الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾، أي: ثواب اهتدائه له ولنفسه؛ يعني الخير باهتدائه، ﴿وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾، أي: على نفسه عقوبة ضلاله؛ فهُداه له كما أن ضلاله عليه، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد أن الوليد بن المغيرة قال: اتبعوني وأنا أحمل أوزاركم [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 481، انظر: "تفسير ابن الجوزي" 5/ 17، و"القرطبي" 10/ 151، و"الألوسي" 15/ 35، وورد بلا نسبة في "تفسير ابن عطية" 9/ 36، و"أبي حيان" 6/ 16، وحمل الآية على العموم أولى من التخصيص.]]. قال قتادة: لا والله، ما يحمل اللهُ على عبدٍ ذَنْبَ غيرِه، ولا يُؤاخَذ إلا بعمله [[أخرجه "الطبري" 15/ 54 بنصه.]]. قال أبو إسحاق يقال: وَزَرَ يَزِرُ فهو وَازرٌ وَزْرًا وَوِزْرًا، [و] [[هذه الواو إضافة يقتضيها المقام؛ كما في "تفسير ابن الجوزي" 5/ 17.]] وِزْرَةً، معناه: أثِمَ يَأْثَمُ إثمًا، قال: وفي تأويل هذه الآية وجهان؛ أحدهما: أن الآثِمَ والمُذْنِبَ لا يؤاخذ بذنب غيره، ولا يؤاخذ بذنبه غيرُهُ، والوجه الثاني: أنه لا ينبغي أن يعمل الإنسانُ بالإثم لأن غيرَه عَمِلَه؛ كما قالت الكفار: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 231 بنصه، إلا أنه أورد الآية [22] التي قبلها وهي: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾.]] [الزخرف: 23]، ومضى الكلام في معنى الوِزْر والأوْزَار في سورة الأنعام [[آية [31].]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ قال ابن عباس: يريد اتخاذ الحجة على خلقه. وقال قتادة: إن الله ليس معذبًا أحدًا حتى يسبق من الله إليه خبرٌ [[في جميع النسخ: (خير)، والصحيح المثبت، كما في المصادر.]] ويأتيه من الله بَيِّنَة [[أخرجه "الطبري" 15/ 54 بنصه تقريبًا.]]. وقال أبو إسحاق: أي حتى [[في جميع النسخ: (حين)، والمثبت هو الصحيح، وموافق للمصدر.]] نبين ما به نُعَذِّبُ وما من أَجْله نُدْخِلُ الجنَّةَ [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 231 بنصه.]]، وهذا يدل على أن الواجبات إنما تجب بالشرع لا بالعقل؛ لأن الواجبَ ما لا يؤمن العقاب في تركه، وقد أخبر أنه لا يعذب قبل بعثته الرسول، فدل أنه إنما يُعرفُ الواجبُ بقول الرسولِ، ولا يجبُ شيءٌ على أحدٍ قبل بَعْثِ الرسولِ [[وهو بهذا يرد على المعتزلة القائلين بأن الواجبات تجب بالعقل أولاً ثم بالشرع .. ، انظر: "فضل الاعتزال" ص 139 نقلاً عن كتاب "الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة" 1/ 166.]]، ولذا وجبتْ الدعوةُ قبلَ القتالِ، حتى لو أن المسلمين أناخوا بساحةِ قومٍ لم تبلغهم الدعوةُ، لم يجز لهم أن يهجموا عليهم بالقتال والثُّباتِ [[جمعُ ثُبَةٍ، وهي الفرقة، والمقصود النفير بفرق وسرايا. انظر: "عمدة الحفاظ" 1/ 317.]] قبل تقديم الدعوة، ولو فعلوا ذلك ضَمِنوا دماءهم، كذلك قال الشافعي -رضي الله عنه- [[كتاب "الأم" 4/ 157، بنحوه، وقد نص على ذلك الماوردي، وقال: فإن بدأ بقتالهم قبل دعائهم إلى الإسلام وإنذارهم بالحجة، وقتلهم غرة وبياتًا ضمن ديات نفوسهم وكانت -على الأصح من مذهب الشافعي- كديات المسلمين، وقيل: بل كديات الكفار على اختلافها اختلاف معتقدهم. "الأحكام السلطانية للماوردي" ص 46، انظر: "حواشي تحفة المحتاج على المنهاج" 9/ 242، "الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته" 1/ 206.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب