الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ﴾ أي: اذكر لهم يا محمد هذا اليوم الذي يجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته واجتناب معاصيه إلى الجنة، هذا معنى قوله: ﴿إِلَى الرَّحْمَنِ﴾ أي: إلى جنته ومحل كرامته، قاله قتادة [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 13، "جامع البيان" 16/ 126، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 152، "الدر المنثور" 4/ 508.]]. ﴿وَفدًا﴾ قال الفراء، والأصمعي (﴿وَفدًا﴾ الوَفْدُ، يَفِدُ، وَفْدًا، وَوِفَادَةً، وَوُفُودًا إذا خرج إلى ملك وأمير في فتح أوامر، ويقال: وَفَّدَ الأمير إلى الذي فوقه وأَوْفَدَ) [["تهذيب اللغة" (وفد) 4/ 3925، "تاج العروس" (وفد) 5/ 322.]]. قال الفراء: (والوَفْدُ اسم الوَافدِين كما قالوا: صوم وفطر وزور) [[ذكرت كتب اللغة نحوه. انظر: "تهذيب اللغة" (وفد) 4/ 3925، "تاج العروس" (وفد) 5/ 322، "لسان العرب" (وفد) 8/ 4881.]]. وقال ابن قتيبة: (الوَفْدُ جمع الوَافِدِ، كما يقال: رَاكِب ورَكْب، وصَاحِب وصَحْب) [["تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 2/ 4.]]. قال ابن عباس في رواية الوالبي: (وفدا: ركبانًا) [["جامع البيان" 16/ 127، "معالم التنزيل" 5/ 255، "زاد المسير" 5/ 263، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 152، "الدر المنثور" 4/ 508.]]. وقال أبو هريرة: (على الإبل) [["جامع البيان" 16/ 127، "معالم التنزيل" 5/ 255،"تفسير القرآن العظيم" 3/ 152، "الدر المنثور" 4/ 508.]]. وقال سفيان: (على النوق) [["جامع البيان" 16/ 127، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 152، "أضواء البيان" 4/ 391.]]. وجمع ابن عباس في رواية عطاء بين هذه الأقوال فقال: (من كان يحب ركوب الخيل وفد إلى الله على خيل، لا تَرُوث، ولا تبول، لَجْمُها [[لَجْمَة الدابة: موقع اللجَام من وجهها. واللَّجَام: حبل أو عصا تدخل في فم الدابة وتلزق إلى قفاه. انظر: "تهذيب اللغة" (لجم) 4/ 3238، "الصحاح" (لجم) 5/ 2027، "لسان العرب" (لجم) 7/ 4001.]] من الياقوت [[اليَاقُوت: حجر من الأحجار الكريمة، وهو أكثر المعادن صلابة بعد الماس. ويستعمل للزينة. وهو فاعول الواحدة ياقوتة والجمع اليواقيت. انظر: "الصحاح" (يقت) 1/ 271، "المعجم الوسيط" (الياقوت) 2/ 1065، "لسان العرب" (يقت) 8/ 4964.]] الأحمر، ومن الزَّبَرْجَد [[الزَّبَرْجد: حجر كريم يشبه الزمرد، ويستعمل للزينة، وهو من الجواهر المعروفة. انظر: "تهذيب اللغة" (زبرجد) 2/ 1508، "لسان العرب" (زبرجد) 3/ 1806، "المعجم الوسيط" (الزبرجد) 1/ 388، "مختار الصحاح" (الزبرجد) ص 113.]] الأخضر، ومن الدّر [[الدُّر: العظام من اللؤلؤ، الواحدة درة، ومنه الكوكب الدري نسبة إلى الدر في صفائه وحسنه. انظر: "تهذيب اللغة" (درر) 2/ 1172، "مقاييس اللغة" (در) 2/ 255، "لسان العرب" (درأ) 3/ 1347، "القاموس المحيط" (الدر) ص 391.]] الأبيض وسُرُوحُهَا [[السَّرِيْح: السير الذي تشد به الخدمة فوق الرسغ، والسرائح والسرح: نعال الإبل، وقيل سيور نعالها كل سير منها سريحة انظر: "تهذيب اللغة" (سرح) 2/ 1665، "القاموس المحيط" (السرح) 1/ 223، "لسان العرب" (سرح) 4/ 1984.]] من السندس [[السُّندس: رقيق الديباج ورفيعه. والاستبرق: غليظ الديباج. انظر: "تهذيب اللغة" (سندس) 2/ 1772، "القاموس المحيط" (السندس) ص 551، "لسان العرب" (سندس) 4/ 2117، "المعجم الوسيط" (السندس) 1/ 454.]]، ومن كان يحب ركوب الإبل فعلى نَجَائِب [[النَّجِيْبُ من الإبل: القوي منها، الخفيف السريع. انظر: "تهذيب اللغة" (نجب) 4/ 3511، "القاموس المحيط" (النجيب) ص 136، "لسان العرب" (نجب) 7/ 4342، "مختار الصحاح" (نجب) ص 269.]] لا تبعر ولا تبول، أَزِمَّتُها [[الزَّمَام: الخيط الذي يشد في البرة، أو في الخشاش ثم يشد في طرفه المقود، وزَمَمْتُ البعير: خطمته. انظر: "تهذيب اللغة" (زم) 2/ 1559، "الصحاح" (زمم) 5/ 1944، "لسان العرب" (زمم) 3/ 1865، "المعجم الوسيط" (الزمام) 1/ 401.]] الياقوت والزبرجد، ومن كان يحب ركوب السفن فعلى سفن من زبرجد وياقوت قد أمنوا الغرق وأمنوا الأهوال) [["الجامع لأحكام القرآن" 11/ 151.]] وقال أهل اللغة: (الوفد: الركبان المكرمون) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 172، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 346، "تهذيب اللغة" (وفد) 4/ 3925.]]. وإلى هذا ذهب الربيع بن أنس فقال في قوله: ﴿وَفْدًا﴾ قال: (يُحيَّون ويعطون ويكرمون ويشفعون) [["بحر العلوم" 2/ 33، "الكشف والبيان" 3/ 13 أ، "الدر المنثور" 4/ 508.]]. قال صاحب النظم: (هذا من باب الإيماء بالشيء إلى الشيء؛ لأن قوله: ﴿وَفدًا﴾ دليل على أنهم يثابون ويجزون؛ لأن الوفد هم الرسل يقدمون على الملوك بالصلح وبالفتوح والبشارات فهم يتوقعون الجوائز، وكذلك أهل الجنة بهذه الحال) [[ذكر نحوه الزمخشري في "الكشاف" 2/ 423 بلا نسبة، وكذلك أبو حيان في "البحر المحيط" 6/ 216.]]. وقال أصحاب العربية: (اسم الوفد لا يقع إلا على الركبان؛ لأن اشتقاقه من قولهم أوفد على الشيء إذا أشرف عليه، وأنشدوا [[لم أهتد إلى قائله. ورود البيت في كتب اللغة والمعاجم. العِلاَفَّي: هو الرجل المنسوب إلى علاف، رجل من الأزد وهو زبان أبو جرم من قضاعة كان يصنع الرحال، وقيل هو أول من عملها فقيل لها علافية لذلك. انظر: "تهذيب اللغة" (وفد) 4/ 3925، "لسان العرب" (وفد) 8/ 4881.]]: تَرَى العِلاَفِيَّ عَلَيْهَا مُوْفَدًا ... كَأَنَّ بُرْجًا فَوْقَهَا مُشَيَّدَا ويقال: رأيت فلانًا مسْتَوْفِدًا إذا قعد منتصبًا غير مطمئن. فهذا الاسم من حيث الاشتقاق يدل على أنه يقع على الركبان؛ لأنهم أشرفوا علي مركوبهم) [[انظر: "تهذيب اللغة" (وفد) 4/ 3925، "مقاييس اللغة" (وفد) 6/ 129، "الصحاح" (وفد) 2/ 553، "لسان العرب" (وفد) 8/ 4881، "المفردات في غريب القرآن" (وفد) ص 528.]]. ويدل على صحة هذا ما روي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله قد رأيت الملوك ووفودهم، فلم أرى وفدًا إلا ركبانًا فما وفد الله؟ الحديث بطوله) [[رواه ابن كثير في "تفسيره" 3/ 141 عن ابن أبي حاتم وقال: وروى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبًا جدًا مرفوعًا عن علي -ثم ذكر الحديث وقال في نهايته- هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعًا رويناه في المقدمات من كلام علي رضي الله عنه بنحوه وهو أشبه بالصحة والله أعلم. وأخرجه السيوطي في "الدر" 4/ 508، وعزاه لابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن علي، وذكره القرطبي 11/ 152، والألوسي في "روح المعاني" 16/ 135. وأخرج نحوه ابن أبي شيبة في "مصنفه" كتاب الجنة 12/ 161، والحاكم في "المستدرك" 2/ 377 وصححه، وتعقبه الذهبي لضعف عبد الرحمن بن إسحاق، وأخرج نحوه الإمام أحمد في "مسنده" 1/ 155.]]. ومن حيث العرف يدل على أن هذا الاسم يقع على من يُحيَّا ويكرم كما ذكره صاحب النظم، فإذا معنى الوفد: الركبان المكرمون، كما ذكره أهل اللغة، وهو اختيار أبي إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 346.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب