الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَكُلِي﴾ قال ابن عباس: (من الرطب ﴿وَاشْرَبِي﴾ من السري ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ يريد بعيسى) [[ذكر نحوه "معالم التنزيل" 5/ 227، و"الجامع لأحكام القرآن" 11/ 96، "تنوير المقباس" 255.]]. قال الكسائي: (قَرِرْتُ به عينا أَقَرُّ، قُرَّةً، وقُرُورًا) [["تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924.]]. وبعضهم يقول: قَرِرْتُ، أَقَرُ، القُرَّةُ المصدر، والقُرَّة كل شيء قَرَّتْ به عينك، وأَقَرَّ الله عينه فَقَرَّت [["تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924، "لسان العرب" (قرر) 6/ 3581.]]. قال الأصمعي: (أَقَرَّ مأخوذ من القُرُّ والقِرَّة، وهما البرد، ومعنى أَقَرَّ الله عينه أبرد الله دمعه؛ لآن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة [["النكت والعيون" 3/ 367، "زاد المسير" 5/ 224، "إعراب القرآن" للنحاس 311، "تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924، "لسان العرب" (قرر) 6/ 3581.]]. قال المنذري: (وعرض هذا القول على أحمد بن يحيى فأنكره، وقال: الدمع كله حار في فرح كان أو حزن) [["تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924.]]. وحكي عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: (أَقَرَّ الله عينك سكن الله عينك بالنظر إلى ما تحب. أي: صادفت ما يرضيك فَتَقَرّ عينك من النظر إلى غيره. والعرب تقول للذي يدرك ثاره: وقعت بقرك، أي: صادف فؤادك ما كان متطلعا إليه فَقَرَّ) [["زاد المسير" 5/ 224، "تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924، "لسان العرب" (قر) 6/ 3581.]]. وقولهم: فلان قُرَّة عيني معناه رضي نفسي، أي: ترضى نفسي وتَقر وتسكن بقربه مني ونظري إليه [[انظر: "تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924، "مقاييس اللغة" (قر) 5/ 7، "الصحاح" (قرر) 2/ 788، "المفردات في غريب القرآن" (قر) 397، "لسان العرب" (قر) 6/ 3581.]]. قال أبو عمرو الشيباني: (أقر الله عينه أنام الله عينه، والمعنى صادف سرورًا يذهب سهره فينام) [["إعراب القرآن" للنحاس 2/ 311، "تهذيب اللغة" (قر) 3/ 2924، "لسان العرب" (قرر) 6/ 3581.]]، وأنشد [[هذا عجز بيت ينسب لعمرو بن كلثوم وصدره: بيوم كريهة ضربًا وطعنًا انظر: "تهذيب اللغة" (قرر) 3/ 2924، "لسان العرب" (قرر) 6/ 3581.]]: أَقَرَّ بِه مَوَالِيْك العُيُونَا أي: نامت عيونهم لما ظفروا بما أرادوا. وقال الفراء: ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ جاء في التفسير: طيبي نفسا، وإنما نصبت العين؛ لأن الفعل كان لها، فصيرته للمرأة فمعناه لتقر عينك، فإذا حول الفعل عن صاحبه إلى ما قبله نُصب صاحب الفعل على التفسير، كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ [النساء: 4]، معناه: فإن طابت أنفسهن، ومثله: ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [[سورة هود الآية رقم: (77)، وسورة العنكبوت الآية رقم: (33).]]، وسؤت به ظنا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 166.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ﴾ ترين كان في الأصل ترأيين فحذفت الهمزة كما حذفت من يرى وترى، ونقلت فتحتها إلى الراء، فصار تريين فلما تحركت الياء الأولى وانفتح ما قبلها صارت ألفا، فاجتمع ساكنان أحدهما الألف المنقلبة في الياء والأخرى ياء التأنيث، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار (تَرَيْنَ) ثم حذفت النون علامة للجزم؛ لأن قوله: إما حرف شرط فبقي ترى، ثم دخلته نون التأكيد وهي منقلة فكسرت الياء أعني ياء التأنيث لالتقاء الساكنين إذ النون المثقلة بمنزلة نونين الأولى منها ساكنة فصار تنوين [["إملاء ما من به الرحمن" 1/ 113، "الدر المصون" 7/ 591.]]. قال الزجاج: (وكذلك تقول للمرآة: اخشينَّ زيدا) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 327.]]. يعني أن ياء التأنيث تكسر لأجل نون التأكيد وكذلك تقول: ألم تَرَى القوم، ولم تَخْشَى الرجل فتحرك بالكسر مع لام المعرفة وسائر السواكن كذلك حركتها مع النون الشديدة بالكسر ولم ترد اللام التي حذفتها لالتقاء الساكنين لما حركت الساكن الذي كنت حذفت اللام لالتقائها معه؛ لأن حركة الالتقاء الساكن غير لازمه وهي في تقدير السكون كما لم ترد في قولك: رَمَتِ ابنك ونحوه، وإذا قلت للواحدة: تَرَيْنَ كان اضافته على ضمير التأنيث وليست لام الفعل؛ لأن لام الفعل قد حذفت لالتقاء الساكنين كما ذكرنا، فإن خاطبت جماعة نساء قلت: كيف تَرَيْنَ؟ فالياء لام الفعل، وليست التي للضمير كما كانت] [[من قوله: (فأرسل الله الماء فيه لمريم ..) إلى هنا ساقط من نسخة: (س).]] في خطاب الواحدة ألا ترى أن قولك: أَنْتُنَّ تَذْهَبْنَ، تلي فيه الباء التي هي لام الفعل علامة الضمير للتأنيث وهي النون، فقياس المعتل في هذا قياس الصحيح، ولذلك لو قلت للواحدة: كيف تَرَيْنَك كانت النون علامة للرفع والياء علامة الضمير، ولو قلت لجماعة نساء: كيف تَرَيْنَكُنَّ، كانت النون علامة الضمير والياء لام الفعل، فإذا ألحق الجازم والناصب ترين، وتأتين حذفت النون للجزم والنصب، ولو لحق فعل الجميع لم تحذف النون كما لم تحذف في؛ لم تَضرِبنَ. ذكر هذا كله أبو علي الفارسي في "المسائل الحلبية" [["المسائل الحلبيات" لأبي علي الفارسي 87.]]. قوله تعالى: ﴿فَقُولِي﴾ فيه اختصار؛ لأن المعنى: فإما ترين من البشر أحدًا فسألك عن ولدك فقدلي: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ قال ابن عباس: (صمتا) [["جامع البيان" 16/ 74، "بحر العلوم" 2/ 322، "النكت والعيون" 3/ 367، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 131، "زاد المسير" 5/ 225، "الدر المنثور" 4/ 485.]]. ومعنى الصوم في اللغة: الإمساك عن الأكل وعن الكلام [[انظر: "تهذيب اللغة" (صام) 2/ 1964، "مقاييس اللغة" (صوم) 3/ 323، "القاموس المحيط" (صام) ص 1131، "المفردات في غريب القرآن" (صوم) 291.]]. والمعنى أوجبت على نفسي لله تعالى أن لا أتكلم. وقال قتادة: (صامت من الكلام، والطعام، والشراب) [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 8، "جامع البيان" 16/ 74، "النكت والعيون" == 3/ 367، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 331.]]. وعلى هذا معنى قوله: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ هو الصوم المعروف الذي هو عبادة. قال السدي، وابن زيد: (كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام، كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم الصائم حتى يمسي) [["جامع البيان" 16/ 74، "المحرر الوجيز" 9/ 458، "معالم التنزيل" 5/ 227، "زاد المسير" 5/ 225، "الدر المنثور" 4/ 485.]]. ويدل على صحة هذا القول قوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ أي: إني صائم فلا أكلم اليوم أحدًا. ولو أريد بالصوم هاهنا الصمت فقط لم يحتج إلى قوله فلن أكلم اليوم. وأيضًا فإنه قال: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ والصوم الذي هو لله إنما هو [[قوله: (هو)، ساقط من نسخة (س).]] ترك الطعام لا ترك الكلام. قال المفسرون: (كان قد أذن لها أن تقول: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [ثم تسكت ولا تتكلم بشيء آخر) [["النكت والعيون" 3/ 368، "المحرر الوجيز" 9/ 458، "معالم التنزيل" 5/ 227،" الجامع لأحكام القرآن" 11/ 98. وهذا قول جمهور المفسرين. قال أبو حيان في "تفسيره" 6/ 195: إن المعنى فلن أكلم اليوم إنسيا بعد قولي هذا، وبين الشرط وجزائه جملة محذوفة يدل عليه المعنى أي: فإما ترين من البشر أحدًا وسألك أو حاورك الكلام فقولي. وانظر: "أضواء البيان" 4/ 254.]]. وقال قوم: (كانت تقول هذا القدر إشارة بحيث يعرف أنها ممسكة عن الكلام) [["بحر العلوم" 2/ 322، "المحرر الوجيز" 9/ 458، "معالم التنزيل" 5/ 228، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 131.]]. وأما سبب أمرها] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).]] بترك الكلام فقال ابن مسعود، وابن زيد، ووهب: (أمرت بالصمت؛ لأنها لم يكن لها حجة عند الناس ظاهرة في شأن ولدها، فأمرت بالكف عن الكلام ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ به ساحتها) [["جامع البيان" 16/ 75، "النكت والعيون" 3/ 368، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 131، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 98.]]. وقيل في قوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ خصت الإنس لأنها كانت تكلم الملائكة [["معالم التنزيل" 5/ 228، "الكشاف" 2/ 409، "زاد المسير" 5/ 225، "الدر المنثور" 4/ 485.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب