الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد وأَمَرَ ربك، ليس هو قضاء حكم، ونحو هذا روى عنه الوالبي [[أخرجه الطبري 15/ 62 بلفظه من طريق ابن أبي طلحة صحيحة، وورد بلفظه في "تفسير الثعلبي" 7/ 106 ب، و"الماوردي" 3/ 237، أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 309 وزاد نسبته إلى ابن المنذر.]]، وهو قول مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد وعامة المفسرين [["تفسير مجاهد" 1/ 360 بلفظه، وأخرجه عبد الرزاق 2/ 376 بلفظه عن قتادة، و"الطبري" 15/ 62 - 63 بلفظه عنهم ما عدا مجاهد، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 139، عن الحسن، و"تفسير الجصاص" 3/ 196، والسمرقندي 2/ 264، وهود الهواري 2/ 414، والثعلبي 7/ 106 ب، عن الحسن وقتادة، و"الماوردي" 3/ 237، عن الحسن وقتادة.]] وأهل اللغة [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 374، و"تهذيب اللغة" (قضى) 3/ 2986، و"الإملاء" 2/ 90، و"الفريد في إعراب القرآن" 3/ 266، و"اللسان" (قضى) 6/ 3665.]]. قال الفراء: العرب تقول: تركته يقضي أمور الناس، أي يأمر فيها فينفُذ أمرُه [["معاني القرآن" للفراء 2/ 120، بنصه.]].
وقال أبو إسحاق: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾ معناه أمَر [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 233، بلفظه.]]؛ لأنه أمرٌ قاطعٌ حَتْمٌ، وذكرنا أن قضى في اللغة على وجوه، كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه [[انظر ما تقدم في تفسير سورة البقرة [آية: 117].]].
وروى ميمون بن مِهران عن ابن عباس في هذه الآية، قال: إنما هو (ووصى ربك) فالتصقت إحدى الواوين [[أي التصقت بالصاد.]]، فقرئت: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾ ولو كان على القضاء ما عصى الله أحدٌ [[ورد في "القراءات الشاذة" لابن خالويه ص 79 - مختصرًا، وأورده السيوطي في == "الدر المنثور" 4/ 309، بنحوه، وعزاه إلى أبي عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون عن ابن عباس.]]، ونحو هذا روى عنه الضحاك وسعيد ابن جبير [[أخرجه "الطبري" 8/ 58، عن الضحاك، وورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 106 ب، عن الضحاك، و"الماوردي" 3/ 237، عن الضحاك، وانظر غرائب التفسير 1/ 624، عن ابن عباس والضحاك واستغربه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 257 - وعزاه إلى الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، وأورده -كذلك- وعزاه إلى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس، وأورده وزاد نسبته إلى أبي عبيد وابن المنذر عن الضحاك.]]، وهو قراءة علي وعبد الله: (ووصى ربك) [[أخرجها عن ابن مسعود: مقاتل 1/ 213 ب، و"عبد الرزاق" 2/ 376، و"الطبري" 15/ 63، والطبراني في "الكبير" 9/ 149، ووردت عن ابن مسعود في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 139، و"تفسير السمرقندي" 2/ 264، و"الثعلبي" 7/ 106 ب، عنهما، وهذه القراءة شاذة وقد استنكرت وضعفت، قال الكرماني: وهذه القراءة عند القراء مقبولة في جملة الشواذ، والحكاية مردودة على الراوي، وقال ابن عطية: وهذا ضعيف، وإنما القراءة مروية بسند، ونقل تضعيف ابن أبي حاتم لها وقال: لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا، وقال ابن الجوزي: وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإجماع، فلا يلتفت إليه.
انظر: "غرائب التفسير" 1/ 624، و"تفسير ابن عطية" 9/ 52، و"ابن الجوزي" 5/ 22، و"فتح الباري" 8/ 241، و"تفسير الألوسي" 15/ 54، وهي أشبه بالتفسير من القراءة، وبذلك فسرها مجاهد، -كما أخرجه "الطبري" 15/ 62 - 63.]].
وقوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ قال الزجاج: أي: وأَمَرَ بالوالدين إحسانًا [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 234، بنحوه.]]، والعرب تقول: أوصيك به خيرًا، وآمرك به خيرًا، وكأن معناه: آمرك أن تفعل به، ثم تحذف (أن) فينصب الخبر بالوصية وبالأمر، وأنشد:
عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ أنْ تَشْكُونا ومِنْ (أبي) دَهْماء أنْ يُوصِينا
خَيْرًا (بها كأننا) [[في جميع النسخ (أين) بدل (أبي)، و (بهل كأنها) بدل (بها كأننا)، والتصويب من المصادر.]] جافُونا) [[ورد ما بين التنصيص بنصه تقريبًا في "معاني القرآن" للفراء 2/ 120، و"تفسير الطبري" 15/ 63، وبنحوه في "تفسير الطوسي" 6/ 467، وفي جميع المصادر: (إذ) بدل (إن)، والشاهد -كما ذكره الطبري والطوسي: أعمل يوصينا في الخير، كما أعمل في الإحسان.]]
فعلى هذا ينصب إحسانًا بمضمر دلَّ عليه الكلام، و (الباء) في: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ﴾ من صلة الإحسان، وقُدّمت عليه كما تقول: يزيد فامرر [[أورد الفخر الرازي هذا الوجه وعزاه للواحدي، وتعقبه قائلاً: وهذا المثال الذي ذكره الواحدي غير مطابق؛ لأن المطلوب تقديم صلة المصدر عليه، والمثال المذكور ليس كذلك، وقد أورد السمين القولين وبين أن كلا منهما صحيح من وجه. انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 186، و"الدر المصون" 7/ 334.]]، ويجوز أن يكون العامل فيه ما أُضمر من الإيصاء؛ كأنه: وأوصى بالوالدين إحسانًا.
وقوله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾، يرفع ﴿أَحَدُهُمَا﴾ بـ ﴿يَبْلُغَنَّ﴾، و ﴿كِلَاهُمَا﴾ عطف عليه، وقرأ حمزة والكسائي: (يَبْلُغَانِّ) [[انظر: "السبعة" ص 379، و"إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 368، و"علل القراءات" 1/ 319، و"الحجة للقراء" 5/ 96، و"المبسوط في القراءات" ص 228.]] قال الفراء: ثنَّى؛ لأن الوالدين قد ذُكِرا قبله، فصار الفعل على عددهما، ثم قال: ﴿أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ على الائتناف، كقوله: ﴿فَعَمُوا وَصَمُّوا﴾ [المائدة: 71] ثم استأنف فقال: ﴿كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾، وكذلك قوله: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾، ثم استأنف فقال: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [["معاني القرآن" للفراء 2/ 120، بنصه.]] [الأنبياء: 3] وقال أبو علي: من قرأ: (يَبْلُغَانِّ) جعل قوله: ﴿أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ معادًا على التأكيد، وعلى ذكر إفراد كل واحد منهما، ولا يكون الرفع فيهما بمعنى الفعل كما يكون في قراءة الباقين [["الحجة للقراء" 5/ 96 بتصرف.]].
وقال أبو إسحاق: من قرأ (يَبْلُغَانِّ) [يكون ﴿أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ بدلاً من الألف، وموضع ﴿يَبْلُغَنَّ﴾ و (يَبْلُغَانِّ)] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (د).]] جزمٌ بإمّا؛ لأن أصله (إن) التي للشرط، فأكدت بـ (ما) التي للشرط؛ نحو: ﴿مَا نَنْسَخْ﴾ [البقرة: 106] ليكون حرف الشرط مؤكِّدًا مِثل توكيد الفعل بالنون، وعلامةُ الجزم لا تبين مع نون التأكيد [[أي المباشرة.]]؛ لأن الفعل يُثَنّى معها، ألا ترى أنك تقول ليفعلَنَّ بفتح [[في جميع النسخ: (ففتح)، والصواب المثبت؛ حيث به يستقيم الكلام.]] اللام وبترك الضمة، وبترك النون التي تُلْحَق [[في (ش)، (ع): (لحق).]] في التثنية والجمع والواحدة المؤنث علامةً للرفع [[بسبب توالي النونات والثقل.]]؛ كما تُركت الضمةُ في الواحدة.
ذكرنا هذا [عند] [[زيادة يقتضيها السياق.]] قوله: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ﴾ [البقرة: 96] وعند قوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعَانِّ﴾ [يونس: 89].
وأَمَّا قوله: ﴿كِلَاهُمَا﴾ فإن كلا اسم مفرد يفيد [[في (أ)، (د): (بعيد).]] معنى التثنية [[في جميع النسخ: (للتثنية)، والصحيح المثبت، والتصقت الألف باللام.]]، ووزنه فِعَل، ولامُه بمنزلة لام حِجَى ورِضَى، وهي كلمة وضعت على هذه الحلقة يُؤَكّدُ بها الاثنان خاصةً، ولا تكون إلا مضافة، والدليل على أنها ليست تثنية: أنها لا تُفردُ فتقومَ بنفسها، ولو كانت تثنيةً لوجب أن تقال بالنصب والخفض، والخفض مررت بكلي الرجلين بكسر الياء، كما تقول بين يدي الرجل، و ﴿مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ [المزمل: 20] و ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ [يوسف: 39] و ﴿طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود: 114]، فدل هذا على أنها ليست بحلقة تثنية، وأنها وضعت دلالة على التثنية لا أنها تثنية، كما تقول في (كل) فإنه اسم واحد موضوع للجماعة، فإذا أخبرت عنه بلفظه، أخبرت كما تخبر عن الواحد؛ كقوله: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 95] وكذلك إذا أخبرت عن كلا، أخبرت عن الواحد فقلت: كلا أَخَوَيْك كان قائمًا، وكلا عَمَّيْكَ كان فقيهًا، وقال الله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ [الكهف: 33]، ولم يقل: آتتا، وقال:
كلا الرَّجُلَيْنِ أفَّاكٌ أَثِيمُ [[ورد في "تهذيب اللغة" (كلا) 4/ 3169 بنصه بلا نسبة، والشاهد: أنه أفرد أفَّاك وهي تعود على مثنى. وانظر أيضا "لسان العرب" (كلا)، و"تاج العروس" (باب الواو الهاء، فصل الكاف).]]
وقال لبيد:
فَغَدَتْ كلا الفَرْجَينِ تَحْسَبُ أنَّهُ ... مَوْلى المخافة خلفُها وأمامُها [["شرح ديوان لبيد" ص 311، وورد في "الكتاب" 1/ 407، و"المقتضب" 4/ 341، و"شرح القصائد السبع الطوال" ص 565، و"أمالي ابن الشجري" 1/ 166، 2/ 582، و"البسيط في شرح جمل الزجاجي" 1/ 502، و"الإيضاح" للعضدي ص 211 - بلا نسبة. (فغدت): من الغدوّ، وتروى (فعدت): من العدو، (كلا الفرجين): في كلا، الفرجين؛ والفرج: الواسع من الأرض أو الثَّغر؛ وهو موضع المخافة، والفروج == هي الثُّغور، (مولى) قال ثعلب: المولى في هذا البيت معناه: الأَوْلى؛ كأنها تحسب أن كلَّ فرج أولى بالمخافة من الثاني؛ لحيرتها، والضمير يعود على بقرة وحشية، أضلت ولدها أو حُبِست خيفة من صائد، فهي حذرة في خوف، تخال كلا طريقيها من خلفها وأمامها ثغرة له يسلك منها إليها. وخلفُها وأمامُها رفعٌ على البدل من كلا؛ لأن ككلا الفرجين هما خلفُها وأمامُها، والتقدير: وخلفُها وأمامُها تحَسَب أنه يلي المخافة، وجائز رفعه بتقدير: هو خلفُها وأمامُها.]] يريد كلا فرجيها، فأقام الألف واللام مقام الكناية، وقال: أنه، ولم يقل: أنهما، ثم ترجم عن كلا؛ فقال: خلفُها وأمامُها، يجوز أن يذهب إلى المعنى فيقول: كلا الرجلين كانا قائمين، كما يقول في كل، كقوله تعالى: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: 87]؛ وهذا الذي ذكرنا في كِلا كلام أبي الهيثم الرازي [[ورد في "تهذيب اللغة" (كلى) 4/ 3169 بتصرف.]] وأبي الفتح الموصلي [["المنصف" 2/ 107 - مختصرًا.]] وأبي علي الجرجاني، وأمّا كلتا فالكلام فيه يأتي عند قوله: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ﴾ [الكهف: 33] إن شاء الله.
قال مجاهد في قوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾ قال: يخريان ويبولان [[أخرجه "الطبري" 15/ 64، بنحوه.]]، و ﴿الْكِبَرَ﴾ هاهنا مصدر الكبير في السن.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ قال أبو إسحاق: فيه سبع لغات؛ الكسر بغير تنوين وبتنوين، والضم بغير تنوين وتنوين، وكذلك الفتح بهما [[ذكر الواحدي عن الزجاج أن في (أف) سبع لغات، ولم يورد إلا ستة، مع أن الزجاج ذكر اللغة السابعة، فقال: وفيها لغة أخرى سابعة لا يجوز أن يقرأ بها، وهي (أُفِّي) بالياء. "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 224، لكن الواحدي أشار إلى هذه اللغة بعد ذكر كلام الزجاج بقوله: واللغة الشائعة (أُفِّي) بالياء.]]، فأما الكسر فلالتقاء الساكنين، و (أُف) غير متمكن [[أي غير منصرف. انظر "المعجم المفصل في النحو العربي" ص 946.]] بمنزلة الأصوات، فإذا لم يُنَوَّن فهو مَعْرفة، وإذا نُوِّن فهو نكرة بمنزلة غاقٍ وغاقِ [[غاقِ: حكاية صوت الغراب، فإن نكَّرته نوَّنته، ويقال: سمعت غاقِ غاقِ وغاقٍ غاقٍ، ثم سمي الغراب غاقًا، فيقال: سمعت صوت الغاقِ. "اللسان" (غوق) 6/ 3317.]] في الصوت، والفتح لالتقاء الساكنين أيضًا، والفتح مع التضعيف حَسَنٌ؛ لخفةِ الفتحة وثِقَلِ التضعيفِ والضَّمِّ؛ لأن قبله مضمُومًا -حسنٌ [[في (أ)، (د): (ما حسن) بزيادة ما.]] أيضًا- والتنوين فيه على جهة النكرة [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 234، بنصه تقريبًا.]].
واللغة الشائعة (أُفِّي) بالياء، قال الأخفش: كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 610، بنصه.]]؛ فقال: قَوْلي هذا.
وزاد ابنُ الأنباري لغات ثلاثًا فقال: و (إِفَّ لك) بكسر الألف وفتح الفاء، و (أُفَّة لك) بضم الألف وإدخال الهاء، و (أُفْ لك) بضم الألف [[ما بين التنصيص من (ش)، (ع)]] وتسكين الفاء، وأنشد لحسان:
فأُفًا لحِبَان على كلِّ حالة ... على ذكرهم في الذكر كلُّ عَفاءِ [["ديوانه" ص 259 وروايته:
فأفٍ للحيان على كلّ حالةٍ ... فذكرهم في الذكرِ شر ثناءِ
وورد في "الزاهر" 1/ 181، وصدره:
فأُفٌّ للِحْيانٍ على كلِّ آلَةٍ]] وأنشد لأبي حية:
حَيَاءً وبُقْيَا أَنْ تَشِيعَ نَمِيمَةٌ ... بِنَا وبِكُمْ أُفٍّ لأهْلِ النَّمَائِمِ [["شعر أبي حَيَّة النُّميْري" ص 87، وورد في "الكامل" 1/ 100، و"الزاهر" 1/ 181.]]
ثم ذكر وجهَ كلٍّ لغة فقال: من قال (أُفَّ) جعله بمنزلة قولهم: مُدَّ يدك، ومن قال: (أُفِّ) جعله بمنزلة مُدِّ، ومن قال: (أُفُّ) جعله بمنزلة مُدُّ، وأنشد [[اختلف في نسبة البيت؛ فنسب للنابغة الجعدي، وهو في "شعر النابغة الجعدي" ص 246، ونسب لقيس بن الخَطيم، وهو في "ديوانه" ص 170، ونسب في "شواهد المغني" 1/ 507 للنابغة الذبياني -وليس في ديوانه- أو النابغة الجعدي، ونسب في "الخزانة" 8/ 499 لهما ولقيس بن الخَطيم، ورجح البغدادي الأخير، وكذلك نُسب في "الصناعتين" ص 315، و"إعجاز القرآن" للباقلاني ص 83 لقيس ابن الخَطيم.]]:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا ... يُرَجَّى الفتى كَيْمَا يَضُرَّ وَينْفَعَا [[وورد بلا نسبة في "الزاهر" 1/ 181، و"البغداديات" ص 291، 352، و"الجنى الداني" ص 262، و"مغني اللبيب" ص 241.]]
قال: كذا رواه يونس بضم الراء [[أي في كلمة: فَضُرُّ، ووردت بالفتح، وكذلك وردت يضُرُّ وينفعُ بالرفع. انظر المصادر السابقة.]]، وأنشد:
قال أبو ليلى لحبلي مُدِّه
حتى إذا مددته فشُدِّه
إن أبا ليلى نسيجُ وحدِه [[ورد في "الزاهر" 1/ 182.]]
ومن قال: (أُفًّا)، نصبه على مذهب الدعاء؛ كما يقال: ويلًا له، ومن قال: (أُفٌّ لك) رفعه باللام؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين:1] ومن قال [(أُفٍّ) خفضه على التشبيه بالأصوات كما يقال: صَهٍ ومَهٍ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (د).]] ومن قال: (أُفَّةً لك) نصبه أيضًا على مذهب الدعاء، ومن قال (أُفّي لك) إضافة إلى نفسه، ومن قال (أُفْ لك) شبّهه بالأدوات؛ نحو: (مَنْ) و (كم) و (بل) و (هل) [["الزاهر" 1/ 181 - 182 وهو نقل طويل من قوله: وزاد ابن الأنباري .. نقله بنصه تقريبًا.]].
وقال الفراء: العرب تقول: جَعَل فلان يتأفّف من ريح وجدها، معناه: يقول أُفِّ أُفِّ [["معاني القرآن" للفراء 2/ 121، بنصه.]].
وقال الأصمعي: الأُفُّ: وسخ الأُذن، والتُّفُّ: وسخ الأظفار، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم كثر حتى استعملوه عند كل ما يتأذون به.
وقال غيره: أُف معناه: قلّة، وتُف إتْباع، مأخوذ من الأفف؛ وهو الشيء القليل [[ورد في "الزاهر" 1/ 180 بتصرف، و"تهذيب اللغة" (أف) 1/ 172، بنصه.]].
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي: الأُفُفُ: الضجر.
وقال القتيبي في قوله: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [أي لا تستثقل شيئًا من أمرهما، قال: والناس يقولون لما يكرهون ويستثقلون: أُفٍّ] [[ما بين المعقوفتين ساقط من (أ)، (د).]] له.
وأصل هذا نَفْخك للشيء يَسْقط عليك من تراب أو رماد، وللمكان تريد إماطة أذى عنه فقيل لكل مُسْتَثقل [["تأويل مشكل القرآن" ص 147، بتصرف يسير.]].
وقال الزجاج: معنى (أُفّ) النَّتن، ومعنى الآية: ولا تَقُل لهما ما فيه أدنى تَبَرُّم إذا كَبُرا وأسَنَّا؛ أُفْ، بل تَوَلَّ خدمتهما [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 234، بنحوه، وورد في "تهذيب اللغة" 1/ 172، وظاهرٌ أنه نقله من "التهذيب" لا المعاني.]]، هذا قول أهل اللغة في معنى هذه الكلمة ووجوهها [[ورد في "تهذيب اللغة" (أف) 1/ 172 بنصه تقريبًا، من قوله: وقال الأصمعي.]].
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد بالأُف الرديء من الكلام؛ أن يقول لهما: أماتكما الله، أراحني الله منكما [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 488 بنصه، انظر: "تنوير المقباس" ص 298 مختصرًا، وورد بلا نسبة في "تفسير مقاتل" 1/ 214 أمختصرًا.]]، فهذا الرديء من الكلام، كقول إبراهيم لقومه: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ﴾ [الأنبياء: 67].
وروى ليث عن مجاهد: لا تتقذرهما كما كنت تخرأ وتبول فلا يتقذرانك [[ورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 140، و"تفسير الثعلبي" 7/ 107 أ، انظر: "تفسير البغوي" 5/ 86، و"الفخر الرازي" 20/ 189.]].
وروى أبو يحيى عنه، قال: إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك فلا تقل لهما: (أُف) [[انظر: "تفسير ابن عطية" 9/ 56، و"الفخر الرازي" 20/ 189 بنصه، و"القرطبي" 10/ 242، و"أبي حيان" 6/ 27.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾، يقال: نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره [[ورد في "تهذيب اللغة" (نهر) 4/ 3674 بنصه، وانظر (نهر) في "المحيط في اللغة" 3/ 476، و"مجمل اللغة" 2/ 845، و"اللسان" 8/ 4557.]]، قال عطاء عن ابن عباس: يريد الجواب والغلظة [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 489 بنصه، انظر: "تنوير المقباس" ص 298، بنحوه.]].
وقال أبو إسحاق: لا يكلمهما ضَجِرًا صائحًا في أوجُهِهِما [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 234، بنصه.]].
﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ قال ابن عباس: يريد لينًا لطيفًا [[انظر: "تنوير المقباس" ص 298.]].
وقال ابن جريج: أحسن ما تجد من القول [[أخرجه "الطبري" 15/ 65، بنصه.]].
وقال عمرو -رضي الله عنه- أي لا تمتنع من شيء يريدانه [[أخرجه "الطبري" 15/ 65، بنصه.]].
وقال عطاء: لا تُسَمِّهما ولا تُكَنِّهما، وقيل لهما: يا أبتاه ويا أماه [[ورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 107 أبنصه، انظر: "تفسير القرطبي" 10/ 243.]]
وقال أبو الهدَّاج التُّجيبي [[في جميع النسخ (الهداد)، والصحيح -كما في تفسير الطبري و"الدر المنثور" و"الجرح والتعديل"- أبو الهداج التجيبي: سمع سعيد بن المسيب قوله، روى عنه حرملة بن عمران. "الجرح والتعديل" 9/ 455.]]: سألت سعيد بن المسيب، فقلت: أصلحك الله، كل ما ذَكر اللهُ في القرآن من بِرّ الوالدين قد عرفته إلا قوله: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ فما هو؟ قال [[ساقط من (أ)، (د).]]: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ [[أخرجه "الطبري" 15/ 65 بنصه تقريبًا، وورد في "تفسير الجصاص" 3/ 197 بنصه، و"الثعلبي" 7/ 107 أبنصه، انظر: "تفسير البغوي" 5/ 86، و"ابن عطية" 4/ 310، و"ابن الجوزي" 5/ 25، و"القرطبي" 10/ 243، أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 310 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
{"ayah":"۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنًاۚ إِمَّا یَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَاۤ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَاۤ أُفࣲّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلࣰا كَرِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق