أبو الفتح: وهذا راجع إلى ما قدمناه لأن تأويله أنه قلق في دينه، على غير ثبات ولا طمأنينة ولا استحكام بصيرة، فكأنه معتمد [[في (د)، (ع): (متعمّد).]] على حرفٍ دينه غير واسط فيه، كالذي هو على حرف جبل ونحوه، يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه، فهو يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف، فقيل للشاك في دينه أنه يعبد الله على حرف؛ لأنه لو عبده على يقين وبصيرة لم يكن في حرف يسقط عنه بأدنى شيء يصيبه. وهذا المعنى ظاهر في قوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ الآية [["سر ساعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني 1/ 14.]].
وقال بعض أهل المعاني: إنما قيل للشاك في دينه: يعبد الله علي حرف؛ لضعفه واضطرابه في طريق العلم إذْ [[في (أ): (إذا).]] لم يتمكن في الدلائل المؤدية إلى الحق، فأدنى شبهة تعرض له ينقاد لها ولا يعمل في حلها.
وقال المبرد: والعرب تقول: فلان على حرف، إذا كان بين قوم يظهر الميل إلى أحدهم وفي نفسه من الآخرين شيء. ومعناه الشك وأصله من حرف الشيء، نحو: الحيل والدكان والحائط الذي القائم عليه غير مستقر.
هذا الذي ذكرناه كله يعود إلى معنى واحد.
وقال [[في (د)، (ع): (قال).]] ابن قتيبة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [[إلى هنا ينتهي المفقود من نسخة (ظ)، والموجود يبدأ من قوله: (يعبد الله).]] واحد [[هكذا في جميع النسخ، والأظهر حذفا فليس (واحد) عند ابن قتيبة.]] أي: على وجه واحد ومذهب واحد [["غريب القرآن" لابن قتيبة ص 290.]].
واختار الأزهري هذا القول فقال: كأنَّ الخير والخصب ناحية، والضر والشر والمكروه ناحية أخرى، فهما حرفان، وعلى العبد أن يعبد خالقه على الحالتين [[في (أ) زيادة بعد قوله (الحالتين): (فقد عبده عباده)، وهي زيادة ناشئة من انتقال نظر الناسخ إلى الكلام الذي بعده.
وليست في "تهذيب اللغة" للأزهري.]].
أعني السَّرّاء والضراء، ومن عبد الله على السرَّاء وحدها دون أن يعبده على الضراء فقد عبده على حرف، ومن عبده على الحالتين فقد عبده عبادة العبد المقر بأنَّ له خالقًا [[في (أ): (بأنه خالق)، وهو خطأ.]] يصرفه كيف يشاء، وهو في ذلك عادل غير ظالم له [["تهذيب اللغة" للأزهري 5/ 12 - 13 مع تصرف في العبادة.]].
فعلى هذا معنى قوله [[في (ظ): (فعلى هذا المعنى في قوله).]] ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ على وجه واحد، وهو إذا أصاب خيرًا عبده، وإن أصابه شر ترك عبادته، على ما ذكره الأزهري.
وقال الحسن: هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 48 أ، والبغوي 5/ 268 - 269، والقرطبي 12/ 18.]].
ويكون معنى ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ في هذا القول: على شك.
قوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ إن أصابه رخاء [[في (أ): (رجاء). وهو تصحيف.]] وعافية وخصب، وكَثُر ماله اطمأن على عبادة الله بذلك الخير الذي أصابه.
والكناية في ﴿بِهِ﴾ تعود إلى الخير.
﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ اختبار بجدب وقلة مال ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ قال أبو إسحاق: رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 414.]].
وقال المبرد: تأويله قلب وجهه عمَّا كان عليه من الدين والعبادة. ويجوز أن يكون المعنى انقلب على وجهه الذي توجه [[توجَّه: مهملة في (أ).]] منه، وهو الكفر.
ويكون معنى الوجه على هذا: طريقه الذي جاء منه [[في (ظ)، (د)، (ع): (منهما).]]، وهو الكفر.
قال الكلبي وغيره من المفسرين: نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله -ﷺ- المدينة. وكان أحدهم إذا صح جسمه، ونتجت [[نتجت: ولدت. لسان العرب 2/ 374 (نتج).]] فرسه مهرًا حسنًا، وولدت امرأته غلامًا، وكثر ماله، رضي واطمأن، وقال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرًا. وإن أصابه وجع في [[(في): ليست في (ظ)، (د)، (ع).]] المدينة، وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه [[في (ظ): (رماله).
ورماكه: جمع رمكه، والرمكة: الفرس والأنثى من البراذين. الصحاح للجوهري 4/ 1588 (رمك)، "لسان العرب" 10/ 434 (رمك).]]، وذهب ماله، وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان، فقال له [[(له): ساقطة من (أ)، (ع).]]: والله ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شرًا. فينقلب عن دينه. وذلك الفتنة [[ذكره بهذا اللفظ الثعلبي في الكشف والبيان 3/ 47 ب، 48 أمن غير نسبة لأحد. وذكره عن الكلبي الرازي في "تفسيره" 23/ 13.
وقد رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" 17/ 122 من رواية العوفي عن ابن عباس. وروى البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الحج، باب: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ 8/ 442 نحوه مختصرًا عن ابن عباس قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء. وروى ابن أبي حاتم، كما في "تفسير ابن كثير" 3/ 209 بإسناد حسن عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي -ﷺ- فيسلمون. فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا لصالحٌ فتمسكوا به. وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله على نبيه "ومن الناس .. " الآية.= وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 13 وقال: بسند صحيح، وعزاه لابن أبي حاتم، وابن مردويه.]].
وقوله تعالي: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ يعني هذا الشاك خسر دنياه حيث لم يظفر بما طلب من المال، وخسر آخرته بارتداده عن الدين ﴿ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ أي الضرر الظاهر. يعني ذلك الذي فعل من انقلابه على وجهه وذلك [[في (أ): (أو ذلك).]] الخسران الذي لحقه هو الخسران المبين. وخسر يدل على الخسران؛ لأنّ الفعل يدل على المصدر.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق