الباحث القرآني

قال المفسرون: فلما قال له موسى ذلك تذكر قصة الحوت؛ لأنه كان من عنده عذابهما، فقال: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ [الكهف: 63] الآية. قال صاحب النظم: (الأمر عند الناس قوله: أرأيت من رؤية البصر، وليس كذلك، إنما هي كلمة وضعت لتنبيه المسؤول [[في نسخة (ص): (على ما يسأل عنه).]] عنه وبعثه على التفهم والإجابة كما قال -عز وجل -: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ [العلق: 11]، والدليل على ذلك أن الفاء في قوله: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ يدل على أنه جواب لمعنى يقتضي الفاء، والتأويل: إن شاء الله أرأيت. أي: اسمع وتفهم فإني نسيت الحوت) [[ذكر أبو علي الفارسي نحوه في "الحجة للقراء السبعة" 3/ 309.]]. ونحو هذا قال أبو علي الفارسي: (وأما ما جاء أرأيت فيه بمعنى انتبه فقوله: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ كأن المعنى: انتبه فإني نسيت الحوت، ولذلك دخلت الفاء كما تدخل في جواب الجزاء. ومثله: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ﴾ [الملك: 30]، كأنه انتبهوا فمن يأتيكم) [[ذكر نحوه في "الحجة للقراء السبعة" 3/ 309.]]. وقوله تعالى: ﴿إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ يعني: حين نزلا هناك ووضع يوشع المكتل الذي فيه الحوت عند الصخرة. وقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ قال ابن عباس في حديث أبي بن كعب مرفوعًا: (فإني نسيت الحوت أن أحدثكه) [[سبق تخريج الحديث في أول القصة.]]. وعلى هذا المعنى نسيت قصة الحوت وأمره على ما ذكرنا. ثم اعتذر فقال: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ وذلك؛ لأنه لو ذكر لموسى قصة الحوت عند الصخرة ما جاوزها موسى، وما ناله النصب الذي شكاه في قوله: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ فاعتذر فتاه من ذلك بأن أنساه الشيطان إياه. قال أهل المعاني: (معناه شغل قلبي بوسوسته حتى نسيته؛ لأن الشيطان لا يقدر على فعل النسيان وإنما عرضه له) [["النكت والعيون" 3/ 324، "التفسير الكبير" 21/ 147.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ قال أبو إسحاق: (﴿أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ بدل من الهاء لاشتمال الذكر على الهاء في المعنى، وما أنساني أن أذكره إلا الشيطان) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 300.]]. قال ابن عباس: (يريد أن أحدث بقصة الحوت) [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" 15/ 278، "الكشف والبيان" 3/ 391 أ، "بحر العلوم" 2/ 305، "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 271، "المحرر الوجيز" 9/ 354 - 355، "النكت والعيون" 3/ 324.]]. وهذه الآية تدل على صحة قول المفسرين في قوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾. وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا) [["جامع البيان" 15/ 275.]]. ونحو هذا قال قتادة، ومجاهد، وابن زيد [["جامع البيان" 15/ 275، "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 472.]]. وقد ذكرنا: أن مسلك الحوت لم يلتئم فدخل موسى ذلك المسلك. وينتصب ﴿عَجَبًا﴾ على هذا بوقوعه موقع الحال، كأنه قيل: واتخذ موسى سبيل الحوت عاجبًا من ذلك الأمر [["إملاء ما من به الرحمن" ص 402، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 445، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 284.]]. قال مجاهد: (تعجب موسى من أثر الحوت في البحر ودورانه التي غاب فيها) [["جامع البيان" 15/ 276، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 284.]]. وقال ابن زيد: (أي شيء أعجب من حوت كان دهرًا من الدهور يؤكل منه، ثم صار حيًا حتى مشى في البحر) [["جامع البيان" 15/ 275،"معالم التنزيل" 5/ 187.]]. وهذا القول اختيار الفراء فقد قال: (واتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 154.]]. ويجوز أن ينتصب عجبا بأنه نعتُ محذوفٍ؛ كأنه قيل: سبيلاً عجبًا. ذكره ابن قتيبة [["تفسير غريب القرآن" 1/ 268.]]. وهذا القول الذي ذكرنا عن هؤلاء بعيدة لأن اتخاذ موسى سبيل الحوت مسلكًا كان بعد أن ارتدا على آثارهما قصصًا، إلا أن تحمل النظم على التقديم والتأخير، ولكن التقريب أن يجعل قوله: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ من قول يوشع [إخبارًا عن الحوت أنه فعل ذلك. ذهب إلى هذا طائفة من المفسرين فقالوا: (هذا من قول يوشع] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ص).]] يقول: اتخذ الحوت سبيله في البحر سبيلاً عجبًا) [["معالم التنزيل" 5/ 187، "المحرر الوجيز" 9/ 355، "الكشاف" 2/ 396، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 14.]]. وذكر الزجاج هذا القول [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 300.]]. وذكر كثير من أهل العلم: (أن الكلام قد تمَّ عند قوله: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ ويحسن الوقف هاهنا ثم تقول [[قوله: (تقول)، ساقط من (ص).]]: ﴿عَجَبًا﴾) [["المحرر الوجيز" 9/ 355، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 14، "البحر المحيط" 6/ 146، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص 370، "الإيضاح" 2/ 259، "القطع والإئتناف" ص 448.]]. ووجه هذا ما قاله أبو إسحاق: (وهو أن يكون قال يوشع: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ فأجابه موسى فقال: ﴿عَجَبًا﴾ كأنه قال: أعْجَبُ عَجَبًا) [["معالم التنزيل" 5/ 187، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 300.]]. ونحو هذا حكى أبو حاتم [[هو السجستاني.]] عن أهل التفسير فقال: (إنهم قالوا: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ تمام، ثم قال: ﴿عَجَبًا﴾ أي: أعْجَبُ عَجَبًا، وعلى هذا يجوز أن يكون العجب راجعًا إلى يوشع أخبر عن اتخاذ الحوت سبيله في البحر، ثم أخبر عن تعجبه من ذلك) [["الكشف والبيان" 3/ 391، "بحر العلوم" 2/ 306، "المحرر الوجيز" 9/ 355، "لباب التأويل" 4/ 222، "الكشاف" 2/ 492، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 14، "إرشاد العقل السليم" 5/ 233.]]. والوقف على قوله: ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ مذهب الحسن، وعيسى بن عمر [[في (ص): (عيسى بن مريم)، وهو تصحيف.]]، ويعقوب [["المكتفى في الوقف والابتداء" ص 370، "القطع والائنتاف" ص 448، "الإيضاح" 2/ 259.]]. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (لما قال هذا يوشع ذكر موسى ما كان عهد إليه أنه يدلك عليه بعض زادك) [[ذكره الماوردي في "النكت والعيون" 3/ 324 بدون نسبة، وذكر نحوه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 417.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب