قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الآية. البعث في كلام العرب على وجهين: أحدهما: الإرسال كقوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى﴾ [[في (ب) (من بعد) تصحيف في الآية.]] [الأعراف: 103، يونس:75].
والثاني: إثارة بارك أو قاعد، يقال: بعثت البعير عن مبركه، وبعثت النائم، ونشر الميت: بعث، لأنه كبعث النائم، وذلك إثارته عن مكانه [["تهذيب اللغة" (بعث) 1/ 354، وانظر "اللسان" (بعث) 1/ 307.]]. قال قتادة: بعثهم الله ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 292، وابن أبي حاتم 1/ 358، وانظر "تفسير الثعلبي" 1/ 74 ب، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 352، والبغوي 1/ 75، "تفسير ابن كثير" 1/ 100، "الدر المنثور" 1/ 136.]]، ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا، ولكنه كان ذلك الموت عقوبة لهم على ما قالوا.
وقال ابن الأنباري: كل موت حصل البعث بعده في الدنيا كهذا، وكقوله: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ [[لفظ الجلالة غير موجود في (ب) تصحيف.]] مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: 243] يكون حكمه حكم النوم، ويجري مجرى موت النائم؛ لأن الله تعالى أثبت للخلق الإماتة في دار الدنيا مرة واحدة [[قول جمهور المفسرين أنه موت حقيقي، لكنها غير الموتة التي كتبت عليهم في الدنيا، انظر "تفسير الطبري" 1/ 291، "تفسير الثعلبي" 1/ 74 ب، قال ابن العربي: ميتة العقوبة بعدها حياة، وميتة الأجل لا حياة بعدها، انظر "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 228، "زاد المسير" 1/ 85، "تفسير القرطبي" 1/ 345 - 346، 3/ 231، "تفسير الرازي" 3/ 86.]]، وهوقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [[في (أ) (يبعثكم) تصحيف.]] [الجاثية: 26].
قال الزجاج: والآية احتجاج على مشركي العرب الذين كفروا بالبعث، واحتج النبي ﷺ بإحياء من بعث بعد موته في الدنيا فيما يوافقه اليهود والنصارى [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 109، نقله بمعناه.]].
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي نعمة البعث [[أي: البعث بعد موتهم بالصاعقة. انظر "تفسير الطبري" 1/ 291، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 109، "تفسير أبي الليث" 1/ 357، "الكشاف" 1/ 283، "تفسير القرطبي" 1/ 345، و"تفسير البيضاوي" 1/ 26، و"تفسير النسفي" 1/ 128، "البحر المحيط" 1/ 213.]]، وقيل: تأويله: لعلكم تؤمنون؛ لأن الشكر من فعل المؤمنين وصفاتهم، وأظهر الآيات الموجبة للإيمان بعثهم بعد موتهم.
{"ayah":"ثُمَّ بَعَثۡنَـٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}