الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ العلم [[في (ب): (علمتم).]] هاهنا بمعنى المعرفة كقوله: ﴿لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال: 60]، ولولاه لاقتضى مفعولًا ثانيا، ألا ترى أنك إذا قلت: علمت زيدًا قائمَّاً [كان قائما] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]] مفعولًا ثانيا، وإذا قلت: عرفت زيدا قائما، [كان قائما] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]] حالا ولم يكن مفعولًا ثانيا، وإذا كان العلم بمعنى المعرفة جاز الاقتصار على أحد المفعولين [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 329، "معاني القرآن" للأخفش 1/ 277، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 120، و"تفسير الماوردي" 1/ 355، "تفسير ابن عطية" 1/ 333 - 334، "البحر المحيط" 1/ 245.]]. وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ أي: جاوزوا [[في (ب): (جاوزا).]] ما حد لهم، كانوا أُمروا أن لا يصيدوا في السبت، فحبسوها في السبت وأخذوها في الأحد، فعدوا في السبت، لأن صيدها منعها من التصرف [[ذكره الزجاج في "المعاني" 1/ 120، وفيه (لأن صيدهم منعها ..) أي أن حبس == الحيتان ومنعها من التصرف صيد. وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 329، "تفسير الثعلبي" 1/ 81 أ.]]. والسبت في كلام العرب معناه: القطع، يقال للحلق: السبت، لأنه قطع للشعر [[في (ب): (الشعر).]]، والسبت: السير السريع [["تهذيب اللغة" (سبت) 2/ 1607.]]، وتأويله قطع للطريق [[في (ب): (الطريق).]]. ومنه قول حميد [[هو حميد بن ثور بن عبد الله الهلالي، أحد المخضرمين من الشعراء أدرك الجاهلية والإسلام، وقيل إنه رأى النبي ﷺ مات في خلافة عثمان رضي الله عنهما. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" 247، "معجم الأدباء" 11/ 8.]]: ............ أمّا نَهارُها ... فَسَبْتٌ [[وتمام البيت: وَمطْويَّةُ الأَقْراب أَما نهارُها ... فسبت وأَمَّا لَيْلُها فذمِيلُ قوله: (الأقراب): جمع قرب، وهو الخاصرة، و (السبت): السير السريع، و (الذمِيل): السير البطيء. ويروى شطره الأول: بمقورة الألياط أما نهارها والاقورار هنا: الضمور، و (الألياط) جمع ليط وهو الجلد، ورد البيت في "تهذيب اللغة" (سبت) 2/ 1607، "جمهرة أمثال العرب" (سبت) 1/ 195، "مقاييس اللغة" 3/ 124، وكذا في الصحاح 1/ 251، و"اللسان" 4/ 1912، و"المخصص" 7/ 107، و"البحر المحيط" 1/ 240، و"ديون حميد بن ثور" ص 116.]] ............... والسبت: السُّبَاتُ. قال الزجاج: تأويله أنه يقطع الحركة [[في "تهذيب اللغة" (وقال الزجاج): السبات: أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه ..)، (سبت) 2/ 1607.]]. والسبت. قطعة من الدهر، كأنه بمعنى المسبوت [[في (ب): (السبوت).]]، أي: المقطوع، وهو في شعر لبيد: وغَنِيتُ سَبْتًا [[تمام البيت: وغَنَيِتُ سَبْتاَ قبل مُجْرَى داحس ... لو كان للنفس اللجُوجِ خُلُودُ ويروى (بعد مجرى) وعَمَرْتُ كَرْسًا. غنيت: عشت (سبتا): دهرا، (داحس) اسم فرس. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (سبت) 2/ 1607، "اللسان" (سبت) 4/ 1912، و (عمر) 5/ 310، و"حماسة البحتري" ص 100، "المخصص" 2/ 64، "الخزانة" 2/ 251، "البحر المحيط" 1/ 240، وديوان لبيد مع شرحه ص 35.]] ......... البيت قال أبو بكر بن الأنباري: السبت القطع، وسمي السبت من الأيام سبتًا، لأن الله ابتدأ الخلق فيه، وقطع بعض الخلق، وخلق [[كذا العبارة في جميع النسخ، وفي "الزاهر" (وقطع فيه بعض خلق الأرض ..) 2/ 145، ومثله في "تهذيب اللغة" (سبت) 2/ 1607، والنص منه.]] الأرض. [ويقال: أُمر فيه بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها. قال: وأخطأ من قال: سمي السبت لأن الله أمر فيه بني إسرائيل بالاستراحة، وخلق هو عز وجل السموات والأرض في ستة أيام آخرها يوم الجمعة، ثم استراح في يوم السبت. قال: وهذا خطأ، لأنه لا يعلم في كلام العرب (سَبَتَ) بمعنى استراح، وإنما معنى سَبَتَ: قطع، ولا يوصف الله تعالى بالاستراحة لأنه لا يتعب [[منهج السلف في باب الصفات التزام النص، فيثبتون لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله ﷺ وينفون عنه ما أنفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله، وما لم يرد فيه نص فيلتزمون فيه الخفي المجمل من دون تفصيل في النفي. ولم ترد الاستراحة في نص.]]. قال: واتفق أهل العلم على أن الله ابتدأ الخلق يوم السبت ولم يخلق يوم الجمعة سماءً ولا أرضًا [["الزاهر" لابن الأنباري 2/ 145، "تهذيب اللغة" (سبت) 2/ 1607.]]. وقوله تعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ أي: كونوا بتكويننا إياكم وتغييرنا خلقكم قردة [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 329، و"تفسير البغوي" 1/ 81، و"البيان" 1/ 90، "تفسير ابن عطية" 1/ 336.]]. قال ابن الأنباري: كن [[في (ج): (كمن في).]] ينقسم في كلام العرب على معان: منها: أن يقول الرجل للرجل: كن جبلًا فإني أهدك، وكن حديدًا فإني أغلبك، يريد لوكنت بهذا الوصف لم تَفُتْنِي [[في (ب): (تنتنى).]]، قال الله تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾ [الإسراء: 50] يريد لوكنتم حجارة أو حديدا لنزل بكم الموت ووصل إليكم ألمه، ويقول الرجل للرجل إذا لم يتعلم [[كذا في (أ)، (ج)، وفي (ب) غير واضحة، ولعل الصواب (تتعلم).]] العلم: فكن من البهائم، أي عُدَّ نفسَك مُشبهًا لها. قال الأحوص: إِذَا كُنْتَ عِزْهَاةً عَنِ اللَّهْو والصِّبَا ... فَكُنْ حَجَرًا مِنْ يَابِسِ الصَّخْرِ جَلْمَدَا [[ويروى شطره الأول كما في شعر الأحوص: إِذَا أنْتَ لَمْ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدرِ مَا الْهَوَى وفي كتاب الزينة: إِذَا أنْتَ لَمْ تَطْرَبْ وَلَم تَشْهَدِ الْخَنَا و (العِزْهَاةُ): الذى لا يحب اللهو ولا يَطْرب، ورد البيت في "الزينة" 1/ 124، "المخصص" 16/ 175، "الخصائص" 1/ 229، "الشعر والشعراء" ص 346، و"أمالي الزجاجي" ص 75، و"أساس البلاغة" (عزه) ص 2/ 115، "اللسان" (عزه) 5/ 2933، و"شعر الأحوص" ص 98.]] أي فعُدَّ نفسك من الحجارة. فقال الله تعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (ب).]] أي بتغييرنا [[في (ب): (بتغيير)، وفي (ج): (بتغيرنا).]] خلقكم وتبديلنا صوركم، وهذا أمر [[في (ج): (امرتكم).]] حتم ليس للمأمور فيه اكتساب، ولا يقدر على دفعه عن نفسه [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 366 - 377، و"البيان" 1/ 90، و"البحر" 1/ 246.]]. وقال [[(الواو) ساقطة من (ب).]] بعض النحاة: الأمر يجيء على معان: على الفرض، والنفل، والإذن، والتهديد والتحدي، وعلى معنى الخبر. فالفرض مثل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [[[البقرة: 43، 83، 110، والنساء: 77، والنور: 56، والمزمل: 20]]] وأشباهه، والنفل كقوله: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]، والإذن: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: 2]، والتهديد: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: 40] [[في (أ)، (ج): (اعملوا) تصحيف.]]، وكقوله: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ﴾ [الإسراء: 64]، الآية، والتحدي: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا﴾ [البقرة: 23]، وفيه معنى الإلزام، إلا أن من الإلزام ما لا يكون في المقدور أصلًا كقوله: ﴿قُل هَاتُوا بُرهَانَكُم﴾ [[[البقرة: 111، والأنبياء: 24، والنمل: 64].]] وليس يصح برهان على صدقهم. وأمَّا بمعنى الخبر فقوله: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ [[[البقرة: 65، والأعراف: 166].]] أي: جعلناهم قردة [[ذكر الغزالي في المستصفى الوجوه التي يأتي عليها الأمر، ومنها الوجوه التي == وردت عند المؤلف هنا ومما ذكر: التسخير كقوله: ﴿كُونُوا قِرَدَةَ﴾ "المستصفى" ص 293.]]، إلا أنه جاء بلفظ الأمر على طريق البلاغة. وقد يجئ الأمر والمراد منه التسوية، كقوله: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: 80]، أي قد استوى الحالان في أنه لا يغفر. والقردة جمع قرد، يقال: قرد، وثلاثة أَقْرِدة [[في (ب): (أقراد) وكلها وردت في "تهذيب اللغة" عن الليث (قرد) 3/ 2921.]] وقُرُود وقِرَدَة كثيرة، والأنثى قِرْدَة. وأصل الحرف من اللصوق، ومنه الْقَرِد، وهو ما تلاصق من الوبر ويعقد، والقُرَادُ سمي قُرادًا للصوقه بالموضع الذي يعلق، والقرود تتلاصق إذا اجتمعت وتتداخل خوفًا من عدوها، فإنها أجبن شيء [[انظر: "مقاييس اللغة" (قرد) 5/ 83، 84، "الصحاح" (قرد) 2/ 523، "اللسان" (قرد) 6/ 3576.]]. و [[(الواو) ساقطة من (ج).]] قوله تعالى: ﴿خَاسِئِينَ﴾ الخَسْءُ: الطرد والإبعاد، يقال: خَسأتُه خَسْأً فَخَسَأ [وانْخَسَأ [[في (ج): (الخسأ).]]، فهو واقع ومطاوع [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 329، "تهذيب اللغة" (خسأ) 1/ 1028، "جمهرة أمثال العرب" 3/ 237، "الصحاح" (خسأ) 1/ 47.]]. قال الفراء والكسائي: يقال: خَساتُه خَسْأً فَخَسَأ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] خُسُوءًا [[في (ج): قال الفراء والكسائي: (خَسَأتُه مخسأ خسأ فخسا خسوءا).]] مثل رَجَعْتُه رَجْعًا فَرَجَعَ رُجُوعًا [[انظر: "الزاهر" 2/ 48، و"الوسيط" 1/ 125، "تفسير القرطبي" 1/ 443.]]، ويقال للكلب عند الزجر والإبعاد: اخسأ، وأنشد الفراء: وَإذا زَجَرْتُ الْكَلْبَ قُلْتُ اخْسَأ لَهُ ... وَالْكَلْبُ مِثْلُكَ ياخُرَيْمُ سَوَاءُ [[لم أعثر على هذا البيت فيما اطلعت عليه، والله أعلم.]] وأنشد ابن الأنباري لعمران بن [[في (ج): (عمر بن الخطاب). وابن حطان: هو عمران بن حطان من بني عمرو بن سيبان بن ذهل، كان رأس القَعدة من الصُّفْرية إحدى فرق الخوارج، وكان خطيبًا شاعرا، توفي سنة أربع وثمانين ذكر الجاحظ أخباره في "البيان والتبيين" 1/ 47، والمبرد في "الكامل" 3/ 167، وانظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 317.]] حطان: لاَ تَجْعَلَنْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْزِلِي ... يَا رَبِّ [[في (ج): (يارب منزلى).]] مَنْزِلَ خَاسِئً مَدْحُورِ [[لم أجد هذا البيت فيما اطلعت عليه من شعر عمران بن حطان ضمن "ديوان الخوارج" جمع نايف محمود معروف، ولا في "شعر الخوارج" لـ (إحسان عباس).]] وتقدير الآية: كونوا خاسئين قردة، لأنه لولا التقديم والتأخير لكان: قردة خاسئة [[أي لو كان (خاسئين) صفة لقردة لقال: (خاسئة)، انظر "الوسيط" 1/ 125، وللعلماء في إعرابه وجوه: الأول: أنه خبر ثانٍ لـ (كان)، أو حال من (الواو) في كونوا، أو نعت لقردة، وهذا الوجه رده المؤلف. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 184، و"المشكل" لمكي 1/ 52، "تفسير ابن عطية" 1/ 336، و"البيان" 1/ 90، و"الإملاء" 1/ 41، "الدر المصون" 1/ 414.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب