الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ مختصر، أراد: ولكل أهل دين وِجهة [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1248.]]. والوِجهة: اسم للمتوجَّه إليه. وقيل: الوجهة: الجهة. قال الفراء: تقول العرب: هذا أمر ليس له وِجْهَةٌ، وليس له وَجْه [[في "معاني القرآن" للفراء 1/ 90 زيادة: وليس له جهة.]]. قال: وسمعت العرب تقول [[سقطت من (م).]]: وجِّه الحجر، وجِهةٌ مَّا لَه، وَوِجهةٌ مَّا لَه، ووَجهةٌ مَّا لَه [[في "معاني القرآن" 1/ 90، وسمعتهم يقولون: وجه الحجر، جهةٌ ما له، ووجهة ما له، ووجهٌ ما له. وينظر: "اللسان" 8/ 4775، "تهذيب اللغة" 4/ 3842 "وجه".]]، وجِهة مَّا له، ووَجْه ما له، معناه: ضعه غير هذه الوَضْعة، والضِّعة والضَّعَة [[في (ش) لم يكرر: ما له. وليس فيها: والضعه والضعة.]]. وأصله في البناء [[في "معاني القرآن" للفراء 1/ 90: ويقولون: ضعه غير هذه الوضعة، والضِّعة والضَّعة، ومعناه: وجِّه الحجر فله جهة، وهو مَثَلٌ.]]، يقولون: إذا رأيت الحجر في البناء لم يقع موقعه فأدِرْه، فإنه سيقع على جهته [[من "معاني القرآن" للفراء 1/ 90 بتصرف، وينظر في معاني الكلمة: "المفردات" ص 529، "اللسان" 8/ 4776 (وجه).]]. قال أبو إسحاق: ومثله: وَضْعة وضِعَة وضَعَة [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 225، ونصه: وكذلك يقال: ضَعَةٌ، ووَضْعة، وضِعَة.]]. وقوله تعالى: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ ذكرنا معنى التولية في قوله: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ [البقرة: 144]. وقوله: ﴿هُوَ﴾ [[قال ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 159: وفي هو ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: الله موليها إياهم، أي: أمرهم بالتوجه إليها. والثاني: ترجع إلى المتولي، فالمعنى: هو موليها نفسه، فيكون هو ضمير كل. والثالث: يرجع إلى البيت، قاله مجاهد، أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة.]] ضمير اسم الله [[قوله: (اسم الله) سقطت من (ش).]] وقد حذف من الكلام أحد مفعولي الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وهو التولية، والتولية تقتضي [[قوله: (أحد مفعولي ..) سقطت من (ش).]] مفعولين، كقوله: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً﴾ [البقرة: 144]. والتقدير هاهنا: الله موليها إياه، وإياه ضمير كل الموجَّه [[في (ش): (المؤخر).]] المولَّى، وتولية الله إياه إنما هي بأمره له بالتوجه إليها، أو بإرادته ذلك، هذا قول أبي علي [[ينظر: "الحجة" 2/ 239.]]. وقال أبو إسحاق: قال أكثر أهل اللغة [[في "معاني القرآن" للزجاج: قال بعض أهل اللغة. وهو أكثر القول.]]: هو ضمير لكل، المعنى: هو مولّيها وَجْهَة، وجاء قوله: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ على لفظ كل، ولو قيل: هم [[في (أ)، (م): (هو).]] مولّوها على المعنى كما قال: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: 87]، كان حسنًا، يريد: كل أهل وجهة هم الذين ولّوا وجوههم إلى تلك الجهة [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 225، وليس عنده: وجاء قوله كان حسنًا، وقال في "البحر المحيط" 1/ 437: (وهو)، من قوله: (موليها)، عائد على (كل)، على لفظه، لا على معناه، أي: هو مستقبلها وموجه إليها صلاته التي يتقرب بها، والمفعول الثاني لموليها محذوف؛ لفهم المعنى، أي: هو موليها وجهه أو نفسه، قاله ابن عباس وعطاء والربيع، ويؤيد أن هو عائد على كل، قراءة من قرأ: هو مولاها.]]، ونحو هذا قال الفراء، فقال: هو مولّيها: مستقبلها، الفعل لكلٍ، يريد: كلٌّ مولّي وجهه إليها. والتولية في هذا الموضع: الإقبال، وفي ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ [آل عمران: 111] ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: 25] نصراف، وهو كقولك في الكلام: انصرِفْ إليّ، أي: أقبِلْ إلي، وانصرف إلى أهلك، أي: اذهب إلى أهلك [[ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 85 بمعناه.]]، وهذا وجه آخر في ولّى، بمعنى: أقبل، وبمعنى: أدبر، غير ما ذكرنا في قوله ﴿فَلَنُوَلّيَنَكَ﴾ أنّ (ولّى) من الأضداد. قال الزجاج: وكلا القولين جائز [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 225.]]، أي: أن يكون ﴿هُوَ﴾ كناية عن الله تعالى. وأن يكون كناية عن كلّ. وقرأ ابن عامر [[في (م): (عباس). وعند الفراء في "معاني القرآن" 1/ 85: وقرأ ابن عباس وغيره. وكذا عند الطبري 2/ 29.]]: (هو مولّاها) [[ينظر: "السبعة" ص 171، "الكشف" لمكي 1/ 267، "النشر" 2/ 223.]]. وعلى هذه القراءة الكناية تعود إلى كل فقط، والمفعولان مذكوران، وذلك أنه حذف الفاعل، وأضاف المفعول الأول إلى المفعول الآخر، الذي هو ضمير المؤنث العائد إلى الوجهة، أي: كلٌّ وُلِّي جهةً، وهذه القراءة تؤول في المعنى إلى القراءة الأولى [[من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 240، وزاد: ألا ترى أن في (موليها) ضمير اسم الله عز وجل، فإذا أسند الفعل إلى المفعول به، وبناه له، ففاعل التولية هو الله تعالى، كما كانت القراءة الأخرى كذلك.]]؛ لأن التولية في المعنى استقبال، وما استقبلك فقد استقبلته، وما استقبلته فقد استقبلك. وقال أبو [[في (ش) سقطت (أبو).]] الحسن النحوي فيما قرأته عليه: من قرأ بفتح اللام فحجته قوله: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً﴾ فلما كان الله هو الذي يولّي القبلةَ فالإنسان مولًّى [[في (ش) و (م): كتبت (مولي) بنقطتين.]] إياها، ومن قرأ بكسر اللام قال: لما كان الله هو الذي يولّي المتوجه القبلة؛ كان إسناد التولية إليه أولى. وموضع ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ رفع؛ لأنها جملة وقعت صفةً لقوله ﴿وِجْهَةٌ﴾ [[ينظر: "التبيان" للعكبري ص 99 - 100، "البحر المحيط" 1/ 437.]]. وقال الحسن في هذه الآية: هو كقوله: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: 67] [[وفي "البحر المحيط" 1/ 437: وقال الحسن: وجهة: طريقة، كما قال: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).]]. وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ قال أهل التفسير: أراد: إلى الخيرات، فحذف حرف الجر [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1249، "تفسير البغوي" 1/ 164،"البحر المحيط" 1/ 439، "الدر المصون" 1/ 407.]]، كقول الراعي: ثنائي عليكم يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَنْ يَمِلْ ... سواكم فإني مهتدٍ غيرُ مائل [[البيت للراعي النميري، في مدح يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ينظر "ديوانه" ص 191، "تفسير الثعلبي" 1/ 1249، "البحر المحيط" 1/ 439، "الدر المصون" 1/ 407 وموضع الشاهد قوله: ومن يمل سواكم، أراد: ومن يمل إلى سواكم.]] قال النحويون: ودعوى [[في (ش): (ومعنى دعوى).]] الحذف لا يطرد هاهنا، وليس [[سقطت من: (ش).]] الحذف من ضرورة هذا الكلام، فإن العرب تقول: استبقنا موضع كذا، أي: قصدناه متسابقين، كقوله تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ [يوسف: 25] وقوله: ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ [يس: 66] وقلَّ ما تراه مستعملا مع الخافض. وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾ قال الفراء: إذا رأيت حروف الاستفهام قد وُصِلت بـ (ما) مثل: أينما، ومتى ما، وكيف ما ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا﴾ [الإسراء: 110] كانت جزاء ولم تكن استفهامًا. فإذا لم توصل بـ (ما) كان الأغلب عليها الاستفهام، وجاز فيها الجزاء، فإذا كانت جزاءً جزمت الفعلين، الفعلَ الذي مع أينما وأخواتها، وجوابَه، كقوله: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾. فإذا أدخلت الفاء في الجواب، رفعت الجواب فقلت في مثله من الكلام: أينما تكن فآتيك، ومثله قوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ﴾ [البقرة: 126]. فإذا كانت استفهامًا رفعت الفعل الذي يلي: أين، وكيف، ثم تجزم [[في (م): (وجزمت). في (أ)، (م): (فإن).]] الفعل الثاني؛ ليكون جوابًا للاستفهام بمعنى الجزاء، كما تقول: هل أدلك على بيتي تأتني؟ [[ذكر الفراء في "معاني القرآن" 1/ 86 مثالا غير هذا، فقال: كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ثم أجاب الاستفهام بالجزم، فقال: تبارك وتعالى: (يغفر لكم ذنوبكم).]]. فإذا [[في (أ)، (م): (فإن).]] أدخلْتَ في جواب الاستفهام فاءً نصبتَ، كما تقول: هل أدلك على بيتي فتأتيني؟ قال: ومثله قوله: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: 10] [[من "معاني القرآن" للفراء 6/ 85 - 86.]]. وقال أبو إسحاق: إنما تجزم ما بعدها، لأنها إذا وصلت بما جزمت ما بعدها، وكان الكلام شرطًا، وكان الجواب جزمًا كالشرط، وإن كانت استفهامًا، نحو: أين زيد؟ فأجبته أجبت بالجزم، تقول: أين بيتُك أزرْكَ؟ المعنى: إن [[في (ش): (أين).]] أعرف بيتك أزرك [[بتصرف يسير من، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 226.]]. قال أبو علي، فيما استدرك عليه [[يعني في كتاب "الإغفال" لأبي علي الفارسي.]]: لا فائدة تحت قوله: إنها إذا وصلت بما جُزِمت [[كرر كلام أبي إسحاق في نسخة (ش) وهو زيادة لا داعي لها.]]؛ لأنها تجزم ما بعدها في الشرط والجزاء، وُصلت بـ (ما)، أو لم توصل بها، فقوله إذن لا فائدة فيه، ولا نكتة تحته، كما لا فائدة في قول القائل: الفعل يرفعُ الفاعل إذا كان ماضيًا؛ لأنه يرفع ماضيًا كان أو آتيًا [["الإغفال" ص 387.]]، ومما جزم أين [[في (ش): (أي).]] من غير وصلها بـ (ما). قول الشاعر: أين تصرِفْ بنا الغداة تجدنا ... نصرف العيس نحوها للتلاقي [[البيت لابن همام السلولي في "الكتاب" 3/ 58، وبلا نسبة في "الإغفال" ص 389، "شرح ابن يعيش" 4/ 105، "المقتضب" 2/ 48، "شرح الأشموني" 3/ 580، والرواية في بعض نسخ "الإغفال" وبعض المصادر: أين تضرب بنا العُداة]] [[من "الإغفال" ص 389، باختصار.]] وأما التفسير: فلأهل التفسير في هذه الآية طريقان: أحدهما: التعميم. والثاني: التخصيص. فأما التخصيص فقوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ أراد: القبلة في الصلاة لكل أهل دين [[ينظر أثر ابن عباس والسدي وابن أبي زيد ومجاهد والربيع وعطاء في هذا: عند ابن جرير 2/ 28، 29، وابن أبي حاتم 1/ 256 - 257.]]، كما ذكرنا. وقوله ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ قال الزجاج: أي: فبادروا إلى القبول من الله عز وجل، وولّوا وجوهكم حيث أمركم الله أن تولوا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 226، وينظر أثر قتادة عند الطبري في "تفسيره" 2/ 30.]]. وعلى هذا ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ على صيغتها من العموم، وهي مخصوصة؛ لأنه أراد الابتدارَ إلى استقبال الكعبة. وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ قيل: إنه في المؤمنين خاصة، ومعناه: إن الذي سبق في علم الله أنه يصلي إلى الكعبة، فأينما يكونوا في شرق الأرض وغربها، وفي أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، يجمعهم الله على التوجه إلى هذه القبلة، فهذا محمول على صرف وجوه الناس إلى الكعبة للصلاة والمناسك [[ينظر: "زاد المسير" 1/ 159، "البحر المحيط" 1/ 439.]]. وأما التعميم فقوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: من أراد وجهَ الله قبِلَ اللهُ منه، ومن أراد غير ذلك فإن الله يجزيه [[تقدم الحديث عن هذه الرواية.]]، يعني: ان من طلب في جميع ما يأتي وجهَ الله قبِلَ الله منه، ومن رايا وطلب غير الله بعلمه عَلِمَ الله ذلك منه. وهذا كما قال سعيد بن جبير في هذه الآية قال: لكلٍّ طريقةٌ هو مجبور عليها. وهذا كقوله: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: 84] وكقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]. وقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ قال ابن عباس: يريد: تنافسوا فيما رغب فيه من الخير لكل عنده ثوابه [[تقدم الحديث عن هذه الرواية، وينظر: "تفسير الطبري" 2/ 30 حيث روى عن الربيع وابن أبي زيد ما يدل على العموم، وكذا ابن أبي حاتم 1/ 257، وينظر: "زاد المسير" 1/ 159، "البحر المحيط" 1/ 439، "التفسير الكبير" 4/ 131 - 133.]] [[من قوله: (وقوله تعالى: ...) ساقط من (أ)، (م).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب