الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ﴾ أي: جل عن إلحاد الملحدين، ونزه عما يقول المشركون في صفته [["جامع البيان" 16/ 219، "معالم التنزيل" 5/ 297، "زاد المسير" 5/ 325، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 185.]]. ويجوز أن يكون المعنى: تعالى استحق في المدح صفات لا تساوى؛ لأنه أقدر من كل قادر، وأعلم من كل عالم، وقادر سواه محتاج إليه وهو غني عنه. ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ قال ابن عباس: (يريد الذي بيده الثواب والعقاب) [[ذكر نحوه الألوسي في "روح المعاني" 16/ 267 بدون نسبة. وكذلك الشوكاني في "فتح القدير" 3/ 389.]]. يعني أنه يملكها. و ﴿الْحَقُّ﴾ معناه: ذو الحق، وقد مر وتقدم الكلام فيه [[عند قوله سبحانه في سورة الأنعام الآية رقم (62): ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء وأبي صالح: (كان النبي -ﷺ- يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي، ولا يفرغ جبريل مما يريد من التلاوة حتى يتكلم النبي -ﷺ- بأوله حرصًا منه على ما كان ينزل عليه، وشفقة على القرآن مخافة الإنفلات والنسيان، فنهاه الله عن ذلك) [["الكشف والبيان" 3/ 25 ب، "زاد المسير" 5/ 325، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 250، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 185، "الباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص 147، "جامع النقول في أسباب النزول" 217، وأخرج نحوه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ 9/ 187، ومسلم في "صحيحه"، كتاب الصلاة، باب الاستماع للقراءة 1/ 330، والسيوطي في "الدر المنثور" 5/ 552.]]. فقال: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ أي: بقراءته ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ من قبل أن يفرغ جبريل من تلاوته عليك. وقال المفضل: (من قبل أن يوفى ويتمم) [[ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" 3/ 25 ب، "النكت والعيون" 3/ 429، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 250، "التفسير الكبير" 22/ 122.]]. وقال السدي: (كان رسول الله -ﷺ- إذا نزل عليه جبريل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتى يستوعبه يتخوف أن يصعد جبريل ولم يحفظه فينسى ما علمه، فأنزل الله هذه الآية) [["الدر المنثور" 4/ 552، وعزاه لابن أبي حاتم.]]. قال عطاء عن ابن عباس: (وهذا كقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾) [القيامة: 16] [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" 16/ 219، "بحر العلوم" 2/ 356، "تفسير كتاب الله العزيز" 3/ 54، "معالم التنزيل" 5/ 297، "المحرر الوجيز" 15/ 98.]]. وهذا قول الكلبي، واختيار الفراء، وابن قتيبة [["معاني القرآن" للفراء 12/ 93، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 283.]]. وقال مجاهد، وقتادة: (لا تتله على أحد حتى نبينه لك) [["جامع البيان" 16/ 225، "الكشف والبيان" 3/ 25 ب، "معالم التزيل" 5/ 297، "زاد المسير" 5/ 326، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 250.]]. وعلى هذا نهى عن تلاوة الآية التي تنزل عيه، وإملائه على أصحابه قبل أن يتبين له معناها. وهذا معنى رواية عطية عن ابن عباس قال: (لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله) [["جامع البيان" 16/ 220، "الكشف والبيان" 3/ 25 ب.]]. وذكر بعض أهل التفسير أن معنى هذه الآية: (لا تسأل إنزال القرآن من قبل أن يأتيك وحيه) [["النكت والعيون" 2/ 429، "زاد المسير" 5/ 325، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 250.]]. وروى جرير [[جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع الأزدي، البصري أحد التابعين وعد من صغارهم، روى عن: الحسن وابن سيرين وقتادة وغيرهم وروى عنه: ابنه وابن المبارك وغيرهما، وثقة أكثر العلماء، توفي -رحمه الله- سنة 175. انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 504، "ميزان الاعتدال" 1/ 392، "تهذيب التهذيب" 2/ 69.]] عن الحسن في سبب نزول هذه الآية: (أن رجلاً لطم امرأته، فجاءت إلى النبي -ﷺ- تطلب القصاص فجعل النبي -ﷺ- بينهما القصاص، فأنزل الله هذه الآية، فوقف النبي -ﷺ- حتى نزلت: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]) [["بحر العلوم" 356/ 2، "زاد المسير" 5/ 326، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 250، "الدر المنثور" 4/ 553، "لباب النقول في أسباب النزول" 68.]]. ولا تعلق لهذه الآية في القصة التي ذكرها الحسن حتى يقال إنها نازلة فيها، إلا لقوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وذلك أن النبي -ﷺ- حكم بالقصاص، وأبى الله ذلك وأنزل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ وقد تقدم بيانه [[عند قوله سبحانه في سورة النساء الآية رقم (34): ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ الآية.]]. وأمره في هذه الآية بأن يسأل الله تعالى زيادة علم، والمعنى: علمني ما لا أعلمه [["جامع البيان" 16/ 225، "النكت والعيون" 3/ 429، "معالم التنزيل" 5/ 297، "الكشاف" 2/ 555.]]. وقيل معناه: (زدني علمًا بالقرآن ومعانيه) [["الكشف والبيان" 3/ 25 ب، "النكت والعيون" 3/ 429، "معالم التنزيل" 5/ 297.]]. وهذا موافق للتفسير الأول في الآية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب