الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ الآية. قال العلماء بأخبار القدماء: (إن الفتية لما هربوا من ملكهم دقيانوس ودخلوا الكهف، أمر دقيانوس بالكهف أن يسد عليهم، ويدعوهم كما هم في الكهف يموتوا عطشًا وجوعًا، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبرًا لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ، وقد توفي الله تعالى أرواحهم وفاة النوم، ثم إن رجلين مؤمنين كتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس، وجعلا التابوت في البنيان الذي بنوا على باب الكهف، وقالا: لعل الله يظهر على هؤلاء قومًا مؤمنين قبل يوم القيامة، فيعلم خبرهم حين يقرأ هذا الكتاب. ثم انقرض أهل ذلك الزمان وخلفت بعدهم قرون وملوك كثيرة، وملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له: تندوسيس، وتحزب الناس في ملكه أحزابًا منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذب، فكبر ذلك على الملك الصالح وبكى إلى الله وتضرع إليه، وقال: أي رب، قد ترى اختلاف هؤلاء فأبعث لهم آية تبين لهم أن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها. فألقى الله تعالى في نفس رجل [[قوله: (رجل)، ساقط من نسخة (س).]] من أهل ذلك البلد الذي هو به الكهف أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف فيبني [[في (س): (فيجنى)، وهو تصحيف.]] به حظيرة لغنمه ففعل ذلك، وحجب الله الفتية عن الناس بالرعب، فلم يتجاسر أن يدخل عليهم أحد، وبعث الله الفتية من نومهم فجلسوا فرحين، وأرسلوا أحدهم ليطلب لهم طعامًا، فاطلع الناس على أمرهم كما ذكر في القصة، وبعثوا إلى الملك الصالح تندوسيس ليعلمونه الخبر، ليعجل القدوم عليهم وينظر إلى آية من آيات الله جعلها الله في ملكه آية للعالمين، فتية بعثهم الله وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة، فلما بلغه الخبر حمد الله تعالى، وركب معه أهل مدينته حتى أتوا مدينة أصحاب الكهف، ثم صعدوا نحو الكهف حتى أتوه. فذلك قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾، أي: أطلعنا وأظهرنا عليهم)، كذا قال المفسرون [[انظر: "جامع البيان" 15/ 225، و"الكشاف" 2/ 384، و "تفسير القرآن العظيم" 3/ 87، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 378، و"الدر المنثور" 4/ 388.]]. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ [المائدة: 107].
وقوله تعالى: ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ قال ابن عباس: (يريد الملك ورعيته) [[ذكره "النكت والعيون" بدون نسبة 3/ 295، و"معالم التنزيل" 5/ 161 بدون نسبة، و"الجامع لأحكام القرآن" 5/ 123.]]، أن البعث والثواب والعقاب حق، والقيامة لا شك فيها.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ اختلفوا في هذا التنازع، فالأشبه ما قال عكرمة: (أن أهل ذلك الزمان تنازعوا بالبعث) [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 21، و"معالم التنزيل" 3/ 156، و"زاد المسير" 5/ 123.]]. كما ذكرنا في القصة.
والمراد بقوله: ﴿أَمْرَهُمْ﴾ ما تنازعوا فيه من أمر البعث. و ﴿إِذْ﴾ منصوب بقوله: ﴿أَعْثَرْنَا﴾، والمعنى: أطلعنا عليهم إذ وقعت المنازعة في أمرهم [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 276، و"إملاء ما من به الرحمن" ص 296.]]. قال أبو إسحاق: (ويجوز أن يكون منصوبًا بقوله: ﴿لِيَعْلَمُوا﴾ أي: ليعلموا في وقت منازعتهم) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 276.]].
وقال ابن عباس في رواية عطاء في قوله: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ (وذلك أن الرجل إذ خرج ليشتري لهم الطعام لما وقف يتنازع، نظروا إلى درهمه، فإذا عليه صورة دقيانوس)، وذكر القصة [["النكت والعيون" 3/ 295، و"الكشاف" 2/ 384، و"زاد المسير" 5/ 123، و"تفسير القرآن العظيم" 3/ 87.]]. فعلى هذا التنازع: هو تنازع القوم مع هذا الواحد الذي كان يطلب لهم الطعام وتكذيبهم إياه فيما كان يخبر به.
وقال قوم: (يعني تنازعوا في قدر مكثهم ولبثهم) [["معالم التنزيل" 5/ 161، و"التفسير الكبير" 11/ 104.]]. وقيل: (تنازعوا في عددهم) [["معالم التنزيل" 5/ 161، و"زاد المسير" 5/ 123، و"التفسير الكبير" 11/ 104.]]، وهذا لا يتجه؛ لأن قوله: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ﴾ إما أن يتعلق بقوله: ﴿أَعْثَرْنَا﴾، أو بقوله: ﴿لِيَعْلَمُوا﴾ على ما بينا. وإذا جعلنا التنازع في قدر المكث أو في العدد لم يصح المعنى، إلا أن يجعل تمام الكلام عند قوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهَا﴾، ثم يقول: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ﴾، أي: اذكر يا محمد ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾: مدة مكثهم، أو في عددهم فلا يتعلق بما قبله. ومنهم من قال: (هذا التنازع يعود إلى التنازع في البنيان، والمسجد)، يروى هذا عن ابن عباس [[ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "النكت والعيون" 3/ 296، و"معالم التنزيل" 5/ 161، و"زاد المسير" 5/ 123، و"البحر المحيط" 6/ 113.]]. يدل على هذا سياق الآية، وهو قوله: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا﴾، يعني استروهم من الناس، قال ذلك المفسرون [["الكشاف" 2/ 384، و"زاد المسير" 5/ 123، و"تفسير القرآن العظيم" 3/ 87، أي: سددوا عليم باب كهفهم، و"التفسير الكبير" 11/ 105.]].
وقوله تعالى: ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ يدل على أنه وقع تنازع في عدتهم، فمعنى: ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾، أي: بعددهم كما قال: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف: 22]، ويحتمل أن هذا من قول الله ابتداء، ويحتمل أنه من قول بعض الناس الذين تكلموا في عددهم [["البحر المحيط" 6/ 113، و"التفسير الكبير" 11/ 105.]].
وقوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد المؤمنين الذين لم يشكوا في البعث). قال المفسرون: (هم تندوسيس الملك وأصحابه) [["معالم التنزيل" 5/ 161، و"الكشاف" 2/ 184، و"زاد المسير" 5/ 124، و"روح المعاني" 15/ 236.]].
﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ قال أبو إسحاق: (هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور؛ لأن المساجد للمؤمنين) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 277.]]. ومعنى: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ هاهنا وفي قوله: ﴿ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا﴾ أنهم يجعلون وراء ذلك، كما يقال: بني عليه جدارًا، إذا حوطه وجعله وراء الجدار، وقد ذكر في قصتهم: (أن الملك جعل على باب الكهف مسجدًا يصلى فيه، وجعل عنده عيدًا عظيمًا، وأمر أن يؤتى كل سنة) [[ذكر نحوه البغوي في "معالم التنزيل" بلا نسبة 5/ 161، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 392 وعزاه لابن أبي حاتم.]]. وقد نسقت شرح هذه الآية على ما أمكن، والآية مشكلة الظاهر والنظم، والله أعلم بما أراد.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ لِیَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَیۡبَ فِیهَاۤ إِذۡ یَتَنَـٰزَعُونَ بَیۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُوا۟ ٱبۡنُوا۟ عَلَیۡهِم بُنۡیَـٰنࣰاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِینَ غَلَبُوا۟ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیۡهِم مَّسۡجِدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق