الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ قال المفسرون: أمر الله تعالى نبيه -ﷺ- أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء قصة إبليس، وما أورثه الكبر، فقال: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ﴾ أي: واذكر يا محمد ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد أن ملائكة السماء الدنيا يقال لهم: الجن) [["جامع البيان" 15/ 259، "زاد السير" 5/ 153، "المحرر الوجيز" 9/ 329.]]. مقل قوله: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات: 158] يعني حين قالوا: الملائكة بنات الله. وكان ابن عباس يقول: (لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود) [["جامع البيان" 15/ 260، "الدر المنثور" 4/ 412.]].
وروى سعيد عن قتادة قال: (كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن) [["جامع البيان" 15/ 260، "تفسير القرآن" للصنعاني 1/ 404، "الدر المنثور" 4/ 412.]]. وقال شهر بن حوشب: (كان إبليس من الجن الذين ظفر بهم الملائكة) [["جامع البيان" 15/ 261، "البحر المحيط" 6/ 136، "الدر المنثور" 4/ 413، "روح المعاني" 15/ 292.]].
وقال الحسن: (ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس) [["جامع البيان" 15/ 260، "معالم التنزيل" 5/ 178، "النكت والعيون" 3/ 312.]].
وقد ذكرنا الخلاف في هذا في سورة البقرة عند ذكر قصة آدم بالشرح [[عند قوله سبحانه في سورة البقرة (34) ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34].]] [[والذي عليه كثير من المفسرين رحمهم الله تعالى أن إبليس كان من الملائكة، أو == من طائفة منهم يقال لهم: الجن.
قال الطبري بعد أن ذكر الأقوال في هذه المسألة: "وهذه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها، وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله -جل ثناؤه- خلق أصناف ملائكته من أصناف من خلقه شتى، فخلق بعضًا من نور وبعضًا من نار وبعضًا مما شاء من غير ذلك، وليس في ترك الله الخبر عما خلق منه ملائكته واخباره عما خلق منه إبليس ما يوجب أن يكون إبليس خارجًا عن مسماهم .. وأما خبر الله عنه أنه من الجن فغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الأبصار كلها جنا فيكون إبليس والملائكة منهم لاجتنانهم عن أبصار بني آدم". انظر: "جامع البيان" 1/ 227، "المحرر الوجيز" 1/ 246، "معالم التنزيل" 1/ 63، "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 294، "البحر المحيط" 1/ 153.]].
وقوله تعالى: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ ذكر أهل التأويل في هذا ثلاثة أوجه: أحدها وهو الأكثر: أن معناه خرج عن أمر ربه إلى معصيته في ترك السجود. وهو قول الفراء، وأبي عبيدة.
قال الفراء: (أي خرج عن طاعة ربه، والعرب تقول: فسقت الرطبة
من قشرها لخروجها منه، وكأن الفأرة إنما سميت فويسقة لخروجها [[قوله: (لخروجها)، ساقط من نسخة (ص).]] من جحرها على الناس) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 147.]].
وقال أبو عبيدة: (﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي: جار ومال عن طاعته) [["تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 406.]]، وأنشد لرؤية [[هذا عجز بيت لرؤية يصف إبلاً منعدلة عن قصد نجد. وصدره:
يهوين في نجد وغورًا غائزًا.
انظر: "ديوانه" 190، "مجاز القرآن" 1/ 406، "تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788، "البحر المحيط" 6/ 136، "الزاهر" 1/ 218، "لسان العرب" (فسق) 6/ 3414.]]: فواسقًا عن قصده جوائرا
الوجه الثاني: ما ذكره الأخفش قال: (معنى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ نحو قول العرب: اتخم عن الطعام، أي: عن أكله، ولما رد هذا الأمر فسق) [["جامع البيان" 15/ 261، "تهذيب اللغة" (فسق) 6/ 3414.]]. ونحو هذا حكى الزجاج عن قطرب [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 294.]]. قال أبو العباس: (ولا حاجة به إلى هذا، الفسوق معناه: الخروج، ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي: خرج) [["تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788، "لسان العرب" (فسق) 6/ 3414]].
الوجه الثالث: ما ذهب إليه سيبويه والخليل: (أن معنى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أتاه الفسق لما أُمِرَ فعصى، وكان سبب فسقه أمر ربه، كما تقول: أطعمه عن جوع وكساه عن عُرِي، المعنى: كان سبب فسقه الأمر بالسجود، كما كان سبب الإطعام الجوع، وسبب الكسوة العري) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 94، "المحرر الوجيز" 9/ 330، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 420، "التفسير الكبير" 21/ 137.]].
قال أبو عبيد: (وهذه الكلمة -يعني الفسوق- لم أسمعها في شيء من أشعار الجاهلية ولا أحاديثها، وإنما تكلمت بها العرب بعد نزول [[في (ص): (تبدل)، وهو تصحيف.]] القرآن) [[ذكر نحوه ابن منظور في "لسان العرب" (فسق) 6/ 3414.]]. قال أهل المعاني المبرد وغيره: (هي كلمة فصيحة على ألسنة العرب) [["تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788، "لسان العرب" (فسق) 6/ 3414]]. وأوكد الأمور ما جاء في القرآن، ومعناه: الخروج، كما قال: فواسقا ... البيت [[يريد به بيت رؤبة السابق الذكر. == وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل اللغة والتفسير أن الفسق معناه: الخروج.
انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 147، "المحرر الوجيز" 9/ 329، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 420، "البحر المحيط" 6/ 136، "إرشاد العقل سليم" 5/ 227، "أضواء البيان" 4/ 121.]].
وقوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ قال قتادة: (وهم أولاده، وهم يتوالدون كما يتوالد بنوا آدم) [["جامع البيان" 15/ 262، "معالم التنزيل" 5/ 179، "البحر المحيط" 6/ 136، "إرشاد العقل السليم" 5/ 227.]]. ﴿أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ قال الكلبي: (ليس تصلون له ولا تصومون، ولكن من أطاع شيئًا فقد عبده) [[ذكر نحوه السمرقندي في "بحر العلوم" 2/ 302.]]. واختلف في كيفية ولادة إبليس وحصول ذريته، فقال مجاهد فيما روى عنه ابن جريج: (أن إبليس أدخل ذكره في دبره، فباض خمس بيضات فهم ذريته) [["معالم التنزيل" 5/ 179، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 420، "إرشاد العقل السليم" 5/ 227، "الدر المنثور" 4/ 413.]].
وقال الشعبي في هذه الآية: (لا تكون ذريته إلا من زوجة) [["معالم التنزيل" 5/ 179 بمعناه، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 420، "البحر المحيط" 6/ 136، "روح المعاني" 15/ 295.]].
وروى عبد الله بن المغيرة [[عبد الله بن عثمان بن المغيرة الثقفي، إمام زاهد، تابعي محدث، روى عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي -ﷺ-، وروى عنه ابن جريح والحسن البصري وغيرهما من التابعين. انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 111، "تهذيب التهذيب" 5/ 317، "الخلاصة" ص 206، "تقريب التهذيب" ص 207.]]: (أن أبا هريرة قال: اسم امرأة إبليس ردة) [[لم أقف على هذا القول. وقد ذكر ابن عطية مثل هذا القول في "تفسيره" 10/ 413 ثم قال: "وهذا وما جانسه مما لم يأت به سند صحيح، وقد طول النقاش في هذا المعنى وجلب حكايات تبعد عن الصحة، ولم يمر بي في هذا صحيح إلا ما في كتاب: مسلم من أن للوضوء والوسوسة شيطانًا يسمى خنزب، وذكر الترمذي أن للوضوء شيطانًا يسمى الولهان، والله أعلم بتفاصيل هذه الأمور لا رب غيره".]]. وروى ليث عن مجاهد قال: (ذريته الشياطين) [["جامع البيان" 15/ 262، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 421.]] [[والحق في ذلك -والله أعلم- أن الله أخبر أن لإبليس أتباعًا وذرية، وأنهم يوسون إلى بني آدم ليضلوهم. أما كيفية ولادة تلك الذرية فلم يثبت فيه نقل صحيح، ومثله لا يعرف بالرأي، بل يتوقف الأمر فيه على النقل الثابت عن النبي -ﷺ-.]].
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ أعلم الله تعالى أنه من العداوة والحسد لبني آدم على مثل الذي كان لأبيهم. قال ابن عباس: (يريد كما أخرج أبويكم من الجنة) [[لم أقف على القول. ويشهد له قوله تعالى في سورة البقرة الآية رقم (36) ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾.]].
وقوله تعالى: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ قال ابن عباس: (يريد حيث استبدلوا بالرحمن عبادة الشيطان) [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" 3/ 390 أ، "بحر العلوم" 2/ 302، "معالم التنزيل" 3/ 167.]].
وقال الحسن: (بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم أن أطاعوا إبليس، فبئس ذلك لهم بدلاً) [["زاد المسير" 5/ 154 ، "معالم التزيل" 5/ 180، ونسبه لقتادة، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 420.]].
وقال الزجاج: (بئس ما استبدل به الظالمون من رب العزة إبليس) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 294.]]. والمعنى: بئس هو بدلاً أي: إبليس.
﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾. [الكهف: 51]
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦۤۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّیَّتَهُۥۤ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِی وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِینَ بَدَلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق