الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ الآية ﴿أَلَمْ﴾ كلمة يُوْقَفُ [[في (ي): (وقف).]] بها المخاطَبُ على أمر تعجب منه. ولفظه لفظ الاستفهام [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 340.]]. قال الفراء: وإدخال العرب (إلى) [[ساقط من (ي).]] في هذا الموضع على جِهَةٍ التعجب، كما يقول الرجل: أما ترى إلى هذا؟ والمعنى: هل رأيت مثل هذا؟ أو رأيتَ هكذا [[في (ش): (كهذا).]]، والدليل على ذلك أنه قال: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ﴾، فكأنه قال: هل رأيت كمثل الذي حاج، أو كالذي مر [["معاني القرآن" للفراء 1/ 170 وينظر "تفسير الثعلبي" 2/ 1494، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 138، "التبيان" ص 155]]. وإنما دخلت (إلى) لهذا المعنى من بين حروف الإضافة؛ لأن (إلى) لما كانت نهاية صارت بمنزلة: هل انتهت رؤيتك إلى من هذه صفته؟ لتدل على بعد وقوع مثله على التعجب منه، لأن التعجب إنما هو [[ساقط من (ي).]] مما استبهم سببه مما [[في (ش): (ما)]] لم تجر به عادة [[ينظر في معنى (إلى): "مغني اللبيب" ص 104.]]. و ﴿حَاجَّ﴾ بمعنى: جادل وخاصم [["المفردات" ص 115.]]، وهو نمروذ [[في (أ) و (م) و (ي): (نمرود).]] بن كنعان. قال ابن عباس، في رواية عطاء: إن إبراهيم دخل بلدة نمرود ليمتار [[ساقط من (م).]]، وأرسل إليه [[في (ي) و (ش): (فأرسل).]] نمرود، وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال نمرود: أنا أحيي وأميت [[ذكر في "تفسير مقاتل" 1/ 215، "تفسير الطبري" 2/ 24، والثعلبي في "تفسيره" 2/ 1484، وذكره في "الوسيط" 1/ 371.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ أي: لأن أتاه الله، وتأويله: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه للملك الذي [[ساقط من (ي).]] آتاه الله، يريد: بطرُ المُلك حمله على محاجة إبراهيم [[ينظر: "تفسير الثعلبى" 2/ 1484.]]. وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ هذا جواب سؤال سابق غير مذكور، وتقديره [[في (م) (وتأويله).]]: إذ قال له: من ربك؟ فقال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ﴾ [[زيادة من (ي).]] الذي يحيي ويميت، فحذف [[في (م) حذف.]]؛ لأن الجواب يدل على السؤال في مثل هذا الموضع [["تفسير الثعلبي" 2/ 1490.]]. وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ اعتمد عدو الله على المعارضة على الإشراك [[في (ي) و (ش) الاشتراك.]] في العبادة [[في (ي) و (ش) العبارة.]] في العبارة، عادلًا عن وجه الحجة بفعل حياةٍ للميت أو مَوْتٍ [[فى (ش) ميت.]] لحي على سبيل الاختراع الذي يفعله الله عز وجل؛ لأنه رُويَ أنه دعا برجلين؛ فقتل أحدهما واستحيا الآخر، فسَمَّى ترك القتل إحياءً [[ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص 85، "تفسير الطبري" 3/ 24 - 25، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 341، "تفسير الثعلبي" 2/ 1492.]]. والقراء على إسقاط ألف أنا [[(أنا) ساقط من (ي).]] عند الوصل في جميع القرآن، إلا ما روي عن نافع من إثباته عند استقبال همزة [[ينظر: "السبعة" ص 188، "الحجة" 2/ 359، ونافع يثبت الألف عند استقبال همزة في جميع القرآن، إلا في قوله: ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الشعراء: 115] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القراء، ولم يختلفوا في حذف الألف إذا لم تلقها همزة، إلا في قوله: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ [الكهف: 38].]]، والصحيح من القراءة ما عليه القراء [[ينظر التعليق لأبي حيان عند قوله تعالى: "إلا من اغترف غرفة بيده" [البقرة: 249].]]؛ لأن (أنا) ضمير المتكلم، والاسم الهمزة والنون، فأما الألف فإنما تلحقها في الوقف، كما تلحق الهاء في (مسلمونه) للوقف، وكما أن الهاء التي تلحق للوقف إذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء [[في (ي) و (ش): (شيء).]] سقطت. كذلك هذه الألف تسقط في الوصل؛ لأن [[ساقط من (ي).]] ما تتصل به يقوم مقامه، ألا ترى أَنَّ همزة الوصل إذا اتصلت الكلمة التى هي فيها [[ساقط من (ى).]] بشيء سقطت ولم تثبت؛ لأن ما تتصل به يتوصل به إلى النطق بما بعد الهمزة، فلا تثبت الهمزة لذلك، وكذلك الألف في أنا والهاء التي للوقف [[في (م): (في أنا والتي للوقف)، وفي (ش): (في أنا والهاء التى في الوقف).]]، إذا اتصلت الكلمة التي هما فيها بشيء سقطتا ولم يجز إثباتهما، كما لم تثبت همزة الوصل؛ لأن الهمزة في هذا الطرف مثل الألف والهاء في الطرف [[في (ش): (الظرف) في الموضعين.]] الآخر وأما قراءة نافع فهي ضعيفة جدًّا [[هذه العبارة، وأما قراءة نافع فهي ضعيفة جدًّا ليست من كلام أبي علي.]]، لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف [[هذا قول في توجيه قراءة نافع، والقول الآخر: أنها لغة، قال أبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 288: والأحسن أن تجعل قراءة نافع على لغة بني تميم، لا أنه من== إجراء الوصل مجرى الوقف على ما تأوله عليه بعضهم، قال: وهو ضعيف جدا، وليس هذا مما يحسن الأخذ به في القرآن. انتهى. فإذا حملنا ذلك على لغة تميم كان فصيحًا، وبنحوه قال السمين في "الدر المصون" 2/ 553، وقال: وإنما أثبت نافع ألفه قبل الهمزة جمعا بين اللغتين، أو لأن النطق بالهمز عسر فاستراح له بالألف، لأنها حرف مد.]]، وأثبت الألف التي حكمها أن تلحق في الوقف [[ساقط من (ش).]]، وهم قد يجرون الوصل مجرى الوقف في ضرورة الشعر، فيثبتون فيه ما حكمه أن يثبت في الوقف، وليس ذلك مما ينبغي أن يؤخذ به في التنزيل؛ لأنهم إنما يفعلون ذلك لتصحيح وزنٍ أو إقامةِ قافية، وذلك لا يكونان في التنزيل، وهذه [[في (ي): (وهذا).]] الضرورات إنما تركت في الشعر، كقوله: هم القائلونَ الخيرَ والآمِرُونَهُ [[عجزالبيت: إذا ما خشوا من محدَث الأمر معظما. هو بلا نسبة في "لسان العرب" 5/ 2690 مادة: طلع، مادة (جين).]] الهاء فيه هاء الوقف التي تلحق في: مسلمونه وصالحونه، فألحق الهاء حرف اللين، وهذا كما أجروا غير القافية مجري القافية، كما أجروا قوله: لما رَأَتَ ماءَ السّلى مَشْرَوبا [[هذا صدر بيت عجزه: والغرْثَ يُعْصر في الإناء أرنَّت. وقد اختلف في نسبته إلى شبيب بن جعيل، أو حجل بن نضلة. ينظر: "الحجة" 2/ 364، وشرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 247 - 248.]] وإن لم يكن مُصَرَّعًا مجرى المُصَرّع، ولا يجوز شيء من ذلك في غير الشعر، فمما [[في (م): فما.]] جاءت ألف (أنا) مثبته فيه وصلًا من الشعر قول الأعشى: فكَيْفَ أنا وانْتِحَالِي القَوافي ... بعيد المَشِيبِ كَفَى ذاكَ [[في (ي): بذاك.]] عارَا [[البيت في "ديوانه" 84، وروايته فيه: فما أنا أم ما انتحالي القوافِ ... بعد المشيب كفى ذاك عارا وذكره في "البحر المحيط" 2/ 288، كرواية المؤلف، وأورده المبرد (في الكامل 2/ 37) شاهدا على إثبات ألف (أنا) في الوصل ضرورة، ثم قال: والرواية الجيدة فكيف يكون انتحال القوا .. في بعد .. والمعنى: ينفي عن نفسه ما اتهم به عند الممدوح من أنه يسطو على شعر غيره وينتحله لنفسه.]] وما أنشده الكسائي: أنا شَيْخُ العَشِيرةِ فاعرِفُوني ... حَمِيدٌ قد تَذَرَّيْتُ السَّنَاما [[ورد البيت هكذا: أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميدًا قد تذريت السناما. والبيت لحميد بن ثور، ينظر: "الديوان" 133، "عمدة الحفاظ" للسمين الحلبي 2/ 553. وقيل: هو لحميد بن مجدل الكلبي، ينظر: "المنصف" 1/ 10، وابن يعيش 3/ 93، "الخزانة" 2/ 390، "شرح شواهد الشافية" 4/ 223.]] وقول آخر: أنا عبيد الله يَنْمينِي عُمَر خَيْرُ قُرَيْشٍ مِنْ مَضَى ومَنْ غَبَر [[تكملة الرجز: بعد رسول الله والشيخ الأغر والرجز لعبيد الله بن عمر، ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1491، و"أساس البلاغة" (مادة: غبر)، "تاج العروس" 7/ 287 (مادة: غبر).]] [[من "الحجة" 2/ 359 - 365 بتصرف واختصار.]] وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾، إنما انتقل إبراهيم من الحجة الأولى مع إمكانه أن يناقضه بأن يقول له: أحيي من قتلته إن كنت صادقًا، قطعًا للخصومهَ، وتركًا للإطالة، واحتجاجًا بالحجة المسكتة، لأن عدوّ الله لما لبس في الحجة بأن قال: أنا أفعل ذلك، احتج عليه إبراهيم بحجة لا يمكنه فيه [[ساقط من (ي).]] أن يقول: أنا أفعل ذلك، ولو قال ذلك بان عجزه وافتضاحه، ولزمه من الحجة ما لا سبيل إلى التدليس فيه، وصار كلام إبراهيم عليه السلام قدوةً للمجادِل إذا تمرَّد الخصمُ [[في (ي): (للخصم).]] وقصدَ التلبيسَ بالمحالِ، وكان الإدلاء في الحجة الأخرى مما يقطعه ويفحمه فالصواب ذكرها، ولا يكون تركُ الأُولى انتقالًا لعجز، ولكه تنبيهٌ على قِلةِ عَقْلِ الخصم، أو على تعسفه في الكلام [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 341، "تفسير الثعلبي" 2/ 1492.]]. فإن قيل: كان للنمرود أن يقول لإبراهيم: فليأت بها ربك من المغرب، قيل: علم بما رأى من الآيات أنه يفعل فيزداد [[في (م): (ليزداد).]] فضيحةً؛ لأن هذه المحاجة [[في (ي): (المحاججة).]] كانت مع إبراهيم بعد إلقائه في النار، وخروجه منها سالمًا، فعلمَ أنَّ من قَدَرَ على حفظ إبراهيم في تلك النار العظيمة من الاحتراقِ، يَقْدِرُ على أن يأتي بالشمس من المغرب، وقيل: إن الله تعالى خذله عن التلبيس [[في (م): (التلبيس).]] بالشبهة نصرة لنبيه. وقوله تعالى: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ يقال: بَهَتَه يَبْهَتُه بَهْتًا وبُهْتانًا: إذا واجهه بالكذب عليه، هذا هو الأصل، ثم تُسمَّى الحَيْرةُ عند استيلاء الحجة بُهْتًا لأنها كحيرة المواجَه بالكذب، وفيه ثلاث لغات: بُهِت الرجل فهو مبهوت، وبَهِت، وبَهُتَ، قال عروة العذري [[هو عروة بن حزام بن مهاجر العذري، من بني عذرة شاعر من متيمي العرب، له ديوان شعر صغير، توفي في حدود 30 هـ ينظر: "الشعر والشعراء" 3/ 4، "الأعلام" 4/ 226.]]: فما هو إلا أن أرَاهَا فُجاءةً ... فَأُبْهَتُ حَتّى ما أكادُ أُجِيْبُ [[البيت في "ديوانه" ص 28، وفي "خزانة الأدب" 8/ 560 وُيعْزى لكُثَيِّر عزة في "ديوانه" ص 522، وُيعْزى أيضًا للمجنون في "ديوانه" ص 49، ولم ينسبه في "معاني القرآن" للأخفش، ولا الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1493 وعزاه في الكتاب 3/ 54 لبعض الحجازيين، وللأحوص في ملحق، "ديوانه" ص 213.]] أي: أتحير وأسكت [[ينظر في بهت: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 341، "تهذيب اللغة" 1/ 400، "المفردات" 73، "اللسان" 1/ 368.]]. وتأويل قوله [[ساقط من (ي).]]: فبهت أي: انقطع وسكت [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 341، ولفظه: انقطع وسكت متحيرًا.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب