الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال الزجاج: تأويل هذا: إن أتوا بتصديقٍ مثل تصديقكم [["معاني القرآن" 1/ 217.]]، فيُحْمَلُ على تشبيهٍ بالإيمان، لا على التشبيه في الشيء الذي آمنوا به، كأنه قال: إن آمنوا وكان إيمانهم كإيمانكم، ووحدوا كتوحيدكم، وهذا قول ابن الأنباري، وزاد بيانًا فقال: المعنى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، أي: فإن آمنوا مثل إيمانكم، فتزاد الباء للتوكيد، كما زيدت في قوله: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: 25]. وقال أبو معاذ النحوي [[هو أبو معاذ النحوي المروزي، المقرئ اللغوي، تقدمت ترجمته في المقدمة.]]: أراد: إن آمنوا هم [[ليست في (م).]] بكتابكم كما آمنتم أنتم بكتابهم [[نقله البغوي في "تفسيره" 1/ 156.]]. فالمثل هاهنا: الكتاب، والمسلمون يؤمنون بالتوراة، وقيل: المثل ههنا صلة، والمعنى: فإن آمنوا بما آمنتم به [["تفسير الثعلبي" 1/ 1224، والبغوي في "تفسيره" 1/ 156، وقد ورد عن ابن عباس أنه كان يقرأ الآية: فإن آمنوا بالذي آمنتم به، كما ذكره الطبري في "تفسيره" 1/ 569، وبين الطبري أن مراد ابن عباس: فإن صدقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به، فالتشبيه وقع بين التصديقين، الإقرارين اللذين هما: إيمان هؤلاء، وإيمان هؤلاء.]]، والمثل قد يذكر ولا يراد به الشَبْهُ والنظير، كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، قيل: ليس كهو شيء [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1218، "البحر المحيط" 1/ 410.]]. وقوله تعالى: ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ أي: فقد صاروا مسلمين [[كذا قال الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 214، والثعلبي 1/ 1217.]]. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ أي: خلاف وعداوة [[ذكره الثعلبي 1/ 1218، عن ابن عباس وعطاء والأخفش.]]، وتأويله: أنهم صاروا في شِقّ غير شَقّ المسلمين [[في (م): (الإسلام).]]، والعداوة تسمى شقاقًا؛ لأنّ كلّ واحد من المعادين يأتي بما يشقّ على صاحبه، أو لأنّ كل واحد صار في شقّ غير شق صاحبه للعداوة والمباينة [[بنحوه عند الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 214، "تفسير الثعلبي" 1/ 1218، "تفسير السمرقندي" 1/ 162، والرازي 4/ 93.]]. وقوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ قال المفسرون: كفاه الله أمر اليهود بالقتل والسبي في قريظة، والجلاء والنفي في بني النضير، والجزية والذلة [[في (ش): (والذلة والجزية).]] في نصارى نجران [["تفسير الثعلبي" 3/ 1220و 1/ 157، "تفسير القرطبي" 2/ 131، "البحر المحيط" 1/ 410.]]. وقال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿فِى شِقَاقٍ﴾ يريد في خلاف لدينهم ولدينكم [[بنحوه مختصرًا عند الثعلبي في "تفسيره" 3/ 1218، والبغوي 1/ 156.]]؛ لأنهم أمروا في التوراة بالإيمان بمحمد ﷺ. وقال الحسن: علموا أولادَكم وأهاليكم وخدمَكم أسماء الأنبياء، الذين ذكرهم الله في كتابه، حتى يؤمنوا بهم، ويصدقوا بما جاءوا به. هذا قوله [[ذكره في "الوسيط" عنه، وبنحوه عن الضحاك، كما في "الدر المنثور" 1/ 258.]]. وقالت العلماء: لا يكون الرجل مؤمنًا حتى يؤمن بسائر الأنبياء السابقين، وجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل، فيجب على الإنسان أن يُعَلِّمَ صِبيانَه ونساءهَ أسماءَ الأنبياء ويأمرهم بالإيمان بجميعهم؛ إذ لا يبعد أن يظُنَّوا أنهم كُلِّفوا الإيمان بمحمد ﷺ فقط فيلقَّنوا قوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الآية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب