الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ وقرئ: بالتخفيف [[قرأ نافع، وأبو عمرو البصري: (أن يبدلهما) بالتشديد. وقرأ ابن عامر، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وعاصم: (أن يبدلهما) بالتخفيف. انظر: "السبعة" ص 396، "الحجة" 5/ 164، "التبصرة" ص 251، "النشر" 2/ 314.]]. وبدل وأبدل متقاربان في المعنى، كما أن نزل وأنزل كذلك. وفرق قوم بينهما، وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: 56] الآية. قوله: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (خيرًا منه دينًا) [["زاد المسير" 5/ 180، "القرطبي" 11/ 37، بدون نسبة، "روح المعاني" 16/ 11.]]. وهو قول قتادة [[ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 37 بدون نسبة.]]. ومعنى هذا ما قاله الكلبي، والفراء: (خيرًا منه صلاحًا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 157، "الكشف والبيان" 3/ 391 ب.]]. والزكاة: الصلاح، والزاكي: الصالح، ذكرنا ذلك عند قوله: ﴿نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: 74] وفسر الصلاح: بالدين؛ لأن الصلاح يكون من الدين. وكذلك تفسير ابن جريج الزكاة في هذه الآية: (بالإسلام) [["جامع البيان" 16/ 4، "معالم التنزيل" 5/ 195، "المحرر الوجيز" 9/ 193، "النكت والعيون" 3/ 334، "الدر المنثور" 4/ 431.]]. فيكون كتفسير ابن عباس بالدين. وقوله تعالى: ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ والرُّحْمُ، والرُّحُمُ، والرَّحْم: العطف والرحمة [["تفسير غريب القرآن" 1/ 270، "العمدة في غريب القرآن" ص 192، "لسان العرب" (رحم) 3/ 1613.]]. قاله أبو عبيدة، والزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 305، "مجاز القرآن" 1/ 412.]]. وأنشد أبو عبيدة للعجاج [[البيت للعجاج. انظر: "ديوانه" 2/ 66، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 413، "جامع البيان" 16/ 4، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 166، "لسان العرب" (رحم) 3/ 1613.]]: ولم تعوَّج رحم من تعوَّجا وأنشد غيره لرؤبة [[البيت لرؤبة. انظر: "ديوانه" ص 175، "المحرر الوجيز" 9/ 193، "البحر المحيط" 6/ 155، "الدر المصون" 7/ 539، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 166، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 290 والشطر الأول منه في "لسان العرب" (رحم) 3/ 1613.]]: يا منزل الرَّحم على إدريس ... ومنزل اللعن علي إبليس ويستعمل الرحم بمعنى القرابة لا بمعنى الشفقة. ويقال: فلان أشفق منك رحما، وفلان أمس رحما من فلان أي: قرابة. وأما الذي في الآية فقال قتادة: (أبر بوالديه) [["جامع البيان" 16/ 4، "معالم التنزيل" 5/ 195، "النكت والعيون" 3/ 335، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 110.]]. وهو قول ابن عباس قال: (أوصل للرحم، وأبر بوالديه) [["زاد المسير" 5/ 180، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 37.]]. وروى عنه سعيد بن جبير: (وأقرب مودة) [[ذكره النحاس في "إعراب القرآن" 2/ 290 بدون نسبة.]]. وهذا قول أكثر المفسرين جعلوا البدل: أبر بالوالدين. ومنهم من جعل الوالدين أبر بالبدل، وهو قول ابن جريج، والفراء. قال ابن جريج: (أرحم به منهما بالذي قتل الخضر) [["جامع البيان" 16/ 4.]]. يعني رحمة الوالدين عليه أكثر. وقال الفراء: (أقرب أن يرحماه) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 157.]]. فعلى هذا، الرحم من جهة الوالدين، وعلى القول الأول الرحم من جهة الولد، وكلهم على أن معنى الرحم هاهنا: الرحمة والشفقة والعطف، غير أن الزجاج قال في هذه الآية: (أقرب عطفا، وأمس بالقرابة) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 305.]]. وَهِمَ؛ لأن الأولاد لصلب الوالدين سواء في القرابة، ولا يكون بعضهم أمس بالقرابة من بعض. قال النبي -ﷺ- في حديث أبي بن كعب: "فوقع أبوه على أمه فنقلت: فولدت خيرًا منه زكاة وأقرب رحما" [[سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.]]. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (ولدت جارية فولدت نبيا) [["جامع البيان" 16/ 4، "النكت والعيون" 3/ 335، "زاد المسير" 5/ 181، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 37.]]. وروى عكرمة عنه في قوله: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ قال: (ولدا كان في بطن أمه) [[ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة انظر: "جامع البيان" 16/ 4، "لباب التأويل" 4/ 227، "الكشاف" 2/ 496، "زاد المسير" 5/ 126، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 110، "التفسير الكبير" 21/ 161، "البحر المحيط" 6/ 155.]]. وقال مجاهد: (كان ذلك الولد جارية) [["النكت والعيون" 3/ 335 بدون نسبة، وذكر نحوه الثعلبي عن الكلبي 3/ 391 ب، "بحر العلوم" 2/ 309.]]. وهو قول جميع المفسرين إلا ابن جريج، فإنه قال: (أبدلهما الله غلامًا مسلمًا، وكان المقتول كافرًا) [["جامع البيان" 4/ 16، "النكت والعيون" 3/ 334، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 110، "زاد المسير" 5/ 181.]]. وقال ابن عباس في رواية عطاء: (أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا) [["معالم التنزيل" 5/ 195، "المحرر الوجيز" 9/ 383، "زاد المسير" 5/ 181، "البحر المحيط" 6/ 155.]]. وهذا قول الباقر [["الكشف والبيان" 3/ 391 ب، "روح المعاني" 16/ 12.]]. والجمع بين هذا وبين قوله في رواية سعيد: (ولدت نبيا)، أن السبعين كانوا من نسلها ولم تلد لبطنها إلا نبيًا. قال مطرف [[مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي العامري، أبو عبد الله البصري، من كبار التابعين، ولد في حياة النبي -ﷺ-، وكان من عباد أهل السمرة وزهادهم، روى عن: أبيه، وعثمان، وعلي، وعمار بن يسار وغيرهم، وروى عنه: عبد الله بن هاني، والحسن البصري، وسعيد الجريري. وكان من أهل البصرة وثقه العلماء، توفي رحمه الله في أول ولاية الحجاج، وقيل سنة 95 هـ. انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 312، "الكاشف" 3/ 150، "تذكرة الحفاظ" 1/ 64، "تهذيب التهذيب" 10/ 157.]] في هذه الآية: (أيم الله لقد كان أبوه فرحا بمولده، وحزينًا بمقتله، ولو عاش كان في بقائه هلكتهما، فقضاء الله خير من قضائك لنفسك، وما يقضيه الله لك بما تكرهه خير من قضائك لنفسك بما تحب يا بني، فاستخر الله وارض) [["جامع البيان" 16/ 4 ذكره عن قتادة، "معالم التنزيل" 3/ 177، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 110، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 38، "الدر المنثور" 4/ 430.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب