الباحث القرآني
ثم فسر له فقال: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ هذه الآية دلالة على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم كانوا مساكين مع أنهم كانوا يملكون سفينة وهي تساوى جملة من الدنانير [["معالم التنزيل" 5/ 194، "المحرر الوجيز" 9/ 376، "النكت والعيون" 3/ 332.]]، وذكرنا هذا عند قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: 60] الآية، ويجوز أن تكون المسكنة هاهنا لم يعن بها الفقر وقلة ذات اليد، لكن أريد بها عدم الناظر وانقطاع الحيلة، كما يقال للذي يظلمه عدوه: مسكين فلان. يراد بالمسكين المستضعف المهتضم، وإن كان كثير المال واسع الملك.
ومن هذا الباب ما روي في الحديث: "مسكين لا زوجة له" [[أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"، كتاب: النكاح، باب: الحث على النكاح 4/ 252 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقا إلا أن أبا نجيح لا صحبة له. وابن الأثير في "جامع الأصول" كتاب: النكاح، باب: في الحث على النكاح والترغيب فيه 11/ 429، و"الترغيب والترهيب" للمنذري 3/ 67، وقال: ذكره == رزين ولم أره في شي من أصوله. وذكره الما وردي في "النكت والعيون" 3/ 332، و"منتخب الكنز بحاشية مسند الإمام أحمد" 6/ 390.]]. يعني في العجز عن الصبر في بعض الأحوال وضعف الحيلة، وإن كان له مال كثير [["المحرر الوجيز" 9/ 377، "النكت والعيون" 3/ 332، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 34، "روح المعاني" 16/ 9، وقال ابن عطية في "تفسيره" 9/ 377: وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جدًا، ومع المسكنة انكشاف وذل وسؤال، ولذلك جعلهما الله صنفين في قسم الصدقات.]].
وقوله تعالى: ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ قال مجاهد: (أخرقها) [["جامع البيان" 16/ 1، "الدر المنثور" 4/ 430.]]. وعَابَ في اللغة يكون على معان ثلاثة يقال: عَابَ فلان فلانًا يعيبه عَيبًا، ورجل عَيَّاب، وعاب الحائط، والشئ إذا صار ذا عيب [[في (س) قال: وعبته أنا، قال أبو الهيثم: ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ أي: أجعلها ذات عيب.]] [[انظر: "تهذيب اللغة" (عاب) 3/ 2263، "مقاييس اللغة" (عيب) 4/ 189، "الصحاح" (عيب) 1/ 190.]].
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ أكثر أهل العلم من المفسرين وأصحاب المعاني قالوا: ﴿وَرَاءَهُمْ﴾ هاهنا معناها أمامهم) [["جامع البيان" 16/ 1، "الكشف والبيان" 3/ 391 ب، "بحر العلوم" 2/ 309، "معالم التنزيل" 5/ 194، "النكت والعيون" 3/ 332، "الكشاف" 2/ 399.]]. وكذا كان ابن عباس يقرأ: (وكان أمامهم ملك) [["جامع البيان" 16/ 1، "معالم التنزيل" 5/ 194، "المحرر الوجيز" 9/ 378، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 34.]]. ووراء بمعنى: أمام، ورد كثيرًا في التنزيل والشعر، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: 17]، ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ [المؤمنون: 100] ، وقول لبيد [[هذا صدر بيت للبيد بن ربيعة وعجزه:
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
انظر: "ديوانه" ص 89، "البحر المحيط" 6/ 154، "الدر المصون" 7/ 537، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 305، "تهذيب اللغة" (ورى) 4/ 3878، "لسان العرب" (ورى) 8/ 4823.]]:
أليس ورائي إن تراخت منيتي
وهذا قول أبي حاتم، وأبي عبيد، وابن السكيت، وأبي عبيدة، والفراء، والزجاج [["مجاز القرآن" 1/ 412،"معاني القرآن" ، للفراء 2/ 157، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 305، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 288، "البحر المحيط" 6/ 154.]]، وذكرنا هذا في سورة إبراهيم [[عند قوله سبحانه في سورة إبراهيم الآية رقم (17): ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾.]].
وأنشد أبو عبيدة: لسوار بن المضرب السعدي [[البيت لسوار بن المضرب السعدي.
انظر: "مجاز القرآن" 1/ 412، "جامع البيان" 16/ 1، "النكت والعيون" 3/ 332، "البحر المحيط" 6/ 154، "الدر المصون" 7/ 537، "الكامل" ص 289، "جمهرة اللغة" 1/ 236، "لسان العرب" (ورى) 8/ 4823.]]:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي: أمامي [["مجاز القرآن" 1/ 412.]]. قال: ووراء الرجل خلفه، ووراءه قدامه، وأنشد أيضًا [[البيت لعروة بن الورد.
انظر: "ديوانه" ص 114، "الأضداد" لابن الأنباري 69 ص، "البحر المحيط" 6/ 154، "الدر المصون" 7/ 537، "روح المعاني" 16/ 9.]]: أليس ورائي أن أدبَّ على العصا ... فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
ولا خلاف بين أهل اللغة أن وراء يجوز أن تكون بمعنى قدام، واختلفوا في معنى ذلك، فقال الفراء: (لا يجوز أن يقال لرجل بين يديك: هو وراءك، إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيام والليالي والدهر، تقول: وراءك برد شديد، وبين يديك برد شديد، جاز الوجهان؛ لأن البرد إذا لحقك صار من ورائك، وكأنك إذا بلغته كان بين يديك) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 157.]].
وقال غيره: (يجوز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع؛ لأنها جهة مقابلة لجهة، فكأن كل واحد من الجهتين وراء الآخر، إذا لم يرد معنى المواجهة، ويجوز ذلك في الأجسام التي لا وجه لها مثل: حجرين متقابلين كل واحد منها وراء الآخر) [["البحر المحيط" 6/ 154، ونسبه لأبي علي، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 36، "روح المعاني" 16/ 10.]].
وأكثر أهل اللغة على أن وراء من الأضداد.
قال أبو علي: (وقد حكى متقدمو أهل اللغة وقوع الاسم على الشيء وعلى ضده، وصنفوا فيه الكتب؛ كقطرب، والتوَّزي [[عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس بن إبراهيم أبو محمد العبقسي، النحوي، التوزي نسبة إلى توَّز مدينة في فارس عند بحر الهند، سكن بغداد، روى عن أبيه عن هذيل بن حبيب تفسير مقاتل بن سليمان، وروى عن عمر بن شبَّة النميري، وروى عنه أبو عمر بن السماك، ولد سنة 223 هـ، وتوفي رحمه الله سنة 330 هـ، ودفن بالرملية.
انظر: "إنباه الرواة" 2/ 112، "طبقات ابن قاضي شهبه" 2/ 26، "طبقات القراء" 1/ 411، "النجوم الزاهرة" 3/ 199.]]، ويعقوب وغيرهم، وربما أنكر ذلك بتعسف وتأويلات غير سهلة، وليس ينكر ان اللفظ الواحد يقع على الشيء وعلى خلافه، فلذلك لا ينبغي أن ينكر وقوعه على الشيء وضده؛ لأن الضد ضرب من الخلاف، فإن زعموا أن ذلك يلبس [فهو في الخلاف أيضًا يلبس)] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسحة: (ص).]] [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 187.]].
وروى الأزهري بإسناده عن ابن السكيت قال: (وراء، وأمام، وقدام يؤنَّثن ويُذَكَّرن، ويصغر أمام فيقال: أُمَيِّم ذلك وأُمَيِّمة، وقُدَيْدِيم ذلك وقديديمه، وهو وريئ ذلك [[قوله: (ذلك)، ساقط من (ص).]] الحائط، ووريئة الحائط) [["تهذيب اللغة" (ورى) 4/ 3878.]].
قال أبو علي: (اللام من هذه الكلمة همزة، والقول في تحقيرها: وُرَئِّيةٌ مثل: وديعة، حكى ذلك أبو عثمان وغيره، ولو كان من باب الوري والتواري لكان تحقيره: وريَّةً، قال: ومن نادر ما جاء في هذه الكلمة دخول الهاء في تحقيرها مع أنها على أربعة أحرف، وكذلك دخلت في قُدَيْديمة تحقير قُدَام، وأنشد [[البيت للقطامي.
انظر: "ديوانه" ص 44، "خزانة الأدب" 7/ 86، "المقتضب" 2/ 273، "شرح المفصل" 5/ 128، و"اللمع في العرية" ص 303، "لسان العرب" (قدم) 6/ 3552.]]:
قديديمة التجريب والحلم إنني ... أرى غفلات العيش قبل التجارب
وما كان على أربعة أحرف لا تدخله هاء التأنيث [[في نسخة (ص): (في التحقير).]]، كما تدخل عامة ما كان على ثلاثة أحرف، وذلك أن الحرف الأصلي قام مقام الزائد، كما قام مقامه في قولهم: لم يَغْزُ، ولم يَرْمِ، ولم يَخْشَ، ألا ترى أن هذه اللامات حذفت كما تحذف الحركات للجزم، فأما دخولها على قُدَيْديمةٍ، ووُرَيِّئةٍ فمن الأشياء التي شذت فترد إلى الأصل المرفوض نحو: استحوذ، والقصوى، والقود) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 188.]]. وهذا الذي ذكره أبو علي خلاف ما ذكره ابن السكيت؛ لأنه لم يجعل الهمز أصلاً [["تهذيب اللغة" (ورى) 4/ 3878.]].
قال أبو علي: (ووراء معرفة لا يصرف للتأنيث والتعريف) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 190.]]. والآية تدل على أن معنى وراء أمام؛ لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم. واختار الزجاج أن يكون وراء بمعنى: خلفهم قال: (هذا أجود الوجهين- وعلى هذا قال: يجوز أن يكون: كان رجوعهم في طريقهم عليه، ولم يكونوا عالمين بخبره، فأعلم الله الخضر خبره حتى عاب السفينة لتسلم من الغصب) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 305.]].
وقوله تعالى: ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ قال أهل المعاني: (أراد كل سفينة صالحة) [["بحر العلوم" 2/ 309، "زاد المسير" 5/ 179، "روح المعاني" 16/ 10، "فتح القدير" 3/ 437.]]. وكذا كان يقرأ ابن عباس، وأبي، وحذفت في قراءة الناس للعلم بها [["جامع البيان" 3/ 16، "الكشف والبيان" 3/ 391 ب، "بحر العلوم" 2/ 309، "زاد المسير" 5/ 179، "البحر المحيط" 6/ 154، "الدر المنثور" 4/ 430.]].
وروي في حديث أبي عن النبي -ﷺ- في هذه القصة: "أن الخضر قال [[قوله: (قال)، مكرر في نسخة: (ص).]]: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، فإذا مرت عليه فرآها منخرقة تركها، ورقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها" [[سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.]].
{"ayah":"أَمَّا ٱلسَّفِینَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَـٰكِینَ یَعۡمَلُونَ فِی ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِیبَهَا وَكَانَ وَرَاۤءَهُم مَّلِكࣱ یَأۡخُذُ كُلَّ سَفِینَةٍ غَصۡبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق