الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا اَلنَّاسُ أعبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ الآية. (يا) حرف ينادي به [[قال أبو حيان: زعم بعضهم: أنها اسم فعل معناها (أنادي). "البحر" 1/ 92، وانظر "الدر المصون" 1/ 184.]]، ولا تكاد تجد في كلام العرب حرفاً تألف مع اسم فكانا جملة كاملة سوى حرف النداء. و (أي) [[نقله من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 64.]] اسم مبهم مبني على الضم، لأنه منادى مفرد، و ﴿النَّاسُ﴾ صفة لأي لازمة، تقول: يا أيها الرجل أقبل، ولا يجوز [[في (أ)، (ج): (لا يجوز) بسقوط الواو.]]: يا الرجل، لأن (يا) تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل، فلا يجمع بين (يا) وبين الألف واللام [[انظر: "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 23.]]. و (ها) لازمة لأي [[في "المعاني" (للتنبيه) 1/ 64.]]، وهي عوض من الإضافة في (أي) لأن الأصل في (أي) أن تكون [[في (أ)، (ج): (يكون) وما في (ب) أصح للسياق.]] مضافة في الاستفهام والخبر. والمازني يجيز [[في (أ)، (ج): (تخير) واخترت ما في (ب) لأنه أصح وموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 64.]] في (يا أيها الرجل) النصب في (الرجل) ولا يوافقه على هذا غيره [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 64، وحذف الواحدي بعض كلام الزجاج ونص عبارة الزجاج: (وزعم سيبويه عن الخليل أن المنادي المفرد مبني، وصفته مرفوعة رفعاً صحيحاً لأن النداء يطرد في كل اسم مفرد، فلما كانت البنية مطردة في المفرد خاصة، شبه المرفوع فرفعت صفته، والمازني يجيز في (يا أيها الرجل) النصب في (الرجل) ولم يقل بهذا القول أحد من البصريين غيره). وانظر "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 62 "الإملاء" 1/ 23، قال العبكري -بعد أن ذكر قول المازني-: وهو ضعيف. وقد رد الزجاج نفسه هذا القول في موضوع آخر فقال: (فهذا مطروح مرذول). انظر "معاني القرآن" 1/ 211.]]. قال أبو إسحاق: وقوله قياس؛ لأن موضوع المنادى المفرد نصب، فحمل [[في "المعاني" (فحملت) وفي الهامش: (في الأصل) (فحمل) أي: (المازني) "معاني القرآن" 1/ 64.]] صفته على موضعه، وهذا في غير [[في (ب): (غيره).]] (يا أيها الرجل) جائز عند جميع النحويين، نحو قولك: (يا زيد الظريفُ والظريفَ) [[(الظريف) ساقط من (ب).]] والنحويون غيره [[في (ب): (في غيره). والمعنى: النحويون غير المازني.]] لا يقولون في هذا إلا الرفع، والعرب لغتها في هذا الرفع، لأن المنادي في الحقيقة (الرجل) و (أي) وصلة له [[انتهى كلام الزجاج. "معاني القرآن" 1/ 64، 65، نقله بتصرف.]]. وذلك أنهم لما أرادوا نداء ما فيه لام التعريف، ولم يمكنهم أن يباشروه بـ (يا) لما فيها من التعريف والإشارة توصلوا إلى ذلك بإدخال (أي) بينهما فقالوا: يا أيها الرجل، والمقصود بالنداء هو الرجل، و (أي) وصلة له [[(له) ساقطة من (ب).]]. ولأن (أيا) وإن كان اسما منادى مفردا فهو ناقص، والنصب بالحمل على الموضوع إنما يجوز بعد تمام الاسم [[وعليه فلا يجوز النصب (للناس) حملا على الموضع كما سبق، انظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 147، "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 62، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 23، "البحر المحيط" 1/ 94، "الدر المصون" 1/ 185.]]. و ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ عموم في كل مكلف من مؤمن وكافر [[انظر "تفسير الطبري" 1/ 160، "تفسير الثعلبي" 1/ 65 ب، "تفسير أبي الليث" 1/ 101.]]. ويروى عن الحسن وعلقمة [[الإمام الحافظ، أبو شبل، علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم، وحدث عن عدد من الصحابة، اختلف في سنة وفاته. فقيل سنة إحدى وستين وقيل: خمس وستين، وقيل: غير ذلك. انظر "تاريخ بغداد" 13/ 296، "حلية الأولياء" 2/ 68، "سير أعلام النبلاء" 4/ 53.]]. أن ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطاب أهل مكة، و ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خطاب أهل المدينة [[أخرجه الواحدي بسنده في كتابه "أسباب نزول القرآن" عن علقمة، ص 26، وذكره في (الوسيط) 1/ 53، وذكره السيوطي في "الدر" وغزاه لأبي عبيد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن الضريس وابن المنذر، وأبي الشيخ أبن حيان في "التفسير". وورد في "الدر" نحوه عن ابن مسعود، والضحاك، وميمون بن مهران، وعروة وعكرمة. "الدر" 1/ 73، وذكره الثعلبي في "تفسيره" عن ابن عباس 1/ 56، وابن عطية عن مجاهد، وقال: وقد يجيء في المدني ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وأما ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فصحيح. "تفسير ابن عطية" 1/ 179، ونحوه قال "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 194، وانظر "البرهان" 1/ 189 - 190.]]. وقوله تعالى: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ أي اخضعوا له بالطاعة، ولا يجوز ذلك إلا لمالك الأعيان [[انظر: "الطبري" 1/ 160، "تفسير ابن عطية" 1/ 197، "تفسير القرطبي" 1/ 194.]]. وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾. (الخلق): ابتداع شيء لم يسبق إليه [[انظر: "تهذيب اللغة" (خلق) 1/ 1093.]]. وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه [[انظر: كتاب "الزينة" 2/ 52، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" 1/ 101، 102، (رسالة ماجستير).]]. والعرب تقول: خلقت الأديم إذا قدرته [[في (ب): (قدته).]]. لتقطع منه مزادة أو قِرْبةً أو خُفًّا [["تهذيب اللغة" (خلق)، 1/ 1093.]]. قال زهير: وَلَأنْتَ تَفْرِي [[في (ب): (تقوى).]] ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ... ـضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْري [[في (ب): (لا يقوى). ورد البيت في "الكتاب" 4/ 185، "الزاهر" 1/ 184، "الجمهرة" 2/ 240، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص 36، "اشتقاق أسماء الله" ص 166، "إعراب ثلاثين سورة" ص 45، "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 292، "تأويل مشكل القرآن" ص 507، "تهذيب اللغة" (خلق) 1/ 1093، "معجم مقاييس اللغة" (خلق) 2/ 214، (فرى) 4/ 497، "البحر" 1/ 93، "القرطبي" 1/ 195، "ديوان زهير" ص 94. ومعناه: أنت مضاء العزيمة، وغيرك ليس بماضي العزم.]] وقيل للمقدر: خالق على الاستعارة لا على استحقاق اسم الخلق، وذلك أن المقدر إنما يقدر ليفعل، فسمى الفعل باسم التقدير، كما يسمى الشيء باسم الشيء إذا كان معه أو من سببه، فالخلق الحقيقي هو خلق الله الذي أبتدع ما خلق وأنشأ ما أراد على غير مثال، وخلق غيره [قياس وتشبيه وافتراء ومحاكاة وتقدير على قدر قدرة غيره، فخلق الله ذاتي وخلق غيره] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]] على سبيل الاستعارة والتقدير [[انظر: كتاب "الزينة" 2/ 53،52، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" 1/ 101، 102، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص 35، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 166، "معجم مقاييس اللغة" (خلق) 2/ 214، "الجمهرة" (خ ق ل) 1/ 619، "تهذيب اللغة"، خلق1/ 1093، "مفردات الراغب" ص 157.]]. ومعنى الآية: أن الله تعالى احتج على العرب بأنه خالقهم وخالق من قبلهم، لأنهم كانوا مُقِرّين بأنه خالقهم، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87]، فقيل لهم: إذ [[كذا وردت في جميع النسخ، ولعلها (إذا).]] كنتم معترفين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام، فإن عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوقين من الأصنام [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 160، "القرطبي" 1/ 195.]]. وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. قال ابن الأنباري: (لعل) يكون [[في (ب): (تكون) في المواضع الثلاثة.]]: ترجياً، ويكون بمعنى: (كي)، ويكون: ظناً كقولك: لعلي أحج العام، معناه: أظنني سأحج [[ذكره الأزهري حيث قال: (وأثبت عن ابن الأنباري ...) ثم ذكر لها خمسة وجوه، ذكر الواحدي منها ثلاثة، والرابع: بمعنى: (عسى)، والخاص: بمعنى: (الاستفهام)، "تهذيب اللغة" (عل) 3/ 2553.]]. وقال يونس [[ذكره الأزهري بسنده قال: (أخبرني المنذري عن الحسين بن فهم أن محمد بن سلام أخبره عن يونس ..)، "تهذيب اللغة" (عل) 3/ 2553. ويونس: هو يونس بن حبيب أو عبد الرحمن الضبي بالولاء، كان النحو يغلب عليه، أخذ عن أبي عمرو بن == العلاء وحماد بن سلمة، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي ص 51، "إنباه الرواة" 4/ 68، "وفيات الأعيان" 7/ 244، "معجم الأدباء" 2/ 64.]]: (لعل) يأتي في كلام العرب بمعنى: (كي)، من ذلك [[في (ب): (من قولك).]] قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [[الآية:21، 179،63، 183 من سورة البقرة، و171 من سورة الأعراف. وفي "تهذيب اللغة" (لعلهم يتقون).]] و ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [[(لعلهم يذكرون) جزء من آية في الأعراف: 26، 130، وفي الأنفال: 57. وفي (ب): (لعلكم تذكرون) وكذا في "تهذيب اللغة"، وهي جزء من آية في الأنعام: 152، والأعراف: 57 والنحل: 90، والنور:1، 27، والذاريات 49.]] ويقول [[كذا وردت في (أ)، (ج)، وفي (ب) بدون نقط، وفي "تهذيب اللغة" (كقولك) والأولى (تقول).]]: (أعرني دابتك لعلي أركبها) بمعنى (كي). قال [[(قال) ساقط من (ب).]]: وتقول [[في (أ)، (ج): (ويقول) وأثبت ما في (ب).]]: انطلق بنا لعلنا نتحدث، أي: كي نتحدث [[آخر ما نقله الواحدي من كلام يونس، وانظر بقية كلامه في "تهذيب اللغة" (عل) 3/ 2553، وانظر معاني (لعل) في "الأزهية في علم الحروف" للهوري ص 217، "مغني اللبيب" 1/ 287.]]. ومثل هذا قال قطرب في (لعل) [[قال أبو حيان لا تكون بمعنى (كي) خلافا لقطرب وابن كيسان. "البحر" 1/ 93،]]. وقال سيبويه: (لعل) كلمة ترجية وتطميع للمخاطبين [[في "الكتاب": فإذا قلت: (لعل) فأنت ترجوه أو تخافه في حال ذهابه 2/ 148، وقال: (لعل وعسى طمع واشفاق) 4/ 233. وانظر "تفسير الثعلبي" 1/ 56 ب.]]. أي كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله أن تحل بكم [[فتكون لعل على بابها للترجي، كما هو رأي سيبويه، وبعض المفسرين يقول: إذا == جاءت من الله فهي واجبة. انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 56ب، "وتفسير ابن عطية" 1/ 179، قال السيين الحلبي: إذا وردت في كلام الله فللناس فيها ثلاثة أقوال. أحدها: أنها على بابها من الترجي والطمع، قاله سيبويه، الثاني: للتعليل، قاله قطرب و"الطبري" وغيرهما، والثالث. أنها للتعرض للشيء، وإليه مال المهدوي وأبو البقاء. "الدر المصون" 1/ 189، وانظر "تفسير الطبري" 1/ 161، (الإملاء) 1/ 23.]]، كما قال في قصة فرعون ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]، كأنه قال: اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما [[ذكره "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 195، وذكر ابن هشام في "مغني اللبيب": أن بعضهم جعل من معاني "لعل" التعليل كالأخفش والكسائي، وحملوا عليه قوله: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ ومن لم يثبت لها معنى "التعليل" يحمله على الرجاء ويصرفه للمخاطبين، أي: اذهبا على رجائكما، 1/ 288.]]، والله عز وجل من وراء ذلك وعالم بما يؤول إليه أمره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب