الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ قال الفراء: (﴿مَنْ﴾ في موضع نصب، لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له أن يشفع فيه) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 192.]] هذا كلامه والمعنى: لا تنفع الشفاعة أحد من الناس إلا من أذن الله أن يشفع له فذلك الذي تنفعه الشفاعة، والكناية في قوله: ﴿لَهُ﴾ تعود إلى ﴿من﴾ وهو المشفوع له المأذون له في شفاعته [["جامع البيان" 16/ 215، "المحرر الوجيز" 11/ 95، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 247.]]. وقوله تعالى: ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ يعني قال: لا إله إلا الله. قاله ابن عباس، والكلبي [["معالم التنزيل" 5/ 296، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 247، "روح المعاني" 16/ 265.]]. قال الفراء: (يقال: رضيت لك عملك، ورضيته منك) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 192.]]. وهذا يدل على أنه لا حظ في الشفاعة لغير المؤمن، وذكر في الآية وجه آخر وهو: أن المعنى لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن، فعلى هذا من أذن هو الشفيع لا المشفوع له ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ إن كان مؤمنا، فإن الكافر لا يؤذن له في الشفاعة، ولا يكون شفيعًا ولا مشفوعًا له، وعلى هذا التأويل الكنايتان تعود إلى الشفيع [["المحرر الوجيز" 10/ 95، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 247.]]. والآية تدل على أن الشفيع إنما يشفع بعد الإذن إذا كان مؤمنا. قال الكلبي: (وذلك أن الأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والأباء والأبناء يشفعون) [[لم أقف عليه، ويشهد له ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا قال: (فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط).]]. وقال رسول الله -ﷺ-: "وإن الرجل من أمتي ليشفع بالقبيلة، ويشفع للفئام من الناس، ويشفع للعصبة، والثلاثة وللرجلين وللرجل" [[أخرجه الترمذي في "جامعه"، كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة 4/ 541، وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه الإمام أحمد 3/ 20. وفي إسناده عطية العوفي، وهو ضعيف مدلس، قال الذهبي في "الميزان" قال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد. قلت: يوهم أنه الخدري. وقال النسائي وجماعة: ضعيف.]] [[والشفاعة نوعان: الأول: شفاعة نفاها القرآن وأخبر أنها لا تقبل وهي الشفاعة للكفار والمشركين فقال سبحانه في سورة المدثر الآية (48): ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾. النوع الثاني: شفاعة أثبتها القرآن وهي الشفاعة للمؤمنين الموحدين ولا تحصل إلا بشرطين: الأول: إذن الله للشافع بالشفاعة كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية رقم (255): ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ الآية. الثاني: رضاه سبحانه عن المشفوع له بأن يشع له كما قال سبحانه في سورة الأنبياء الآية رقم: (28): ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾. انظر: "العقيدة الطحاوية" ص 252، "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص 204.]]. قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ الكناية راجعة إلى الذين ذكروا في قوله: ﴿يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ﴾ [[سورة طه الآية رقم: (108).]] أي: يعلم ما يصيرون إليه من الثواب والعقاب. ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما قد وقع من أعمالهم. قال ابن عباس: (يريد ما قدموا وما خلفوا) [[ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" 5/ 296، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 248، "التفسير الكبير" 22/ 119، "مجمع البيان" 7/ 50.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب