الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ الآية [[في هامش نسخة (أ) تعليق صدره الكاتب برمز (ش ك) أي شرح من الكاتب، والكلام بنصه منقول عن "الكشاف" 1/ 285، وأثبته هنا للفائدة: (ش ك ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: بألسنتهم من غير مواطأة القلوب، وهم المنافقون، ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾: والذين تهودوا، يقال: هاد يهود، وتهود إذا دخل في اليهودية وهو هائد، والجمع هود، ﴿وَالنَّصَارَى﴾: وهم جمع نصران، يقال: رجل نصران وامرأة نصرانة، قال: كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ. و (الياء) في نصراني للمبالغة كالتي في أحمري، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح - عليه السلام -. ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾: وهو من صبأ، إذا خرج من الدين، وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة ﴿مَنْ آمَنَ﴾: من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام دخولا أصيلا ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾: الذي يستوجبونه بإيمانهم وعملهم.]] قال الليث: الهَوْد: التوبة، وقوله عز وجل: ﴿إِنَّا هُدْنَا﴾ [الأعراف:156] أي: تُبْنا [["تهذيب اللغة" (هاد) 4/ 3689.]]. وقال غيره: هاد في اللغة معناه: مال. يقال: هَادَ يَهُود هِيَادَةً وَهَوْدًا [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 78 ب، وليس فيه (هيادة) ونحوه عند الماوردي وفيه (هيادا) "تفسير الماوردى" 1/ 373، 1/ 349، وانظر. "تفسير أبي الليث" 1/ 373، و"تفسير البغوي" 1/ 79.]].
قال امرؤ القيس.
قدْ عَلِمتْ سلْمَى وَجَارَاتُهَا ... أَنِّي مِنَ النَّاسِ لَهَا هَائِدُ [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 78 ب، ولم أجده في ديوانه.]]
أي: إليها مائل.
وقال المبرد في قوله: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي ملنا إليك، ويقال لمن تاب: هاد، لأن من تاب عن شيء مال عنه. فأما اليهود، فقال الليث: سُمّوا يهودًا شتقاقًا من هادوا، أي تابو امن [[في (ب): (عن).]] عبادة العجل [[انظر: "تهذيب اللغة" (هاد) 4/ 3689، وذكر هذا المعنى أبو عبيدة في "المجاز" 1/ 42، والطبري في "تفسيره" 1/ 317، و"معاني الزجاج" 1/ 118، "تفسير الثعلبي" 1/ 78 ب.]]. فعلى هذا القول لزمهم الاسم في ذلك الوقت. وقال غيره: سموا بذلك لأنهم مالوا عن دين الإسلام وعن دين موسى [[ذكر هذا المعنى الثعلبي في "تفسيره" 1/ 78 ب، والبغوي في "تفسيره" 1/ 89، ونحوه عند أبي الليث 1/ 373.]]. وعلى هذا إنما سموا يهودا بعد أنبيائهم.
وقال ابن الأعرابي: يقال: هاد إذا رجع من خير إلى شر أو [[في (ب): (ومن) بالواو.]] من شر إلى خير [[ذكره الأزهري عن ثعلب عن ابن الأعرابي، "تهذيب اللغة" (هاد) 4/ 3690، وانظر: "اللسان" (هود) 8/ 4718.]]. سمي اليهود بذلك لتخليطهم، وكثرة انتقالهم من مذاهبهم.
وحكي عن أبي [[في (ج): (ابن).]] عمرو بن العلاء أنه قال: سميت اليهود لأنهم يتهودون أي: يتحركون عند قراءة التوراة [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 79 أ، والبغوي في "تفسيره" 1/ 79.]] ويقولون: إن السماوات والأرض تحركت حين أتى الله موسى التوارة.
وعلى هذا، التهود [[في (ب): (اليهود).]] تفعل من الهيد بمعنى الحركة، يقال: هِدْتُه هيدًا، كأنك تحركه ثم تصلحه [[ذكره الأزهري عن الليث، "تهذيب اللغة" (هاد) 4/ 3689، انظر "الصحاح" (هيد) 2/ 558، "مقاييس اللغة" (هيد) 6/ 23، "اللسان" (هيد) 8/ 4734.]]، ومنه الحديث: أنه قيل للنبي ﷺ في المسجد: يا رسول الله: هِدْه، فقال: " عرش كعرش موسى" [[بهذا النص ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" 3/ 171، 4/ 452، وكذا الأزهري في "تهذيب اللغة" (هاد) 4/ 3691.
وقد أخرج البيهقي بسنده عن سالم بن عطية، قال: قال رسول الله ﷺ "عرش الناس كعرش موسى". يعني أنه يكره الطاق حوالي المسجد. "السنن الكبرى" كتاب (الصلاة) باب (كيفية بناء المسجد) 2/ 439، وقد أورده صاحب "كنز العمال" عن البيهقي. وقال: مرسل. "كنز العمال" 3/ 393، وأورده السيوطي في "الجامع الصغير" بلفظ: "ليس بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى" ورمز له بالتضعيف. "فيض القدير شرح الجامع الصغير" 5/ 365. وهو في "الفائق" 4/ 122، "اللسان" (هيد) 8/ 4834.]]، أي: حركه بالهدم [[قال أبو عبيد: (كان سفيان بن عيينة فيما بلغني عنه يقول: معنى هده: أصلحه، == وهذا معنى الحديث الآخر كما قال سفيان، ولكنه إصلاح بعد هدم الأول ..)
"غريب الحديث" 4/ 452.]].
وقيل: اليهود [[في (ج): (يهود).]] معرب من يهوذا بن يعقوب، عُرِّب يهوذا إلى يهود [[انظر: "العين" 4/ 76، "تفسير الماوردي" 1/ 349، و"معرفة أسماء نطق بها القرآن" لابن السجستاني وقال: ليس بشيء 1/ 385، "المحكم" 4/ 297، وقال: ليس هذا بقوي.]] ثم نسب الواحد إليه فقيل: يهودي، ثم حذف الياء في الجمع فقيل يهود، وكل جمع منسوب إلى جنس فهو بإسقاط ياء النسبة، كقولهم: زنجي وزنج ورومي وروم [[انظر: "الصحاح" (هود) 2/ 557.]]. هذا هو الكلام في أصل هذا الحرف. ثم يقال: هاد إذا دخل في اليهودية كقوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا﴾ [[(حرمنا) ساقط من (ب).]] [الأنعام: 146]، أي: دخلوا في دين اليهودية [[انظر: "تهذيب اللغة" (هاد) 4/ 3689.]]، والذي في هذه الآية بهذا المعنى، ويقال أيضا (تهوّد) إذا تشبه بهم ودخل في دينهم، كما يقال: تقيّس وتمضّر وتنزّر، وَ (هَوَّد) إذا [[في (ب): (ادعا).]] دعا إلى اليهودية [[في "المحكم": (هَوَّد الرجل) حوله إلى ملة اليهودية 4/ 297. وفي "تهذيب اللغة": ذكر الحديث. "فأبواه يهودانه .. " وقال: معناه: أنهما يعلمانه دين اليهودية ويدخلانه فيه، (هاد) 4/ 3689.]]، ومنه الحديث: حتى يكون أبواه يهودانه [[الحديث في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ولفظه: (.. فأبواه يهودانه .. الحديث)، أخرجه البخاري (1358)، (1359) كتاب (الجنائز) باب (إذا أسلم == الصبي فمات هل يصلي عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام؟) الفتح (1385)، وباب (ما قيل في أولاد المشركين)، (4775) كتاب (التفسير) تفسير سورة (الروم)، باب ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لدين الله (6599) وفي كتاب (القدر) باب (الله أعلم بما كانوا عاملين)، ومسلم (2658) كتاب (القدر) كل مولود يولد على الفطرة، "مسلم بشرح النووي" وأبو داود (24141) في كتاب: السنة، باب (في ذراري المشركين) ح (2138) والترمذي كتاب (أبواب القدر) باب (ما جاء كل مولود يولد على الفطرة) وأحمد في مواضع من "المسند" منها 2/ 233.]].
قوله تعالى: ﴿النَّصَارَى﴾ اختلفوا في تسميتهم بهذا الاسم، فقال الزهري [[هو أبو بكر محمد بن مسلم الزهري، أحد أعلام التابعين، فقيه محدث، رأى عشرة من الصحابة، وروى عنه جمع من الأئمة، توفي سنة أربع وعشرين ومائة. انظر ترجمته في "حلية الأولياء" 3/ 360، "وفيات الأعيان" 4/ 177، "تهذيب التهذيب" 3/ 696.]]: سموا نصارى، لأن الحواريين [[في (ب): (الحواريون).]] قالوا: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 52، والصف: 14] [[قول الزهري ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 79 أ، وانظر. "تفسير الطبري" 1/ 318، و"تفسير أبي الليث"1/ 373، "تفسير الماوردي" 1/ 351، انظر. "تفسير ابن عطية" 1/ 327، "الكشاف" 1/ 285.]] حين قال لهم عيسى: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾، واختار ابن الأنباري هذا القول، وقال: إنهم كانوا نُصَّار عيسى [["الزاهر" 2/ 225.]]. فعلى هذا، هذا الاسم مشتق من النصر والنصرة، وواحدهم: نَصَرْان كقولهم: ندمان وندامى، ونصران وناصر بمعنى، كما يقال: صديان وصادٍ للعطشان [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 317، "الزاهر" 2/ 225، "تفسير الثعلبي" 1/ 79 أ، "تفسير الماوردي" 1/ 350، انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 327، "الكشاف" 1/ 285.]]، قال الشاعر يصف الحرباء: تَرَاهُ إِذَا دَارَ الْعَشِيُّ مُحَنِّفًا ... وُيُضْحِي لَدَيْهِ وَهْو نَصْرَانُ شَامِسُ [[لم أعثر على قائله، ويروى: (زار) بدل (دار) وفي "الزاهر" (تراه ويضحي وهو ...). قوله: (مُحنَّفا). تحنف: صار إلى الحنيفية، والمراد أنه مستقبل القبلة، (شامس) مستقبل الشمس كما يستقبلها نصراني، فحذف الياء. ورد البيت في الطبري في "تفسيره" 1/ 318، "الزاهر" 2/ 225، "الأضداد" لابن الأنباري ص 181، "تفسير الثعلبي" 1/ 79 أ، "تفسير الماوردي" 1/ 350، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 327، "تفسير القرطبي" 1/ 369، "البحر المحيط" 1/ 238، "الدر المصون" 1/ 406، "فتح القدير" 1/ 148.]]
وقال آخر [[هو أبو الأخزر الحماني.]]:
كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ [[عجز بيت وصدره:
فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأَسُهَا
يصف ناقتين أصابهما الإعياء، وانحنتا فطأطأتا رأسيهما، فشبه إسجادهما بسجود النصرانية فحذف الياء. البيت من شواهد سيبويه 3/ 256، 411، وانظر: شرح شواهده للنحاس ص 178، و"تفسير الطبري" 1/ 318، "الزاهر" 1/ 141، 2/ 225، "الإنصاف" ص 357، "المخصص" 17/ 44، "تهذيب اللغة" (نصر) 4/ 3584، "اللسان" (نصر) 5/ 211، "تفسير ابن عطية" 1/ 245، "تفسير القرطبي" 1/ 433، "البحر المحيط" 1/ 238، "الدر المصون" 1/ 406، "فتح القدير" 1/ 148.]]
ثم زيدت ياء النسبة فقيل: نصراني. وقد جاء في كلام العرب النصارى، وأرادوا به الأنصار، لا هؤلاء الذين يعرفون بهذا الاسم [[انظر: "الزاهر" 2/ 225، و"تفسير الطبري" 1/ 318.]]، أنشد الفراء: لَمَّا رَأَيْتُ نَبَطًا أَنْصارَا ... شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإِزَارَا
كُنْتُ لَهَا [[يروى (لهم).]] مِنَ النَّصارَى جَارَا [[سبق تخريج الأبيات ص 324.]]
فجمع بين الأنصار والنصارى على التوفيق بين معنييهم.
وقال الزجاج: ويجوز أن يكون واحد النصارى نَصْرِيٌّ، مثل بَعِيرٌ مَهْرِي وإبل مَهَارى [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 119، وانظر: "الزاهر" 2/ 225، و"تفسير الماوردي" 1/ 350، "تفسير الثعلبي" 1/ 79 أ، انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 245.]]. وهذا قول مقاتل [[الثعلبي في "تفسيره" 1/ 79 أ.]]، وزعم أنهم سموا نصارى لاعتزائهم إلى قرية يقال لها نصرة [[في الطبري وغيره (ناصرة)، وأخرجه عن ابن عباس وقتادة، 1/ 318، وانظر "الزاهر" 2/ 225، "تفسير أبي الليث" 1/ 373، "تفسير الماوردي" 1/ 351. قال ياقوت: (النَّاصِرة) فاعلة من النصر قرية بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلًا، فيها كان مولد المسيح عليه السلام ومنها اشتق اسم النصارى معجم البلدان 5/ 251.]].
وقوله تعالى: ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ قال أبو زيد: صبأ الرجل فى دينه يَصْبَأ صُبُوءًا. [إذا كان صابئا [[ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" (صبا) 2/ 1966، وأبو علي في "الحجة" 2/ 94.]].
وهو الخارج من دين إلى دين، ومنه صبا النجم وأصبأ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] إذا ظهر كأنه خرج من بين التي لم تطلع [["إصلاح المنطق" ص 157، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 119، "تهذيب اللغة" (صبا) 2/ 1966، و"الحجة" 2/ 94.]]، قال الشاعر، أنشده ابن السكيت: وَأَصْبَأَ النَّجْمُ فِي غَبْراَء كَاسِفَةٍ ... كَأَنَّهُ بَائِسٌ [[في (ب)، (ج): (ياسر) وكذا في (أ) وصحح في الهامش.]] مُجْتَابُ أَخْلاَقِ [[ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص 157، "المخصص" 9/ 34، "اللسان" (صبأ) 4/ 2385.
وقوله (غبراء) الغبراء: الأرض و (مجتاب أخلاق) لابس ثياب خلقة بالية.]]
وَصبَأَ نابه إذا خرج، يَصْبَأُ صُبُوءًا [["معاني القرآن" للزجاج1/ 119، "تهذيب اللغة" (صبا) 2/ 1966.]].
وقال [[(الواو) ساقط من (ج).]] أبو زيد [[في (ب): (ابن).]]: صَبَأَتْ عليهم تَصْبَأُ صَبْأً وصُبُوءًا، إذا طلعت عليهم [["الحجة" 2/ 94.]]. [وكأن] [[في جميع النسخ (وكان) والتصحيح من "الحجة" 2/ 94.]] معنى الصابئ التارك دينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابئ على القوم تارك لأرضه منتقل إلى سواها، والدين الذي فارقوه هو [[في (ب): (وهو).]] تركهم التوحيد إلى عبادة النجوم وتعظيمها [["الحجة" 2/ 94.]].
وقال أبو إسحاق في قوله: ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ معناه: الخارجين من دين إلى [[(إلى دين) ساقط من (ب).]] دين، يقال: صَبَأَ فلان يَصْبَأُ، إذا خرج من دينه [["معاني القرآن" للزجاج1/ 119، "تهذيب اللغة" (صبا) 2/ 1966، والنص منه.]].
قال الليث: وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي ﷺ قد صبأ، عنوا: أنه خرج من دين إلى دين [["تهذيب اللغة" (صبا) 2/ 2966.]].
وفي قوله: ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ قراءتان [[(قراءتان) ساقط من (ج).]]: التحقيق والتخفيف [[قرأ نافع بغير همز، وبقية السبعة بالهمز. انظر "السبعة" ص 158، و"الحجة" لأبي علي2/ 94، و"التيسير" ص 74.]]، فمن حقق فهو الأصل [[انظر: "الحجة" لأبي علي 2/ 95، وعلى هذا تكون لام الكلمة همزة من (صبأ) إذا خرج عن دينه. انظر: "الحجة" لابن زنجلة ص 100، ولابن خالويه ص 81، "تفسير الثعلبي" 1/ 79 أ.]]. ومن خفف ولم يهمز لم يخل من أحد أمرين: إما أن يجعله من صبا يصبو إذا مال، ومنه قول الشاعر:
صَبَوْتَ أَبَا ذِئْبٍ [[في (ب): (تأديب).]] وَأَنْتَ كَبِيرُ [[عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وصدره:
دِيَارُ التِي قَالَتْ غَدَاةَ لَقِيتُهَا
ورد في "شرح أشعار الهذليين" للسكري 1/ 65، و"الحجة" لأبي علي 2/ 69.]]
وقال آخر:
إِلىَ هِنْدٍ صبَا قَلْبِي ... وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي [[ورد في "العقد الفريد" 5/ 484، "اللسان" (صبا) 4/ 2385، ونسبه لزيد بن ضبة.]]
أو [[في (ب): (إذا).]] يجعله على ترك الهمزة من صبأ [[أي: أن أصله الهمز فترك الهمز، "الحجة" لأبي علي 2/ 95، 96، و"الحجة" لابن زنجلة ص 100، "الحجة" لابن خالويه ص 81.]].
قال أبو علي: فلا يسهل أن يأخذه [[قال أبو علي: (.. أو تجعله على قلب الهمزة، فلا يسهل أن تأخذه من صبا إلى كذا ..) 2/ 96.]] من صبا إلى كذا، لأنه يصبو الإنسان إلى الدين، ولا يكون منه تدين مع صبوه إليه، فإذا بعد هذا، وكان الصابئون منتقلين من دينهم الذي أخذ عليهم إلى سواه ومتدينين به، لم يستقم أن يكون إلا من صبأ الذي معناه: انتقال من دينهم الذي شرع لهم [إلى آخر لم يشرع لهم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] فيكون الصابون [[في (ب): (الصابيون)، وفي (ج): (الصابون).]] إذًا على ترك الهمز، وترك الهمز على هذا الحد [[في "الحجة": (.. فيكون (الصابون) إذا على قلب الهمزة، وقلب الهمز على هذا الحد لا يجيزه سيبويه ..) 2/ 96.]] لا يجيزه سيبويه إلا في الشعر، ويجيزه غيره، فهو على قول من أجاز ذلك، وأبو زيد ممن أجازه، فقال: من [[نسب الواحدي الكلام لأبي زيد وظاهر كلام أبي علي في "الحجة" غير ذلك، حيث قال في "الحجة": (.. وممن أجازه أبو زيد ....) ثم ذكر كلامًا لأبي زيد، ولسيبويه والخليل ولأبي الحسن، ثم قال: (.. ومن قلب الهمزة التي هي (لاَمٌ، يَاءً)، فقال: (الصابون) نقل الضمة التي كانت تلزم ..) فالكلام لأبي علي، والله أعلم. انظر: "الحجة" 2/ 96، 97.]] قرأ الصابون قلب الهمزة التي هي لامٌ ياءً، ونقل الضمة التي كانت تلزم أن تكون على اللام إلى العين فسكنت الياء فحذفها لالتقاء الساكنين، هي والواو التي للجمع، وحذف كسرة عين فاعل فحركها بالضمة المنقولة [[في (ب): (المنقول).]] إليها كقولهم: [خِفْتُ] [[في (أ): (خفت) ثم طمست وكتب فوقها (حسب) وفي (ب): (حفت) وفي (ج): (حسب حفت وحسب ..) وما أثبت هنا موافق للحجة 2/ 97 والكلام عنه بنصه.]] و:
حُبَّ بِهَا [[جزء من بيت للأخطل في وصف الخمرة وتمامه:
فّقُلْتُ اقْتُلُوهَا عَنْكُم بِمِزَاجِهَا ... وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولةَ حين تُقْتَلُ
قتل الخمر: مزجها بالماء حتى تذهب حدتها. ورد البيت في "إصلاح المنطق" == ص 35، و"الحجة" لأبي علي2/ 97، 98، و"المشوف المعلم" 2/ 743، "شرح المفصل" 7/ 129، 141، "الخزانة" 9/ 429، 430، "اللسان" (قتل) 6/ 3530. والشاهد (حب بها) يروي بالفتح والضم، فإذا نقلت حركة العين إلى الفاء بعد حرف حركتها صار (حب) بالضم، وإن حذفت حركة العين صار بالفتح.]] ...........
و ........... حُسْن ذَا أَدَبَا [[جزء من بيت لسهم بن حنظلة الغنوي وتمامه:
لَمْ يَمْنَع النَّاسُ مِنِّي مَا أَردْتُ وَمَا ... أُعْطِيهِمُ مَا أَرَادُوا حُسْنَ ذَا أَدَبَا
يقول. إنه يمنع الناس مما يريدون منه ويقهرهم، ويأخذ هو ما أراد منهم وجعله أدبًا حسنًا، وقيل: ينكر على نفسه أن يعطيه الناس وهو يمنعهم. ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص 35، و"الحجة" 2/ 97، 98، "الخصائص" 3/ 40، و"الأصمعيات" ص 56، و"التكملة" ص 251، و"المشوف المعلم" 2/ 742، "اللسان" (حسن) 2/ 877، "الخزانة" 9/ 431، والشاهد (حُسْن) فإنه منقول من (حَسُن).]]
فنقلوا الحركة من العين إلى الفاء، وحذفوا الحركة التي كانت للفاء في الأصل وحركوها بالحركة المنقولة، هذا في الصابون [[في (ب) (الصابيون). وهي جزء من آية: 96 المائدة، على قراءة نافع.]].
فأما (الصابين) [[كلام أبي علي في "الحجة": (.... وحركها بالحركة المنقولة، كما حرك العين من فاعل بالحركة المنقولة، وقياس نقل الحركة التي هي ضمة إلى العين أن تحذف كسرة عين فاعل ..) 2/ 97.]] فقياس نقل الحركة أن تحذف [[في (ج): (يحذف).]] كسرة عين فاعل وتنقل إليها الكسرة التي كانت تكون للام، ألا ترى أن الضمة منقولة إليها بلا إشكال، وإن شئت قلت: لا أنقل حركة اللام التي هي الكسرة كما نقلت حركتها التي هي الضمة؛ لأني لو لم أنقل الحركة التي هي الضمة، وقررت [[في (ج): (قدرت) وفي (أ) محتملة، وما في (ب) موافق لما في "الحجة" 2/ 97.]] الكسرة لم تصح واو الجميع، فليس الكسرة مع الياء كالكسرة مع الواو، فإذا كان كذلك ألقيت [[كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة" في الموضعين (أبقيت) 2/ 97 وهو الصواب.]] الحركة [[(الحركة) ساقط من (ب).]] التي كانت تستحقها اللام [[في (ج): (للام).]]، ولم أنقلها [[في (ب): (أدغمها).]]، كما ألقيت [[في "الحجة" (أبقيت) وانظر التعليق السابق على (ألقيت).]] حركة المدغم ولم أنقلها في قول من قال: ﴿يَهِدِّي﴾ [يونس: 35] فحرك الهاء بالكسرة لالتقاء الساكنين، ولم ينقلها كما نقلها من قال: ﴿يَهِدِّي﴾. ومثل ذلك في أنك تنقل الحركة مرة ولا تنقلها أخرى قولك: وَحَبَّ بِهَا مَقْتُولَةً
وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولَةً [[جزء من بيت للأخطل، يروي بفتح الحاء وضمها، مرَّ تخريجه قريبًا.]]
و: حَسْنَ ذَا أَدَبًا
و: حُسْنَ ذَا أَدَبًا [[جزء من بيت لسهم بن حنظلة، مر تخريجه قريبًا. وبهذا انتهى ما نقله عن "الحجة" لأبي علي 2/ 95، 98.]]
فأما مذهب الصابئين [[في (ب) (الصابين).]] فقد ذكرنا أنهم يعبدون النجوم، وقال قتادة: هم قوم يعبدون الملائكة [[أخرجه الطبري ونصه: (الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرؤون الزبور) 1/ 319، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 97 ب، "تفسير الماوردي" 1/ 352.]]. وقال مجاهد: قبيلة نحو الشام بين [[في (ب) (من).]] اليهود والمجوس، لا دين لهم [[أخرجه الطبري عن مجاهد من طرق 1/ 319، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 391. وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 97 أ، "تفسير الماوردي" 1/ 352.]].
وقال الليث: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن [[في (ب): (أنهم).]] قبلتهم نحو مهب الجنوب، يزعمون أنهم على دين نوح، وهم كاذبون [["تهذيب اللغة" (صبا) 2/ 1966.]].
قال عبد العزيز بن يحيى: هم قوم درجوا وانقرضوا [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 97 ب، "البحر المحيط" 1/ 239.]].
واختلف المفسرون في معنى هذه الآية على طريقين [[سلك الواحدي طريقة الثعلبي في إيضاح الآية، وخلاصة ما ذكره الثعلبي أن في الآية طريقين:
الأول: أن الإيمان في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ على طريق المجاز، ثم اختلفوا فيهم فقيل: من آمن بالأنبياء الماضين ولم يؤمن بك، وقيل: المنافقون.
الثاني: أن الإيمان على الحقيقة، فقيل: المراد المؤمنون من هذه الأمة، وقيل: الذين آمنوا بالنبي قبل المبعث، وقيل: المؤمنون من الأمم الماضية.
وسبب هذا الخلاف هو كيف يتم الجمع بين قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ثم قال: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 97 ب، و"تفسير البغوي" 1/ 97، وأما ابن جرير فقال: (فإن قال: وكيف يؤمن المؤمن؟ قيل: ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته، من انتقال من دين إلى دين كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان -وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك، من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى وبما جاء به، حتى أدرك محمدًا ﷺ فآمن به وصدق فقيل لأولئك ... آمنوا بمحمد وبما جاء به- ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع، ثباته على إيمانه وتركه تبديله. وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين فالتصديق بمحمد ﷺ وبما جاء به ..) "الطبري" 1/ 320، وانظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 111.]]:
أحدهما: أن الذين آمنوا، أي [[(أي) ساقط من (ب).]]: بالأنبياء الماضين [[في (أ): (الماضيين) وما في (ب)، (ج) موافق لما في الثعلبي.]] ولم يؤمنوا بك، وقيل: أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم. من آمن بالله من جملة الأصناف المذكورة في هذه الآية إيمانا حقيقيا [[في (ب): (وحقيقًا). وقوله: (حقيقيًّا) يفيد أن الإيمان المذكور في أول الآية مجازي كما مر في كلام الثعلبي.]] ولا يتم إيمانهم بالله إلا بإيمانهم بمحمد ﷺ. فإذا آمنوا بالله ورسوله محمد، فلهم أجرهم عند ربهم، والدليل على أنه أراد مع [[(مع) ساقط من (ب).]] الإيمان بالله الإيمان بمحمد أنه قال: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ وقد قام الدليل على أن من لا يؤمن بالنبي ﷺ لا يكون عمله صالحًا.
وقال ابن جرير: في قوله: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إضمار واختصار، تقديره [[في (ب): (وتقديره).]] من آمن منهم بالله [["تفسير الطبري" 1/ 320، ذكر كلامه بمعناه، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 80 أ.]]، لأن قوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ في موضع خبر إن [[(أن) ساقط من (ب). وفي نسخة (أ) تعليق من الكاتب صدره بقوله: ش. ك، ونصه: (محل (من آمن) الرفع إن جعلته مبتدأ، خبره (فلهم أجرهم). والنصب إن جعلته بدلا من اسم (إن) والمعطوف عليه، فخبر (إن) في الوجه الأول الجملة كما هي، وفي الثاني: (فلهم) و (الفاء) لتضمن (من) معنى الشرط) وهو منقول من "الكشاف" بنصه 1/ 286.]] ولا بد من عائد إلى اسم إن، والعائد هاهنا محذوف، كأنه قيل: من آمن منهم بالله [[هذا على إعراب (من) في محل رفع مبتدأ، وقيل: في محل نصب بدل من اللذين، ويكون الخبر: (فلهم) والأول أحسن. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 182، و"المشكل" لمكي 1/ 51، و"البيان" 1/ 88، "تفسير القرطبي" 1/ 370، وذكر أبو حيان: أن هذين الوجهين لا يصحان إلا على تغاير الإيمانين، الإيمان الذي هو صلة (الذين)، والإيمان الذي هو صلة (من). "البحر" 1/ 241.]]، وهذا مصرح به في سورة المائدة [[في سورة المائدة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ == وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69]. ولم يرد فيها ذكر العائد، ولعل الذي أوقعه في هذا الوهم قول الثعلبي (.. وفيه اختصار واضمار تقديره: من آمن منهم بالله واليوم الآخر نظيره في سورة المائدة ..). "تفسير الثعلبي" 1/ 80 أ.]]. وهذا معنى قول ابن عباس في رواية الكلبي [[ورد هذا في التفسير المنسوب لابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والمسمى "تنوير المقباس" 1/ 28، "على هامش الدر".]].
الطريقة الثانية: أن المراد بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أصحاب النبي ﷺ ومؤمنو هذه الأمة، ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾، أي: الذين آمنوا بموسى والتوراة ولم [[(ولم يبدلوا) ساقط من (ب).]] يبدلوا ولم يغيروا، ﴿وَالنَّصَارَى﴾ يعني نصار [[في (ب): (نصارى).]] عيسى على غير تبديل ولا تحريف لما في الإنجيل، ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ يعني الخارجين من الكفر إلى الإسلام، ﴿مَنْ آمَنَ﴾ أي من مات منهم على دين الإسلام، لأن حقيقة الإيمان تكون [[في (أ)، (ج) (يكون) وأثبت ما في (ب) لمناسبته للسياق.]] بالعاقبة [["تفسير الثعلبي" 1/ 79 ب. وفيه (لأن حقيقة الإيمان بالموافاة) وانظر: "تفسير
البغوي" 1/ 79.]]، ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾. وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء [[لم أجده عن ابن عباس من طريق عطاء، وهذا المعنى ذكره الطبري عن مجاهد والسدي، وأخرج عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. فأنزل الله تعالى بعد هذا: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]. قال الطبري: وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا من اليهود والنصارى والصابئين على عمله، في == الآخرة الجنة، ثم نسخ ذلك ..) الطبري 1/ 323، وانظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 379.]].
قالوا: ويجوز أن يقدر فيه "واو" أي: ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة [[الثعلبي في "تفسيره" 1/ 79 ب، وانظر: "تفسير البغوي" 1/ 79.]]. ووحد الفعل في قوله: آمن [[(أمن) مكرر في (ب).]] ثم جمع الكناية في قوله: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ لأن من تصلح للواحد والجميع [[في (ب): (والجمع).]] والمذكر والمؤنث، فالفعل يعود إلى لفظ (مَنْ) وهو واحد مذكر، والكناية تعود إلى معنى (من) ومثله في القرآن كثير [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 321، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 118، "تفسير الثعلبي" 1/ 80 أ، "تفسير الماوردي" 1/ 352، "تفسير ابن عطية" 1/ 329.]]. قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ [الأنعام: 25،ومحمد:16] ، وفي موضع آخر: ﴿يَستَمِعُونَ﴾ [يونس: 42]، وقال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ [النساء: 13]، ثم قال: ﴿خَالِدِينَ﴾ فجمع، وقال: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ [الأنبياء: 82]، وأنشد الكسائي:
أَلِمَّا بِسَلْمَى أَنْتُمَا إنْ عَرضْتُما ... وَقُولَا لَها عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا [[البيت لامرئ القيس، وقيل: لرجل من كندة، وقوله: (ألما): أي زوراها (إن عرضتما): بلغتما إليها (عوجي): أعطفي وقفي، والرواية للبيت (عنكما) بدل (أنتما) ورد في "تفسير الطبري" 1/ 321، "تفسير الماوردي" 1/ 353، "تفسير القرطبي" 1/ 371، "الدر المصون" 1/ 408، "ديوان امرئ القيس" ص 324)، وفي "أضداد" ابن الأنباري ورواية شطره: ألما بسلمى لمَّة إذ وقفتما ص 330.]]
فجعل (مَنْ) بمنزلة (الذين). وقال الفرزدق: تَعَالَ فِإنْ عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي ... نكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ [[البيت من الشواهد النحوية المشهورة، ورد في "الكتاب" 2/ 416، "المقتضب" 2/ 494، 3/ 253، و"الأصول" في النحو 2/ 297، و"شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 2/ 84، "مغني اللبيب" 2/ 404، "الكامل" 1/ 368، و"طبقات فحول الشعار" 1/ 366، "الأضداد" لابن الأنباري ص 330)، "المخصص" 17/ 55، والطبري 1/ 371، "تفسير الثعلبي" 1/ 80 أ، "تفسير ابن عطية" 1/ 329، "تفسير القرطبي" 1/ 371، والهمع 1/ 300، و"ديوان الفرزدق" 2/ 329، وفي بعض المصادر (تعش) بدل (تعال). والشاهد: أنه ثنى (يصطحبان) لمعنى (من).]]
وإنما جاز ذلك في (من)؛ لأنه مبهم جامد لا يتصرف ولا يتبين فيه الإعراب ولا العدد، وكذلك (ما) إلا أن (من) لبني آدم والموصوفين بالعقل، و (ما) لغيرهم. وعلى هذا [[(على هذا) ساقط من (ب).]] يحكى أن جريرًا أنشد قوله:
يَا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيانِ مِنْ جِبَلٍ ... وَحَبَّذَا ساكِنُ الرَّيانِ مَنْ كَانَا [[قوله: (الريان): اسم جبل أسود عظيم في بلاد طيئ، انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 690، "معجم البلدان" 2/ 111، وقد ورد البيت أيضًا في "جمل الزجاجي" ص 110، و"شرح الجمل" لابن عصفور 1/ 611، و"اللسان" (حبب) 1/ 744، و"شرح المفصل" 7/ 140، و"الهمع" 5/ 45، و"ديوان جرير" ص 490.]]
فقيل له: وإن كان ساكنه [[(ساكنه) ساقط من (ب).]] قرودًا؟ فقال: إنما يلزمني هذا لو قلت: ما كانا، وربما عاقب (ما) مَنْ على السعة كقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس: 5]، على تأويل: ومن بناها [[انظر: "تفسير الطبري" 30/ 209. (ط/ الحلبي).]] وإنما ترخصوا في ذلك لأنهم قد يبدلون النون الخفيفة ألفا، كما قالوا: رأيت رجلًا، في الوقف، فالألف فيه بدل من التنوين، ومثله قوله: ﴿لَنَسْفَعًا﴾ [العلق: 15]، قول الشاعر: .. والله فاعبدا [[في (ب): (فاعبدوا). جزء من بيت للأعشى من قصيدة قالها لما قدم مكة يريد الإسلام، ثم صدته قريش عن ذلك، وقد روى سيبويه البيت:
فَإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا ... وَلا تَعْبُدِ الشيطانَ واللهَ فاعْبُدَا
وتبعه على ذلك جمهور النحاة، وقال بعض المحققين: إنه بهذه الرواية ملفق من بيتين كما في "ديوان الأعشى":
فَإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تأكُلَنَّهَا ... ولا تَأخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصدَا
وذَا النُّصبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ... ولا تَعْبُدِ الأوْثَانَ واللهَ فاعْبُدَا
انظر: "ديوان الأعشى" ص 137، و"الكتاب" 3/ 510، و"شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 2/ 244، "المخصص" 13/ 104، "تهذيب اللغة" (نصب) 4/ 3581، "اللسان" (سبح) 4/ 1916، و (نون) 8/ 4587، و"الأزهرية" ص 275، و"شرح الكافية" لابن مالك 3/ 1400، و"مغني اللبيب" 2/ 372، و"الهمع" 4/ 397، "المقتضب" 528، "الإنصاف" 2/ 157، "شرح المفصل" 9/ 39، 88، 10/ 20.]]
وقد جاء في (من) بعض التصريف في بعض اللغات، كقوله:
أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أَنْتُم ... فَقَالُوا [[في (أ)، (ج): (قالوا).]] الجِنُّ قُلْتُ عِمُوا ظلاما [[البيت لشمير بن الحارث، وروي البيت في قصيدة حائية (عما صباحًا) منسوبًا لجذع بن سنان. يخاطب الجن، وقوله: (عموا ظلامًا) خاطب به الجن، كما كانوا يقولون لبني آدم: عموا صباحًا. ورد في "الكتاب" 2/ 411، و"شرح أبياته لابن السيرافي" 2/ 183، "المقتضب" 2/ 360، "نوادر أبي زيد" ص 380، "الخصائص" 1/ 129، "الصحاح" (منن) 6/ 2208، و"الهمع" 5/ 346، 6/ 221، و"شرح ابن عقيل" 3/ 88، و"الجمل" للزجاجي ص 336)، و"الخزانة"6/ 167، 7/ 105، "شرح المفصل" 4/ 16، "اللسان" (حسد) 2/ 868، وفي عدة مواضع. والشاهد فيه (منون أنتم) حيث جمع (من) مع الوصل وهذا من الضرورة. قال سيبويه: وهذا بعيد، وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يسمع بعد 2/ 410.]]
وقد يلزمها الإعراب في مثل قولهم: رأيت فلانًا، فتقول على الحكاية: منا بالنصب [[هذه الحروف التي تلحق (من) ليست للإعراب إنما هي من باب الحكاية إذا كانت مستفهمًا بـ (من) عن نكرة، فذا قال. رأيت رجلا، فالجواب أن تقول: منا؟ ، وإذا قال جاءني رجل، تقول: منو؟، أو مني إذا قال مررت برجل، وليست الواو والياء والألف التي لحقت (من) إعرابًا، إنما يلحقن في الوقف فقط، فهن دليل ولسن بإعراب، ومثله في التثنية والجمع فإذا قال: جاءتني امرأتان. تقول: منتان؟ وإذا قال جاءني رجال. قلت. منون؟. فإذا وصلت: قلت: من يا فتى في كل ما سبق لأن هذا هو الأصل. وجعل سيبويه والمبرد وغيرهما من النحاة البيت الذى استشهد به الواحدي من ضرورة الشعر، ولا يقاس عليه، خلافا ليونس. انظر: "الكتاب" 2/ 409، "المقتضب" 2/ 306، "الصحاح" (منن) 6/ 2208، و"أوضح المسالك" ص 255.]]، ومثله: منو ومني إذا قال: جاءني فلان ومررت بفلان، وقد يؤنثون فيقولون: منة فلما جاز هذا التصرف في (من) جاز إبدال نونها بالألف.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يقال: كيف قال هذا مع [[في (ج): (معما يجبر بهم).]] ما يمر بهم من أهوال القيامة؟ قيل: لأنه لا يعتد بذلك، من أجل أنه عارض ثم يصيرون [[في (ب): (يسير).]] إلى النعيم الدائم، لقوله: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: 103]، وهو كما تقول [[في (ب): (يقول).]] للمريض: لا بأس عليك. وقيل: إن أهوال القيامة إنما تنال [[في (ب): (ينال).]] الضالين دون المؤمنين، والأول هو الوجه لعموم قوله: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ﴾ الآية [الحج: 2].
وكذلك ما ورد من الأخبار في هذا [[قال ابن جرير: (لا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة).2/ 150. وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]. قال: (قيل: ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين، لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة، إلا أنه يخفف عن المطيعين، وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا) 1/ 329.
وذكر أبو حيان في تفسير هذه الآية أقوالا كثيرة ثم قال: (وظاهر الآية عموم نفي الخوف والحزن عنهم، لكن يخص بما بعد الدنيا ..) "البحر" 1/ 170.]].
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق