الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿كَلَّا﴾ [[قال الألوسي في "روح المعاني" 16/ 313: وهذا أول موضع وقع فيه من القرآن، وقد تكرر في النصف الأخير فوقع في ثلاثة وثلاثين موضعًا.]] هذه الكلمة ترد في القرآن بمعنيين أحدهما: الرد لكلام تقدم [[لفظ: (تقدم): ساقط من نسخة (س).]]. والثاني: بمعنى: حقًّا [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 345، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 117، "البحر المحيط" 6/ 214، "روح المعاني" 16/ 131، "الدر المصون" 7/ 637.]]. قال الفراء: (كلا بمنزلة سوف، وتجيء حرف رد فكأنها نعم ولا) [[أورد نحوه بلا نسبة "الكشاف" 2/ 422، "البحر المحيط" 6/ 214، "الدر المصون" 7/ 637.]]. وهذا الذي قاله [[قوله: (قاله)، ساقط من نسخة (س).]] الفراء هو أصل معنى كلا، فإنه ينفي ما قبله ويحقق ما بعده، ولذلك اختلف المفسرون في معناه فجعله [[قوله: (فجعله)، ساقط من نسخة (س).]] بعضهم بمنزلة حقًا، وبعضهم جعله ردًا لما قبله وردعًا، وهو متضمن للمعنيين كما ذكره الفراء [["المحرر الوجيز" 9/ 528، "الكشاف" 2/ 422، "القرطبي" 11/ 147.]]. وقال الكسائي: (لا تنفي حسب، وكلا تنفي شيئًا وتوجب شيئًا كقولك لرجل قال لك: أكلت شيئًا؟ قلت: لا، ويقول آخر: أكلت تمرًا فتقول [[قوله: (فتقول)، ساقط من نسخة (س).]]: كلا، أردت أنك أكلت عسلًا لا تمرًا، قال: وتأتي كلا بمعنى قول حقًّا) قال ذلك كله أحمد بن يحيى عن سلمة عن الفراء عن الكسائي [["تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 149، "شرح كلا وبلى ونعم" لمكي بن أبي طالب ص 24.]]. قال الفراء: (ويجوز أن تجعلها صلة لما بعدها كقولك: كلا ورب الكعبة، فتكون بمنزلة: إي ورب الكعبة، قال الله تعالى: ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ﴾ [المدثر:22] فإذا جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها كقوله: ﴿كَلَّا وَالْقَمَر﴾ والوقف على ﴿كَلَّا﴾ قبيح؛ لأنها صلة لليمين) [["تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "الإيضاح في الوقف والابتداء" 2/ 776، "القطع والائتناف" ص 458، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص 377، "شرح وكلا وبلى ونعم" ص 19.]]. وقال الأخفش: (﴿كَلَّا﴾ ردع وزجر) [["تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "شرح كلا وبلى ونعم" ص 28.]]. وهذا مذهب سيبويه [["الكتاب" لسيبويه 2/ 312.]]، وإليه ذهب الزجاج -ﷺ- في جميع القرآن [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 345.]]. قال أبو حاتم: (وتجيء ﴿كَلَّا﴾ بمعنى "أَلَا" التي هي للتنبيه يستفتح بها الكلام كما يستفتح بأَلَا) [["تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "القطع والائتناف" ص 458، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص 377، "شرح كلا وبلى ونعم" ص 25.]]، واحتج بقول الأعشى [[البيت للأعشى. انظر: "شرح القصائد" للتبريزي ص 347، "شعراء النصرانية" ص 369، "تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "لسان العرب" (كلا) 7/ 3926.]]: كَلَّا زَعَمْتُمُ بِأَنَّا لاَ نُقَاتِلكُمْ ... إِنَّا لأَمْثَالِكُمْ يَا قَوْمَنَا قُتل قال ابن الأنباري: (هذا غلط منه ﴿كَلَّا﴾ لا تكون افتتاح الكلام، والذي في البيت بمعنى "لا"، أي: ليس الأمر على ما يقولون) [[انظر: "تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "لسان العرب" (كلا) 7/ 3926.]]. واحتج أيضًا بقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ [العلق: 6]، قال معناه: (أَلَا أن الإنسان ليطغى) [[انظر: المراجع السابقة، "شرح كلا وبلى ونعم" ص 26.]]. قال ابن الأنباري: (معنى ﴿كَلَّا﴾ في هذه الآية الذي احتج بها حقًا، كأنه قال: حقًّا إن الإنسان ليطغى، قال: ويجوز أن يكون بمعنى "لا" كأنه لا ليس الأمر على ما تظنون يا معشر الكفرة، كما قال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة﴾ [القيامة: 1]، ولا راد لكلامه ثم ابتداء فقال: أقسم) هذا كلام أبي بكر [["تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "شرح كلا وبلى ونعم" ص 61.]]. وقد ذكر سيبويه أن كلا بمعنى: (حقًّا) [["الكتاب" 2/ 312، "تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179.]]. وعلى هذا يجوز أن تكون بمعنى (أَلَا)، ولا يجوز على الوجه الذي ذكره أبو حاتم؛ لأنه يجعله افتتاحًا لا بمعنى حقًا. واختلفوا في الوقف على كلا؛ فقال أبو العباس أحمد بن يحيى: (لا يوقف على ﴿كَلَّا﴾ في جميع القرآن؛ لأنها جواب والفائدة تقع فيما بعدها) [[انظر: "القطع والائتناف" ص 458، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص 377، "تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، "شرح كلا وبلى ونعم" ص 19.]]. ومنهم من قال: (يوقف على ﴿كَلَّا﴾ في جميع القرآن) [[الجام 11/ 147، "روح المعاني" 16/ 131، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص 377.]]. ومنهم من قال: (يوقف على ما قبل ﴿كَلَّا﴾ ويبتدأ بها) [["الجامع لأحكام القرآن" 11/ 147، "روح المعاني" 16/ 131، "المحتسب" 2/ 45، "شرح كلا وبلى ونعم" ص 19.]]. فأما في هذه الآية فقال ابن الأنباري: (الوقف على ﴿كَلَّا﴾ جائز؛ لأن المعنى ليس الأمر) [["تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3179، وقال مكي بن أبي طالب في شرح كلا وبلى ونعم ص 19: يوقف عليها إذا كان ما قبلها يرد وينكر، ويبتدأ بها إذا كان ما قبلها لا == يرد ولا ينكر، وتوصل بما قبلها وما بعدها إذا لم يكن قبلها كلام تام. وهذا المذهب أليق بمذهب القراء وحذاق أهل النظر، وهو الاختيار، وبه آخذ.]]. كذا قال، ويجوز أن يوقف على قوله: ﴿عَهْدًا﴾ أي لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا. ومنهم من قال: (معناه: ليس الأمر كما يظنه من أنه يؤتى المال والولد) [["الجامع لأحكام القرآن" 11/ 147.]]. وقوله تعالى: ﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ أي: سنأمر الحفظة بإثباته لنجازيه في الآخرة ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ نزيده عذابًا فوق العذاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب