الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿ذَالِكَ اَلكِتَبُ﴾. قال أبو الهيثم [[قول أبي الهيثم ذكره الأزهري في (التهذيب) في مواضع متعددة أخذ الواحدي منه بالاختصار وجمعه مع بعضه. قال الأزهري: أخبرني المنذرى عن أبي الهيثم أنه قال: ذا اسم كل مشار إليه ..) "التهذيب" (ذا) 2/ 1258.]]: (ذا) اسم كل مشار إليه يراه المتكلم والمخاطب كقولك: ذا الرجل، وذا الفرس، فإذا [[قال الأزهري: قال أبو الهيثم فيما أخبرني عنه المنذري: (إذا بعد المشار إليه من المخاطب، وكان المخاطب بعيدا ممن يشار إليه، (زادوا) (كافا) فقالوا. ذاك أخوك ..) "التهذيب" تفسير (ذاك وذلك) 2/ 1258.]] بعد المشار إليه زادوا (كافا) فقالوا: ذاك [[في (ج): (ذلك).]] الرجل، وهذه (الكاف) ليست في موضع نصب ولا خفض [[في "التهذيب": (ليست في موضع خفض ولا نصب، إنما أشبهت ..) 2/ 1258.]] ولا رفع، إنما أشبهت كاف (أخاك) و (عصاك) فتوهم السامع أنها في موضع خفض [[في "التهذيب": (فتوهم السامعون أن قول القائل: ذاك أخوك كأنها في موضع خفض لاشباهها (كاف)، (أخاك). وليس ذلك كذلك، إنما تلك (كاف) ضمت إلى (ذا) لبعد (ذا) من المخاطب، فلما دخل ...) "التهذيب" 2/ 1258.]]، فلما دخل فيها هذا اللبس زادوا (لاما) فقالوا: ذلك أخوك [[في "التهذيب": (وفي الجماعة: أولئك اخوتك). مراتب المشار اليه عند بعضهم اثنتان: الأولى: القربى ويشار لها بذا. الثانية: البعدى سواء كان البعد قليلاً أو كثيرًا ويشار لها بذاك. وعلى هذا الرأي زيدت اللام لرفع اللبس، كما ذكر الواحدي، أو لتأكيد بعد المشار إليه. أما عند الجمهور فمراتب المشار إليه ثلاث: قريب يشار له بذا، ومتوسط يشار له بذاك، وبعيد ويشار له بذلك، وعلى هذا: اللام لبعد المشار اليه، وليست لرفع اللبس. انظر "حاشية الصبان" 1/ 139، 142.]]، فإن اللام إذا دخلت ذهبت بمعنى الإضافة. و (ذا) مبني [[في (ب): (مبين).]]، نصبه وخفضه ورفعه سواء، لأن فيه معنى الإشارة إلى معرفة فكأنه قد تضمن معنى من الحروف [[هذا الكلام عن أبي الهيثم بمعناه، "التهذيب" 2/ 1258.]]. وهذا الذي ذكره أبو الهيثم في ذلك، إجماع من النحويين [[انظر "التهذيب" حيث نقل الأزهري عن بعض الأئمة2/ 1258 - 1259، وانظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 30.]]. وقال الزجاج [[قول الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 31، إلا قوله: (قال: ولم يذكر الكوفيون ... إلخ)، ونقله الأزهري في "التهذيب"، 15/ 34، 35.]]: كسرت (اللام) في (ذلك) لالتقاء الساكنين [[المراد بالساكنين: (الألف) من (ذا) واللام التي بعدها. انظر "المعاني" للزجاج 1/ 31.]]، قال: ولم يذكر الكوفيون كسرة هذه (اللام). قال أبو الفتح الموصلي [[كلام أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" 1/ 321، وقد تصرف المؤلف فيه، ونقله بالمعنى مع الاختصار. قال أبو الفتح: (وإذا كانت اللام زائدة فهي على ضربين: أحدهما: أن تزاد في الكلمة مبنية معها غير مفارقة لها، والآخر أن تزاد فيها لمعنى، ولا تكون من صيغة الكلمة ....).]]: (اللام) قد تزاد في الكلمة مبنية [[في (ب): (مبينة).]] معها، غير مفارقة لها، كقولهم: (ذلك) و (ألالك) [[كذا في (أ)، وفي (ب)، (ج): (إلا لك) وفي "سر صناعة الإعراب" (أولا لك) 1/ 321. وهذا هو الصواب، ولعل ما أثبت في النسخ اختلاف في الرسم.]]، و (هنالك) و (عبدل) [[في (ب): (عندك).]]، و (زيدل) [[في (ب): (زيدك).]]، و (فيشله) [[في (ج): (فشيله). في "اللسان": (الفيشلة) كالفيشه، واللام فيها عند بعضهم زائدة، وقيل اللام أصل. والفيشة: أعلى الهامة، أو الكمرة، أو الذكر المنتفخ. "اللسان" (فيش) 6/ 3499.]]. والذي يدل على زيادة (اللام) في هذه الحروف قولهم: (ذاك) [[في (ب): (ذلك).]] بمعنى: (ذلك)، و (أولئك) بمعنى: (ألالك) [[كذا في (أ) وفي (ب)، (ج) (بدون تشكيل)، وفي "سر صناعة الإعراب" (أولالك) وهو الصواب، وانظر التعليق في الصفحة قبلها.]]، و (هناك) بمعنى: (هنالك)، ومعنى (عبدل) كمعنى (عبد) [[في (ب): (ومعنى عندك كمعنى عند).]]، ومعنى: (زيدل) كمعنى: (زيد) [[في (ب): (ومعنى زيد كمعنى زيدك).]]، ومعنى: (فيشلة) كمعنى [[في (ب): (بمعنى).]]: (فيشة) [[انظر. "سر صناعة الإعراب" 1/ 322، (معنى الفيشة) مر قريبا.]]. وأما [[الكلام عن (الكاف) أخذه المؤلف عن أبي الفتح من موضع آخر 1/ 309، بتصرف واختصار.]] (الكاف) فهي في (ذاك)، و (ذلك)، و (تلك)، و (تانك) [[في (ب): (تاتك).]]، و (ذانك)، و (أولئك) حرف يفيد الخطاب، وليست باسم [[انظر: "الأصول في النحو" 2/ 127.]]. والدليل [["سر صناعة الإعراب" 1/ 315.]] على ذلك ثبوت النون [في (ذانك، وتانك) ولو كانت اسما لوجب حذف النون] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] قبلها، وجرها بالإضافة، كما تقول: غلاماك وصاحباك. والعرب قد تزيد (الكاف) للخطاب كقولهم: (النجاءك) أي: انج، ولو كانت [["سر صناعة الإعراب" 1/ 309 - 310.]] (الكاف) اسما لما جازت إضافة ما فيه (الألف واللام) إليهما [[انظر "الكتاب" 1/ 245.]]، وكذلك قولهم: أبصرك زيدا. ولا يجوز أن تكون (الكاف) اسما لأن هذا الفعل لا يتعدى إلى ضمير المأمور [[عند أبي الفتح: (لا يجوز أن تكون (الكاف) اسما لأن هذا الفعل لا يتعدى إلى ضمير المأمور به ..) 1/ 311.]]، ألا ترى أنك لا تقول: أضربك، ولا أقتلك، إذا أمرته بضرب نفسه وقتله إياها [[انظر كلام أبي الفتح 1/ 310، 311.]]. وزاد غيره بيانا فقال: (الكاف) في (ذلك) حرف، وفي (غلامك) وأشباهه اسم، الدليل على هذا أنك تؤكد (الكاف) في غلامك، كما تؤكد الاسم، فتقول: جاءني غلامك نفسك، ولا تؤكد (الكاف) في ذلك، فلا يجوز أن تقول: ذلك نفسك، على معنى تأكيد (الكاف) بالنفس [[ذكره سيبويه. انظر: "الكتاب" 1/ 245، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 30، "تهذيب اللغة" (ذاك) 2/ 1259.]]. قوله تعالى: ﴿الْكِتَابُ﴾ يقال: كتب يكتب كتابًا وكَتْبًا وكتابةً. و (الكتاب) أيضا اسم لما كتب، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر، وهو كثير [[انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (كتب) 4/ 3597، "معجم مقاييس اللغة" (كتب) 5/ 158، "الكشف" للثعلبي 1/ 42/ب.]]. وأصل (الكتب) في اللغة جمعك بين الشيئين، يقال: اكتب بغلتك، وهو أن يضم بين شفريها بحلقة [[في (ب): (لحلقة).]]، ومن ذلك سميت (الكتيبة) لأنها تكتبت واجتمعت [[في (ب): (فاجتمعت). ذكره الأزهري عن شمر، "تهذيب اللغة" 4/ 3097.]]. ويقال: كتبت السقاء أكتبه كَتْبًا إذا خرزته [[في (ب): (جررته). ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن أبي زيد. "التهذيب" (كتب) 2/ 2079.]]. وهي الكُتْبة وجمعها كُتَب للخروز [[في (ب): (للحزور). الأزهري عن الليث، "التهذيب" 2/ 2079.]]. ومنه قيل: كتبت الكتاب، لأنه يجمع حرفا إلى حرف [[الأزهري عن شمر 2/ 2079.]]. فأما التفسير فقوله [[في (ب). (وقوله).]]: ﴿ذلك﴾ يجوز أن يكون بمعنى: (هذا) عند كثير من المفسرين وأهل المعاني [[انظر: الطبري 1/ 96، "معاني القرآن" للفراء 1/ 10، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 29، ونسب القول فيه للأخفش وأبي عبيدة، و"مجاز القرآن" 1/ 28، وابن عطية 1/ 141.]]. قال الفراء: وإنما يجوز (ذلك) بمعنى: (هذا) لما مضى، وقرب وقت تقضيه، أو تقضي ذكره، فأما الموجود الحاضر [[الموجود الحاضر لا يقال فيه (ذلك) لأنك تراه بعينه، بل تشير له بهذا، الدالة على الحاضر في الذهن. انظر "معاني القرآن" للفراء1/ 11.]] فلا يقال فيه (ذلك) [[في (ج): (ذاك).]] مثاله أنك تقول [[في "معاني القرآن" للفراء: (يصلح (ذلك) من جهتين، وتصلح فيه (هذا) من جهة، فأما أحد الوجهين من (ذاك) فعلى معنى: هذِه الحروف يا أحمد، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. والآخر أن يكون (ذلك) على معنى يصلح فيه (هذا) لأن قوله: (هذا) و (ذلك) يصلحان في كل كلام، إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه. ألا ترى أنك تقول: قد قدم فلان ... الخ.) 1/ 10.]]: قد قدم فلان، فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وبلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه (هذا)، لأنه قرب من جوابه [[في (ب): (حركه).]]، فصار كالحاضر الذي تشير [[في (ب): (يشير).]] إليه، وصلحت (ذلك) لانقضائه، والمنقضي كالغائب [[وقال الفراء (.. ولو كان شيئًا قائمًا يُرى لم يجز مكان (ذلك)، (هذا) ولا مكان (هذا)، (ذلك) ..) "معاني القرآن" 1/ 10، وقد نقل الواحدي كلامه بتصرف.]]. وتقول: أنفقت ثلاثة وثلاثة، فذلك ستة، وإن شئت قلت: فهذا ستة، وقد قال الله عز وجل: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾ [النازعات: 23] تْم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: 26]، وقال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [[في (ج) تصحيف في الآية (من بعد ما الذكر).]] [الأنبياء: 105]، ثم قال: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا﴾ [الأنبياء: 106] [[الكلام بنصه في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 30. وانظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 11.]]. وقال محمد بن جرير: أشار بقوله: ﴿ذلك﴾ إلى ما تقدم ومضى من قوله: ﴿الم﴾ لأن كل ما تقضى [[في (ب). (ما يقضى). في الطبري: (لأن كل ما تقضى بقرب تقضيه ..) وفي الحاشية في المطبوعة (وقرب تقضيه) يريد: أن ذكر ما نقضى، وانقضاؤه قريب من إخبارك عنه. (تفسير الطبري) 1/ 96.]] وقرب تقضيه من الأخبار فهو في حكم الحاضر، كالرجل يحدث الرجل الحديث، فيقول السامع: (إن ذلك لكما [[في (ب): (كما).]] قلت)، و (هذا والله كما قلت)، فيخبر مرة عنه بمعنى الغائب [[أي إذا أشار إليه بـ (ذلك) وبمعنى الحاضر إذا أشار إليه بـ (هذا).]]، إذا كان قد تقضى، ومرة بالحاضر لقرب جوابه من كلامه، كأنه غير متقض [[في (ب). (مقتض) وفي الطبري: (منقض).]]، فكذلك لما ذكر الله سبحانه ﴿الم﴾ التي ذكرنا تصرفها في وجوهها من المعاني، قال: يا محمد هذا الذي ذكرته وبينته لك: الكتاب، [فحسن وضع (ذلك) في موضع (هذا) [["تفسير الطبري" 1/ 96، وذكر المؤلف كلام الطبري بتصرف واختصار، واختار== الطبري هذا القول وهو: أن (ذلك) بمعنى (هذا) 1/ 96، ورجحه ابن كثير، وقال: ذكره ابن جريج عن ابن عباس، وهو قول مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والسدي، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، وابن جريج 1/ 42.]] وروى عن ابن عباس أنه قال: معنا ذلك الكتاب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] الذي أخبرتك أنى أوحيه [[في (ب): (أوجه).]] إليك [[ذكره الثعلبي عن أبي الضحى عن ابن عباس1/ 43/أ، وذكره أبو الليث في "تفسيره" ولم يسنده لأحد 1/ 89، وانظر "البحر المحيط" 1/ 36، والقرطبي 1/ 137، "زاد المسير" 1/ 23. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هذا الكتاب. الطبري 1/ 96.]]. وقال يمان بن رباب [[(يمان بن رباب) مكانه بياض في (ب)، وفي (أ): (رياب) بالياء و (رباب) بالباء في (ج) وهو عند الثعلبي 1/ 43 أ، ولم أجد (يمان بن رباب) ولا (رياب) سوى ما ذكره البغدادي في "هدية العارفين" قال: (اليمان بن رباب البصري من رءوساء الخوارج، له: "إثبات إمامة أبي بكر الصديق". و"أحكام المؤمنين".) ولم يذكر سنة وفاته. "هدية العارفين" 1/ 735، فلا أدرى هل هو المذكور، أو شخص غيره؟ والله أعلم.]]: ذلك [[في (ب): (كل).]] الكتاب الذي ذكرته في التوراة [[في (ج): (التوريه).]] والإنجيل [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" بعد قول ابن عباس السابق، "تفسير الثعلبي" 1/ 43أ، وذكر الزجاج بمعناه ولم ينسبه 1/ 39، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 23، القرطبي 1/ 137، وأبو حيان في "البحر" ونسبه لابن رئاب 1/ 36.]]. وهذان القولان [[أي: قول ابن عباس وقول يمان بن رباب.]] متقاربان، والأول [[أي قول ابن عباس: ذلك الكتاب الذي أخبرتك أني أوحيه إليك.]] اختيار ابن الانباري، والثاني [[وهو قول يمان: ذلك الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل.]] اختيار الزجاج [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 29.]]. أما ابن الانباري فقال: إنما قال عز [[في (ب): (عن).]] ذكره: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، فأشار إلى غائب، لأنه [[في (ب): (كأنه).]] أراد هذه الكلمات يا محمد: ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك، لأن الله تعالى لما أنزل على نبيه ﷺ ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5]، كان عليه السلام واثقا بوعد الله إياه، فلما أنزل عليه ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة:1، 2]. دله على [[في (ب): (ذله الوعد).]] الوعد المتقدم [[ذكر نحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 23، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 137 - 138.]]. وقال الزجاج: القرآن، ذلك الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى وعيسى [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 29.]]. فجعل ﴿الم﴾ بمعنى القرآن، لأنه من القرآن فهو قرآن. والمراد بالكتاب هاهنا: القرآن في [[في (ب): (فهو في).]] قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد والضحاك، ومقاتل [[ذكره الثعلبي فىِ "تفسيره" 1/ 43 ب، وذكر ابن أبي حاتم قول الحسن، وابن عباس 1/ 34، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 96، و"ابن كثير" 1/ 42.]]. والمراد به المفعول [[أي: المكتوب. انظر الثعلبي 1/ 42/ ب.]]، كقولهم: الخلق، يريدون: المخلوق [[في ج (الخلوق)، وهذا المعنى ذكره الثعلبي 1/ 42 ب.]]، لا الحدث الذي هو اختراع وإبداع. وهذا [[في (أ)، (ج): (قال: وهذا أرجح .. إلخ) واخترت ما في (ب) لأني لم أجد لوجود (قال) معنى. فكلام الزجاج قد انتهى، وما بعده أخذه عن الثعلبي بمعناه ولم يصرح باسمه، وليس الكلام بعد (قال) في "تفسيره"، ولم يكن من نهج الواحدي أن يفتتح قوله هو بـ (قال) لذلك اعتبرتها زيادة في (أ)، (ج).]] أرجح عندي من قول من قال: إنه سمي به لما فرض فيه [[في (ب): (به).]]، وأوجب العمل به [[أي أن المراد بالكتاب: المكتوب، بمعنى المفعول، أرجح ممن قال: إنه سمي كتابا لما فرض فيه، وأوجب العمل به، فإن الكتاب يطلق على معان كثيرة منها: الفرض، والأمر، والجعل. انظر "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص 11، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" لأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني 1/ 461 رسالة ماجستير، "تهذيب اللغة" (كتب) 4/ 3097، "تفسير الرازي" 2/ 14، والقرطبي 1/ 138.]]، ألا ترى أن جميع التنزيل مكتوب، وليس كله فروضًا، وإذا كان كذلك كان العام [[أي أن الكتاب بمعنى المكتوب.]] الشامل [بجميع المسمى أولى مما كان بخلاف ذلك. فإن جعلت ﴿الم﴾ متعلقا بما بعده، فهو ابتداء، وخبره] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] ﴿ذلك﴾، والكتاب تفسير وبيان [[أي: عطف بيان، أو بدل. انظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 35، "إعراب القرآن" للنحاس1/ 128، "تفسير ابن عطية" 1/ 143.]] للمشار إليه [[(إليه) ساقط من (ج).]]. ويصح أن يقال: ﴿الم﴾ ابتداء، ﴿وذلك﴾ ابتداء آخر، و ﴿الكتاب﴾ خبره، وجملة الكلام خبر الابتداء الأول. وإن [[في (ب): (فإن).]] جعلت ﴿الم﴾ منقطعًا مما بعده، فـ ﴿ذلك﴾ ابتداء، وخبره ﴿هُدًى﴾ [["تفسير الثعلبي" 1/ 42 ب، وانظر "إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري 1/ 484، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 30 - 33، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 128، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 17،15، وقد ذكر الواحدي بعض الوجوه في إعراب (الم. ذلك الكتاب).]]. وقوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾. الريب: الشك يقال: رابني فلن يريبني أي: علمت من الريبة، وأرابني [[في (ب): (فأرابني).]] أوهمنيها ولم يحققها [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 31، والأزهري، وقال: وأنشد أبو زيد ثم ذكر البيت. "تهذيب اللغة" (راب) 2/ 1306 - 1307.]]، وقال: أَخُوكَ الذي إنْ رِبْتَهُ قَالَ إنَّمَا ... أرَابَ وإنْ عَاتَبْتَهُ [[في (ب): (عاينته).]] لاَنَ جَانِبُه [[نسب البيت للفرزدق، ولم أجده في "ديوانه"، ونسب للمتلمس، ولبشار، وهو الصحيح، حيث ورد في "ديوانه" من قصيدة يمدح بها عمر بن هبيرة قوله: (أراب) كذا ورد في جميع النسخ، وفي "الديوان" وغيره من المصادر (اربت) ومعناه: أخوك الذي إن ربته بريبة قال: أنا الذي أربت، أي: أنا صاحب الريبة، وروي (أربت) بفتح التاء، أي: أوجبت له الريبة. وقوله: (عاتبته) كذا وردت عند الزجاج، وفي المصادر الأخرى (لاينته) بمعنى: عاتبته، انظر "ديوان بشار" ص 44، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 31، "تهذيب اللغة" (راب) 2/ 1306 - 1307، "اللسان" (ريب) 3/ 1788 - 1789.]] أراد أنه [[في (ب): (به).]] مع اليقين بالريبة يتوهمها [[في (ب): (سموهمها).]] منك، جريا على حكم المودة، هذا قول جمهور أهل اللغة [[انظر: "التهذيب" (راب) 2/ 1306 - 1307، "معجم مقاييس اللغة" (ريب) 2/ 463، "الصحاح" (ريب) 1/ 141، "اللسان" (ريب) 3/ 1788 - 1789.]]. وقال سيبويه: (أراب) الرجل أي: صار صاحب ريبة. كما قالوا: ألام أي: استحق أن يلام [[في (ب) (تلام).]]. وأما (رابني) فمعناه: جعل في ريبة [[في "الكتاب" (وأما رابني فإنه يقول: جعل لي ريبة ..) 4/ 60.]]، كما تقول: قطعت النخل، أي: أوصلت إليه القطع، واستعملته فيه [["الكتاب" 4/ 60، والنص في "الحجة" لأبي علي1/ 179.]]. وقال أبو زيد [[في (ب) (يزيد). وأبو زيد هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، صاحب النحو واللغة، توفي سنة خمس عشرة ومائتين. انظر "طبقات النحويين واللغويين" ص156، "تاريخ بغداد" 9/ 77، "إبناه الرواة" 2/ 30.]]: قد رابني من فلان أمر رأيته منه رَيْبًا، إذا كنت مستيقنا منه بالريبة، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن بالريبة منه قلت: قد أرابني من فلان أمر هو فيه، إذا ظننته من غير أن تستيقنه [[ذكره أبو علي في "الحجة" 1/ 179، ونحوه عند الأزهري قال: هذا قول أبي زيد (راب) 15/ 252، ولم أجده في "نوادر أبي زيد".]]. وقوم على أن: (راب) و (أراب) بمعنى واحد [[انظر: "تهذيب اللغة" (راب) 2/ 1306 - 1307، "الصحاح" (ريب) 1/ 141، "اللسان" (ريب) 3/ 1788 - 1789.]]، وينشدون قول الهذلي [[في ج (الهزلي). و (الهذلي) هو خالد بن زهير الهذلي أحد شعراء الهذليين المشهورين عشق امرأة كان يأتيها أبو ذؤيب الهذلي خاله، وجرت بينهما أشعار في ذلك منها، "بيت الشاهد" وقتل خالد بسبب تلك المرأة في قصة طويلة. انظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري 1/ 207، "الخزانة" للبغدادي 5/ 76 - 86.]]: كأنَّما أَرَبْتُهُ بِرَيْبِ [[البيت من رجز لخالد بن زهير، يخاطب أبا ذؤيب، ويروى (كأنني) والأبيات في أشعار الهذليين: ياقوم ما بال أبي ذؤيب ... يمس رأسي ويشم ثوبي كأنني أتوته بريب انظر "شرح أشعار الهذليين" 1/ 207، "الحجة" لأبي على 1/ 180، "تهذيب اللغة" (أتى) 1/ 116 - 117، "المخصص" 12/ 303، 14/ 24، 28، "الصحاح" 1/ 141، "اللسان" (ريب) 3/ 1788 - 1789، "الخزانة" 5/ 84.]] والحذاق [[في (ب): (فالحلاف).]] على الفرق بينهما، كما أخبرتك، قال الأزهري: والقول في (راب وأراب) قول أبي زيد [[في "التهذيب" (قول أبي زيد أحسن) 2/ 1306.]]. وموضح (ريب) نصب [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 31، وانظر "مشكل إعراب القرآن" 1/ 16.]]، قال سيبويه: (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه، ونصبها لما بعدها كنصب (إن) إلا أنها تنصب بغير تنوين [[أي مبنى على الفتح لأن (لا) نافية للجنس، "الكتاب" 2/ 274، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 31، والعبارة للزجاج، وانظر "مشكل إعراب القرآن" 1/ 16.]]. وإنما شبه (لا) بـ (إن)، لأن (إن) للتحقيق في الإثبات، و (لا) في النفي، فلما كان (لا) تقتضي [[في (ب): (يقتضي).]] تحقيق النفي، كما تقتضي (إن) تحقيق الإثبات أجري مجراه. وزعم سيبويه أنها مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 31، "الكتاب" 2/ 274، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 16، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 128.]]؛ لأنها جواب لما يكون بمنزلة شيء واحد، ولذلك لم ينون وبني على الفتحة، كأنها جواب قول القائل: هل من رجل في الدار؟، فـ (من) مع رجل كشيء واحد. فإن قيل: فما [[في (ب): (مما).]] أنكرت أن يكون جواب هل رجل في الدار؟ قيل: معنى (لا رجل في الدار)، عمهم [[في "المعاني" للزجاج (عموم) 1/ 32، ولعله أصوب.]] النفي، لا يجوز أن يكون في الدار رجل، ولا أكثر منه، وكذلك (هل من رجل في الدار) استفهام عن الواحد وأكثر منه. فإن قلت: (هل رجل في الدار) أو (لا رجلٌ في الدار)، جاز أن يكون في الدار رجلان، لأنك إنما أخبرت أنه ليس فيها واحد، فيجوز أن يكون فيها أكثر منه، فإذا قلت: (لا رجلَ في الدار)، فهو نفي عام، وكذلك ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [[الكلام للزجاج، انظر "المعاني" 1/ 32، وانظر "الكتاب" 2/ 274 - 276، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 129.]] وموضع ﴿لا رَيْبَ﴾ رفع بالابتداء عند سيبويه، لأنه بمنزلة خمسة [[في (ب): (خمس).]] عشر [[قال سيبويه: (لا وما عملت فيه في موضع ابتداء) "الكتاب" 2/ 275، 284، وانظر "مشكل إعراب القرآن" 1/ 16.]]، إذا ابتدأت به، ولهذا جاز العطف عليه بالرفع في قوله: لا أُمَّ لي إنْ [[في (ب): (وان).]] كان ذَاكَ ولا أَبُ [[اختلف في نسبة البيت، فقيل: لضمرة بن ضمرة، وقيل: لهمام بن مرة، وقيل: لبعض مذحج، وقيل: لزرافة الباهلي، وقيل: لهني بن أحمر، وفيه أقوال أخرى. قيل: إن هذا الشاعر كان بارًّا بأمه، وكان له أخ تؤثره عليه، فقال هذِه الأبيات، والشطر الأول: هذا وجدكم الصغار بعينه والشاهد فيه: رفع الاسم الثاني مع فتح الأول، إما بإلغاء الثانية ورفع ما بعدها بالعطف== على محل الأولى مع اسمها، فخبرهما واحد، وعلى هذا استشهد به الواحدي. وهناك تقدير آخر: وهو أن تكون الثانية عاملة عمل ليس، فيكون لكل واحدة خبر يخصها. انظر "الخزانة" 2/ 38 - 41، وقد ورد البيت عند سيبويه 2/ 292، وفي "المقتضب" 4/ 371، "شرح المفضل" 2/ 115، "شرح أبيات سيبويه" للنحاس ص54، "الحجة" لأبي علي 1/ 190، "الهمع" 5/ 288، "اللسان" (حيس) 2/ 1069.]] ومن نصب المعطوف [[في (ب): (العطوف).]] فهو عاطف على اللفظ [[انظر "الكتاب" 2/ 291، 292، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 31، 265، "المشكل" لمكي1/ 16، "الدر المصون" للسمين1/ 80، "شرح المفصل" لابن يعيش 2/ 109.]]. وسنستقصي الكلام في هذا عند قوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ (197)﴾ [البقرة: 197]، إن شاء الله. وقوله تعالى: ﴿فِيهِ﴾. يجوز [[أخذه عن أبي علي الفارسي، "الحجة" 1/ 189.]]: أن تجعله خبرا للابتداء الذي هو ﴿لَا رَيْبَ﴾ ويجوز: أن تجعله صفة لقوله ﴿لَا رَيْبَ﴾، وإذا جعلته صفة أضمرت الخبر، كأنه قيل: لا ريب فيه واقع أو كائن، فإن جعلته خبرا كان موضعه رفعا من وجهين: أحدهما: بكونه خبرًا [[في (ب): (خبر).]] للمبتدأ [[في "الحجة" (وإن جعلته خبرا كان موضعه رفعا في قياس قول سيبويه من حيث يرتفع خبر المبتدأ ....) 1/ 189، فيكون خبر لـ (لا) مع اسمها، حيث أنهما في محل رفع مبتدأ.]]. والثاني: من حيث كان خبر إن رفعا [[في "الحجة": (.. وعلى قول أبي الحسن موضعه رفع من حيث كان خبر (إن) == رفعا ..) 1/ 189، فجعل (لا) بمنزلة (إن) وجعل خبرها مرفوعا مثل خبر (إن).]]، وقد ذكرنا أن (لا) بمنزلة (إن). وإن جعلت (فيه) صفة، ولم تجعله خبرا، كان موضعه نصبا في قول من وصف على اللفظ [[يقول: إن جعلت (فيه) صفة جاز فيها النصب على الوصف للفظ اسم (لا) وهو (ريب) كما عطف عليه بالنصب في قول الشاعر: (فلا أب وابنا ...) وجاز رفع الصفة على موضع (لا ريب) كما عطف عليه بالرفع كما سبق.]]، [كما عطف [[في (ج) (ثم أعطف).]] على اللفظ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] في قوله: فلا أبَ وابْنًا مِثْلُ مَرْوانَ [[في (أ)، ج (مثل مر) والجملة ساقطة من ب. والبيت من شواهد سيبويه، وهو: لا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا يقول لا أب وابنا مثل مروان ابن الحكم وابنه عبد الملك، لشهرتهما صارا كاللابسين لرداء المجد، والشاهد عطف (ابن) مع تنوينه على لفظ اسم (لا). انظر "الكتاب" 2/ 285، "الحجة" 1/ 189، "شرح المفصل" 2/ 110، "المقتضب" 4/ 372، "الهمع" 5/ 287.]] ومن وصفه على الموضع [[في (ج) (ومن وصف على اللفظ الموضع).]]، كما عطف على الموضع في قوله: لا أمَّ لي إنْ كان ذَاكَ ولا أَبُ [[مر تخريج البيت قريبًا. انظر ص 39.]] كان موضعه على هذا رفعا [[في ج (رفع).]]. وفي قوله: ﴿فِيهِ﴾: قراءتان، إشباع (الهاء) حتى تلحق به (ياء) وكذلك في (الهاء) المضمومة [[في (أ)، (ج) (المضموم).]] مثل (منهو) و (عنهو)، وهو مذهب ابن كثير [[انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 132، "الحجة" 1/ 177. وابن كثير هو عبد الله == أبو معبد العطار الداري الفارسي الأصل، إمام أهل مكة في القراءة، من التابعين، أحد السبعة الذين أثبت ابن مجاهد قراءتهم في كتابه. (45 - 120)، انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" 1/ 86، "غاية النهاية" 1/ 443.]]. والباقون يقتصرون على الضمة والكسرة [[انظر: "السبعة" ص131،130، "الحجة" 1/ 175 - 177، "الكشف" لمكي 1/ 42.]]. وأصل (الهاء) في ﴿فيه﴾ الضم، لأن الأصل (فيهو) كما ذكرنا في (عليهو) ثم كسرت (الهاء) للعلة التي ذكرنا في (عليهم) [[إشارة إلى ما سبق في الفاتحة في القراءات في قوله (عليهم) وانظر العلة التي ذكرها أبو علي في "الحجة" 1/ 207.]] فمن اقتصر على الضمة والكسرة قال: إن (الهاء) حرف خفي [[نقل المؤلف من "الحجة"، قال أبو علي: (ومما يحسن الحذف هاهنا -مع ما ذكرنا من اجتماع المتشابهة- أن (الهاء) حرف خفي ..... إلخ) "الحجة" 1/ 209.]]، فإذا اكتنفها [[في (ج): (فإذا كثفها).]] ساكنان من حروف اللين صار كأن الساكنين قد التقيا [[في (ب). (التقتا).]]؛ لخفاء (الهاء)، وأنهم لم يعتدّوا بها حاجزًا [[كلمة (حاجزا) ليست عند أبي علي1/ 209.]] للخفاء في مواضع. ألا ترى أن من قال: (رُدُّ)، فأتبع الضمة الضمة، فإذا وصل الفعل بضمير [[في (ب): (لضمير).]] المؤنث قال: (ردَّها)، فلم يتبع الضم الضم، كما كان يتبع قبل، لأنه جعله بمنزلة (رُدَّا) وفي (رُدَّا) لا يمكن إتباع الضم الضم، وفي (رُدَّها) [[عبارة أبي علي: (.. بمنزلة (ردَّا)، فكما لم يعتد بها هاهنا، وجعلت الدال في حكم الملازقة للألف، كذلك إذا لم يعتد بها في نحو: فيهي ..) "الحجة" 1/ 209.]] جعلت الدال [[في (ب): (الدار).]] في حكم الملازمة للألف، إذ [[في (ب): (إذا).]] لم يعتد بها حاجزا، كذلك إذا لم يعتد بها في نحو (فيهي)، و (عصاهو)، و (خذوهو) صار كأن الساكنين قد التقيا. ولهذه العلة -أيضًا- حذف حرف اللين بعد (الهاء) من حذف، وإن كان الساكن الذي قبلها ليس من حروف اللين نحو: (منه) و (عنه) [[انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" 1/ 209.]]. ومثل (الهاء) [["الحجة" 1/ 210، والمعنى: مثل الهاء النون في كونه حرفا خفيا لا يعتد به حاجزا.]] في أنه [[في (ب): (إيه).]] لما كان حرفا خفيًّا لم يعتدوا به حاجزًا (النون)، وذلك في قولهم: (هو [[في (ب): (هط).]] ابن عمي دِنْيا) [[يقال: هو ابن عمه دُنْيَا مقصور، ودِنْيَةً ودِنْياً منون وغير منون، إذا كان ابن عمه لَحَّا أي أقرب من غيره ويقال ذلك في ابن العمة وابن الخال والخالة. انقلبت فيها (الواو)، (ياء) لمجاورة الكسرة، ولأن (النون) حاجز ضعيف. انظر "تهذيب اللغة" (دنا) 2/ 1233، و"اللسان" (دنا) 3/ 1436.]] و (قِنْيَة) [[في "الحجة": (وفي قولهم: "هو ابن عمي دنيا" وفي "غنية") 1/ 210، والقنية والقنوة بكسر القاف وضمها بالياء وبالواو: الكسبة، وهي كل ما اكتسبه الإنسان لنفسه ولم يعده للتجارة، وإذا كانت واوية الأصل فقد جرى فيها القلب، وعلى هذا سار أبو علي وتبعه الواحدي، ومنهم من قال أصلها يائية فلا تغيير فيها. انظر: "الحجة" 1/ 210، "تهذيب اللغة" (قنا) 3/ 3050، "مقاييس اللغة" 5/ 29، "سر صناعة الإعراب" 2/ 736، "اللسان" (قنا) 6/ 2759.]]، لما كانت (النون) خفية صارت (الواو) كأنها وليت الكسرة، فقلبتها كما قلبتها في (غازية)، و (محنية) [[الحنو: الاعوجاج، و (المحنية). منحنى الوادي. انظر "اللسان" (حنا) 2/ 1034 - 1035. وأصل (غازية): (غازوة) و (محنية): (محنوة) قلبت الواو فيهما ياء للكسرة قبلها. انظر "سر صناعة الإعراب" 2/ 587، 588.]]، ولو كان مكان (النون) [[(النون) ساقط من (ب).]] حرف غيره لم يكن فيما بعده القلب، نحو: (جرو) و (عدوة) [[(العدوة): صلابة من شاطئ الوادي. انظر "معجم مقاييس اللغة" (عدو) 4/ 252.]]. فهذا [[أي (النون) في مثل (دنيا) و (قنية).]] مثل (الهاء) في أنه للخفاء لم يعتد به حاجزا [["الحجة" 1/ 210.]]. وأما ابن كثير: فإنه يتبع هذه (الهاء) في الوصل (الواو) و (الياء) [[قال أبو علي في "الحجة": (الحجة لابن كثير في إتباعه هذِه (الهاء) في الوصل (الواو) أو (الياء) وتسويته بين حروف اللين وبين غيرها من الحروف إذا وقعت قبل (الهاء) من حجته أن (الهاء) وإن كانت خفية ... إلخ) 1/ 211.]] ويسوى بين حروف اللين وبين [[(بين) ساقط من (ب).]] غيرها من الحروف، إذا [[في (ب): (وإذا).]] وقعت قبل (الهاء) وحجته: أن (الهاء) وإن كانت خفية [[في (ب): (خفيفة).]] فليس يخرجها [[في (ب): (مخرجها).]] ذلك من أن تكون كغيرها من حروف المعجم التي لاخفاء فيها، نحو: (الدال) و (الصاد) و (الهاء). و (النون) عند الجميع في وزن الشعر بمنزلة الدال والصاد [[عبارة أبي علي في "الحجة": (.. من حروف المعجم التي لا خفاء فيها - نحو: == الراء والضاد -وإن كان في الراء تكرير وفي الضاد استطالة- وإذا كان كذلك كان حجزها بين الساكنين كحجز غيرها من الحروف التي لا خفاء فيها .. إلخ). "الحجة" 1/ 211.]]، وإذا كان كذلك كان حجزها [بين الساكنين كحجز] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] غيرها [["الحجة"1/ 211، وانظر: "الكشف" لمكي 1/ 42، 43.]]. وقوله تعالى ﴿هُدًى﴾: قال سيبويه: قلّما [[(قل) ساقط من (ب).]] يكون ما ضم أوله من المصدر إلا منقوصًا، لأن (فُعَل) لا تكاد [[في (ب): (لا يكاد).]] تراه مصدرًا من غير بنات [[في (ب): (من غير أن تران).]] (الياء) و (الواو) [[(غير بنات الواو والياء، أي: الصحيح اللام، فـ (فُعَل) لا يكون مصدرا في الصحيح اللام إلا قليلا، والمعتل يجري مجرى الصحيح. انظر "الحجة" 1/ 180، وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" 4/ 46.]] كالهُدى والسُّرى، والنُّهى [[(النهى) ساقط من (ب).]]، والتُّقَى، والقِرى، والقِلَى [[في "الحجة": (قالوا: هَدَيْته هُدى ولم يكن هذا في غير (هدى)، وذلك لأن (الفِعَل) لا يكون مصدراً في هديته، فصار (هُدى) عوضا منه، قالوا: قريته قِرى وقليته قِلَى فأشركوا بينهما في هذا ..) 1/ 181 فأشركوا بين (فُعَل) و (فِعَل) انظر "الكتاب" 4/ 46.]]، وقالوا: كِسْوَة، ورِشْوَة، وجِذْوَة، وصُوَّة [[(الصوة) جماعة السباع، والحجر يكون علامة في الطريق، ومختلف الريح وصوت الصدى، وما غلظ وارتفع من الأرض. انظر "اللسان" (صوى) 14/ 471، "القاموس" ص 1304.]]، وإذا [[في (ب): (فإذا).]] جمعوا جمعوها على (فِعَل) و (فُعَل)، ومنهم من يضم في الواحد ويكسر في الجمع [[فيقولون: رشوة ورشا. انظر: "الكتاب" 4/ 46.]]، ويجوز [[في (ب): (ونحوه).]] الكسر في واحده، والضم في الجمع [[في أ (الجميع). مثال المكسور في الواحد والمضموم في الجمع: (رشوة ورشا) "الكتاب" 4/ 46.]]، وهذا مما يدلك على اشتراكهما. وقال أناس من النحويين [[في "الحجة". (ويقويه -أيضًا- أن ناسًا من النحويين يزعمون أنه قد يجري الأسماء التي ليست لمصادر ... إلخ) 1/ 182.]]: إنه قد تجرى الأسماء التي ليست بمصادر مجرى المصادر فيقولون: جلس جلسة، وركب ركبة، ويقولون: عجبت من دهنك لحيتك [[قوله. (جلسة) و (ركبة) و (دهن) ليست مصادر وأجريت مجرى المصادر.]]، وينشدون: وبعد عطائك المائة الرتاعا [[البيت من قصيدة للقطامي يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وصدر البيت: أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي يقول: لا أكفر معروفك بعد أن أطلقتني من الأسر، وأعطيتني مائة من الإبل الرتاع أي الراعية، ورد البيت في "الشعر والشعراء" ص 483، "الحجة" 1/ 182، "الخصائص" 2/ 221، "شرح المفصل" 1/ 20، "شرح شذور الذهب" ص 491، "الهمع" 3/ 103، "الخزانة" 8/ 136، والشاهد: إعمال العطاء على أنه بمعنى الإعطاء.]] فيجري [[في (ب): (فتجرى) وفي "الحجة": (فيجرونه مجرى الإعطاء) 1/ 182.]] مجرى الإعطاء، وقال لبيد [[هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب العامري، كان من شعراء الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم، وقدم على رسول الله ﷺ في وفد بني كلاب، مات بالكوفة في خلافة معاوية، وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. انظر: "الشعر والشعراء" ص167، "طبقات ابن سعد" 6/ 33، "الإصابة" 3/ 326، "الخزانة" 2/ 246.]]: بَادَرْتُ حَاجَتَها [[في (ب): (باكرت حنامها).]] الدَّجَاج [[البيت من معلقة لبيد وتمامه: بادرتُ حاجَتها الدجاجَ بسحرة ... لِأُعَلَّ منها حين هبّ نيامُها ويروى (باكرت) يذكر الخمر يقول: سابقت صياح الدجاج لحاجتي إليها، لِأُعَلَّ منها: أي أسقي منها مرة بعد مرة، حين هب نيامها، انظر "شرح ديوان لبيد" ص 315، "الحجة" 1/ 182، "المعاني الكبير" 1/ 453، "شرح القصائد المشهورات" للنحاس1/ 163، "اللسان" (بكر) 1/ 332، "الخزانة" 3/ 104.]] وفسروه على حاجتي [[(حاجتي) ساقط من (ب).]] إليها [[في "الحجة". (وفسروه على باكرت حاجتي إليها ..) وروايته للبيت (باكرت) 1/ 183.]]، فأضيف إلى المفعول كما يضاف المصدر إليه، فعند هؤلاء (الهُدى والسُّرى والتُّقَى) أسماء أجريت مجرى المصادر [[فتضاف للمفعول كما يضاف المصدر إليه. انظر "الحجة" 1/ 183.]]، وليست مصادر [[في (ج): (مصاد).]] حقيقة. وزعم الأخفش: أن من العرب [[هم بنو أسد. انظر (المذكر والمؤنث) للفراء ص 87.]] من يؤنث الهدى [[في "الحجة": وقال أبو الحسن: زعموا أن من العرب من يؤنث الهدى. "الحجة" 1/ 183، وانظر: "معاني القرآن" للاخفش 1/ 179.]]. ومعنى الهدى: البيان، لأنه قد قوبل به الضلال في قوله عز وجل ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: 198]، [أي من قبل هداه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب) والكلام أخذه عن أبي علي في "الحجة" 1/ 186، وانظر: "الطبري" 1/ 98، "معاني الزجاج" 1/ 33، "تفسير أبي الليث" 1/ 90.]]. وقوله تعالى: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾. الاتقاء في اللغة: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقاه بترسه، أي: جعل الترس حاجزا بينه وبينه، واتقاه بحقه، إذا وفاه [[في (ب): (وقاه).]]، فجعل الإعطاء وقاية بينه وبين خصمه عن نيله إياه بيده أو لسانه، ومنه (التقية في الدين) بجعل ما يظهره حاجزا بينه وبين ما يخشاه من المكروه [[انظر: "تهذيب اللغة" (تقي)، (وقى) 1/ 44، "الصحاح" (وقى) 6/ 2527، "اللسان" (وقى) 8/ 4902، (لباب التفاسير) للكرماني 1/ 111، (رسالة دكتوراه).]]، ومنه الحديث: كنا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله ﷺ، وكان أقربنا إلى العدو [[أخرجه مسلم في "صحيحه" في قصة غزوة حنين وفيه: (... قال البراء: كنا والله إذا أحمر البأس نتقى به وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني رسول الله ﷺ) مسلم 1776/ 79، كتاب الجهاد، غزوة حنين، وذكره البيهقي في "دلائل النبوة" 5/ 135.]]. فالمتقي هو الذي يتحرز بطاعته عن العقوبة، ويجعل اجتنابه عما نهى، وفعله ما [[في (ب): (عما أمر) تصحيف.]] أمر، حاجزًا بينه وبين العقوبة التي توعد [[في (ب): (يدعو).]] بها العصاة. وكان (اتقى) [[في (ب): (من في).]] في الأصل (اوْتقى) [[بكسر الهمزة وسكون الواو.]] لأنه (افتعل) [[في (ج): (لا افتعل).]] من الوقاية، وأصل هذا الباب بالواو [[في (ج): (من الواو).]]، كالاتزان [[في (ب): (كالا يزان).]] من الوزن، والاتضاح من الوضوح، إلا أن الواو صارت (ياء) لانكسار ما قبلها وهي ساكنة، ثم اندغمت (الياء) في (تاء) [[في (ب): (مما).]] الافتعال بعدما صارت (تاء)، فتولدت التشديدة لذلك [[انظر. "تهذيب اللغة" (تقى) 1/ 444، "الصحاح" (وقى) 6/ 2526، "سر صناعة الإعراب" 1/ 147.]]. وقال أبو الفتح الموصلي [["سر صناعة الإعراب" 1/ 147.]]: إن (افْتَعَل) إذا كانت فاؤه (واوا)، فإن (واوه) تقلب [[في (ج): (تقلب الفاتا).]] (تاء)، وتدغم في (تاء) (افْتَعَل) مثل (اتَّعد) [[في (ب): (ما اتعد).]] و (اتَّلج) (اتَّصف). والعلة في قلب هذه الواو (تاء)، أنهم لو لم يقلبوها (تاء) لوجب أن يقلبوها إذا انكسر ما قبلها (ياء)، فيقولوا: [[في جميع النسخ (فيقولون). وفي "سر صناعة الإعراب" (فيقولوا) وفي الحاشية قال: في ل (فيقولون) 1/ 147.]] (ايتقى) [[عند أبي الفتح فيقولوا: (أيتزن، ايتعد، ايتلج) 1/ 147، فلم يرد لفظ (أيتقى).]] وإذا [[في (ج): (إذا) مكررة.]] انضم ما قبلها ردت إلى (الواو) فقالوا: (مُوتَق) [[عند أبي الفتح (مُوتَعِد) و (مُوتَزِن) و (مُوتَلج) 1/ 147.]]، وإذا انفتح ما قبلها قلبت (ألفا)، فقالوا: (ياتقي) [[عند أبي الفتح: يَا تَعِدُ، ويَا تَزِنُ، ويَا تَلِجُ 1/ 148.]]، فلما [[في (ج): (فكانوا).]] كانوا لو لم يقلبوها (تاء) صائرين من قلبها [[في جميع النسخ (قبلها): والتصحيح من "سر صناعة الإعراب" 1/ 148.]] مرة (ياء) ومرة (ألفا)، ومرة (واوا)، أرادوا أن يقلبوها حرفا جلدا تغير أحوال ما قبله، وهو باق بحاله، وكانت (التاء) [[في (ب): (الباء).]] قريبة المخرج من (الواو)، لأنها من أصول الثنايا، والواو من الشفة، فأبدلوها (تاء) وأدغموها في لفظ ما بعدها وهو (التاء) وقالوا: اتقى [[في (ب): (أتقا) وعند أبي الفتح (أتعد، واتزن) 1/ 148.]]، وقد فعلوا هذا أيضًا في (الياء) وأجروها مجرى (الواو) فقالوا في (افتعل) من اليسر: أتسر [[في (ب): (السر).]]، ومن اليبس: اتبس [[في (ج): (التبس).]]، لهذه العلة [[عند أبي الفتح: (.. وذلك لأنهم كرهوا انقلابها (واوا) متى انضم ما قبلها في نحو: (موتبس) وألفا في (يا تبس)، فأجروها مجرى الواو فقالوا: اتَّبَس وأتَّسَر. ومن العرب من لا يبدلهما (تاء) ويجري عليهما من القلب ماتنكبه الآخرون فيقول: إيتَعد أيتَزن ايتبس ... واللغة الأولى أكثر وأقيس ...)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 148، وانظر "المنصف" 1/ 222، 228.]]. وإدغام (الياء) في (التاء) على هذه الجهة، إنما يجوز إذا كانت [[كذا ورد في جميع النسخ ولعل الأولى (إذا كانتا).]] في كلمة واحدة، فإذا التقتا من كلمتين لم يجز الإدغام، نحو قولك: (في تبيانه)، و (في تمثاله)، وذلك أنه [[(أنه) ساقط من (ج).]] لو أجرى [[في (ب): (أجرا).]] الكلام هاهنا على الإدغام، أشبه الألف واللام. هذا هو الأصل، ثم صارت التاء لازمة حتى صارت كالأصلية [[في (ب): (كالا مطيه).]]، لأنه لا يجوز إظهار [[في (ب): (إظهارها).]] هذا الإدغام في حال [[انظر "تهذيب اللغة" (تقى) 1/ 444.]]. وقد بني على هذا الإدغام أسماء كثيرة، وهي: التُّخَمَة والتُّجَاه [[في (ب): (التحافه).]]، والتُّرَاث، والتّقوى، والتُّكْلَان، والتُّكَلَة، والتُّؤَدَة، والتُّهمَة [[انظر: "الكتاب" 4/ 332.]]. الحراني [[أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني اللغوي، لغوي صدوق، أخذ عن ابن السكيت، ونقل عنه الأزهري في "التهذيب" من طريق المنذري، توفي سنة خمس وتسعين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 13/ 536، "إنباه الرواه" 2/ 115، "سير أعلام النبلاء"13/ 536.]] عن ابن السكيت [[أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت، النحوي اللغوي، كان موثقا بروايته، مات سنة أربع وأربعين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 14/ 273، "وفيات الأعيان" 6/ 395، "إنباه الرواة" 4/ 50، "معجم الأدباء" 20/ 50.]] يقال: اتَّقَاه بِحَقِّه يَتَّقِيه، وتَقَاهُ يَتَّقِيه، وأنشد عن الأصمعي [[في "التهذيب": (وأخبرني المنذري، عن الحراني، عن ابن السكيت، قال: يقال: اتقاه ... الخ. وأنشد ثم ذكر بيتين غير ما ذكر المؤلف، ثم قال: وقال الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر) (التهذيب) (تقى) 1/ 444، وانظر كلام ابن السكيت في "إصلاح المنطق" ص 24.]] قال: أنشدني عيسى بن عمر [[ورد اسمه في "التهذيب": (عيسى بن عمرو) وهو تصحيف، والصحيح (ابن عمر) وهو عيسى بن عمر البصري الثقفي المقرئ النحوي، كان في طبقة أبي عمرو بن العلاء، وعنه أخذ الخليل، توفي سنة تسع وأربعين ومائة. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص 40، "نزهة الألباء" ص 28، "إنباه الرواة" 2/ 374، "معجم الأدباء" 4/ 519، "وفيات الأعيان" 3/ 486.]]: جَلَاهَا الصَّيْقَلُونَ فَأخْلَصوهَا ... خِفَافاً كُلُّهَا يَتَّقِي بِأَثْرِ [[البيت لخفاف بن ندبة، يذكر السيف. والصيقلون: جمع صيقل وهو شحاذ السيوف == وجلاؤها، يقول: جلوا تلك السيوف حتى إذا انظر الناظر إليها اتصل شعاعها بعينه فلم يتمكن من النظر إليها، فكلها يستقبلك بفرنده، و (يتقى) مخفف (يتقى) وهذا مكان الشاهد من البيت. ورد البيت في (إصلاح المنطق) ص 23، "تهذيب اللغة" (تقى) 1/ 444، "الصحاح" (وقى) 6/ 2527، "معجم مقاييس اللغة" (أثر) 1/ 56، "الخصائص" 2/ 286، "اللسان" (أثر) 1/ 26، (وقى) 8/ 4902.]] أي: كلها يستقبلك بفرنده [[في (ج): (بفيرنده). (إصلاح المنطق) ص 4، "التهذيب" (تقى) 1/ 444.]]. وقال أوس بن حجر: تَقَاكَ بِكَعْب وَاحِدٍ وَتَلَذُّهُ ... يَدَاكَ إذَا مَا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ [[يصف رمحاً يقول: اتقاك برمح تلذه يداك: أي لا يثقلهما، إذا هز بالكف يعسل أي. يضطرب ويهتز. ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص 24، "الخصائص" 2/ 286، "الصحاح" (عسل) 5/ 1765، (وقى) 5/ 2527، "المحكم" 1/ 170، "اللسان" (عسل) 5/ 2946، (وقى) 15/ 403، (أساس البلاغة) (كعب) 2/ 312، "الحجة" لأبي علي3/ 28.]] أي اتقاك، ومعناه: جعل بينك وبينه كعبا واحدا [[(واحدا) ساقط من (ب).]]، يصف رمحا، يقول [[في (ب). (يقال).]]:كأنه كعب واحد، إذا هززته اهتز [[في (ب): (يهتر) في (ج): (كأنه يقول كأنه كعب).]] كله. وقال أبو سعيد السكري [[هو الحسن بن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العلاء بن أبي صفرة بن المهلب بن أبي صفرة السكري النحوي، كان ثقة دينا صادقا، انتشر عنه من كتب الأدب شيء كثير (212 - 275 هـ). انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 7/ 296، "معجم الأدباء" 2/ 478، "إنباه الرواة" 1/ 291، "نزهة الألباء" ص 160.]]: تقاك: وليك منه كعب. قال: ويقال: إبلك [[في (ب): (ابنك).]] اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار مما يليك [[في (ب): (للصفار ما يليك).]] ووقت أنفسها بها. وقوله: (تقاك) تقديره [[في (ج): (تقريره).]] (تَعَلَكَ) [[في (ب): (تعلل).]] والأصل: (اتَقَاك)، فحذف (فاء) الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها [[في "الحجة" لأبي علي: (... وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطرد وقولهم في المضارع ... إلخ) 3/ 29.]]. وقولهم في المضارع (يتقى) تقديره (يَتَعِل) [[انظر قول السكري في "الحجة" لأبي علي3/ 29.]]. قال الأزهري: اتَّقَى كان في الأصل (اوْتَقَى) فأدغمت الواو في التاء وشددت فقيل (اتَّقَى) ثم حذفوا ألف الوصل، والواو التي انقلبت تاء، فقيل: تَقَى يَتَقِى، بمعنى [[في "التهذيب" (بمعنى: توقي). "التهذيب" (تقى) 1/ 444.]]: استقبل الشيء بالشيء وتوقاه. قال السكري: وتَقَى يَتَقِى بفتح (التاء) شاذ جدا، لأنه لا يقال: تَضح بمعنى اتَّضح [[في (ب): (بفتح معنى الفتح).]]، ولا تَزَن بمعنى اتَّزَن [[انظر "اللسان" (وقى) 8/ 4902.]]. قال [[(قال) ساقط من (أ) و (ج).]] الأزهري: وإذا قالوا: تَقِيَ يَتْقَى [[في (ب): (تقى يقي).]] فالمعنى: أنه صار تقيا [["تهذيب اللغة" (تقى) 1/ 444.]]. والمراد بالمتقين في هذه الآية: المؤمنون، كذلك قال أهل التفسير في قوله: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي: للمؤمنين [[ذكر ابن جرير بسنده عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ (للمتقين): هم المؤمنون، 1/ 100، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 42/ أ.]]، كأنه قال: القرآن بيان وهدى لمن اتقى الشرك، فخص المؤمنين بأن الكتاب بيان لهم دون الكفار الذين لم يهتدوا بهذا الكتاب، فأما من آمن ولم يجتنب الكبائر، فهو داخل في جملة المتقين [[رجح ابن جرير: أن المراد عموم التقوى، ولا تخص معنى دون معنى، ثم قال: فقد تبين إذا فساد قول من زعم أن تأويل ذلك إنما هو. الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق، لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسق غير مستحق أن يكون من المتقين ... الخ. "تفسير الطبري" 1/ 101، وانظر "تفسير أبي الليث" 1/ 90، وابن عطية 1/ 144]] أيضًا لأنه آمن بموجب الكتاب، واتقى الشرك. وقيل: إن الكتاب بيان بنفسه ودلالة على الحق، ولكنه أضافه إلى المؤمنين خصوصا، لانتفاعهم به، والكافر لو تأمل القرآن لوجده بيانا، فهو في كونه بيانا في نفسه لا يتخصص بقوم دون قوم، ولكنه أضيف إلى المؤمنين على الخصوص لانتفاعهم به دون الكفار [[ذكره أبو الليث في "تفسيره" 1/ 90، ونحوه في القرطبي 1/ 140 - 141، "زاد المسير" 1/ 24.]] كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: 45]، وكان ﷺ منذرا لمن يخشى ولمن لم يخش. وقال ابن الأنباري: معناه: هدى للمتقين والكافرين، فاكتفى بأحد [[في (ب): (بإحدى).]] الفريقين من [[في (ب): (عن).]] الآخر، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: 81] وقوله: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ [آل عمران: 113] أراد وأخرى غير قائمة [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه لابن الأنباري 1/ 24.]]. وقال أبو ذؤيب [[هو خويلد بن خالد الهذلي، شاعر مجيد مخضرم، أدرك الإسلام وقدم المدينة عند وفاة النبي ﷺ وأسلم، توفي في غزوة افريقية مع ابن الزبير، انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 435، "الاستيعاب" 4/ 65، "معجم الأدباء" 3/ 306، "الخزانة" 1/ 422.]]: فَمَا أَدْرى أَرُشْدٌ طِلابُهَا [[جزء من بيت لأبي ذؤيب الهذلي، من الطويل. وتمامه: عصاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدرى أرشد طلابها يقول: إن قلبه عصاه فلا يقبل منه، فيذهب إليها قلبه سفها، فأنا اتبع ما يأمرني به، فما أدرى أرشد أم غي. ويروى البيت (عصيت إليها القلب ...). ورد البيت عند الفراء في "معاني القرآن" 1/ 230، وابن قتيبة في "المشكل" ص 215، والسكري في "شرح أشعار الهذليين" 1/ 43، وابن هشام في "مغني اللبيب" 1/ 14، 43، 2/ 628، والبغدادي في "خزانة الأدب" 11/ 251]] (وأراد: أم غيّ). والدليل على هذا: أنه قال في موضع آخر: ﴿هُدًى لِّلنَّاسَ﴾ [[سورة آل عمران: 4، كما ورد هذا في ذكر الكتاب الذي أنزل على موسى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ [الأنعام: 91].]] فجعله هدى للناس عاما، على أنه ليس في الإخبار أنه ﴿هُدًى للِمُتَّقِينَ﴾ ما يدل على أنه ليس هدى لغيرهم. فأما إعراب ﴿هُدًى﴾ فقال أبو إسحاق [["معاني القرآن" 1/ 33.]]: موضعه نصب من وجهين: أحدهما: أن يكون منصوبا على الحال من قولك: القرآن ذلك الكتاب هدى، فيكون حالا من الكتاب، كأنك قلت: هاديا؛ لأن (هدى) جاء بعد تمام الكلام، والعامل فيه يكون معنى الإشارة في ذلك [[من قوله: فيكون حالا من الكتاب ... إلى (في ذلك) ليس في "المعاني" 1/ 33.]]. والثاني: أن يكون منصوبا على الحال من (الهاء) في قوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ كأنك قلت: لا شك فيه هاديا، والعامل فيه معنى ريب [[ذكر قول الزجاج بمعناه 1/ 33، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 180، "إملاء ما من به الرحمن" للعكبري1/ 16، "مشكل إعراب القرآن" المكي 1/ 17.]]. والفراء يسمي الحال هاهنا: قطعا [[وبهذا أخذ الكوفيون. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 130.]]، لأنه قال [["معاني القرآن" للفراء 1/ 45، وانظر "تفسير الطبري" 1/ 99، وقد رد الطبري على الفراء قوله.]]: تجعل ﴿الكتاب﴾ خبرا لـ ﴿ذلك﴾ وتنصب ﴿هدى﴾ [[(هدى) ساقط من (أ) و (ج) وثابت في (ب)، "معاني القرآن" للفراء 1/ 12.]] على القطع، لأن ﴿هدى﴾ نكرة اتصلت بمعرفة، والنكرة لا تكون دليلا على معرفة. قال: وإن شئت قطعته [[عبارة الفراء: (وإن شئت نصبت (هدى) على القطع من الهاء التي في (فيه) ...) 1/ 12.]] من الهاء التي [[في (ب): (إلى).]] في ﴿فيه﴾، كأنك قلت: لا شك فيه هاديا. قال أبو إسحاق [["معاني القرآن" 1/ 33.]]: ويجوز أن يكون موضعه رفعا من جهات: إحداها: أن يكون [[في (ب): (تكون).]] خبرا بعد خبر، كأنه قال: (ذلك الكتاب هدى)، أي قد جمع أنه الكتاب الموعود، وأنه هدى، كما تقول: هذا حلو حامض، أي قد جمع الطعمين [[تعقب أبو علي الفارسي الزجاج في هذا وقال: فالقول في هذا على هذا الوجه مشكل ... ثم شرح وجه إشكاله. انظر: "الحجة" 1/ 198.]]. ويجوز: أن يكون رفعا على إضمار (هو) كأنه لما تم الكلام قيل: هو هدى [[عبارة الزجاج: (.. كأنه لما تم الكلام فقيل: ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ قيل: هو هدى) 1/ 33.]]. ويجوز: أن يكون الوقف على قولك [[في (ج): (قوله).]]: ﴿لَا رَيْبَ﴾، [أي: ذلك الكتاب لا ريب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] ولا شك [[عبارة الزجاج كما في المطبوع: (ويجوز أن يكون رفعه على قولك: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) كأنك قلت: ذلك الكتاب حقا ... إلخ) فلعل وجود (فيه) في المطبوع تصحيف. والله أعلم. انظر "المعاني" 1/ 33.]]، كأنك قلت: ذلك الكتاب حقا، لأن (لا شك) بمعنى: حق، ثم قيل [[(قيل) ساقط من (ب).]] بعد (فيه هدى) [[انتهى كلام الزجاج. أنظر "المعاني" 1/ 33، وانظر "معاني القرآن" للفراء ص 44، "تفسير الطبري" 1/ 99، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 129 - 130، "المشكل" لمكي1/ 17، و"إملاء ما من به الرحمن" 1/ 11.]]. فإن قيل: كيف قال: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [[(فيه) ساقط من (ب).]]، وقد ارتاب فيه المرتابون؟ قيل: معناه أنه حق في نفسه وصدق، وإن ارتاب المبطلون [[ذكره بمعناه أبو الليث 1/ 90، وابن الجوزي في "زاد المسير" واستشهد بالبيت 1/ 24.]]، كما [[(كما) ساقط من (ب).]] قال الشاعر: ليس في الحق يا أُمَيمةَ [[في (ب): (أمية).]] رَيْبٌ ... إنَّما الرَّيْبُ ما يَقُول الكَذُوبُ [[البيت لعبد الله بن الزبعرى ورد في الماوردي 1/ 67، رسالة دكتوراة "زاد المسير" 1/ 24، والقرطبي1/ 138، "البحر المحيط" 1/ 33، "الدر المصون" 1/ 86.]] فنفى الريب عن الحق، وإن كان المتقاصر في العلم يرتاب [[أي فالاعتبار لمن كان معه من الأدلة ما لو تأمله المنصف المحق لم يرتب فيه، ولا اعتبار لمن وجد منه الريب، لأنه لم ينظر حق النظر. "الفتوحات الإلهية" 1/ 11.]]. ويجوز: أن يكون خبرا في معنى النهي [[في (ب): (الأمر).]]، ومعناه: لا ترتابوا [[في (ب): (لا يرتابوا).]]، كقوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ [[في (ب) لفظ (ولا فسوق) مكرر.]] وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [[ذكر هذا الكلام ابن الجوزي في "زاد المسير"، ونسبه للخليل، وابن الأنباري 10/ 23، وقد أجاب الواحدي عن السؤال بجوابين، وهناك جواب ثالث: وهو أنه مخصوص والمعنى (لا ريب فيه عند المؤمنين)، والجواب الأول أحسنها. ذكر ذلك الجمل في "الفتوحات الإلهية" 1/ 11.]] [البقرة: 197].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب