الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قَالَ﴾ يعني إبليس، ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾ قال الزجاج: هو في معنى أخبرني، والكاف لا موضح لها؛ لأنها ذكرت في المخاطبة توكيدًا [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 249، بنصه.]]، وذكرنا الكلام في هذا الحرف مستقصى في سورة الأنعام [[آية [40].]]، ﴿هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾: لِمَ كرمته عليّ؟! قال: موضح هذا نصب بأَرَأَيْتَ، والجواب محذوف، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمت عليّ لم كَرَّمْتَه عَليَّ، وقد خلقتني من نار وخلقته من طين؟! فَحُذف هذا؛ لأن في الكلام دليلًا عليه [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 249، بنصه.]]، ومعنى ﴿كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾: أي فَضَّلت، قال ابن عباس: والكرم اسم جامع لكل ما يحمد [[انظر: "تفسير القرطبي" 10/ 287، بلا نسبة.]].
وقوله تعالى: ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي: لأستولين [[أخرجه "الطبري" 15/ 117 بلفظه من طريق ابن أبي طلحة (صحيحة)، وورد بلفظه في "تفسير الماوردي" 3/ 254، و"الطوسي" 6/ 497، انظر: "تفسير ابن كثير" 3/ 56، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 347 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
وقال الحسن: لأغوينَّ [[لم أقف على هذا القول، وورد عنه تفسيره بـ: لأستأصلن ذريته، في "تفسير هود الهواري" 2/ 429.]]، وقال مجاهد: لأحتوينَّ [["تفسير مجاهد" 1/ 365 بلفظه، وأخرجه "الطبري" 15/ 117 بلفظه من طريقين، وورد بلفظه في "تفسير هود الهواري" 2/ 429، و"الطوسي" 6/ 497، أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 347 وزاد نسبته إلى ابن المنذر.]]، وروي عنه أنه قال مثل الزِّيَاق [[لم أقف عليه، والزياق: هو ما أحاط بالعمق من القميص. انظر (زيق) في: "الصحاح" 4/ 1492، و"اللسان" 3/ 190، و"متن اللغة" 3/ 80.]]، هذا قول المفسرين.
وقال ابن زيد: لأضلنهم [[أخرجه "الطبري" 15/ 117 بنصه، وورد في "تفسير الطوسي" 6/ 497 - بلفظه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 5/ 57، و"القرطبي" 10/ 287، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 347 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]، وقيل: لأستأصلنَّهم بالإغواء [[ورد بنصه في "تفسير الثعلبي" 7/ 113 ب، و"الماوردي" 3/ 254، انظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 366، و"الفخر الرازي" 21/ 4.]].
فأما كلام أهل اللغة في هذا الحرف، فروى محمد بن سَلاَّم أنه سأل يونس عن هذه الآية فقال: يقال: كأن في الأرض كلأً فاحتنكه الجراد؛ أي أتى عليه، ويقول أحدُهُم: لم أجد لِجاماً فاحْتَنَكْتُ دَابَّتي، أي ألقيتُ في حَنَكها حبلًا قُدْتُها به [[ورد في "تهذيب اللغة" (حنك) 1/ 944، بنصه.]].
وتفسير هذا الحرف لا يخرج عن هذين الأصلين الذين ذكرهما يونس، فمن قال: لأستأصلنهم ولأستولين عليهم، فأصله من احتِناكِ الجرادِ الزرعَ، وهو أن يأكلها ويستأصلها باحتناكها فيفسدها، ومن هذا يقال للجماعة المنتجعين: الحنك، يقال: ما تركَ الأحْنَاكُ في أرضنا شيئًا، يعنون: الجماعات المارة، ومنه قول أبي نُخَيْلَة [[الرَّاجز أبو نُخيلة، اسمه يَعْمر، وكني أبا نُخَيلة لأن أمه ولدته إلى جنب نخلة -كما قال ابن قتيبة- وفي "الأغاني" عن الأصمعي وابن حبيب أنه لا يعرف له اسم غيره، وله كنينان: أبو الجُنيد وأبو العِرماس، كان عاقًا لأبيه فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه، ثم عاد وبقي مشكوكًا في نسبه، مطعونًا عليه، مات سنة (145 هـ) انظر: "الشعر والشعراء" ص 399، و"الأغاني" 20/ 403، و"الخزانة" 1/ 165.]]:
إنا وكُنَّا حَنَكًا نَجْدِيًّا [[وعجزه:
لمَّا انْتَجَعْنا الورقَ المرْعِيَّا
ورد في "الأساس" ص 203، و"اللسان" (حنك) 2/ 1028.]] [[ورد في "تهذيب اللغة" (حنك) 1/ 943، بنصه.]]
هذا هو الأصل، ثم يُسمى الاستيلاء على الشيء وأخذ كله احتناكًا، حتى يقال: احتَنَكَ ما عند فلان، أي أخذه كله من علم أو مال أو غير ذلك [[ورد نحوه في "مجاز القرآن" 1/ 384.]]، واحتنكت السَّنَةُ [أموالنا] [[زيادة يقتضيها السياق؛ كما في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 249.]] إذا استأصلتها، وأنشد أهل اللغة: نَشْكو إليْك سَنَةً قد أجْحَفَتْ
واحْتَنَكَتْ أموالَنَا وجلَّفَتْ [[ورد بلا نسبة في "مجاز القرآن" 1/ 384، و"تفسير الطبري" 15/ 116، و"معاني القرآن وإعرابه" 3/ 249، و"تفسير الثعلبي" 7/ 113 ب، و"الماوردي" 3/ 254، و"الطوسي" 6/ 497، و"ابن عطية" 9/ 134، و"القرطبي" 10/ 287، و"الدر المصون" 7/ 380، في بعض الروايات: جَنَّفَتْ واجتلفت بدل جلَّفَتْ؛ (الجَلْفُ): القَشْرُ، والجالفةُ: السَّنة التي تذهبُ بأموال الناس؛ من جلفت الشيءَ: إذا قلَعْتَه واستأصلْتَه. "العباب الزاخر" ف/ 67.]]
ومن قال: لأغوينّهم ولأقودنّهم إلى المعاصي؛ كما روي عن مجاهد أنه قال: مثل الزِّياق، فأصله من قولهم: حَنَكَ الدابةَ يَحْنُكُها، إذا ربط في حنكِها الأسفل حَبْلًا يقودها به [[ذكره ابن السكيت في "الإصلاح" ص 71 بنصه، وورد بنحوه في "الغريب" لابن قتيبة 1/ 258، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 171، انظر (حنك) في: "تهذيب اللغة" 1/ 944، و"المحيط في اللغة" 2/ 383.]]، ومثله: احتنك، وأنشد ابن الأعرابي [[البيت لزَبَّان بن سَيَّار الفزَاري، كما في "تهذيب اللغة" (حنك) 1/ 944، وتصحفت في اللسان إلى: زياد، والصحيح أنه زبان، كما في "الاشتقاق" ص 283.]]:
فإنَّ لدَينا مُلْجِمِينَ وحانِكًا [[صدره:
فإن كنتَ تُشْكَى بالجِماع ابنَ جعفر
ورد في "تهذيب اللغة" (حنك) 1/ 944 ، و"اللسان" (حنك) 2/ 1028.]]
والمعنى على هذا الأصل: لأقودنّهم حيث شئت، كمن يُربط في حَنَكه الزياق فيقاد.
قال الأخفش في قوله: ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ﴾: لأستأصلَنَّهم ولأستميلَنَّهم [[ليس في معانيه، وورد في "تهذيب اللغة" (حنك) 1/ 944، بنصه.]]، فذكر القولين، ونحوه قال أبو عبيدة سواءً [["مجاز القرآن" 1/ 384، بنصه]]، واختار الفراء والزجاج وابن قتيبة الأول [["معاني القرآن" للفراء 2/ 127، و"معاني القرآن وإعرابه" 3/ 249، و"الغريب" لابن قتيبة 1/ 260.]]، وهو أنه مأخوذ من احتناك الجراد الزرع، وكلا القولين مأخوذ من الْحَنَك على ما بَيَّنَا.
وقوله تعالى ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ يعني المعصومين، قال ابن عباس: يريد بالقليل أولياء الله الذين عصمهم [[انظر: "تفسير ابن الجوزي" 5/ 57، بنصه.]]، وهم الذين استثناهم الله -عز وجل- في قوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: 42]
فإن قيل: كيف ظن إبليس هذا الظن الصادق بذرية آدم؟ فالجواب عن هذا: أن الله تعالى كان قد أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك [[في (أ)، (د): (ولا يسفك) بزيادة (لا) والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح المتسق مع السياق.]] الدماء، على قول بعض المفسرين [[ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 497، بنصه.]]، وكان إبليس قد علم بذلك، وقيل: إنما قال ذلك لأنه وسوس إلى آدم فلم يجد له عزمًا، فقال بَنُو هذا مِثلُه في ضعف العزيمة، وهذا معنى قول الحسن [[ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 498 بنصه، انظر: "تفسير القرطبي" 10/ 287، و"أبي حيان" 6/ 58 وقال: وهذا ليس بظاهر؛ لأن قول ذلك كان قبل وسوسته لآدم في أكل الشجرة. وما قاله أبو حيات متوجه، إلا أن يكون الحسن أراد بقوله ما ورد عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -ﷺ- قال: "لما صوَّر الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك" أخرجه مسلم (2611) كتاب: البر والصلة، باب. خلق الإنسان خلقًا لا يتمالك.]].
{"ayah":"قَالَ أَرَءَیۡتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِی كَرَّمۡتَ عَلَیَّ لَىِٕنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّیَّتَهُۥۤ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق