الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿كُلُّ ذَلِكَ﴾ أشار إلى جميع ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه من قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ و ﴿ذَلِكَ﴾ يصلح للواحد والجميع، والمؤنث والمذكر، على ما ذكرنا في مواضع. وقوله تعالى: ﴿كَانَ سَيِّئُهُ﴾ قُرئ بالإضافة [[أي ﴿سَيِّئُهُ﴾ مضافًا مذكرًا، قرأ بها: عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر: "السبعة" ص 380، و"علل القراءات" 1/ 323، و"الحجة للقراء" 5/ 102، و"المبسوط في القراءات" ص 228، و"تلخيص العبارات" ص 113.]] والتنوين [[أي ﴿سَيِّئَةً﴾ منونًا مؤنثًا، قرأ بها: ابن كثير ونافع وأبو عمرو. انظر المصادر السابقة.]]، قال أبو إسحاق: والإضافة أحسن [[هذا مما يؤخذ على النحويين من المفاضلة بين القراءات، مع أن كليهما سبعية متواترة.]]؛ لأن فيما جرى من الآيات سيئًا وحسنًا، فسيئُهُ بلا تنوين أحسن [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 240 بنصه تقريبًا.]]، ويؤكد ما ذكره أبو إسحاق: ما روي أن الحسن كان يقرأ بالإضافة، ويقول قد ذَكَرَ أمورًا قَبلُ؛ منها حسن ومنها سيء، فقال: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ﴾ لأن ما ذُكر الحَسَنُ، والسَّيِّئُ من المذكور المكروه، ويقوّي ذلك قوله: ﴿مَكْرُوهًا﴾ والتذكير فيه، ولو كان ﴿سَيِّئَةً﴾ غير مضاف لزم أن يكون مكروهةً، سيّما وقد تقدم ذِكْرُ المؤنث، ألا ترى أن قوله [[البيت لعامر بن جُوَيْن الطائي (جاهلي).]]: ولا أرضَ [[في جميع النسخ: (والأرض)، والتصويب من المصادر.]] أبْقَلَ إبْقَالَها [[وصدره: فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها وهو من شواهد سيبويه في "الكتاب" 2/ 46، وورد في "شرح المفصل" 5/ 94، و"اللسان" (بقل) 1/ 328، وورد غير منسوب في "الخصائص" 2/ 411، و"المحتسَب" 2/ 112، و"الحجة للقراء" 4/ 238، و"أمالي ابن الشجري" 1/ 242، 246، و"تفسير القرطبي" 10/ 263، و"الخزانة" 1/ 45، 49، 50، 7/ 437. (مزْنة): واحد المزن، وهو السحاب يحمل الماء، (الودق): المطر، (أبقل): أخرج البقل، وهو من النبات ما ليس بشجر؛ وهو الذي لا تبق له أُرُومة على الشتاء بعدما يُرعى. والشاعر يصف أرضًا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث، والشاهد: حذف علامة التأنيث مع إسناد الفعل إلى ضمير المؤنث، على تأويل أن الأرض مكان، فكأنه قال: ولا مكان أبقل إبقالها، والمكان مذكر.]] مستقبح [[هكذا في جميع النسخ، وفي "الحجة للقراء" 5/ 102 مستقيم، وهو خطأ أو تصحيف.]] عندهم، ولو قال: أبقل الأرض، لم يُستقبح، فليس ما تقدّم ذكره مما أُنّث بمنزلة ما لم يتقدم ذِكْره؛ لأن المتقدم الذكر ينبغي أن يكون الراجعُ وَفْقَه، كما يكون وَفْقَه في التثنية والجمع [["الحجة للقراء" 5/ 102، بتصرف واختصار يسير.]]. وأما من قرأ بالتنوين فقال أبو إسحاق: جعل كلًّا إحاطة بالمنهي عنه قَطْ، المعنى: كل ما نهى الله عنه كان سيئةً [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 241، بنصه.]]، ومعنى هذا أن من قرأ بالتنوين رأى الكلام انقطع عند قوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾، وكان الذي بعدُ؛ من قوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ لا أمرًا حسنًا فيه، فقال: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ﴾ فأفرد ولم يضف، وعلى هذه القراءة قوله: ﴿مَكْرُوهًا﴾ ليس بنعت للسيئة، وإنما هو بدل منها، على تقدير: كان سَيِّئَةً وكان مكروهًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب