الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ ذكرنا تفسير هذه القطعة عند قوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ في سورة النحل [آية: 15]. وتقدير قوله: ﴿أَنْ تَمِيدَ﴾ كتقدير قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: 176] وقوله: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ [البقرة: 282] وذكرنا الخلاف بين النحويين في هذه المسألة [[انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾. وقد اختلف النحويون في تقدير "أن تميد" ونحوها من الآيات فعند الكوفيين "إنْ" بمعنى لئلا، أو ألَّا، على تقدير: لئلا تميد، لئلا تضلوا. وقال البصريون: المحذوف هاهنا مضاف، على تقدير: مخافة أن تميد أو كراهة أن تميد، وكراهة أن تضلوا. ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إلى مقامه، قالوا: و"لا" حرف جاء لمعنى النفي فلا يجوز حذفه، وحذف المضاف أسوغ وأشيع من حذف "لا". انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 297، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 511، == 2/ 393، "الإملاء" للعكبري 1/ 205، 2/ 132، "البحر المحيط" 3/ 408 - 409، "مغني اللبيب" لابن هشام 1/ 46، "الجنى الداني في حروف المعاني" للمرادي ص 224 - 225.]]. وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ أي: في الرواسي. ﴿فِجَاجاً﴾ قال أبو عبيدة: يعني المسالك [["مجاز القرآن" 2/ 37.]]. وقال أبو إسحق: كل مخترق بين جبلين فهو فج [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 390.]]. وقال الليث: الفج: الطريق الواسع بين الجبلين [[قول الليث في "العين" 6/ 24 "فج" مع اختلاف في آخره [في قبل جبل ونحوه].]]. وقال أبو الهيثم: الفج: طريق في الجبل واسع، يقال: فَجٌّ وأفُجٌّ وفِجَاج [[قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 597 - 508 "فَجَّ".]]. والفج في كلام العرب: تفريجك بين الشيئين، يقال: فججت رجلي أفجهما [[في جميع النسخ: (أفجها)، والتصويب من "تهذيب اللغة".]] فجًّا، إذا وسعت بينهما. ومنه قيل للطريق بين جبلين: فج؛ لأنه كأنه فرج بين الجبلين. ويقال: افجج فلان افتجاجا، إذا سلك الفجاج [["تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 508 (فجَّ) منسوبًا إلى الأصمعي.]]. وذكر بعض أهل التفسير أن الكناية عن قوله: ﴿فِيهَا فِجَاجًا﴾ عائدة إلى الأرض [[نسبه الرازي في تفسيره 22/ 165 إلى الكلبي، وهو اختيار الطبري فقد قال في تفسيره 17/ 21: وإنما اخترنا القول الآخر، وجعلنا الهاء والألف من ذكر الأرض، لأنها إذا كانت من ذكرها دخل في ذلك السهل والجبل، وذلك أن ذلك == كله من الأرض، وقد جعل الله لخلقه من ذلك كله فجاجا سبلاً، ولا دلالة تدل على أنه عني بذلك فجاج بعض الأرض -التي جعلها لهم سبلا- دون بعض، فالعموم بها أولى. وقال ابن عطية في "المحرر" 10/ 144 عن هذا القول إنه أحسن. واستظهره أبو حيان في "البحر" 6/ 309. ويدل لهذا القول قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ [نوح: 19 - 20].]]. والأولى أن تعود إلى الجبال؛ لما ذكرنا أن الفج في اللغة: الطريق بين الجبلين، وابن عباس أيضًا قال في تفسير هذه الآية: وجعلنا من اجبال طرقًا؛ حتى يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار للتجارات وغيرها [[ذكره عن ابن عباس ابن الجوزي 5/ 349. وذكره القرطبي 11/ 285 مختصرًا. وذكر الرازي 22/ 164 أوله ثم قال: وهو قول مقاتل، والضحاك، ورواية عطاء عن ابن عباس. وقد روى الطبري 17/ 21 من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس وجعلنا فيها فجاجا سبلا" قال: بين الجبال. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 627 وعزاه للطبري وابن المنذر. وهي رواية ضعيفة؛ لأن ابن جريج لم يلق ابن عباس. قال الإمام أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت. فحسبك. "تهذيب التهذيب" 6/ 404.]]. وقوله تعالى: ﴿سُبُلًا﴾ تفسير للفجاج، وبيان له. وفائدته أن الفج في موضوع اللغة يجوز أنه لا [[(لا): ساقطة من (أ).]] يكون طريقاً نافذاً مسلوكاً، فلما ذكر الفجاج بين أنه جعلها سبلاً نافذة مسلوكة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب