الباحث القرآني

فقال موسى: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ قال أبو إسحاق: (أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 359.]]. وعلى هذا يكون التقدير: علم أعمالها عند ربي ﴿فِي كِتَابٍ﴾ قال الكلبي: (اللوح المحفوظ) [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" 3/ 19 أ، "بحر العلوم" 2/ 345، "معالم التنزيل" 5/ 277، "المحرر الوجيز" 10/ 40، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 205.]]. والمعنى: أن أعمالهم مكتوبة مثبتة. ومعنى هذا الجواب أنهم يجازون بما عملوا، وأنت تجازى بما تعمل، كما قال في آية أخرى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]. وقوله تعالى: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ تأكيد وتحقيق للجزاء بالأعمال. قال: يريد لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه، ولا ينسى من وحده حتى يجازيه. وقال الكلبي: (لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم، حتى يوافيهم بأعمالهم بالحسن حسنًا وبالسيئ سيئًا) [[ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" 16/ 173، "معالم التنزيل" 5/ 277، "زاد المسير" 5/ 292، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 208.]]. قال الفراء: (يقال أضللت الشيء: إذا ضاع منك مثل: الدابة وما أشبهها إذا انفلت منك، وإذا أخطأت موضع الشيء الثابت مثل: الدار والمكان، قلت: ضللته ولا يقال أضللته) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 181.]]. وقال أبو إسحاق: (ضَلَلْتُ الشيء أَضِلُّه إذا جعلته في مكان لم تدر أين هو، وأَضْلَلْتُه أضعته) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 359.]]. وتقدير الآية: لا يضله ربي ولا ينساه، يعني به الكتاب، ويجوز لا يضلها ولا ينساها، يعني به القرون. هذا كلامهما، والمعنى على ما ذكر الفراء: لا يخطئ ربي كما ذكره الكلبي. وعلى ما ذكر أبو إسحاق معنى يضل: ينسى. وقد قال مجاهد: (يضل ربي ولا ينسى هما شيء واحد) [["جامع البيان" 16/ 173، "الكشف والبيان" 3/ 19 أ، "بحر العلوم" 2/ 345 ، "الدر المنثور" 4/ 538.]]. وقال السدي: (لا يغفل ولا يترك شيئًا) [["بحر العلوم" 2/ 345.]]. فجعل النسيان بمعنى: الترك. وفي قول مجاهد النسيان معناه: ضد الذكر. وقال أبو عمرو: (يقال أَضْلَلْتُ بعيري: إذا كان معقولاً فلم يهتد لمكانه، وأَضْلَلْتُه إِضْلاَلاً: إذا كان مطلقًا فذهب ولا يدري أين ذهب وأخذ، وكل ما جاء من الضَّلال من قِبَلِك قلت: ضَلَلْتُه، وما جاء من المفعول به قلت: أَضْلَلْته. قال: وأصل الضلال: من الغيبوبة، يقال: ضَلَّ الماء في اللبن إذا غاب، وضَلَّ الكافر غاب عن الحجة، وضَلَّ الناسي إذا غاب عن حفظه) [["تهذيب اللغة" (ضل) 3/ 2129، "لسان العرب" (ضلل) 5/ 2602.]]. وقوله تعالى: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ أي: لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء. وقال ابن الأنباري: (مذهب مقاتل في هذه الآية: أن عدو الله فرعون كان قد قال له مؤمن آل فرعون: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} [غافر: 31 - 31]. وكان هذا في قلب فرعون يحب أيعلم حالاتهم، فلما أورد موسى عليه الآية الباهرة التي عجز عن معارضتها أحب أن يعلم من جهته أخبارهم، ولم يكن عند موسى في ذلك الوقت علم بأخبارهم؛ لأنه عرف أخبار القرون من التوراة ولم تنزل التوراة على موسى إلا بعد هلكة فرعون وغرقه) [["تفسير مقاتل" 3 أ، "النكت والعيون" 3/ 407، "زاد المسير" 5/ 292.]]. فلذلك قال موسى: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ﴾ يعني: اللوح المحفوظ، ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ قال وذهب الأولون إلى أن المعنى في: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي﴾ لا يضل الكتاب من ربي. قال وهذا باطل؛ لأن الخافض لا يحتمل له سقوط في مثل هذا المكان، لا يجوز أن تقول: سقط الدرهم كمك. وأنت تريد من كمك، كذلك هاهنا لا يجوز) [[ذكر نحوه بلا نسبة في "الكشاف" 2/ 539، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 208، "البحر المحيط" 6/ 248، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 122.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب