الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية، الصفا: جمع صفاة، وهي: الحجارة.
قال أبو العباس: الصفا: كلُّ حجر لا يخلطه غيره، من طين أو تراب يتصل به، واشتقاقه من صفا يصفو إذا خَلَص [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 43، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 233، "تفسير الثعلبي" 1/ 1282، "المفردات" ص 286، "البحر المحيط" 1/ 454، وذكر أبو حيان == قولين، فقال: وقد قيل: إنه الحجر الأملس، وقيل: هو الصخرة العظيمة، والقول المذكور أعلاه قال: إنه الذي يدل عليه الاشتقاق. وينظر: "اللسان" 4/ 2468 (صفا).]]، والمروة: واحدة المرو، وهي حجارة بِيض برّاقة، يكون فيها النار [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 43 - 44، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 233،"تفسير الثعلبي" 1/ 1283، "البحر المحيط" 1/ 454، وذكر في "البحر" أقوالا أخر هي: الحجارة الصلبة، أو الصغار المرهفة الأطراف، أو الحجارة السود، أو الحجارة البيض، أو الحجارة البيض الصلبة.]].
قال الأعشى:
وتُوَلّي الأرضَ خُفًّا ذابلًا ... فإذا ما صادف المَروَ رَضَحْ [[البيت في مدح إياس بن قبيصة الطائي، ينظر: "ديوان الأعشى الكبير" ص40، وفيه: (مجمرًا) بدل (ذابلًا)، وفي "تفسير الطبري" 2/ 43، "تفسير الثعلبي" 1/ 1283، "تفسير القرطبي" 2/ 180. يصف الشاعر خف ناقته بأنه إذا وطئ المرو -وهي الحجارة الصغيرة- تكسرت من تحت خفها الأحجار، ورضح الحصى: كسرها.]]
وهما اسمان لجبلين معروفين بمكة [["تفسيرالثعلبي" 1/ 1283.]].
وشعائر الله: واحدتها شعيرة. قال المفسرون وأهل اللغة جميعًا: شعائر الله: متعبداته التي أشعرها الله، أي: جعلها أعلامًا لنا، وهي كلّ ما كان من مَشعر، أو موقف، أو مسعًى، أو منحر [[سقطت مشعر من (أ)، (ش) كما أن فيها تقديمًا وتأخيراً بين المذكورات.]]، وهي من قولهم: شعرتُ، أي: علمتُ، وهي كلّها معلومات، وهذا قول الزجاج، واختياره [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 233، وينظر "البحر المحيط" 1/ 454.]].
ويحتمل أن تكون الشعائر مشتقة من الإشعار الذي هو [[في (ش): (هي).]]: الإعلام على الشيء، ومنه: الشعائر بمعنى العلامة؛ ولهذا تسمى الهدايا: شعائر؛ لأنها تُشْعَر بحديدة في سنامها [[في (ش): (من أسنامها).]] من جانبها الأيمن حتى يخرج الدم. قال الكميت:
شَعَائرَ قُربانٍ بهم يُتَقَرَّبُ [[وشطره الأول:
نُقَتِّلهُم جيلًا فجيلًا، تَرَاهُمُ
ينظر: "القصائد الهاشميات" للكميت بن زيد ص 21، في "مجاز القرآن" 1/ 146، "تفسير الطبري" 2/ 44، "تفسير الثعلبي" 1/ 1284، "تفسير القرطبي" 2/ 165.]]
ويحتمل أن يكون من الإعلام بالشيء [[ينظر: "مجاز القرآن" 1/ 146، "تفسير الطبري" 2/ 44، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 233، "تهذيب اللغة" 2/ 1884 وما بعدها، "تفسير الثعلبي" 1/ 1284، "المفردات" ص 265، "تفسير البغوي" 1/ 172.]]، وبه قال مجاهد في قوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾. قال: يعني: منْ الخبر الذي أخبركم عنه [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 44، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1284.]]، كأنه إعلام من الله عبادَه أمرَ الصفا والمروة [[قال الطبري في "تفسيره" 3/ 227: وذلك تأويل من المفهوم بعيد، وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله: (إن الصفا)، عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم، وأمر بها خليله إبراهيم ﷺ إذ سأله أن يريه مناسك الحج، وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر، فإنه مراد به الأمر.]].
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ﴾ قال الليث: أصل الحج في اللغة: زيارة شيء تعظّمه.
وقال يعقوب والزجاج: أصل الحجّ: القصد، وكلّ من قصد شيئًا فقد حجّه. [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 234.]]
وقال كثير من أهل اللغة: أصل الحجّ: إطالة الاختلاف إلى الشيء. واختار ابن جرير هذا القول، قال: لأن الحاجّ يأتي البيت قبل التعريف، ثم يعود إليه للطواف يوم النحر، ثم ينصرف عنه إلى منى، ثم يعود إليه لطواف الصَّدَر؛ فلتكرارِهِ [[في (م): (فلتكرار)]] العودَ إليه مرةً بعد أخرى قيل له: حاج [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 44 - 45، "المفردات" ص 115، "اللسان" 2/ 181 - 778 (حجج).]].
وكلهم احتجوا بقول المخبّل القُريعي [[هو المخبل بن ربيعة بن عوف قتال بن أنف الناقة بن قريع، أبو يزيد، شاعر فحل، هاجر وابنه إلى البصرة، وولده كثير بالأحساء، وهم شعراء، وله شعر كثير جيد، هجا به الزبرقان وغيره، وكان يمدح بني قريع ويذكر أيام سعد. ينظر: "طبقات ابن سلام" ص 61، "الشعر والشعراء" 269.]]:
يحجُّون سِبَّ [[في (ش): (سب الزعفران الزبرقان المزعفرًا).]] الزِّبرِقانِ المُزَعْفَرا [[صدر البيت:
وأشهد من عوف حُلُولًا كثيرةً
ينظر في نسبته إليه "إصلاح المنطق" ص 372، "تفسير الطبري" 2/ 44، "البيان والتبيين" 3/ 97، "تفسير الثعلبي" 1/ 1286، "تفسير السمعاني" 2/ 106، "تفسير القرطبي" 2/ 165، وروي (المعصفرا) بدل (المزعفرا). وقوله: يحجون أي: يزورون. والسِبّ: العمامة، وقيل: الاست. والزبرقان: هو حصين بن بدر == الفزاري من سادات العرب. والحلول: الأحياء المجتمعة. ينظر: "اتفاق المباني وافتراق المعاني" 1/ 206، "البيان والتبيين" 3/ 97.]] وقال سيبويه: ويقال: حَجَّ حِجًّا، كقولهم: ذكر ذِكرًا. وقال الفراء: الحَجّ والحِجّ لغتان [[ذكر في "اللسان" 2/ 779 "حجج"، أن الكسائي لا يفرق بين الحِج والحَج، وغيره يقول: الحَج حَج البيت، والحِج عمل السنة.]]، يقال: حَجَجْتُ حِجّة للمرة الواحدة، لم يأت عن العرب غيره. ولو قيل: حَجَّة بالفتح كما قالوا: مَرَرتُ به مَرّة، كان صوابًا، مثل: مددته مدّةً، وقددته قدّةً، هذا كلامه. فأما قولهم: حُجٌّ، وهم يريدون: جمع الحاجّ، فقد يمكن أن يكونوا سموا بالمصدر، وتقديره: ذوو [[في (ش)، (م): (ذو).]] حج، قاله أبو علي، قال: وأنشد أبو زيد:
وكأنّ عافيةَ النسور عليهمُ ... حُجٌّ بأسفلِ ذي المَجَاز نُزُولُ [[البيت لجرير يهجو الأخطل في "ديوانه"، ص104، "لسان العرب" 2/ 778، وقال: والمشهور في روايات البيت: حِجّ، بالكسر، وهو اسم الحاج.]] [[ينظر فيما تقدم "اللسان" 2/ 778 - 779 (حجج).]].
وقوله تعالى: ﴿أَوِ اعْتَمَرَ﴾ قال الزجاج: قَصد [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 234.]]، وقال غيره: زار [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 45، "المفردات" ص 350.]]، قال أعشى باهلة:
وراكبٌ جاء من تثليثَ معتمرُ
قال الأزهري: وقد يقال: الاعتمار [[في (م): (للاعتمار).]] القصد، وأنشد للعجاج:
لقد سما ابنُ مَعْمَرٍ [[في (ش): (معتمر).]] حينَ اعْتَمَرْ ... مَغْزًى بعيدًا من بعيدٍ وضَبَر [[البيت للعجاج يمدح عمر بن عبيد الله التميمي، في "ديوانه" ص 19، "تفسير == الطبري" 2/ 45، "تهذيب اللغة" 3/ 2566 (عمر)، "تفسير الثعلبي" 1/ 1186، "القرطبي" 2/ 166، قوله: مغزى: أي غزوًا. ومعنى: ضبر الجواد: تهيأ للوثوب بقوائمه أو جمع قوائمه ليثب ثم وثب. ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 234.]] يعنى: حين قصد مغزًى بعيدًا [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1286.]].
وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾ الجناح: الإثم، وأصله: من الجنوح، الذي هو الميل، يقال: جَنَحَ: مال، ومنه قوله: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ﴾ [الأنفال: 61] وقيل للأضلاع: جوانح؛ لاعوجاجها. قال ابن دريد: معنى ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: لا ميل إلى مأثم. وجناح الطائر من هذا؛ لأنه يميل في أحد شقّيه، ليس على مستوى خلقته، فمعنى الجناح: الميل عن الحق.
وقال أبو علي الجرجاني: معنى ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾ أينما ذكر في القرآن: لا ميل لأحد عليه بمطالبة شيء من الأشياء، هذا هو الأصل، ثم صار معناه: لا حرج عليه، ولا ذنب عليه [[ينظر في معنى الجناح: "تفسير الطبري" 2/ 45، الثعلبي 1/ 1289، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 46، "المفردات" ص107، "تفسير القرطبي" 2/ 166، "اللسان" 2/ 697 - 698 (جنح).]].
قال ابن عباس: كان على الصفا صنم، وعلى المروة صنم، وكان أهل الجاهلية يطوفون بينهما، ويمسحونهما، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما؛ لأجل الصنمين؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية، منبهًا لهم [[سقطت من (م).]] على أن الطواف بالصفا والمروة لا تبعة فيه عليهم، وأنه طاعة لله تعالى، وغير تعظيم للصنمين [[رواه الطبري من طريق عمرو بن حبشي عن ابن عباس 2/ 46، وضعفه أحمد شاكر، ورواه ابن أبي حاتم 1/ 267، وذكره الثعلبي 1/ 1290، والواحدي في "أسباب النزول" ص 49. وبمعنى هذا ذكر الطبري آثارًا كثيرة عن: أنس، وابن عباس، وابن عمر، والسدي، والشعبي، وابن زيد، ومجاهد. وحديث أنس، رواه البخاري (1648) كتاب الحج، باب: ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، ولم يذكر المؤلف -رحمه الله- السبب الآخر الذي روته عائشة، وهو أن الأنصار كان يُهّلون قبل أن يسلموا لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل، وكان من أهلّ منها تحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا النبي ﷺ عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله الآية. وهذا رواه البخاري في الحج، باب: وجوب الصفا والمروه "فتح الباري" 3/ 497، ومسلم (1277) كتاب الحج، باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به.]].
فالآية تدلّ بظاهرها على إباحة ما كرهوه، ولكن السنّة أوجبت الطواف بينهما والسعي، وهو قوله ﷺ: "يا أيها الناس كُتِبَ عليكم السعيُ فاسعَوا" [[أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 6/ 422، حديث (26917)، وابن خزيمة في "صحيحه" 4/ 232 برقم (2764)، والدارقطني في "سننه" 2/ 255 - 256، والطبراني في "الكبير" 24/ 255، والحاكم 6/ 421، والحديث صححه الحافظ المزي، وابن عبد الهادي كما في "الإرواء" 4/ 270، وقواه الحافظ في "الفتح" 3/ 498، وصححه الألباني في "الإرواء" 4/ 270.]].
وهو مذهب الشافعي، رضي الله عنه [[ينظر: "المجموع شرح المهذب" 8/ 63، "تفسير الثعلبي" 1/ 1295، وقد اختلف العلماء في السعي: فمنهم من قال بركنيته، وهذا قول عائشة وعروة ومالك والشافعي، ومنهم من قال بسنيته، روي ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير == ومجاهد وعطاء وابن سيرين، وهو رواية عن أحمد. ومنهم من قال: إنه واجب وليس بركن، وإذا تركه جبره بدم، وهو مذهب الحسن وأبي حنيفة وصاحبيه والثوري. ينظر "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 18، "تفسير الطبري" 2/ 49، "المغني" 5/ 238، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 48، "تفسير القرطبي" 2/ 167، "تفسير ابن كثير" 1/ 213.]]، والواجب أن يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، ويسعى بينهما سعيًا، فيكون مسيره من الصفا إلى المروة شوطًا من السبع، وعوده من المروة إلى الصفا شوطًا ثانيًا، فإن بدأ بالمروة إلى الصفا لم يحسب هذا الشوط [[ينظر: "المغني" لابن قدامة 5/ 237.]]؛ لأن النبي ﷺ لما دنا من الصفا في حجته قرأ: " ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ابدأوا [[في (م): (فابدأوا).]] بما بدأ الله به" فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى رأى البيت، ثم مشى حتى إذا تصوبت قدماه في الوادي سعى [[جزء من حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي ﷺ، أخرجه مسلم (1218) كتاب: الحج، باب: حجة النبي ﷺ.]].
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ فيه وجهان من القراءة [[قرأ حمزة والكسائي وخلف: (يَطَّوَّعْ) بالياء التحتية، وتشديد الطاء، وإسكان العين على الاستقبال، والباقون: بالتاء الفوقية، وتخفيف الطاء، وفتح العين. ينظر "السبعة" ص 172، "النشر" 2/ 223.]]:
أحدهما: ﴿تَطَوَّعَ﴾ على تَفَعَّل ماضيًا وهذه القراءة تحتمل أمرين [[في (م): (وجهين).]]:
أحدهما: أن يكون موضع تطوَّع جزمًا، وتجعل (مَن) للجزاء، وتكون الفاء مع ما بعدها من قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ في موضع جزم؛ لوقوعها موقع الفعل المجزوم، والفعل الذي هو ﴿تَطَوَّعَ﴾ على لفظ المثال الماضي، والمراد به المستقبل، كقولك: إن أتيتني أتيتك.
الثاني: أن لا تجعل (مَن) للجزاء، ولكن تكون بمنزلة الذي، وتكون [[الأفعال السابقة في (ش) بالفاء (تجعل يكون ويكون).]] مبتدأ به، ولا موضع حينئذ للفعل الذي هو ﴿تَطَوَّعَ﴾، والفاء مع ما بعدها في موضع رفع، من حيث كان خبر المبتدأ الموصول، والمعنى فيه معنى الجزاء؛ لأن هذه الفاء إذا دخلت في خبر الموصول أو النكرة الموصوفة؛ آذنت أنّ الثاني إنما وجب لوجوب الأول، كقوله: ﴿وَمَا بِكُم مِن نِّعمَةٍ فَمِنَ اَللهِ﴾ [النحل: 53] وما: مبتدأ موصول، والفاء مع ما بعدها جواب له، وفيه معنى للجزاء؛ لأن تقديره: ما ثبت بكم من نعمة، أو ما دام بكم من نعمة فمن ابتداء الله إياكم بها، فسبب ثبات [[في (ش): (ابتدا).]] النعمة ابتداؤه [ذلك] [[زيادة يقتضيها الكلام، من كلام أبي على الفارسي في "الحجة" 2/ 246.]]، كما أن استحقاق الأجر إنما هو من أجل الإنفاق في قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: 274].
وعلى هذا كل ما في القرآن من هذا الضرب، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ إلى قوله: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج: 10]، وقوله: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة: 95]، ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ﴾ [البقرة: 126]، ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: 160]، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]. ونذكر هذه المسألة مشروحة عند قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ [البقرة: 274].
الوجه الثاني من القراءة: (يَطَّوَّعْ) بالياء وجزم العين، وتقديره: يتطوع إلا أنّ التاء أُدغم في الطاء لتقاربهما، وهذا حسن؛ لأن المعنى على الاستقبال، والشرط والجزاء الأحسن فيهما [[في (ش): (في هذا).]] الاستقبال، وإن كان يجوز أن تقول: من أتاك أعطيته، فتُوقع الماضي موقعَ المستقبل في الجزاء، إلا أنّ اللفظ إذا كان وافق المعنى كان أحسن [[ما تقدم من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 245 - 248 بتصرف واختصار.]].
وأما التفسير: فقال مجاهد: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ بالطواف بهما [["تفسير مجاهد" ص 92، ورواه الطبري عنه في "تفسيره" 2/ 50، وعزاه في "الدر المنثور" 1/ 292 إلى: سيعد بن منصور، وعبد بن حميد، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 268 عن أنس قوله: والطواف بهما تطوع، وكذا روي عن ابن عباس، وعزاه في "الدر": إلى عبد بن حميد، وأبي عبيد في "فضائله"، وابن أبي داود في "المصاحف".]]، وهذا على قول من لا يرى الطواف بهما فرضًا.
وقال مقاتل والكلبي: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ فزاد في الطواف بعد الواجب [["تفسير مقاتل" 1/ 152، وذكره عنهما الثعلبي 1/ 1300، والبغوي 1/ 175.]].
ومنهم من حمل هذا النوع على العمرة، وهو قول ابن زيد [[رواه الطبري عنه في "تفسيره" 2/ 52، وذكره الثعلبي 1/ 1301.]]، وكان يرى العمرة غير واجبة.
وقال الحسن: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ يعنى به: الدين كلّه، أي: فعل غير المفترض عليه، من طواف وصلاة وزكاة ونوع من أنواع الطاعات [[ذكره الثعلبي 1/ 1301، والبغوي في "معالم التنزيل" 1/ 175.]].
وهذا أحسن هذه الأقاويل؛ لأن قوله ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ صيغته تدلّ على العموم [[رجح الطبري في "تفسيره" 2/ 51 - 52 أن معنى ذلك: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه.]].
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ أي: مُجازٍ بعمله ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيته [["تفسير الثعلبي" 1/ 1301.]].
قال أهل المعاني: وحقيقة الشاكر في اللغة: هو المظهر للإنعام عليه، والله تعالى لا تلحقه المنافع والمضارّ، فالشاكر في وصفه مجازٍ، ومعناه: المجازي على الطاعة بالثواب، إلا أن اللفظ خرج مخرج التلطف للعباد، مظاهرة في الإحسان إليهم، كما قال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ [البقرة: 245]، وهو تعالى لا يستقرض من عوزة ولكنه تلطّف [[في (م): (اللطف).]] في الاستدعاء. كأنه قيل: من الذي يعمل عمل المُقرِض، بأن يقدّمَ، فيأخذ أضعاف ما قدَّمَ في وقت فقره وحاجته [[وقال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص 87: فلما كان الله عز وجل يجازي عباده على أفعالهم ويثيبهم على أقل القليل منها، ولا يضيع لديه تبارك وتعالى لهم عمل عامل، كان شاكرا لذلك لهم، أي: مقابلًا له بالجزاء والثواب. وقال الشيخ السعدي في "تفسيره" ص 77: الشاكر والشكور من أسماء الله تعالى: الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأوامره وامتثل طاعته أعانه عليه وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نورًا وإيمانًا وسعة، وفي بدنه قوةً ونشاطًا، وفي جميع أحواله قلادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق، ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملًا موفرًا، لم تنقصه هذه الأمور، ومن شكره لعبده أن من ترك شيئا لله أعاضه الله خيرًا منه، ومن تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا.]]!؟
{"ayah":"۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق