الباحث القرآني

ثم ذكر الدلالة على توحيده وأنه لا يجوز أن يكون معه إله سواه فقال: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا﴾ أي: في السماء والأرض، وجرى ذكرهما قبل. ﴿آلِهَةٌ﴾ معبودين يستحقون العبادة. ﴿إلا اللهُ﴾ قال الزجاج: "إلا" صفة في معنى غير، ولذلك ارتفع ما بعدها على لفظ الذي قبلها، وأنشد [[البيت أنشده الزجاج في "معاني القرآن" 3/ 3878 من غير نسبة. وهو منسوب لعمرو بن معدي كرب في: "الكتاب" 2/ 334، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 131، "البيان التبيين" للجاحظ 1/ 228، الطبري 8/ 527. وهو في ديوان عمرو ص 187، ونسبه الآمدي في "المؤتلف والمختلف" ص 85 لحضرمي بن عامر الأسدي ضمن أبيات قالها. وهو من غير نسبة في: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 296، "تهذيب اللغة" للأزهري 15/ 424. قال الشنتمري في "تحصيل عين الذهب" 1/ 371: وهذا على مذهب الجاهلية، وكأنه قاله قبل الإسلام، ويحتمل أنه يريد في مدة الدنيا. اهـ. والفرقدان: نجمان قريبان من القطب يهتدي بهما. انظر الصحاح للجوهري 2/ 519 "فرقد"، "القاموس المحيط" 1/ 323.]]: وكلُّ أخٍ مُفارقُه أخوه ... لَعَمْرُ أبيكَ إلا الفَرْقَدانِ وقال: المعنى: وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 388. وهذا قول سيبويه والكسائي وغيرهما. انظر: "الكتاب" 2/ 313 - 332، "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 67.]]. وعلى هذا التقدير: آلهة غير الله، فغير الله صفة الآلهة على معني: آلهة هم غير الله كما يزعم المشركون [[وذهب الفراء إلى أن "إلا" هنا بمعنى سوى، وتقديره: لو كان فيهما آلهة سوى الله. انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 200، "إعراب القرآن" لابن الأنباري 2/ 159.]]. وقال الأخفش [[في "معاني القرآن" للأخفش 1/ 295: ... وقد يكون ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس: 99] رفعا، تجعل (إلا) وما بعده في موضع صفة بمنزلة: غير ... ومثلها ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ فقوله (إلا الله) صفة.]] في هذه الآية: إلا وما بعدها بمنزلة غير، تقول: لو كان فيهما أحد إلا أنت لم أبل [[قال سيبويه في "الكتاب" 4/ 405: وسألته -يعني الخليل- عن قولهم: لم أبل، فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف؛ لأنه لا يلتقي ساكنان.]] [أي غيرك، وكذلك لو أنه إلا أنت لم أبل إلا غيرك، ولو كان إلا أياك لم أبل] [[ساقط من (أ)، (ت).]] كأنك قلت كغيرك. قال أبو علي في "الإيضاح": تقول: جاءني القوم إلا زيدًا، فتنصب الاسم بعد إلا على الاستثناء، ويجوز أن ترفعه إذا جعلت إلا وما بعدها صفة فتقول: جاءني القوم إلا زيد، وعلى هذا قوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [["الإيضاح العضدي" لأبي علي الفارسي 1/ 229.]]. فظهر أن قوله: ﴿إلاَّ اللهُ﴾ ليس باستثناء إنما هو صفة للآلهة كما ذكرنا. وقوله تعالى: ﴿لَفَسَدَتَا﴾ أي: لخربنا وبطلتا وهلكتا، وهلك من فيهما لوجود التمانع بين الآلهة [[يشير الواحدي بهذا إلى الدليل المشهور عند المتكلمين الذي يسمونه دليل التمانع، وهو: أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته، فإما: أن يحصل مرادهما، أو مراد أحدهما، أولا يحصل مراد واحد منهما. والأول ممتنع؛ لأنه يستلزم الجمع ببن الضدين، والثالث ممتنع، ويستلزم أيضًا عجز كل واحد منهما والعاجز لا يكون إلها، وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجزًا لا يصلح للإلهية. انظر: "الإنصاف" للباقلاني ص 34، "الشامل في أصول الدين" للجويني ص 352، "غاية المراد" للآمدي ص 151 - 152، "منهاج السنة النبوية" لأبي العباس أحمد بن تيمية 3/ 304 - 305، "شرح الطحاوية" ص 78 - 79. لما كان كلام الواحدي هنا قد يفهم منه المقصود بهذه الآية دليل التمانع فإنه ينبغي الإشارة هنا إلى ما نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن جزي الكلبي وابن أبي العز الحنفي وغير واحد من أهل العلم وهو: أن طوائف من المتكلمين والمفسرين == يظنون أن دليل التمانع الذي تقدم ذكره هو الدليل المذكور في القرآن في قوله "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وليس الأمر كذلك، فإن هؤلاء -كما يقول ابن أبي العز- في "شرحه" للطحاوية ص 86 - 87: "غفلوا عن مضمون الآية، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره، ولم يقل أرباب، وأيضًا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا، وأيضًا فإنه قال: "لفسدتا" ولم يقل: لم يوجدا. ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة، بل لا يكون الإله إلا واحدًا، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى، وأن فساد السموات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة، ومن كون الإله الواحد غير الله، وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره، فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه، فإن قيامه إنما هو بالعدل وبه قامت السموات والأرض، وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك، وأعدل العدل التوحيد". اهـ. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 461: "هذه الآية ليس المقصود بها ما يقوله من يقوله من أهل الكلام من ذكر دليل التمانع على وحدانية الرب تعالى، فإن التمانع يمنع وجود المفعول لا يمنع وجوده بعد فساده". ويقول في كتابه "منهاج السنة النبوية" 3/ 334 - 335 بعد ذكره لدليل التمانع وبيان أنه دليل عقلي صحيح، ثم تنبيه على غلط من ظن أن هذا الدليل هو المقصود من قوله "لو كان فيهما آلهة إلا الله" يقول: والمقصود هنا أن من هذه الآية بيان امتناع الألوهية من جهة الفساد الناشئ من عبادة ما سوى الله تعالى؛ لأنه لا صلاح للخلق إلا بالمعبود المراد لذاته من جهة غاية أفعالهم ونهاية حركاتهم، وما سوى الله لا يصلح، فلو كان فيهما معبود غيره لفسدتا من هذه الجهة، فإنه سبحانه هو المعبود المحبوب لذاته، كما أنه هو الرب الخالق بمشيئته. وهذا معني قول النبي -صلي الله عليه وسلم -: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل ولهذا قال الله في فاتحة الكتاب: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وقدم اسم الله على اسم الرب في أولها حيث قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فالمعبود هو المقصود المطلوب المحبوب لذاته، وهو الغاية والمعين، وهو البارئ المبدع الخالق، ومنه ابتداء كل شيء، والغايات تحصل بالبدايات، والبدايات بطلب =]]، فلا يجرى أمر العالم على النظام، ويؤدي ذلك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلى هلاك العالم؛ لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لا يجري على النظام وهذا كقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾ [الإسراء: 42] الآية. والمعنى: على نفي أن يكون في الأرض أو في السماء آلهة فهم [[(فهم): ساقطة من (ت).]] غير الله وإذا بطل ذلك ثبت أنه لا إله غيره. ثم نزه نفسه عما يصفه به الكافرون من الشريك والولد بقوله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب