الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ قال ابن عباس: (علم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه) [["معالم التنزيل" 5/ 213، "زاد المسير" 5/ 302، "مجمع البيان" 5/ 770.]]. وهذا أمر من الله لرسوله بأن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره، إلا أنه أكرم بالوحي وهو قوله: ﴿يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لا شريك له. ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية: (أن رجلاً أتى النبي -ﷺ- فقال: إني لأصلي، وأتصدق، وأحب مع ذلك أن يطلع عليه الناس، فأنزل الله هذه الآية) [["جامع البيان" 16/ 40،"المحرر الوجيز" 9/ 421، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 69، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" كتاب: التفسير 4/ 329، "أسباب النزول" للواحدي 308، "لباب النقول في أسباب النزول" ص 145.]]. والإشارة في ذكر توحيده هاهنا إلى من راءى بعمله [[في (ص): (بعلمه).]]، فكأنه أشرك فيه غير الله، والمعبود واحد لا يقبل الشركة.
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ لقاء البعث والمصير إلى الله، والرجاء يذكر بمعنى الخوف؛ لأنه يتضمن الخوف، ومنه قول الهذلي [[هو صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وعجزه:
وخالفها في بيت نوبٍ عواسل
اللسع: لما ضرب بمؤخرة، واللسع لذوات الإبر من العقارب والزنابير ونحوها والنوب: النحل وهو جمع نائب لأنها شرعى وتنوب إلى مكانها. انظر: "شرح أشعار الهذليين" 1/ 144، "معاني القرآن" للفراء 1/ 286، "تفسير غريب القرآن" 1/ 271، "تهذب اللغة" (ناب) 4/ 3476، "اللسان" (نوب) 8/ 4569.]]:
إذا لسمعته النَّحل لم يرج لسعها أي: لم يخف. وهذا قول الكلبي، ومقاتل [[ذكره ابن عطية في "تفسيره" 9/ 420 بدون نسبة، و"بحر العلوم" 2/ 315، و"معالم التنزيل" 5/ 213، و"النكت والعيون" 3/ 349، "أضواء البيان" 4/ 200، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 1/ 271، و"تفسير المشكل" لمكي ص 145.
وقال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" 4/ 200: الرجاء يستعمل في رجاء الخير، ويستعمل في الخوف أيضًا، واعلم أنهما متلازمان فمن كان يرجو ما عند الله من الخير فهو يخاف ما لديه من الشر كالعكس.]]. وهو باطل عند الفراء؛ لأن الرجاء لا تذهب به العرب مذهب الخوف إلا مع الجحد [["معاني القرآن" للفراء 1/ 286.]]. كقوله: ﴿لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: 14]، و ﴿لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: 13].
قال ابن الأنباري: ("من" حرف شرط، والشرط يقع على ما لم يتحصل، فجرى الشرط في هذا مجرى الجحد) [[ذكر نحوه في "زاد المسير" 3/ 205، "مجمع البيان" 6/ 770، "روح المعاني" 16/ 53.]]. وقال سعيد بن جبير: (من كان يأمل ثواب الله) [["جامع البيان" 16/ 39، "بحر العلوم" 2/ 315، "النكت والعيون" 3/ 350، "الدر المنثور" 4/ 460.]].
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ أي: خالصًا لا يرائي به. والمفسرون والصحابة على أن هذه الآية نزلت: في النهي عن الرياء، وذكروا في تفسير هذه الآية: ما روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: "قال الله: أنا خير الشركاء، من عمل لي عملاً وأشرك فيه غيري، فأنا منه بري، وهو للذي أشرك" [[أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" كتاب: الزهد، باب: من أشرك في عمله غير الله 3/ 2289، وابن ماجه في سننه، كتاب: الزهد، باب: الرياء والسمعة == 2/ 1405، وذكره ابن كثير في "تفسيره" 3/ 122، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 460 وعزاه لأحمد ومسلم وابن أبي حاتم وابن مردويه.]].
وهذا قول عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس [[شداد بن أوس بن ثابت المنذر بن حرام، أبو علي، الأنصاري، النجاري الخزرجي، ابن أخي حسان بن ثابت، وهو من فضلاء الصحابة وعلمائهم، توفي -رضي الله عنه- سنة 64 هـ. انظر: "حلية الأولياء" 1/ 264، "الجرح والتعديل" 4/ 328، "تهذيب التهذيب" 4/ 315، "شذرات الذهب" 1/ 64، "طبقات ابن سعد" 7/ 401.]] [[أخرجه أحمد في "مسنده" 4/ 125، والحاكم في "المستدرك" 3/ 506 وصححه، والطبري في "تفسيره" 16/ 40، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 460 وعزاه لأحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 221.]].
وقال كثير بن زياد [[كثير بن زياد، أبو سهل البرساني الأزدي، العتكي، البصري، سكن بلخ، وكان ثقة، وهو من أكابر أصحاب الحسن، روى عن: الحسن، وعمر بن عثمان، وأبي سمية، وأبي العالية، وروى عنه: حماد بن زيد، وجعفر بن سلمان، وعمرو بن الرماح البلخي وغيرهم، وثقه العلماء وأُثنوا عليه.
انظر: "الثقات" لابن حبان 7/ 353، "الكشاف" 3/ 4، "ميزان الاعتدال" 3/ 404، "تهذيب الكمال" 24/ 112، "تهذيب التهذيب" 8/ 370.]]: (قلت للحسن: قول الله: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ الآية، قال: في المؤمن نزلت. قلت: مشركا بالله؟ قال: لا، ولكن أشرك في عمله، يريد الله به والناس، فذلك الذي يرد عليه) [[أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 459 وعزاه لابن أبي حاتم.]].
وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (ولا يرائي) [["جامع البيان" 16/ 40، "المحرر الوجيز" 9/ 421، "النكت والعيون" 3/ 350، "زاد المسير" 5/ 203، "الدر المنثور" 4/ 459.]].
ونحو هذا قال مجاهد، وموسى بن عقبة [[موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي، مولى آل الزبير، تابعي جليل، روى عن: أم خالد بنت سعيد بن العاص، والأعرج، وعكرمة، وعروة بن الزبير وغيرهم، وروى عنه: بكير بن الأشج، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وابن جريج وغيرهم، وكان ثقة، كثير الحديث، اشتهر بالصلاح والتقوى، توفي سنة 141 هـ بالمدينة.
انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 154، "الكاشف" 3/ 186، "ميزان الاعتدال" 4/ 214، "تهذيب التهذيب" 10/ 121.]] [["جامع البيان" 16/ 40، "النكت والعيون" 3/ 350، "الدر المنثور" 4/ 457.]].
هذا الذي ذكرنا قول الجمهور، وروى الوالبي عن ابن عباس: (أن هذه الآية أنزلت في المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، وليست في المؤمنين) [["الدر المنثور" 4/ 458، "روح المعاني" 16/ 55، "فتح القدير" 3/ 455، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 297.]]
والصحيح الذي عليه الناس، وقد بين ذلك ابن عباس فيما روى عنه عطاء، وهو أنه قال: (قال الله: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ﴾، ولم يقل: ولا يشرك بربه؛ لأنه أراد العمل الذي يعمل الله، ويحب أن يحمد عليه، قال: وكذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها، كيلا يعظمه ويوقره من يصله بها) [["روح البيان" 5/ 309، "مجمع البيان" 5/ 770.]].
قال الكلبي، ومقاتل: (نزلت هذه الآية في رجل يقال له: جندب بن زهير [[جندب بن زهير الأزدي، الغامدي، أحد أصحاب النبي -ﷺ-، عالم، زاهد، تقي، ورع، روى عنه عدد من التابعين منهم: أبو عثمان الهندي، والحسن البصري، وتميم بن الحارث، قتل -رضي الله عنه- في موقعة صفين وكان مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أميرًا على الرجالة.== انظر: "أسد الغابة" 1/ 303، "الإصابة" 1/ 249، "الاستيعاب" 1/ 219، "الكاشف" 1/ 132، "تهذيب التهذيب" 2/ 118، "سير أعلام النبلاء" 3/ 174.]]، قال: يا رسول الله أعمل العمل ألتمس به ثواب الله وأحب أن يثني عليَّ به، فأنزل الله فيه هذه الآية) [["النكت والعيون" 3/ 350، "زاد المسير" 5/ 203، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 70، "تفسير مقاتل" ص 231، "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص 307، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص 145، "جامع النقول في أسباب النزول" ص 211، وذكره ابن حجر في "الكافي الشاف" 4/ 105.]]. ونحو هذا قال مجاهد [["الجامع لأحكام القرآن" 11/ 72، "زاد المسير" 5/ 203، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 112، "الدر المنثور" 4/ 459، "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص 307، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص 145، "جامع النقول في أسباب النزول" (211).]]، وطاووس [["جامع البيان" 16/ 40، "تفسير القرآن" للصنعاني 1/ 348، "زاد المسير" 5/ 203، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 69، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 120، "الدر المنثور" 4/ 459، "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص 307، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص 145، "جامع النقول في أسباب النزول" ص 211.]].
{"ayah":"قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ فَمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ رَبِّهِۦ فَلۡیَعۡمَلۡ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَلَا یُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦۤ أَحَدَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق