الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا﴾ قال الفراء: نصب سُنّة على العذاب المضمر، أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا [["معاني القرآن" للفراء 2/ 129، بنصه.]]. وقال الزجاج: سُنَّة منصوب بمعنى لا يلبثون [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 255، بمعناه]]، هذا كلامهما ويحتاج إلى شرح وبيان في هذا، وهو أن يقول: سُنَّة منصوبة؛ لأنها وضعت موضع المصدر، ومعنى السنّة هاهنا: التعذيب، وتأويل الآية: أنهم يعذبون تعذيب الأمم قبلهم إذا أخرجوا رسلهم أو قُتلوا، ودل قوله: ﴿وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ﴾: على تعذيبهم، وكأنه قيل: وإذًا يعذبون تعذيب غيرهم، ومعنى قول الزجاج: سُنَّة منصوب بمعنى لا يلبثون، هو ما ذكرنا من أنه يدل على يعذبون، ومعنى قول الفراء: أنه منصوب بالعذاب المضمر هو هذا سواء، فاعرفه فإنه مشكل الظاهر. وقال صاحب النظم: أضاف هذه السنة إلى الرسول، والسنة لله -عز وجل- كما قال في أثره: ﴿وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾، وإنما حسن أن ينسبها إلى الرسل؛ لأنه من أجلهم سَنَّها، فأضافها إليهم، هذا كلامول، وهو على ما قال، فإن التعذيب يقع بالأمم لا بالرسل، ولكن أضيف إلى الرسل لما كان بسببهم ومن أجلهم، وتحقيق هذا أن يقال: إنه حذف المضاف، على معنى: سنة أمم من قد أرسلنا، فحذف المضاف، وحَسّن حذف المضاف هاهنا ما ذكره صاحب النظم، وهو: أن هذه السنة كانت لأجلهم، يدل على صحة ما ذكرنا قول ابن عباس والمفسرين في هذه الآية. قال ابن عباس: يريد هذه سنتي فيمن كذب أوليائي، وتَقوَّل عليّ الباطل. وقال سفيان بن عيينة: يقول: لم نرسل قبلك رسولاً فأخرجه قومه إلا أُهلكوا [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 530، بنصه.]]. وقال أبو إسحاق: يقول: إنا سننا هذه السُّنّة فيمن أرسلنا قبلك إليهم أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم وقتلوه [[في (ش): (قتلوهم)، وفي (ع): (قتلوا).]]، لم يلبثهم العذاب أن ينزل بهم [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 255، بنصه.]]، والسُّنّة لله -عز وجل- في الأمم، ولما كان المراد بالسُّنّة هاهنا التعذيب أضيف مرة إلى المفعول على حذف المضاف -كما بينا-، ومرة إلى الفاعل في قوله: ﴿وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾، قال ابن عباس: يريد لا خُلف لسُنّتي ولا لقضائي ولا لموعدي [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 530، بنصه.]]. وقال أهل المعاني: أي ما أجرى الله به العادة لم يتهيأ [[في (أ)، (د): (ننهنا).]] لأحد أن يقلب تلك العادة [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 530، بنصه بلا نسبة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب