الباحث القرآني

ثم بين أن المحرَّم ما هو [[سقطت: (هو) في (ش).]]، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ الآية. ﴿إِنَّمَا﴾ تكون على وجهين [[ينظر في (إنما) وإعرابها: "تفسير الطبري" 2/ 84، "الكتاب" لسيبويه 2/ 138، و3/ 116 - 131، "التبيان" 1/ 140 - 141.]]: أحدهما: أن تكون حرفًا واحدًا، وما بعده من الأفعال يكون عاملًا في الأسماء على حسب عمله، فتقول: إنما دخلت دارَك، وإنما أعجبتني دارُك، وإنما مالي مالُك. والوجه الآخر: أن تكون حرفين: ما منفصلة عن إنّ، وتكون بمعنى الذي [[في (ش): (الذين).]]، وإذا [[في (م): (وإن).]] كان كذلك وصلتها بما توصل به (الذي)، ثم ترفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة، كقولك: إنّ ما أخذت مالُك، وإنّ ما ركبتُ دابتُك، وفي التنزيل كثيرًا ما أتى على الوجهين: كقوله [[في (م): (زيادة إنما الله إله).]]: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النساء: 171]، ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ﴾ [هود: 12]، فهذه حرفٌ واحد؛ لأن (الذي) لا يصلح في موضع (ما). وأما التي [[في (م): (الذي).]] في مذهب (الذي) فقوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ [طه: 69]، ولو نصب كيدَ ساحر على أن تجعل (إنما) حرفًا واحدًا كان صوابًا، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ [العنكبوت: 25]، تنصب المودة وترفع، على ما ذكرنا من الوجهين، هذا كله قول الفراء [["معاني القرآن" للفراء، وينظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 229.]]. وقال الزجاج: ﴿إِنَّمَا﴾ إذا جعلته كلمةً واحدةً كان إثباتًا لما يذكر بعده ونفيًا لما سواه، فقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ معناه: ما حرم عليكم إلا ما ذكر، كقول الشاعر: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي [[مطلع البيت: أنا الذائد الحامي الذمار وإنما والبيت للفرزدق في "ديوانه" ص 712، "معاني القرآن" للزجاج، "معاهد التنصيص" 1/ 89.]] المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، وإنما صارت كلمة إنما إثباتًا للشيء ونفيًا لما سواه؛ لأن كلمة (إنّ) للتوكيد في الإثبات، و (ما) تكون نفيًا، وإذا قال [[في (م): (وإذا كان قال).]] القائل: إني بشرٌ، فالمعنى: أنا بشرٌ على الحقيقة، وإذا قال: إنما أنا بشرٌ، كان المعنى: ما أنا إلا بشرٌ [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 342 - 343.]]. والميتة: ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يُذبح [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1343، "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 132، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 52، "تفسير القرطبي" 2/ 203 - 204، وتعريف المؤلف رحمه الله ناقص؛ فإنه لم يدخل فيه أيضًا ما ذبح بطريقة غير شرعية، قال الجصاص 1/ 132: "الميتة في الشرع: اسم حيوان الميت غير المذكى، وقد يكون ميتة بأن يموت حتف أنفه من غير سبب لأدمي فيه، وقد يكون ميتة لسبب فعل آدمي إذا لم يكن فعله على وجه الذكاة المبيحة له".]]. وتحريم الميتة مخصوص بالسنة لقوله ﷺ: "أُحِلّتْ لنا ميتتان" [[أخرجه ابن ماجه (3218) كتاب الصيد، باب: صيد الحيتان والجراد، وأحمد في "المسند" 2/ 97، وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" ص260، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 331، والدارقطني في "سننه" 4/ 272، وابن عدي في "الكامل" 4/ 271، والبيهقي في "سننه" 1/ 254، كلهم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن ابن عمر مرفوعًا وأخرجه ابن عدي في "الكامل" == 1/ 397، من طريق عبد الرحمن وأسامة وعبد الله بني زيد بن أسلم وبنو زيد متكلم فيهم. وقد صحح الحديث موقوفًا أبو زرعة في "علل الحديث" 2171، والبيهقي وهو موقوف له حكم الرفع. ينظر: "حاشية أبي الطيب على سنن الدارقطني" 4/ 272، "السلسلة الصحيحة" 3/ 111، وتحقيق "تفسير الثعلبي" للدكتور خالد العنزي 1/ 1346.]]. وكذلك الدم يخصه قوله تعالى: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: 145]، فقيد هناك، وأطلق هاهنا، والمطلق يحمل على المقيد [[ينظر: "تفسير الطبري" 8/ 71، الثعلبي 1/ 1343، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي 1/ 71 - 72، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 52، "تفسير القرطبي" 2/ 199.]]، وقولُه ﷺ: "وَدَمَان" وكانت العرب تجعل الدَّمَ في المباعر، وتشويها ثم تأكلها [[في (م): (وتأكلها).]]، فحرّم الله تعالى الدم. وقوله تعالى: ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ أراد: الخنزيرَ بجميع أجزائه، وخص اللحم؛ لأنه المقصود بالأكل [[وقد حكي الإجماع على هذا، وممن حكاه: السمرقندي 1/ 177، وابن حزم في "المحلى" 7/ 391، وابن رشد في "بداية المجتهد" 1/ 452، وابن عطية 2/ 69، والرازي 5/ 22، والقرطبي 2/ 205، والشوكاني في "فتح القدير" 1/ 262.]]، ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ أبو عبيد: قال الأصمعي: الإهلال أصله: رفع الصوت، وكل رافع صوتَه فهو مُهِلّ، قال ابن أحمر [[هو عمرو بن أحمر بن العمرو بن تميم بن ربيعة الباهلي، أبو الخطاب، أدرك الإسلام فأسلم، وغزا مغازي الروم، وأصيبت إحدى عينيه هناك، ونزل الشام، وتوفي على عهد عثمان، وهو صحيح الكلام، كثير الغرائب. ينظر: "طبقات فحول الشعراء" 2/ 571، و 580، و"الشعر والشعراء" ص 223.]]: يُهِلُّ [[في (م): (هل).]] بالفَرْقَدِ رُكْبَانُها ... كمَا يُهِل الراكبُ المُعْتَمِرْ [[البيت في "ديوانه" ص 66، "مجاز القرآن" 1/ 150، "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 173، "تفسير السمعاني" 2/ 130، الثعلبي 1/ 1346، "لسان العرب" 3/ 1595، و 1714، 5/ 3102.]] هذا معنى الإهلال في اللغة، ثم قيل للمُحْرِم: مُهِل، لرفعه الصوت بالتلبية، يقال: أهَلّ فلانٌ بحَجَّةٍ أو عُمْرةٍ، أي: أحْرَم بها؛ وذلك لأنه يرفع الصوت بالتلبية عند الإحرام، والذابحُ مُهِلّ، وذلك لأنه كان يسمي الأوثان عند الذبح، ويرفع صوته بذكرها [[ينظر في الإهلال: "تفسير الطبري" 2/ 85، والثعلبي 1/ 1345، "المفردات" ص 522، "اللسان" 8/ 4689.]]. فمعنى قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: يعني: ما ذبح للأصنام [[رواه عنه الطبري 2/ 85.]]، وهو قول مجاهد [[رواه عنه الطبري 2/ 85.]] والضحاك [[رواه عنه الطبري 2/ 85.]] وقتادة [[رواه عنه الطبري 2/ 85.]]. وقال الربيع [[رواه عنه الطبري 2/ 85.]] وابن زيد [[رواه عنه الطبري 2/ 86. وقد حكى الإجماع الواحدي في "الوسيط" 1/ 257 على أن ما أهل به لغير الله يشمل ما ذبح للأصنام، وذكر عليه غير اسم الله، وحكاه الجصاص في "أحكام القرآن" 1/ 154، وينظر: "تفسير الطبري" 2/ 86، 8/ 71، "النكت والعيون" للماوردي، "معالم التنزيل" 1/ 183، "فتح القدير" 1/ 262، "روح المعاني" 2/ 42.]]: يعني: ما ذكر عليه غير اسم الله عز وجل. قال الكلبي [[لم أجده.]]: وإن ذبحه مسلم لم يحل أكله، وقال أهل العلم: لو أن مسلمًا ذبح ذبيحة وقصد بذبحها التقرب إلى غير الله صار مرتدًّا، وذبيحته ذبيحة مُرتد [[ينظر: "إعلام الموقعين" 4/ 404،، "المغني" 12/ 276، و"القول المفيد شرح كتاب التوحيد" 1/ 214.]]. وهذا الحكم في غير ذبائح أهل الكتاب، وذبائحهم تحل لنا، لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5] [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1348، القرطبي 2/ 208 - 214.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ أي: أُحْوِجَ وألجئ، وهو افتُعِل من الضرورة، قال الأزهري: معناه ضُيق عليه الأمر بالجوع، وأصله: من الضرر وهو الضيق [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1350، "المفردات" ص 296 - 297، "البحر المحيط" 1/ 490، "القاموس" ص 428.]]. وقرئ: برفع النون وكسرها في ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ [[قرأ أبو عمرو ويعقوب وعاصم وحمزة بكسر النون وضم الطاء، وأبو جعفر بضم النون وكسر الطاء، والباقون بضمهما معًا. ينظر: "النشر" 2/ 225، "البدور الزاهرة" ص 54.]] فمن رفع فللإتباع، ومن كسر فعلى أصل الحركة. لالتقاء الساكنين [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1350، "التبيان" ص 110، "البحر المحيط" 1/ 490.]]. وفي الآية إضمار، معناه: فمن اضطر إلى شيء مما ذكرنا أنه محرّم، ويدخل تحت قوله: ﴿اضْطُرَّ﴾: أن يحوج إليه لبؤس، أو يضطر [[ليست في: (أ) ، (ش).]] أو يُكره عليه لخوف، والإكراه مذهب مجاهد [[رواه عنه الطبري 2/ 86.]]. وقوله تعالى: ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ يصلح أن يكون ﴿غَيْرَ﴾ حالًا للمضطر، ولا يصلح أن يكون استثناءً؛ لأن ﴿غَيْرَ﴾ هاهنا بمعنى: النفي؛ ولذلك عطف عليها بلا؛ لأنها في معنى لا [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 86، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 230، "تفسير الثعلبي" 1/ 1350، "التبيان" ص 110 قال الثعلبي: وإذا رأيت (غير) تصلح في موضعها (لا)، فهي: حال، وإذا صلح في موضعها (إلا)، فهي: استثناء، فقس على هذا ما ورد عليك من هذا الباب.]]. قال الفراء: (غير) في هذا الموضع حال للمضطر، كأنك قلت: فمن اضطر لا باغيًا ولا عاديًا فهو له حلال [["معاني القرآن" للفراء 1/ 102 - 103.]]. وقوله: ﴿بَاغٍ﴾ أصل البغي في اللغة: الفساد وتجاوز الحد، قال الليث: البغي في عدو الفرس: اختيال ومرح، وإنه ليبغي في عدوه. ولا يقال: فرس باغ، والبغي: الظلم والخروج عن النَّصَفة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ﴾ [الشورى: 39]. الأصمعي: يقال: بغى الجرح يبغي بغيًا: إذا ترامى بالفساد، وبغت السماء: إذا كثر مطرها حتى تجاوز الحد. الفراء: يقال للجرح إذا تورّم واشتد: بغى يبغي بغيًا، وبَغَى الجرح والبحر والحساب سواء: إذا طغى وزاد [[ينظر في معاني البغي: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 244، "تفسير الثعلبي" 1/ 1351، "المفردات" ص 65 - 66، "البحر المحيط" 1/ 490.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَادٍ﴾ العدْو: هو التعدي وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه، يقال: عدا عليه عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوانًا وعدًا واعتداءً وتعديًا: ظلمه ظلمًا مجاوزًا للقدر، وعدا طورَه: جاوز قدره [[ينظر في التعدي: "تفسير الثعلبي" 1/ 1351، "المفردات" ص 328 - 329، "البحر المحيط" 1/ 490.]] ولأهل التأويل في قوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ طريقان [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 86، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 243 - 244، "تفسير الثعلبي" 1/ 1351، "تفسير البغوي" 1/ 183، "المحرر الوجيز" 2/ 72 - 73، "تفسير القرطبي" 2/ 214، "البحر المحيط" 1/ 490 - 491.]]: أحدهما وهو قول ابن عباس في رواية عطاء: غير باغ على المسلمين، ولا عاد عليهم [[تقدم الحديث عن هذا هذه الرواية ص 92.]]. وهذا قول مجاهد [[رواه عنه الطبري 2/ 86، 87، وابن أبي حاتم 1/ 283.]]، وسعيد بن حُبَير [[رواه عنه الطبري 2/ 86، 87، وابن أبي حاتم 1/ 284.]]، والضحاك [[ذكره الثعلبي 1/ 1351.]]، والكلبي [[ذكره الثعلبي 1/ 1351.]] قالوا: غير قاطع للطريق، ولا مفارق للأئمة، مُشاقّ للأمة. وعلى هذا التأويل كل من عصى بسفره لم يحل له أكل الميتة عند الضرورة؛ لأنه باغ عاد، وهو مذهب الشافعي [[ينظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 58، "تفسير القرطبي" 2/ 214، "المغني" 13/ 333، وقال الكيا الهراسي في "أحكام القرآن" 1/ 74: اختلف قول الشافعي في إباحة أكل الميتة للمضطر العاصي بسفره، ويشهد لأحد القولين قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾، فإنه عام، ويشهد للقول الآخر قوله: ولا تقتلوا أنفسكم، وليس أكل الميتة عند الضرورة رخصة، بل هو عزيمة واجبة، ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيًا، وليس تناول الميتة من رخص السفر، أو متعلقًا بالسفر، بل هو من نتائج الضرورة سفرًا كان أو حضرًا، وهو كالإفطار للعاصي المقيم إذا كان مريضًا، وكالتيمم للعاصي المسافر عند عدم الماء، وهو الصحيح عندنا. ا. هـ == وقال القرطبي في "تفسيره" 2/ 214 - معقبا على قول ابن العربي-: وعجبا ممن يبيح له ذلك مع التمادي على المعصية، وما أظن أحدا يقوله، فإن قاله فهو مخطئ قطعا، قلت: الصحيح خلاف هذا؛ فإن إتلاف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية مما هو فيه، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقتُلُواْ أَنفُسَكُم﴾، وهذا عام، ولعله يتوب في ثاني حال فتمحو التوبة عنه ما كان، وقد قال مسروق: من اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل حتى مات دخل النار، إلا أن يعفو الله عنه.]] رحمه الله، قال: إن الإباحة إعانة له على فساده وظلمه، ولكن يتوب ويستبيح [["الأم" 2/ 226، وينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1352.]]. والثاني: أن هذا البغي والعدوان يرجعان إلى الأكل، ومعناه: غير آكلها تلذُّذًا من غير اضطرار، ﴿وَلَا عَادٍ﴾ ولا مجاوز ما يدفع به عن نفسه الجوع، وهذا قول السدي [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 88، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 284، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.]]. وقال الحسن [[رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 65، والطبري 2/ 87]]، وقتادة [[رواه عنه الطبري 2/ 87، وابن أبي حاتم 1/ 285.]]، والربيع [[رواه عنه الطبري 2/ 87، وذكره الثعلبي 1/ 1353.]]، وابن زيد [[رواه عنه الطبري 2/ 87، وذكره الثعلبي 1/ 1353.]]: (غير باغ) بأكله من غير اضطرار، ولا (عاد) يتعدى الحلال إلى الحرام، فيأكلها وهو غني عنها. وعلى طريقة هؤلاء يُباح للعاصي بسفره تناول الميتة عند الضرورة، وهو مذهب أهل العراق [[يعني به الحنفية، ينظر: "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 156، وقد ناقش هذه القضية بتوسع وأجاب على أدلة المانعين، فلينظر: "أحكام القرآن" للتهانوي 1/ 120.]]. والتأويل الأول أولى؛ من حيث اللفظ والمعنى. أما اللفظ: فرجوع البغي والعدوان إلى حال المضطر أولى من رجوعهما إلى أكله، وهو المفهوم من اللفظ؛ لأنه لم يسبق للأكل ذكر حتى يكون البغي والعدوان صفةً له، راجعًا إليه، ومثله من الكلام أن يقال: قد حرم الأمير ركوب الخيل، ولبس السلاح، فمن أُحوِج [[في (ش): (أخرج).]] غير فارٍّ ولا ذاهبٍ فلا حرج عليه، فالذي يسبق إلى الوهم من هذا، ويليق باللفظ، أن معناه: غير فار بنفسه ولا ذاهب، وأن الفرار والذهاب يعود إلى نفس المضطر، لا إلى شيء سواه. وَوِزان التأويل الثاني من هذا الكلام: أن يكون المعنى: غير فار بسلاحه، ولا ذاهب به. وأما من حيث المعنى: فإن نفس المؤمن يعاف الميتة والدم، ويستقذرهما [[في (ش): (تعاف وتستقذرهما).]] استقذارا يمنعه من أكلهما؛ ولهذا لا يقام الحد على آكلهما، لأنه لم يحتج في الزجر عنهما إلى الحد، لا كالخمر فإن لها دواعي من النفس، وإذا كان كذلك فليس يتجاوز أحدٌ في أكل الميتة قدر التشبع عند الضرورة، ولا يتعدى الحلال الذي معه، فيأكلها تلذذًا من غير أن يَرِدَ بهذا نهي، وإن جاز ورود النهي تأكيدًا؛ فلهذين الوجهين: قلنا إن التأويل الأول أولى. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله غَفُوُرُ﴾ أي: للمعاصي، وفيه إشارة إلى أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يأخذُ بما جعل فيه الرخصة. ﴿رَحِيمٌ﴾ حيث رَخَّصَ للمضطر في أكل الميتة [["تفسير الثعلبي" 1/ 1355.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب