الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾. اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية: فذهب كثيرٌ منهم إلى أن المراد بالإنسان هاهنا: آدم. وقالوا: لما نفخ فيه الروح لم تبلغ رجليه حتى استعجل، وأهوى إلى عنقود من عنب الجنة ليأكل منه، وأراد الوثوب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان، وأورث أولاده العجلة. وهذا قول عكرمة [[ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 630 وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.]]، وسعيد بن جبير [[رواه الطبري: 17/ 26، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": 5/ 630 وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.]]، والسدي [[رواه الطبري 17/ 26.]]، والكلبي [[نسبه للكلبي: الماوردي في "النكت والعيون" 1/ 447.]]. وقال آخرون: معناه: خلق الإنسان من تعجيل في خلق الله إياه، وذلك أن الله تعالى خلق آدم في آخر النهار من يوم الجمعة قبل غروب الشمس، فأسرع في خلقه قبل مغيبها. وهذا مذهب مجاهد، قال؛ خلق الله آدم بعد كل شيء آخر النهار، فلما أحيا الروح رأسه [[في (د) ، (ع): زيادة (ووصلت إلى)، وما في (أ)، (ت). هو الموافق لما في تفسير الثعلبي.]] ولم تبلغ أسفله قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس [[تفسير الثعلبي 3/ 29 ب.= وقد رواه الطبري 17/ 26، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" وعزاه لابن شيبة وعبد بن حميد وابن جريج وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ في "العظمة".]]. وهذا القول اختيار قطرب قال: في قوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي: من سرعة الأمر في خلقه [[لم أجد هذا القول عن قطرب. وقد ذكر الشريف الرضي في "الأمالي" 1/ 416 عن قطرب أنه أجاب بأن في الكلام قلبا، وأن المعنى: خلق العجل من الإنسان.]]. وقال قتادة: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ قال: خلق عجولًا [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 24.]]. وهذا القول اختيار جميع أهل اللغة [[(اللغة): ساقطة من (أ)، (ت).]] والمعاني. والإنسان هاهنا اسم الجنس. قال الفراء: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجل [[عند الفراء: العجلة.]] وعلى العجلة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 203.]]. وقال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر الشيء: خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب [وخلقت من لعب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ت).]]، تريد المبالغة بوصفه باللعب، ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: 11] [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 392. مع تقديم وتأخير.]]. وقال المبرد: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي: من شأنه العجلة [[لم أجد من ذكره عنه.]]. وهذه ثلاثة أقوال عليها أهل التفسير والمعاني. وقال أبو عبيدة: تأويل الآية على القلب، أي: خلق العجل من الإنسان [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 38، ولفظه: مجازه مجاز: خلق العجل من الإنسان.]]. ولا وجه لحمله على القلب مع ماله على [[في (د)، (ع): (من).]] الاستواء من المعنى المفهوم [[وقد ردّ ذلك أيضًا الإمام الطبري، فقال في "تفسيره" 17/ 27: وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره. اهـ.]]. وقال نفطويه: قال بعض الناس: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي: من طين، وأنشد [[عجز هذا البيت في "تهذيب اللغة" للأزهري 1/ 469 "عجل"من إنشاد نفطويه، من غير نسبة لأحد. والبيت في "غريب القرآن وتفسيره" لليزيدي ص 255، من غير نسبة، وروايته فيه: النبع في الصخرة الصماء منبته ... والنخل منبته في السهل والعجل و"أمالي المرتضى" 1/ 469 وروايته: والنبع ينبت بين الصخر ضاحية ... والنخل ينبت بين الماء والعجل ثم قال المرتضى 1/ 470: وقد رواه ثعلب، عن ابن الأعرابي، وخالف في شيء من ألفاظه، فرواه: النبع في الصخرة الصماء منبته ... والنخل منبته في السهل والعجل و"اللسان" 11/ 428 "عجل" بمثل رواية ثعلب، عن ابن الأعرابي، وعجزه في "الكشاف" 2/ 573 ثم قال: والله أعلم بصحته. والنغ: شجر تتخذ منه الفسي، وهو من أشجار الجبال، الواحدة منه نبعه. "لسان العرب" 8/ 345 (نبع).]]: والنبع ينبت بين الصخر [[في جميع النسخ: (النخل)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا.]] ضاحية ... والنخل ينبت بين الماء والعجل قال: وليس عندي في هذا حكايته عمن يرجع إليه. [هذا كلامه] [[بياض في (ت).]] [[قول نفطويه في "تهذيب اللغة" للأزهري 1/ 369 (عجل) وفيه تسميته بابن عرفه.]]. والعجل بمعنى الطين قد حكي من [[في (د)، (ع): (في).]] كلام العرب. رواه أبو عمر، عن أبي العباس [[في (أ)، (ت): (ابن عباس)، وهو خطأ.]]، عن ابن الأعرابي [[ذكر هذه الرواية من هذا الطريق الأزهري في "تهذيب اللغة" 1/ 369 "عجل".]]. [وهو صحيح ولكنه لا يصح تفسير] [[ما بين المعقوفين بياض في (ت).]] هذه الآية به، ولا يليق بالمعنى المراد من الآية. وتأويل الآية: خلق الإنسان عجولًا، ولذلك [[في (أ)، (ت): (وكذلك)، وهو خطأ.]] يستعجل ربه بالعذاب. ومن قال معنى الآية: إن آدم خلق على عجلة - يقول: إنَّ ذلك أورثه وأولاده العجلة، فاستعجلوا [[في (أ)، (ت): (واستعجلوا).]] في كل شيء حتى العذاب. والآية نازلة في أهل مكة حين استعجلوا العذاب. قال ابن عباس -في رواية عطاء-: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ يريد: النَّضْر بن الحارث، وهو الذي قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ﴾ [الأنفال: 32] الآية [[ذكره ابن الجوزي 5/ 351، والرازي 22/ 171 من رواية عطاء عن ابن عباس. وذكره الزمخشري 2/ 573 منسوبًا إلى ابن عباس. وهذه الرواية عن ابن عباس باطلة كما تقدم، ولذا استظهر الزمخشري والرازي وأبو حيان وغيرهم أن المراد بالإنسان هنا: الجنس. قال الرازي 22/ 171: وهذا القول يعني القول بأن المراد بالإنسان الجنس - أولى؛ لأن الغرض ذم القوم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا == الإنسان على النوع. وقال أبو حيان 6/ 313: والذي ينبغي أن تحمل الآية عليه هو القول الأول؛ لأنه المناسب لآخرها.]]. وقوله تعالى: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ قال [[يعني ابن عباس.]]: يريد القتل ببدر [[ذكره ابن الجوزي 5/ 352 ونسبه إلى مقاتل. وذكر الرازي 22/ 172 ثلاثة أقوال في الآية: أحدها: أنها هي الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولذلك قال: "فلا تستعجلون" أي: أنها ستأتي لا محالة في وقتها. ثانيهما: أنها أدلة التوحيد وصدق الرسول. ثالثهما: أنها آثار القرون الماضية بالشام واليمن. ثم قال الرازي: والأول أقرب إلى النظم. وذكر أبو حيان في "البحر" 6/ 313 الأقوال التي ذكرها الرازي ثم قال: والأول أليق، أي: سيأتي ما يسوؤكم إذا متم على كفركم، كأنه يريد يوم بدر وغيره في الدنيا والآخرة. ا. هـ والأظهر أن المراد بالآيات ما توعدهم الله من العذاب في الدنيا كما قال تعالى ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: 50] ويدخل فيه ضمنا يوم بدر وغيره. والعذاب في الآخرة كما قال تعالى في ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: 54] وكما قال تعالى في هذه الآيات بعد ذلك ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ﴾ الآيات. وقوله ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾ [القمر: 46].]]. ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي أنه نازل بكم. قال ابن عباس: وهو تهديد ووعيد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب