الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾. قال ابن عباس: (هو [[(هو أنهم) ساقط من (ب).]] أنهم كلما أحدثوا خطيئة جدد الله لهم نعمة) [[لم أجده بهذا النص منسوبا إلى ابن عباس، وذكره القرطبي في "تفسيره" ولم ينسبه 1/ 181.]]. فشبه هذا من الله بالاستهزاء والمكر؛ لأنه غيب عنهم غير ما أظهر لهم، كالمستهزئ منا يظهر أمرا يضمر غيره. [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 134، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 55، و"تفسير الثعلبي" 1/ 52 أ، و"تفسير ابن عطية" 1/ 177، "زاد المسير" 1/ 36، و"تفسير الرازي" 2/ 70، وقد ضعف الرازي هذا وقال: لأن الله أظهر الأدلة الواضحة بما يعاملون به في الدار الآخرة.]].
وقال ابن الأنباري: الاستهزاء من الله جل وعز مخالف الاستهزاء من المخلوقين؛ لأن استهزاءه أن يستدرجهم من حيث لا يعلمون [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 36.]].
وقال جماعة أهل المعاني: معنى الله يستهزئ بهم: يجازيهم [[(يجازيهم) ساقط من (أ)، (ج).]] جزاء استهزائهم، فسمى الجزاء باسم المجازى عليه، كقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى:40] وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 194] ومنه قول عمرو:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا [[البيت لعمرو بن كلثوم وصدره:
ألا لا يجهلن أحد علينا
وقد سبق تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾.]]
وهذا هو الاختيار [[هذا القول ذكره الطبري ورده كما سيأتي، وذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 56، وأبو الليث في "تفسيره" 1/ 97، و"تفسير ابن عطية" 1/ 177، و"تفسير == ابن الجوزي" 1/ 36، و"تفسير الثعلبي" 1/ 47 ب، و"تفسير القرطبي" 1/ 185، وغيرهم من المفسرين. وصرح الواحدي باختياره له، وفي هذا القول تفسير للسخرية بالمجاز، وتأويل لها، ورده ابن جرير، ورجح أن المراد: أن الله يستهزئ بهم حقيقة، ولا يلزم لها اللوازم الباطلة، حيث قال: (وإذا كان معنى الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل، دون أن يكون ذلك معناه في حال فيها المستهزئ بصاحبه له ظالم، أو عليه فيها غير عادل، ... ثم قال: وأما الذين زعموا أن قول الله تعالى ذكره: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ إنما هو على وجه الجواب، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة، فنافون عن الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه، وأوجبه لها ...) "تفسير الطبري" 1/ 133. وإلى هذا المعنى أشار ابن تيمية -رحمه الله- حيت قال: (وكذلك ما ادعوه أنه مجاز في القرآن، كلفظ (المكر) و (الاستهزاء) و (السخرية) المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذِه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلًا ... إلى أن قال: ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلا يستحق هذا الاسم، كما روي عن ابن عباس: أنه يُفْتح لهم باب إلى الجنة وهم في النار فيسرعون إليه فيغلق ... ثم ذكر قولًا عن الحسن البصري بمعناه ... وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة، وقيل: هو تجهيلهم وتخطيئهم فيما فعلوه، وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة)، "مجموع الفتاوى" 7/ 111، 112. وما يقال في هذا يقال عند قوله ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ وما قيل هناك يقال هنا.]]؛ لأنه [[في (ب): (لأن).]] حمل الكلام على المزاوجة، ولأنه أظهر وأشكل بما جاء من نظائره في القرآن، وكل ذلك على المجاز الذي يحسن في الاستعمال للمبالغة في البيان والتصرف في الكلام.
وقوله تعالى: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. أصل (المد) في اللغة: الزيادة، والمد: الجذب [[انظر. "اللسان" (مدد) 7/ 4156، "القاموس" ص 318.]]: لأنه سبب الزيادة في الطول.
قال الفراء: والشيء إذا مَدَّ الشَّيءَ كان زيادة فيه. تقول: دجلة تَمُدُّ بئارنا [[في (أ)، (ج) (بيارنا) وما في (ب) موافق لـ "معاني القرآن" للفراء 2/ 329.]] وأنهارنا، أي: يزيد فيها [["معاني القرآن" للفراء 2/ 329، وانظر "التهذيب" (مد) 4/ 3361. وقد نقل المؤلف كلام الفراء بتصرف.]].
(والمادة) كل شيء يكون مددا [[في "التهذيب": (مدادا).]] لغيره [[ذكره الأزهري عن الليث. "التهذيب" (مد) 4/ 3361.]]. و (المُدَّةُ) [[في (أ)، (ج): (المد)، وأثبت ما في (ب).]] الأوقات المتزايدة إلى غاية، ومنه مد الله في عمرك [[انظر "تهذيب اللغة" (مد) 4/ 3361، "الصحاح" (مدد) 2/ 537.]].
الأصمعي: امتد النهر ومد إذا امتلأ بالزيادة، ومده نهر آخر [["تهذيب اللغة" (مد) 4/ 3361.]].
ابن المظفر [[هو الليث بن المظفر، ويقال له. الليث بن نصر، صاحب الخليل، ينقل الواحدي كلامه كثيرًا من طريق "تهذيب اللغة". انظر مقدمة "تهذيب اللغة" 1/ 47، "إنباه الرواة" 3/ 42.]]: وادي كذا يمد في نهر كذا. أي: يزيد فيه [[في (أ)، (ج): (يزيده)، وما في (ب) موافق لما في "تهذيب اللغة" وهو ما أثبته.]] وأنشد [[الكلام في "التهذيب" ويظهر أنه من كلام الأصمعي حيث عطفه عليه، ولم يرد ذكر الليث في هذا الموضع. "التهذيب" (مد) 4/ 3361، وأنظر: "اللسان" (مدد) 3/ 397.]]:
سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّهُ أَتيُّ [[البيت منسوب للعجاج، وهو في "التهذيب" (مد) 4/ 3361، "الصحاح" (مدد) 2/ 537، "اللسان" (مدد) 7/ 4157، وقد نسبه للعجاج وأنشد بعده: == غِبَّ سَمَاءٍ فَهْوَ رَقَرَاقِيُّ
وفي "ديوان العجاج":
مَاءٌ قَريٍّ مَدَهُ قَرِيُّ ... غِبَّ سَمَاءٍ فَهْوَ رَقَرَاقِيُّ
القَري: المسيل، الرقراقِي: المُتَرَقْرِق الذي يتكفأ. (الديوان) ص 318.]] والمدّ: أن [[في (ب): (والمداد يمد).]] يمُدّ الرجلُ الرجلَ [[في (ب): (للرجل).]] في غيّه [[ذكره في "التهذيب" عن ابن أبي حاتم عن الأصمعي (مد) 4/ 3361.]].
قال أهل التفسير في قوله ﴿يَمُدُّهُمْ﴾: أي يمهلهم [[في (ب): (يهملهم) تصحيف.]] ويطول في أعمارهم ومدتهم [[اختلف العلماء في ﴿يَمُدُّهُمْ﴾ هل هي من المد بمعنى الإمهال والتطويل فىِ العمر. أو من المدد بمعنى: الزيادة. وقد رجح هذا الطبري حيث قال: وأولى الأقوال بالصواب أن يكون بمعنى: يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم. "تفسير الطبري" 1/ 135، وانظر: "تفسير أبن عطية" 1/ 177 - 178، "الكشاف" 1/ 188، و"تفسير القرطبي" 1/ 182.]].
و (الطغيان): مصدر كالرجحان والكفران والعدوان [["الحجة" لأبي علي 1/ 366.]]. قال الليث: [والطُّغْوَان لغة فيه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]] والفعل: طَغَوْت وطَغَيْتُ، ومعناه مجاوزة القدر، وكل شيء جاوز القدر فقد طغى، كما طغى الماء على قوم نوح. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ [الحاقة: 12] وطغت الصيحة على ثمود [[انتهى كلام الليث وقد نقله المؤلف بتصرف، "تهذيب اللغة" 3/ 2196، "العين" 4/ 435.]]، فقيل فيهم: ﴿فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾ [[كتبت في جميع النسخ (أهلكوا) وسياق الآية: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾.]]. وقيل لفرعون: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ [النازعات: 17] [[(طغى) ساقط من (ب).]] أي أسرف حيث ادعى الربوبية [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 52 ب.]].
فأما الطغوى والطاغية والطاغوت فهي مذكورة في مواضعها مشروحة. وكان الكسائي يميل ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ في رواية أبي عمر [[هو حفص بن عمر عبد العزيز المقرئ النحوي البغدادي الضرير، قرأ عن الكسائي ويحيى اليزيدي، توفي سنة ست وأربعين ومائتين. انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" 1/ 191، "غاية النهاية" 1/ 255.]] ونصير [[ونصير ساقط من (ب). ونصير هو: نصير بن أبي نصر الرازي ثم البغدادي النحوي، أبو المنذر، صاحب الكسائي، مات في حدود الأربعين ومائتين. انظر ترجمته في: "معرفة القراء الكبار" 1/ 213، "غاية النهاية" 1/ 255.]] [[انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 144، "الحجة" لأبي علي1/ 365، "الكشف" لمكي 1/ 171.]]. وذلك لأن [[في (ب): (أن).]] الألف قد اكتنفها شيئان كل واحد منهما يجلب الإمالة [وهما، الياء التي قبلها، والكسرة التي بعدها.
فإن قلت: إن أول الكلمة حرف [مستعل] [[في (ب): (مستعمل) وصححت الكلمة من "الحجة" 1/ 368.]] مضموم، وكل واحد من هذين يمنع الإمالة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج). الكلام في "الحجة" مع الاختصار 1/ 367، 368، وانظر: "الكشف" 1/ 171.]]. قيل: إن المستعلي تراخى عن الألف بحرفين فلم يمنع الإمالة.
وقوله تعالى: ﴿يَعْمَهُونَ﴾. قال أهل اللغة: (الْعَمِه والعَامِه) الذي يتردد متحيراً لا يهتدي لطريقه ومذهبه، ومعنى [[في (ب): (معي).]] ﴿يَعْمَهُونَ﴾: يتحيرون، وقد عَمِه يَعْمَه عَمَهاً فهو عَمِه إذا حار عن الحق [["تهذيب اللغة" (عمه) 3/ 2575، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 56، "تفسير الثعلبي" 1/ 48 ب.]].
قال أهل المعاني: قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ كالتفسير لقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ لأن معناه يطول أعمارهم ومدتهم ليتحيروا في طغيانهم وكفرهم، مكراً [[في (ب): (ومكرا).]] بهم، وهم يحسبون أن ذلك مسارعة لهم في الخيرات، ولا يشعرون أنه عقوبة لهم في الحقيقة [[هذا على أن (يمدهم) من المد بمعنى الإمهال والتطويل، وقد سبق بيان ذلك عند قوله ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾، وأنظر "تفسير الطبري" 1/ 135، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 56، "الكشاف" 1/ 188.]].
{"ayah":"ٱللَّهُ یَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَیَمُدُّهُمۡ فِی طُغۡیَـٰنِهِمۡ یَعۡمَهُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق