الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾ الهز معناه: التحريك [[انظر: "مقاييس اللغة" (هز) 6/ 9، "القاموس المحيط" (هز) ص 529، "الصحاح" (هزز) 3/ 901، "المفردات في غريب القرآن" (هزز) ص 542.]]، يقال: هَزَزْتُه فاهْتَزَّ، ومعنى ﴿إِلَيْكِ﴾ اجذبيه إليك أي: حركيه بأن تجذبيه إليك. وقوله تعالى: ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ قال الأخفش: (الباء زائدة) [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 626، وقال أبو السعود في "تفسيره" 3/ 579: الباء صلة للتوكيد. وقول أبو السعود أولى من القول بالزيادة، وذلك أدبا مع القرآن الكريم فإن كل حرف ورد فيه يقصد به معنى من المعاني. ولذلك قال ابن جرير -رحمه الله- في "تفسيره" 16/ 73: تدخل الباء في الأفعال وتخرج فيكون دخولها وخروجها بمعنى فمعنى الكلام: وهزي إليك جذع النخلة.]]. وهي تزاد كثيرًا في الكلام يقال: خذ بالزمام، وتناول بالخطام، ومد بالحبل، وأعطني بيدك، وأنشد: بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُه ... وَأَسْفَلُه بِالمَرْخِ والشَّبَهَانِ [[ورد البيت في عدد من الكتب ونسب إلى رجل من عبد القيس، وقيل إنه ليعلى الأحول. الشَّث: الكثير من الشيء وهو ضرب من الشجر طيب الريح مر الطعم. والشبهان: ضرب من الرياحين. انظر: "مجاز القرآن" 2/ 48، "معاني القرآن" للأخفش 2/ 626، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 200، "أدب الكاتب" 416، "الجمهرة" 1/ 45، "الدر المصون" 7/ 585، "لسان العرب" (شبه) ص 2191.]] ونحو هذا قال الفراء، قال: (والعرب تقول: هَزَّ بِه وَهَزَّه، وقوله تعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾ [الحج: 15]، معناه فَلْيَمدْدُ سببا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 165.]]. ويقال: ألقى بيده، أي ألقى يده، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة: 195]. قال أبو علي: (ويحتمل أن يكون معنى ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أي: بهز جذع النخله رطبا فحذف المضاف) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 198.]]. والمعنى: إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا، فإذا هززت الرطب سقط. وهذا على قول من يخصب الرطب بالهز، وهو قول المبرد، حكى عنه الزجاج قال: (والمعنى هزي إليك بجذع النخلة رطبا تساقط عليك) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 325.]]. وقوله تعالى: ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ﴾ أي: تتساقط فأدغمت التاء في السين، وتساقط هاهنا بمعني: تسقط، وتفاعل مطاوع فاعل كما أن تفعل مطاوع فَعَّل وكما عدّى تفعل في: تجرعته، وغليته، وتَمَزَّزْته، كذلك عدي تفاعل فمما جاء من ذلك قول الشاعر: تُطَالِعنا خَيَالاتٌ لِسَلْمَى ... كَمَا يَتَطَالعُ الدَّينَ الغَرِيمُ [[البيت لسلمة بن الخرشب الأنماري. ويريد به أن خيال صاحبته يكثر معاودته، كما يلح الدائن على المدين بكثرة ترداده عليه. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 199، "المحتسب" 2/ 358، "المفضليات" 39.]] ويكون المعنى: تسقط عليك النخلة رطبا جنيا، وانتصب (رُطَبًا) على أنه مفعول به [["الحجه للقراء السبعة" 5/ 198، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 113، "الدر المصون" 7/ 588.]]. وقرأ حمزة: تَسَاقَطْ، مخففا [[قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: (تساقط) بفتح التاء وتشديد السين. وقرأ حمزة: (تَسَاقط) بفتح التاء وتخفيف السين. انظر: "السبعة" ص 409، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 198، "المبسوط في القراءات" ص 243، "حجة القراءات" ص 442.]]. حذف التاء التي أدغمها غيره، ويجوز أن يكون المعنى: تساقط عليك ثمرة النخلة رطبا، فيكون انتصاب رطبا على الحال، وجاز أن يضمر الثمرة وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن ذكر النخلة يدل عليها، وعلى هذا الوجه تساقط مطاوع [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 200.]]، وعلى قول الفراء، والزجاج [[) "معاني القرآن" للفراء 2/ 166، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 325.]] انتصب (رُطَبًا) على التمييز والتفسير؛ لأن الفعل نقل من الرطب إلى النخلة فلما حول الفعل إليها خرج الرطب مفسرًا كقولهم: تصبب عرقا، كذلك تساقطت النخلة رطبا [["إملاء ما من به الرحمن" 1/ 113، "الدر المصون" 7/ 588.]]. وروى حفص عن عاصم: تُسَاقِطْ على وزن تفاعل [[قرأ حفص عن عاصم: (تُسَاقِط) بضم التاء وكسر القاف مخففة السين. وقرأ أبو بكر عن عاصم: (تَسُاقط) بفتح التاء وتشديد السين. انظر: "السبعة" ص 409، "الحجة للقراء السبعة" 198، "العنوان في القراءات" 126، "التبصرة" ص 256.]]، وساقط بمعنى: أسقط، قال يصف الثور والكلاب [[البيت لضابئ البرجمي، يصف الثور والكلاب. الروق: القرن. أَخْوَل أَخْوَلاَ: متفرقا. انظر: "المحتسب" 2/ 41، "الخصائص" 2/ 130، "تهذيب اللغة" (خال) 1/ 969، "لسان العرب" (خول) 3/ 1294.]]: يُسَاقِطُ عَنْهُ رَوْقُهُ ضَارِيَاتِهَا ... سِقَاطَ حَدِيدِ القَيْنِ أَخْوَلَ أَخْوَلاَ وقوله تعالى: (رُطَبًا) الرُّطَبُ: الناضج من البسر [[انظر: "تهذيب اللغة" (رطب) 2/ 1421، "الصحاح" (رطب) 1/ 136، "لسان العرب" (رطب) 3/ 1664، "المفردات في غريب القرآن" (رطب) 197.]]، وقد أَرْطَبَتِ النخلة وأَرْطَبَ القوم إذا أَرْطَبَ نخلهم، ورَطَّبْتَ القوم أطعمتهم رُطَبًا. والجَنَى بمعنى المَجْنِي يقال: جَنَيْتُ الثمر، وأَجْنَيْته، وجَنَا الشجرة ما جُنِي منها [[انظر: "تهذيب اللغة" (جني) 1/ 674، "مقاييس اللغة" (جني) 1/ 482، "المفردات في غريب القرآن" (جنى) ص 101، "لسان العرب" (جني) 2/ 707.]]. قال ابن عباس: (فعجبت مريم من قول جبريل حين قال لها: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ وذلك أنه كان جذعًا نخرًا ليس له سعف فلمَّا هزته نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع، ثم نظرت إلى الطلع، ثم خرج من بين السعف، ثم نظرت إلى الطلع قد اخضر فصار بلحا، ثم نظرت إلى البلح قد احمر فصار زهوا، ثم نظرت إلى البسر الأحمر قد صار رطبا كل ذلك طرفة عين قبل أن يرتد إليها طرفها، فجعل الرطب يقع بين يديها في أقماعه ولا يتشدخ منها شيء، فطابت نفسها) [["الجامع لأحكام القرآن" 11/ 95، "روح المعاني" 16/ 85، "البحر المحيط" 6/ 184.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب