الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ الخطاب في هذه الآية لقُريظة والنضير [[قريظة والنضير: قبيلتان من اليهود في المدينة، وهما من بني الخزرج الصريح بن التوءمان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النحام بن تنحوم بن عازر بن عذري بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب. ينظر "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 61.]]. روى الربيع عن أبي العالية في هذه الآية، قال: كان [[في (ش): (كانوا).]] بنو إسرائيل إذا استضعف قومٌ قومًا أخرجوهم من ديارِهم، وقد أُخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وأُخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم بعضًا أن يفادوهم، فأخرجوهم من ديارهم، ثم فادوهم، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض [[أخرجه الطبري في تفسيره 1/ 389، أبن أبي حاتم في "تفسيره". بمعناه 1/ 163.]].
وقد كشف السُدِّي عن هذا، فقال: أخذ الله عليهم أربعةَ عهود: تركَ القتل، وتركَ الإخراج، وتركَ المظاهرة عليهم، وفدى أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا إلا الفداء. وذلك أن قريظة كانت حلفاء الأوس [[هم بنو الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف، من أعظم بطون الأزد من القحطانية، أهل عز ومنعة، فيهم عدة أفخار، كان موطنهم الأصلي بلاد اليمن، فهاجروا إلى يثرب، وعاشوا مع الخزرج والقبائل اليهودية، ونشبت حروب طويلة بينهم وبين الخزرج كيوم بعاث والدرك وغيرها. ينظر: "معجم قبائل العرب القديمة والحديثة" 1/ 50.]]، والنضير حلفاء الخزرج [[هم الخزرج بن حارثة بطن من الأزد من القحطانية، كانوا يقطنون المدينة مع الأوس، وكانت العرب جميعًا في الجاهلية يسمون الأوس والخزرج جميعًا الخزرج، وكانوا هم والأوس يحجون ويقفون مع الناس. ينظر: "معجم قبائل العرب" 1/ 342.]]، وكانوا يقتتلون، فتقاتل بنو قريظة مع الأوس، والنضير مع الخزرج، فإذا غلبوا خربوا ديارهم، وأخرجوهم منها، فإذا أُسر رجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه، فتعيّرهم العرب بذلك، وتقول: كيف تقاتلونهم وتفادونهم؟ فيقولون: إنَّا أُمرنا أن نفادَيهم، وحُرّم علينا قتالهم، قالوا: فلم تقاتلونهم؟ [[ساقطة من (أ) و (م).]] قالوا: إنا نستحيي أن يُسْتَذَلّ [[في (م): (يذل).]] حلفاؤنا، فذلك حِين عيّرهم الله تعالى فقال: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ أي [[رواه بمعناه الطبري في تفسيره 1/ 396، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 163، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1021، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 110 وورد نحوه عن ابن عباس، أخرجه الطبري في تفسيره 2/ 305، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 164.]]: يا هؤلاء، فحذف حرف النداء [["تفسير الثعلبي" 1/ 1017.]]، وقيل: معناه التوكيد لأنتم، و (تقتلون) في موضع الرفع بالخبر. وقال الزجاج: هؤلاء في معنى: الذين (وتقتلون) صلة لهؤلاء، كأنه قيل: أنتم الذين تقتلون أنفسكم، ولا موضع لتقتلون إذا كان صلة [[قوله: (ولا موضع لتقتلون إذا كان صلة) ليست عند الزجاج في "معاني القرآن".]]، ومثله: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: 17] [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 167.]] بمنزلة: وما التي بيمينك.
وقوله تعالى: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ قرئ بتخفيف الظاء وتشديدها [[قرأ الكوفيون (عاصم، وحمزة والكسائي) بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، ينظر: "السبعة" ص162 - 163و"النشر" 2/ 218.]]، فمن شدّد: أدغم التاء في الظاء لمقاربتها، ومن خفف حذف التاء التي أدغمها الآخرون، فكل وَاحِد من الفريقين كره اجتماع الأمثال والمقاربة، فبعضهم خفف بالحذف، وبعضهم بالإدغام [[ينظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 166.]]، والمحذوفة هي التي تدغم، والمدغمة هي التي تحذف، وذلك أنها لما أُعِلّت بالإدغام أُعِلّت بالحذف.
قال سيبويه [["الكتاب" 2/ 425 - 426.]]: الثانية أولى بالحذف؛ لأنّهَا هي التي تُسَكن وتدغم، في نحو ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ [البقرة: 72] و ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: 24]. ومما يقوي ذلك: أن الأولى لمعنًى، فإذا حذفت لم يبق شيء يَدُلّ على المعنى، والثانية من جملةِ كلمةٍ إذا حذفتْ دل ما بقي من الكلمة عليها [[هذا كله كلام أبي علي الفارسي في "الحجة" 2/ 134 - 135.]]. ومعنى تظاهرون تعاونون [[في (م): (تعارفون).]]، ومنه قوله: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَليهِ﴾ [التحريم: 4]، وقوله: ﴿سِحرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [[قرأ الكوفيون (سحران) من غير ألف، وقرأ الباقون (ساحران). ينظر "السبعة" "النشر" 2/ 341.]] [القصص: 48] أي: تعاونا [[في (م): (تعارفا).]] على سحرهما، ومنه: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: 4]، أي: معين [["تفسير الثعلبي" 1/ 1019.]]. والتقدير فيه الجمع، وإن كان اللفظ على الإفراد، كقوله: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] [[من كلام أبي علي في "الحجة" بتصرف 2/ 131.]] وسمي العون ظهيرًا لاستناد ظهره إلى ظهر صاحبه [["تفسيرالثعلبي" 1/ 1019.]].
وأصل الباب من الظهور وهو البُروز، فظهر الشيء ظاهره الذي هو خلاف البطن، والظهيرة؛ لأنه أظهر ما تكون الشمس بانبساط شُعَاعها، وقرأه ظاهرًا، ومن ظهر قلبه؛ لأنّه ظهر له من غير كتاب. هذا أصل الباب. ثم استعمل من هذا التأليف أحرف ليس فيها معنى الظهور، ولكنها من الظهر الذي هو خلاف البطن، من ذلك: الظهر: الإبل التي تحمل الأثقال، والظهار: في مظاهرة الرجل من امرأته، والظِهريُّ: الشيء الذي تنساه وتحطّه وراء ظهرك [[انظر: "مقاييس اللغة" 3/ 741.]].
وقوله تعالى: ﴿بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ أي: تعاونون على أهل ملتكم بالمعصية والظلم. ومعنى العدوان: الإفراط والظلم، يقال: عَدَا عَدْوًا وعُدوانًا وعُدُوًّا وعِداءً [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 166، "تفسير الثعلبي" 1/ 1019.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾ أي: إن أتوكم مأسورين يطلبون الفداء فديتموهم، وقُرئ: (أُسَارى) (وأَسرى) [[قرأ حمزة (أَسْرى) بفتح الهمزة وسكون السين من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الهمزة وألف بعد السين. ينظر: "السبعة" ص 163، و"التيسير" ص 64، "النشر" 2/ 218.]]، وهما جمع أسير. وأسير: فَعِيل في معنى مفعول؛ لأنك تقول: أسرته، كما تقول: قتلته، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول فجمعه يُكسَّر على فَعْلَى، نحو: لديغ ولدغَى، وقتيل وقتلى، وجريح وجَرحَى، وإذا [[في (ش): (وإن).]] كان كذلك فالأقيس الأسرى، وهو أقيس من الأسارى، كما أن الأسارى أقيس من قولهم: أُسَراء. والذين قالوا أُسَرَاء شبهوه بظُرَفاء، كما قالوا في قتيل: قُتلَاء، فكما أن أُسَراء وقُتلَاء في جمع قتيل وأسير ليس بالقياس، كذلك أُسارى ليس بالقياس [[هذا كله كلام أبي علي في "الحجة" بتصرف يسير 2/ 143، وقد ذكر الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1020 أن أحدًا من العلماء الأثبات لم يُفَرق بين أسرى وأسارى إلا أبو عمرو فإنه قال: ما قد أُسِر فهو أسارى، وما لم يؤسر فهو أسْرى، وروي عنه من وجه آخر قال: ما صاروا في أيديهم فهم أسارى وما جاء مستأسرًا فهم أسرى، وأنكر الفرق ثعلب. وبين القرطبي في "تفسيره" 18/ 19 أن ما ذكره أبو عمرو لا يعرفه أهل اللغة.]].
ووجه قول من قال أُسارى: كأنه شبهه بكسالى، وذلك أن الأسير لما كان محبوسًا عن كثير من تصرفه للأسر كما أن الكسلان محتبس عن ذلك لعادته [[في "الحجة": لعادته السيئة شبه به.]]، شُبِّه به، فقيل في جمعه: أُسارى، كما قيل: كسالى، وأجرى عليه هذا الجمع للحمل على المعنى، كما قيل: مرضى وموتى وهلكى؛ لما كانوا مُبتلين بهذه الأشياء ومصابين بها، فأشبه في المعنى فَعِيلًا الذي بمعنى مفعول، فلما أشبهه أجري عليه في الجمع [[في "الحجة" 2/ 144: فلما أشبهه في المعنى أجري عليه في الجمع اللفظ الذي لفعيل بمعنى مفعول.]]. والحمل على المعنى لا يكون الأصلَ عند سيبويه، قال: ولو كان أصلًا قبح (هالِكون وزَمِنون)، وكذلك أُسَارى ليس بالأصل في هذا الباب، ولكن قد استعمل كثيرًا. قال سيبويه: قالوا: كَسْلى شبهوه بأَسْرى، كما قالوا: أُسارى، شبهوه بكُسالى. قال: وإنّما جمع ما كان على فعلان نحو سكران وكسلان على فُعَالى، وإن كانت في أبنية الآحاد نحو: حيارى؛ لأن فعالًا قد جاء في بعض أبنية الجموع، نحو: رُخَالٍ [[في (ش) كأنها (رجال).]] [[رخال: بكسر الراء وضمها: جمع رِخل، الأنثى من أولاد الضأن، ينظر
"القاموس" ص 1005 (مادة: رخل).]] وظُؤارٍ [[الظؤار: جمع ظئر، وهي العاطفة على غير ولدها المرضعة له. ينظر القاموس ص 432 مادة: ظئر.]] وثُناء [[الثُّنَاء: أي اثنين اثنين، يقال: جاءوا مثنى وثُنَاء، كغُراب، أي: اثنين اثنين، وثنتين ثنتين، ينظر "القاموس" ص 1267.]]، وقد لحقت تاء التأنيث بعض الجموع [[في "الحجة" وقد لحقته تاء التأنيث، فقالوا في جمع نقوة: نُقاوة، كما قالوا: الحجارة والذكارة.]]، نحو: الحجارة والذِّكارة [[الذكارة: بالكسر، ما يصلح للرجال، كالمسك والعنبر والعود. انظر "اللسان" 3/ 1509 مادة: ذكر]]، وكما لحق التاء في هذا النحو الذي يراد به الجمع، كذلك لحق علامة التأنيث في سكارى وكسالى، فجعلت الألف بمنزلة التاء، كما جعلت بمنزلتها في قولهم: قاصعاء وقواصع، ودامّاء [[القاصعاء والداماء: من أسماء جِحَرَةِ اليربوع السبعة. "اللسان" 3/ 1426 مادة: دمم.]] ودوامّ [[هذا كله كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 143 - 145 بتصرف يسير.]].
وأصل الأسر في اللغة: الشدّ. قال الأصمعي: تقول العرب: ما أحسن ما أسَرَ قَتَبَه، أي: ما أحسن ما شدّه بالقِدّ، والقِدُّ: الذي يؤسَرُ به القَتَبُ، يسمى الإسار، وقيل للأسير من العدوّ: أسير؛ لأن آخذه يستوثق منه بالإسار، وهو القِدّ، لئلا يُفْلِتَ [[نقله عنه في "تهذيب اللغة"1/ 159. مادة (أسر)]]، ثمّ كثر استعماله حتّى قيل للمأخوذ: أسير، وإن لم يكن هناك شدّ [[ينظر في "تهذيب اللغة"1/ 159، "اللسان" 4/ 78. (مادة: أسر)]].
وقوله تعالى: ﴿تُفَادُوهُم﴾ قرئ أيضا بوجهين [[قرأ المدنيان نافع وأبو جعفر، وعاصم والكسائي ويعقوب (تفادوهم) بضم التاء وألف بعد الفاء، وقرأ الباقون بفتح التاء وسكون الفاء من غير ألف. ينظر "السبعة" ص 162 - 163، "التيسير" للداني ص 64، و"النشر" 2/ 218.]]: بالألف، من المفاداة، وبغير ألف، من الفداء. يقال: فديتُه بمال، فيتعدّى إلى مفعولين، ويتعدّى إلى الثاني بالجار، كقوله: ﴿وَفَدَينَاهُ بِذِبحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: 107]، وكقول الشاعر:
يودّون لو يَفْدُونَني بنفوسهم ... وَمَثْنَى الأواقي والقِيَانِ النواهدِ [[البيت لأبي ذؤيب في "شرح أشعار الهذليين" ص 192. مثنى الأواقي: (الذهب)، مثنى: أي: مرة بعد مرة. والقيان: الخدم.]]
فإذا ثَقَّلْتَ العين زدتَ المفعولين ثالثًا، كقوله:
لو يَستطعن إذا نابتك مُجْحِفَةٌ ... فَدَّيْنَك الموتَ بالآباء [[في "الحجة" بالأبناء.]] والولد [[ذكره أبو علي في "الحجة" 2/ 146 ولم ينسبه.]]
وقالوا: فادى الأسير: إذا أطلقه وأخذ عنه شيئا [[هذا كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 146.]]. فأما الفداء فيجوز أن يكون مصدرًا مثل: الكتاب، ويجوز أن يكون مصدر فاعل، وقد قالوا: فديتُهُ وافتديتُه، أنشد أبو زيد: ولوأنّ مَيْتًا يُفْتَدَى لَفَدَيْتُه ... بما اقتال [[في (ش) لعلها (أفتال) أو (أفتاك).]] من حُكْمٍ عليَّ طبيبُ [[البيت لكعب بن سعد الغنوي في النوادر ص 244، وعنه نقل أبو علي في "الحجة" دون نسبة 1/ 342، ورواية "اللسان" والصحاح مادة [قول] والأصمعيات ص 97 هكذا:
ومنزلة في دار صدق وغبطة ... وما اقتال من حكم علي طبيب
فلو كان ميت يفتدى لفديته ... بما لم تكن عنه النفوس تطيب
وذكره صاحب "اللسان" في مادة [فدى] 6/ 3366 دون نسبة.]] [[هذا كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 147.]]
فمن قرأ: ﴿تُفَادُوهُمْ﴾ فلأن من كلّ واحد من الفريقين فِعْلًا، فمن الآسر دفع (الأسير) [[سقطت من (ش).]]، ومن المأسور منهم دفع الفداء، وإذا كان كذلك فوجه (تفادوهم) ظاهر، والمفعول الثاني الذي يصل إليه الفعل بالحرف محذوف؛ لأن معناه تفادونهم بالمال. ومن قرأ (تَفْدُوهم) فالمعنى فيه مثل معنى من قرأ: (تُفَادوهم) إلا أنّه جاء بالفعل على يفعل، ألا ترى أن في هذا الوجه أيضًا دفعًا من كل واحد من الآسرين والمأسور منهم [[هذا كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 147 بتصرف يسير.]].
أخبرني العَرُوضي، عن الأزهري، عن المنذري، عن ثعلب قال: المفاداة: أن تدفع رجلًا وتأخذ رجلًا. والفِداء: أن تشتريَه بمال فداءً. ويقال: فديته بنفسي [[في "تهذيب اللغة" 14/ 200، وينظر: "اللسان" 5/ 150 (مادة: فدى).]].
وقال نصير [[في (ش): (نظير).]] الرازي [[هو: نصير بن أبي نصير الرازي، تقدمت ترجمته [البقرة: 15].]]: يقال: فاديتُ الأسيرَ، وفاديت الأُسارى، هكذا تقوله العرب. وإذا قلت: فديت الأسير فهو أيضا جائز بمعنى فَدَيْتُه مما كان فيه، أي: خلّصته، منه وفاديت أحسن في هذا المعنى. ومعنى فديته بالشيء، أي: خلّصته به، وجعلته عوضًا منه؛ صيانة له، كقوله تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: 107] أي: خلّصناه به [[من قوله: خلصناه به. ساقط من (أ) و (م).]] من الذبح [["تهذيب اللغة" 3/ 2754 بتصرف واختصار. (مادة: فدى).]].
قال الفراء: والعرب تقصر الفداء وتمدّه، يقال: هذا فداؤك وفداك، وربما فتحوا الفاء إذا قصروا [[نقله عنه "تهذيب اللغة" 3/ 2754، وعنه ابن منظور في "اللسان" 6/ 3366، "القرطبي" في "تفسيره" 2/ 91. (مادة: فدى).]].
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾. (هو) إضمار الإخراج الذي تقدم ذكره في قوله: ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا﴾. ثم بيّن لتراخي الكلام أنّ ذلك الذي حُرِّم: الإخراج، فقال: (وهو محرّم عليكم)، ولو اقتصر على هذا القدر أشبه أن يرجع ذلك إلى فداء الأسرى، لأن معناه وإخراجهم [[قوله: (لأن معناه، وإخراجهم) ساقطة من (أ) و (م).]] فأظهر المكنى عنه فأعاده، فقال: إخراجهم فكان رفع الإخراج [[في (ش): (الإحرام).]] بالتكرير على هو؛ لأن معناه: وإخراجهم، محرم عليكم، فهو مبتدأ مؤخر عن خبره، تقديره: وإخراجهم محرم عليكم، وهذا معنى قول الفرّاء [[في "معاني القرآن" للفراء 1/ 50 - 51.]] والزجّاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 167.]] جميعًا. قال الفراء: وإن شئتَ جعلتَ هو عمادًا [[كذا نقله عنه "القرطبي" في "تفسيره" 2/ 22.]].
قال: وإذا رأيت الواو في موضع تطلب الاسم دون الفعل، صلح في ذلك الموضع العماد، كقولك: أتيت زيدًا وأبوه قائم، فإن أردت أن تقدم الفعل على الأب، فقلت: أتيت زيدًا قائم أبوه [[في "معاني القرآن" للفراء: فقبيح أن تقول: أتيت زيدًا قائم أبوه، وأتيت زيدًا ويقوم أبوه.]]، أو ويقوم أبوه قبح؛ لأن الواو تطلب الاسم، فإذا قبح ذلك أدخلوا هو؛ لأنه اسم فقيل: أتيت زيدًا وهو قائم [["معاني القرآن" للفراء 1/ 51.]]، كذلك ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾: حُرّم عليكم إخراجهم، والاسم المبني على الفعل ينوب عنه في العمل، ومحرم على: حُرِّم .. [[من قوله: حُ (رِّم عليكم) .. ساقط من (أ) و (م).]] ورفعت الإخراج في هذا الوجه بمحرّم لأن معنى قوله: (ومحرم) مبني على حُرِّمَ.
وقال الزجاج: وجائز أن يكون هو للقصة والحديث والخبر والأمر والشأن، كأنه قال: والخبر [[في (ش): (الخير).]] محرم عليكم إخراجهم، كما قال عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الصمد: 1] أي: الأمر الذي هو الحق: الله الأحد، وتأويله [[في (أ): (وتأويل).]]: الأمر الذي هو الحقُّ توحيدُ الله عز وجل [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 167.]].
ونظم الآية على التقديم والتأخير، تقديره: وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم، وهو محرّم عليكم إخراجُهم، وإن يأتوكم أسرى [[في (م): (أسارى).]] تَفْدُوهم [["تفسير الثعلبي" 1/ 1022.]].
والمحرم: الممنوعٌ منه، والحرامُ: كلُّ ممنوع من فعله، ومن ذلك: البلد الحرام، والبيت الحرام؛ لأنه كان يمنع فيه ما هو مُبَاح في غيره، ورَجل مُحْرِم وحرام: إذا مَنَع نفسه ممّا يحظره الإحرام، والحُرُمات: كُلّ ما مُنِعَ ارتكابُه، وتقول: قد تَحَرَّمت بطعامك، أي: حَرُم عليك بهذا السبَب ما كان لك أخذه، والمحروم: الممنوع ما [[(ما) بمعنى الذي.]] ناله سواه. وقول زُهَير:
يقول [[في (أ): (يقول).]] لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ [[ديوان زهير ص 79، وصدر البيت:
وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ.]]
أي: ليس بممنوع، والحَرَم والحَرَام واحد، كقولهم: زَمَنٌ وزَمَانٌ [[ينظر: "تهذيب اللغة" 1/ 793 - 797، و"لسان العرب" 2/ 844. مادة (حرم).]].
وقوله تعالى: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ﴾ استفهامٌ في معنى توبيخ. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني [[في (ش): (بمعنى).]]: ما نال قُريْظة وبني النضير؛ لأن بني النضير أُجلوا عن مَساكنهم، وبني قريظة أبيروا بقتل مقاتلهم، وسبي ذراريهم [["تفسيرالثعلبي" 1/ 1023.]]. والخزي: الهوان والفضيحة، وقد أخزاه الله: أي: أهانه [[ينظر: "تهذيب اللغة" 1/ 1027، "اللسان" 2/ 1155 مادة (خزا)، "تفسير الثعلبي" 1/ 1023.]]. شمر [[هو: شمر أبو عمرو بن حمدويه الهروي اللغوي الأديب الفاضل الكامل، إليه الرحلة في هذا الفن من كل مكان، كانت له عناية بعلم اللغة، توفي سنة 255 هـ. ينظر: "إنباه الرواة" 2/ 77 - 78، و"بغية الوعاة" 2/ 4 - 5.]]: أخزاه الله: فضحه، وفي القرآن: {وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِي} [هود: 230] أي: لا تفضحوني [[ينظر "تهذيب اللغة" 1/ 1027، "اللسان" 2/ 1155 (مادة: خزي).]]. أبو عبيد: يُقال: خزِي يخزى خِزيًا: إذا هلك [[كذا في "غريب الحديث" له 2/ 381.]].
وقال ابن السراج: معنى أخزاه الله، أي: أوقفه موقفا يُسْتحيَا منه، مِن قولهم: خزي يخزَى خِزَايَةً: إذا استحيا [[ينظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 381، "تهذيب اللغة" 1/ 10274، (مادة: خزى)، "تفسير القرطبي" 2/ 23.]]. ثم أعلم الله عز وجل أن ذلك غير مكفِّر عنهم ذنوبهم، فقال: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾
والردُّ: الرجع. يقال: ردّه إلى كذا، ويقال للمُجبّر: ردّاد؛ لأنه يردّ العُضْو إلى ما كان. والرِّدّة: الرجوع عن الشيء، ومنه الردّة عن الإسلام [[ينظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1390 مادة (ردد).]].
وإنما قال: (يُردّون) بلفظ الجمع لمعنى مَنْ.
وفي (أشد العذاب) قولان:
أحدهما: أنه عذاب لا رَوْح [[لا روح فيه: أي لا راحة فيه.]] فيه تتصل أجزاؤه.
والثاني: عذابٌ أشدّ من عذاب الدنيا بتضعيف الألم فيه.
{"ayah":"ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِیقࣰا مِّنكُم مِّن دِیَـٰرِهِمۡ تَظَـٰهَرُونَ عَلَیۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَإِن یَأۡتُوكُمۡ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق