الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد من بعد نومهم) [[ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "معالم التنزيل" 5/ 155، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 264، و"البحر المحيط" 6/ 103.]]، يعني: أيقظناهم بعد نومهم، وقوله تعالى: ﴿لِنَعْلَمَ﴾ المفسرون يقولون في هذا: (لنرى) [["معالم التنزيل" 5/ 155 بمعناه، و"زاد المسير" 5/ 114، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 364 وعلمه سبحانه وتعالى كامل محيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، والعلم صفة من صفاته سبحانه نثبتها له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان" 4/ 24: (لنعلم أي الحزبين)، أي: لنعلم ذلك علمًا يظهر الحقيقة للناس، فلا ينافي أنه كان عالمًا به قبل ذلك دون خلقه. وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية" 1/ 132، و"العقيدة الواسطية".]].
وقد تكلمنا في مثل هذا عند قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: 143] في سورة البقرة، وقوله: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: 142] في سورة آل عمران.
وقوله تعالى: ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ الآية، ﴿أَيُّ﴾ رفع بأحصى على الابتداء والخبر، ولم يوقع العلم على شيء منهما في الظاهر، وهو في الباطن واقع على ما يتضمنان من القصة، كما تقول: اذهب فاعلم أيهم قام [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 271، و"معاني القرآن" للفراء 2/ 135 و"إعراب القرآن" للنحاس 2/ 267، و"مشكل إعراب القرآن" 2/ 437.]]. قال الله تعالى: ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم: 40]. و ﴿أَيُّ﴾ من حروف الاستفهام فلا يعمل فيه ما قبله، سوى ما يجر، وذكرنا هذا.
وسنذكر استقصاء المسألة عند قوله: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ﴾ [مريم: 69] إن شاء الله.
واختلفوا في الحزبين، فقال عطاء عن ابن عباس: (الحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة مَلِكًا بعد مَلِك، وأصحاب الكهف حزب والملوك حزب) [["البحر المحيط" 6/ 103، و"التفسير الكبير" 11/ 84، و"روح المعاني" 15/ 212.]]. وقال مجاهد: (الحزبين من قوم الفتية) [["جامع البيان" 15/ 206، و"النكت والعيون" 3/ 289، و"البحر المحيط" 6/ 103، و"التفسير الكبير" 11/ 84، و"الدر المنثور" 4/ 389 وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.]]. وقال الكلبي: (يعني المؤمنين والكافرين) [["النكت والعيون" 3/ 289، و"زاد المسير" 5/ 114 ذكره بدون نسبة، و"روح المعاني" 15/ 212، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" 2/ 292 بلا نسبة.]].
وحكى الفراء: (أن طائفتين من المسلمين في دهر أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 136.]]. قال من اختار هذا القول: (تنازع المسلمون الأولون أصحاب الملك الذي أطلقه الله تعالى على أصحاب الكهف، والمسلمون الذين أسلموا حين رأوا أصحاب الكهف في قدر مدة لبثهم في الكهف) [["المحرر الوجيز" 10/ 371، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 364، و"البحر المحيط" 6/ 104، و"روح المعاني" 15/ 212.]]. فهذا ما وجدته للمفسرين في هذه الآية، وهو غير مقنع، ولا كاف، إذ لم يفتح غلقا.
وقال صاحب النظم: [(هذا ما قصه ربنا] [[ما بين المعقوفين ورد في جميع النسخ بلفظ: (هذه مقتصة من بناجا)، وما أثبته هو الصواب إن شاء الله، والموافق للسياق.]] فيما بعد هذا الفصل في قوله: ﴿بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ [الكهف: 19]، وهذا يدل على تنازع كان فيما بينهم فيما لبثوا، وكان ذلك سبب بعث الله إياهم، كما أعلمنا -عز وجل- وهو عالم بما كان منهم، وبما يكون قبل أن يكون، ويتعالى عن أن يكون شيء سببًا لعلمه، والتأويل -إن شاء الله-: ثم بعثناهم ليكون ذلك منهم، أي: تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم) [[ذكر نحوه الرازي في "التفسير الكبير" 21/ 83.]]. فجعل صاحب النظم ﴿لِنَعْلَمَ﴾ هاهنا بمعنى ليكون ذلك لنعلم كائنًا قال الله تعالى: ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الرعد: 33]، أي: بما ليس ولا يعلمه كائنا.
قال: (والحزبان جميعًا من أصحاب الكهف، أنهم قالوا هذا القول منكرين على من قال: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: 19]، فدل هذا على أن أصحاب الكهف كانوا حزبين) [[ذكر نحوه الرازي في "التفسير الكبير" 21/ 84.]]؛ هذا كلامه، وهو بعيد؛ لأنه يجعل معنى قوله: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ [الكهف: 12] بمعنى: ليكون بينهم تساؤل وتنازع، وهذه العبارة التي في نظم الآية لا ينسى عن هذا المعنى الذي [[قوله: (الذي)، ساقط من نسخة (ص).]] ذكره، وقد ارتكب في كتابه أشياء بعيدة لم أحكها لبعدها. ومعنى الآية على ما ذكره المفسرون: قتادة، ومجاهد، وغيرهما: (ليعلم أي الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف عدّ أمد لبثهم وعلم ذلك، وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، وخروجهم من بيتهم، فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر) [["جامع البيان" 15/ 206، و"بحر العلوم" 2/ 292، و"النكت والعيون" 3/ 289، و"معالم التنزيل" 3/ 152، و"زاد المسير" 5/ 114، و"الدر المنثور" 4/ 389.]].
وأما وجه نصب قوله: ﴿أَمَدًا﴾ فقال الفراء: (ويكون نصبه على وجهين: إن شئت جعلته خرج من أحصى مفسرًا، كما تقول: أي الحزبين أصوب قولاً، وإن شئت أوقعت عليه اللُّباث للباثهم أمدا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 136.]].
وقال أبو إسحاق نحو هذا سواء فقال: (﴿أَمَدًا﴾ منصوب على نوعين: وهو على التمييز إن شئت كان على أحصى أمدا، فيكون العامل فيه أحصى، كأنه قيل: لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد أم هؤلاء؟. والوجه الثاني: أن يكون منصوبًا بلبثوا، ويكون أحصى متعلقًا بلما، فيكون المعنى: أيّ الحزبين أحصى للبثهم في الأمد) [["معانى القرآن" للزجاج 3/ 271.]].
قال أبو علي الفارسي: (إن انتصاب الأمد بالتمييز عندي ممتنع غير مستقيم؛ وذلك أنه لا يخلو من أن يحمل أحصى على أن يكون فعلاً ماضيًا، أو أفعل نحو: أحسن وأعلم، فلا يجوز أن يكون أحصى أفعل، وغير مثال الماضي لأمرين أحدهما: أنه يقال: أحصى يحصى في التنزيل: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: 6] وأفعل يفعل لا يقال منه: هو أفعل من كذا، فأما قولهم: ما أولاه للخير، وما أعطاه للدرهم، فمن الشاذ النادر الذي حكمه أن يحفظ لقلته، وسبيل ما كان كذلك أن لا يقاس عليه، ولا جوز أن يكون أحصى أفعل من كذا لهذا. والأمر الآخر: هو أن ما ينتصب على التمييز في نحو: هو أكثر منك مالاً، وأحسن وجهًا، وأغزر علمًا، هو في المعنى فاعل، وإن كان في اللفظ منتصبًا، ألا ترى أن الأمد ليس هو الذي أحصى، فهو خارج عن ما عليه [[في نسخة (ص). (عن حد ما عليه).]] الأسماء المنتصبة على التمييز، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون منها كان أحصى مثالاً ماضيًا، ويكون المعنى: لنعلم أي الحزبين أحصى أمدًا للبثهم، فيكون الأملى على هذا منتصبًا بأنه مفعول به، والعامل فيه أحصى الذي هو فعل، ومن قدّر أن أحصى أفعل من كذا فمخطئ لما ذكرنا) [["الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص 932.]].
وهذا الذي ذكره أبو علي قول ثالث؛ لأن ﴿أَمَدًا﴾ عند الفراء وأبي إسحاق: ينتصب إما على التمييز، أو على الظرف، وعند أبي علي أنه مفعول به [["معاني القرآن" للفراء 2/ 136، و"معاني القرآن" للزجاج 3/ 271، و"الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص 932.]]. قال [[لفظ: (قال)، ساقط من نسخة (س).]]: (ويجوز مع تأويل أحصى أفعل من كذا أن ينتصب الأمد بلبثوا، ويكون المعنى: للبثهم أمدا أي في الأمد، يتصل أحصى باللام، قال: وهذا القول مستكره؛ لأنك جعلت أحصى أفعل من كذا. قال: ومن قدّر أحصى فعلا وقدّر انتصاب الأمد بلبثوا دون أحصى فقد أساء، وعدل بالكلام عن وجهه، ألا ترى أن الكلام: أحصيت كذا، وفي التنزيل ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ [المجادلة: 6]، و ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: 28]، فأوصل الفعل بلا حرف، وإذا كان تأويله انتصاب الأمد بلبثوا يؤدي إلى أن الفعل الذي هو أحصى المتعدي بلا حرف يتعدى بحرف استقبحنا هذا التأويل، وكرهناه، واستبعدناه) [["الاغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص 938.]].
{"ayah":"ثُمَّ بَعَثۡنَـٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَیُّ ٱلۡحِزۡبَیۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوۤا۟ أَمَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق