الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ يعنى: الجيادَ [[ليست في (ش) ولا (ي).]] الخِيارَ [["تفسير الثعلبي" 2/ 1598.]]، وقيل: يعنى: الحلالاتِ [[روي عن ابن مسعود ومجاهد. ينظر "تفسير الثعلبي" 2/ 1598، والبغوي في "تفسيره" 1/ 329.]] مما كسبه الإنسان بالتجارة والصناعة من الذهب والفضة. ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ يعنى: الحبوب مما يجب فيه الزكاة. ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ التَّيَمُّم: القَصْد والتَّعَمُّد، يقال: أمَمْتُه وتَيَمَّمْتُه وَتَأمَّمْتُه ويَمَّمْتُهُ، كله بمعنى: قصدته، قال الأعشى: تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وكَمْ دُونَه ... من الأرضِ من مَهْمَهٍ ذي شَزَن [[البيت في "ديوانه" ص207، "تفسير الطبري" 3/ 82، "تهذيب اللغة" 1/ 207، "تفسير الثعلبي" 2/ 1619، "اللسان" 1/ 132 (مادة: أمم) من قصيدة يمدح بها قيس بن معدي كرب، ومعنى: ذي شزن: غليظ، يصفُ وُعُورَةَ الطريق الذي يسلكه ليصل منه إلى ممدوحه، انظر: "زاد المسير" 1/ 322. وضبطت (شَزَن) بالفتح على الشين والزاي في "تهذيب اللغة" "اللسان" وبضمها في نسخة (أ).]] وقال آخر: رَمَى بصُدُورِ العِيسِ مُنْخَرقَ الصَّبا ... فلم يَدْرِ شَخْصٌ بعدها أين يَمَّمَا [[أورده صاحب (ديوان الحماسة) 1/ 404 دون أن ينسبه.]] أي: أين قَصَد، ويقال أيضًا: يممته الشيء، قال: يَمَّمْتُه الرُّمْحَ شَزْرًا ثم قلتُ له ... هَذِي المروة لا لعب الزحاليق [[البيت لعامر بن مالك مُلاعِبُ الأَسِنّة في "لسان العرب" 3/ 1819 (مادة: زحلق)، 1/ 132 (مادة: أمم) وروايته: صدرًا بدل: شزرًا. "ومجمل اللغة" 4/ 560، "مقاييس اللغة" 1/ 31.]] [[ينظر في أمم: "تهذيب اللغة" 1/ 207، "المفردات" ص 32 - 33، "اللسان" 1/ 132.]] وقراءة العامة: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ مخففة التاء، على حذف إحدى التاءين، وقرأ ابن كثير مشددة التاء على الإدغام [[ينظر "المبسوط في القراءات العشر" ص 135،"حجة القراءات" لابن زنجلة ص146، "النشر في القراءات العشر" 2/ 232.]]. قال أبو علي: والإدغام في هذا ينبغي أن لا يجوز؛ لأن المدغم يسكن، وإذا سكن لزم أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به، كما جلبت في أمثلة الماضي، نحو: ادّارأتم، وازينت، واطّيّر، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع، ألا ترى أن من قال في يترّس: اترس، لا يقول في المضارع: اتّرسون، بمعنى: تتترسون، ولا ايفكرون، في تتفكرون [[في (م): (يتفكرون).]]، وهذا يلزم أن يقوله من قال: ولا تيمّموا مشدّدة التاء، وفي ﴿يَمِينِكَ تَلْقَفْ﴾ [طه: 69] ولا تدخل همزة الوصل على المضارع، قال أبو علي: وسألت أحمد بن موسى: كيف يبتدئ من أدغم؟ فقال كلامًا معناه: إنه يصير إذا ابتدأ إلى قول من خَفّف ويدعُ الإدغام. وأما التاء المحذوفة على قراءة العامة فقال هشام: هي الأولى من التائين، والفراء يقول: أيهما شئت أسقطت لنيابة الباقية عنها، وسيبويه لا يسقط إلا الثانية. قال ابن عباس جاء رجل ذات يوم بعذق حَشَف فوضعه في الصدقة فقال رسول الله ﷺ: "ما صنع صاحب هذا" فأنزل الله هذه الآية [[رواه الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1623، وفي إسناده صالح بن محمد، والسدي الصغير، والكلبي، وهذا السند يسمى: سلسلة الكذب، وأورد نحوه مقاتل بن سليمان في "تفسيره" 1/ 222 وأبو الليث في "بحر العلوم" 1/ 231، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 526 من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: وإن أصحاب رسول الله ﷺ يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون، فأنزل الله على نبيه الآية، وروى أبو داود (1608) كتاب: الزكاة، باب: فلا يجوز في الثمرة من الصدقة، والنسائي 5/ 43 كتاب: الزكاة، باب زكاة الثمر، وابن ماجه (1821) كتاب: الزكاة، باب النهي أن يخرج من الصدقة شر ماله، والإمام أحمد 6/ 23، والحاكم 2/ 313، وصححه عن عوف بن مالك قال: دخل علينا رسول الله ﷺ المسجد وبيده عصا، وقد علق رجل منا حشفه، فطعن بالعصا في ذلك القنو، وقال: "لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها" الحديث، وليس فيه أن القصة كانت سبب نزول الآية.]]. وقال علي بن أبي طالب [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 84 بمعناه، وذكره في "تفسير الثعلبي" 2/ 1623، "النكت والعيون" 1/ 343.]]. والحسن [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 83، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1623، والبغوي في "تفسيره" 1/ 333.]] ومجاهد [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 83، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1623، والبغوي في "تفسيره" 1/ 333، وعزاه السيوطي في "الدر" 1/ 611 إلى سفيان بن عيينة والفريابي، وعزاه الحافظ في "العجاب" 1/ 626 إلى عبد بن حميد.]]: كانوا يتصدقون بشرار في ثمارهم ورُذَالة أموالهم، فأنزل الله هذه الآية [[من قوله: (وقال علي). ساقط من (ي).]] ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾. يعني: الرديء من أموالكم [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1623.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ قال الفراء: (أن) هاهنا في مذهب جزاء، يدلك عليه: أن المعنى: إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه، وإنما فتحتها لأن إلا وقعت عليها، وهي في موضعِ خفضٍ، وإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفض أو نصب أو رفع، انفتحت فهذا من ذلك، والمعنى، والله أعلم: ولستم بآخذيه إلا على الإغماض، أو بإغماض، وعن إغماض. قال: ومثله: قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ [البقرة: 229] ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: 237] [["معاني القرآن" للفراء 1/ 178 بمعناه.]]. وأنكر المبرد ذلك، وقال: (أن) إذا كانت مع الفعل بمعنى المصدر كانت مفتوحة أبدًا على كل حال، وذلك نحو: أن تأتينى خير لك. والمعنى في الآية: ولستم بآخذيه إلا بإغماضكم فيه [[نقله عنه في "البحر المحيط" 2/ 318.]]. والإغْمَاضُ في اللغة: غَضُّ البصر [[في (ي): (الطرف).]]، وإطباق جَفْنٍ على جَفْنٍ، قال رؤْبة: أَرَّقَ عَيْنِي عن الإِغْمَاضِ ... بَرْقٌ سَرَى في عَارِضٍ نهّاض [[البيت في "ديوانه" ص 81، وكذا في "تفسير الثعلبي" 1/ 1625، وفي "اللسان" 6/ 3299 (مادة: غمض)، وروايته: أرَّق عينيك عن الغماض.]] وأصله من الغموض، وهو الخفاء، غمُض الشيء يَغْمُضُ غُموضًا، والإغْمَاضُ والغَمْضُ [[في (ش) و (ي): (والتغميض).]]: إطباق الجفن؛ لأنه إِخْفَاءُ العين، والغَمْضُ: المتطامن الخفي من الأرض [[ينظر في غمض: "تهذيب اللغة" 3/ 2697، "المفردات" 367، "اللسان" 6/ 3299، وقال في "القاموس" 649: الغامض: المطمئن من الأرض، ج: غوامض، كالغمض، ج: غموض، وأغماض، وقد غمض المكان غموضا، وككرم: غموضة وغماضة، والرجل الفاتر عن الحملة، وخلاف الواضح من الكلام، وقد غمض ككرم ونصر: غموضة، والخامل: الذليل، والحسب الغير المعروف.]]. والمراد بالإغماض في الآية: التجويزُ والمساهلة، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما يكره أَغْمَضَ عينه لئلا يرى ذلك، ثم كثر ذلك حتى جُعِلَ كلُّ تجاوز ومساهلة في البيع وغيره [[سقطت من (ي).]] إغماضًا [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1625، "تهذيب اللغة" 3/ 2697، "المفردات" ص 367 (مادة: غمض).]]. قال الطِّرِمَّاح في الإغماض بمعنى [[في (م): (يغض).]] المساهلة: لم يَفُتْنا بالوِتْرِ قومٌ وللضيمِ ... رجالٌ يَرْضَونَ بالإِغْمَاضِ [[البيت في "ديوانه" ص 170. وفي "تفسير الطبري" 3/ 84، والوِتْر: الثأر؛ وبالإغماض: أي الإغماض على الضيم، والتساهل فيه.]] ويقال من هذا: اغمض لي في البياعة، أي: زدني لمكان ردائته، أو حُط لي من ثمنه [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2697 (مادة: غمض).]]، ومعنى قوله: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ يقول: أنتم [[سقطت من (ي).]] لا تأخذونه إلا بِوَكْسٍ، فكيف تُعْطُونَه في الصَّدَقَةِ [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2697 (مادة: غمض).]]. قال ابن عباس في رواية العوفي: لو كان لأحدكم على رجل حقٌّ فجاءه بهذا لم يأخذه إلا وهو يرى أنه قد أغمض له عن بعض حقه وتساهل فيه [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 84، "ابن أبي حاتم" في تفسيره 2/ 528.]]. وقال في رواية الوالبي: ولستم بآخذي هذا الرديء بحساب الجيد حتى تحطوا من الثمن [[المصدرين السابقين.]]، وبه قال الحسن [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 85، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 529، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1626، والبغوي في "تفسيره" 1/ 333.]] وقتادة [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 85، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1626، والبغوي في "تفسيره" 1/ 333.]]، وهذا القول يحمل على الإغماض إذا كان متعديًا إلى آخر، كما تقول: أغمضت بصر الميت وغَمَّضْتُه، كان المعنى: ولستم بآخذيه إلا إذا أغمضتم بصر البائع، يعني: أمرتموه بالإغماضِ والحطِّ من الثمن، فيكون المفعولُ محذوفًا في [[في (ي): (على).]] هذا [[ينظر: "التبيان" ص 162، "البحر المحيط" 2/ 318.]]، يدل على هذا المعنى: قراءة أبي مجلز ﴿تُغْمِضُوا﴾ فيه بضم التاء وفتح الميم [["تفسير الثعلبي" 2/ 1625، وعزاها في "المحتسب" 1/ 139، و"البحر المحيط" 2/ 319 إلى قتادة.]] يعني: إلا أن يُهضم لكم. قال صاحب "النظم": اختلف في نظم هذه الآية فريقان: أحدهما: زعم أن انتهاء الفصل الأول إلى قوله: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ ثم ابتدأ خبرًا آخر في وصف الخبيث، فقال: (تنفقون منه) أي: من الخبيث تنفقون، ولا تأخذون منه إلا إذا أغمضتم، أي: ساهلتم. وقوله تعالى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ الآخذون وصف وضع موضع الفعل، والمراد: لا تأخذون، كقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: 193] أي: أم صَمَتُّم، فيكون تأويل هذا الفصل: تنفقون منه ولا تأخذونه إذا وجب لكم إلا بالإغماض. الفريق الثاني: أن انتهاء الفصل: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾، فيكون (الذي) مضمرًا، كأنه قيل: ولا تيمموا الخبيث منه الذي تنفقونه، ولستم بآخذيه إلا بالإغماض [[سقطت هذه الجملة من (أ) و (م) و (ش).]]، والعرب قد تضمر (الذي) كما ذكرنا في قوله: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: 256]. قال المفسرون: وفي هذه الآية بيان أن الفقراء شركاء رب المال في ماله، فإذا كان ماله جيدًا فهم شركاؤه في الجيد، والشريك لا يأخذ الرديء من الجيد، إلا بالتساهل [[ينظر: "تفسير الطبري" 3/ 86، "تفسير الثعلبي" 2/ 1627.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب