الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾ الآية. قال ابن عباس: هي امرأة من قريش كان لها وسوسة، وكانت تغزل عند الحجر يومها ثم تغدو فتنقضه [[ورد بنحوه بلا نسبة في "تفسير ابن عطية" 8/ 500، و"التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن للسهيلي" ص 172، وعُزِي للمهدوي في "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 115، بنحوه، وعُزِي للسدي في "مُفْحِماتُ الأقران" ص 97، مختصرًا.]]، وقال الكلبي: كان يقال لها: رايطة، وقيل: رَيْطة [[قال ابن الأنباري: واسمها ريطة بنت عمرو المريّة "تفسير ابن الجوزي" 4/ 485، وفي "تفسير أبي حيان" 5/ 531 أنها بنت سعد بن تيم، وفي "المبهمات في القرآن" للبلنسي 2/ 115: أنها بنت سعد بن زيد بن مناة بن تميم بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، ولم يظهر لي إن كانت صحابية أم لا، ولم يتبين لي إن كانت هي رَيْطَة أو رائطة بنت الحارث بن جُبيلة بن سعد بن تيم بن مرة القرشية، وقد ذكرت -دون الإشارة إلى قصة الغزل- في "الاستيعاب" 4/ 404، و"أسد الغابة" 7/ 105، و"الإصابة" 4/ 299.]]، وتُلَقَّب جعر [[في "تفسير مقاتل" 1/ 206 ب، و"التعريف والإعلام" ص172: (جعرانة)، وفي "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 115: (الجعرانية)، وفي "تفسير الثعلبي" 2/ 163ب: (جَعْير)، وفي "تفسير الماوردي" 3/ 211: (جعدة)، وفي "تفسير ابن الجوزي" 4/ 485: (جعراء)، وكلمة: (جعر) تستعمل في الذم ووصف الدُّبر والرجيع، يقال: جَعَرَ الكلبُ جعْرًا يجْعَر، والجاعرتان حيث يكوى من الحمار من مؤخّره، وفي اللسان: والجِعِرَّى: كلمة يلام بها الإنسان؛ كأنه يُنْسبُ إلى الاست، وبنو الجعراء: حيّ من الحرب يُعيّرون بذلك، وقال ابن السِّكيت: تُشتمُ المرأة فيقال لها: قُومي جَعارِ، تُشبه بالضبع. انظر: "مقاييس اللغة" 1/ 463، و"اللسان" (جعر) 2/ 633.]]، وكانت حمقاء تغزل الغزل هي وجواريها، فإذا غزلت وأبرمت أمرتهنَّ فنقضنَ ما غزلن [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 162 ب، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 39، والخازن 3/ 133، و"تفسير الألوسي" 14/ 221، وورد بنحوه غير منسوب في "تفسير مقاتل" 1/ 206 ب، و"معاني القرآن" للفراء 2/ 113، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 102، و"تفسير الطوسي" 6/ 421، والزمخشري 2/ 342، وابن الجوزي 4/ 485، والفخر الرازي 20/ 108، و"تفسير القرطبي" 10/ 171 وسواءً تعينت هذه المرأة -كما في رواية الكلبي- أم لم تتعين -كما في رواية ابن عباس-، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والمقصود من الآية تشبيه الناقضين للعهود مع الله تعالى أو مع الرسول -ﷺ- أو مع خلقه بهذه الحالة العجيبة التي يستنكرها العقلاء، تنفيرًا لهم من هذا الخلق الذميم والفعل الشنيع.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ قال مجاهد: من بعد إمرارٍ [[في (ش)، (ع): (إبرام)، وكلاهما صحيح؛ لأن معناهما واحد، ففي اللغة: المِرَّة: شِدَّةُ الفَتْلِ، والمَرِير: الحبل المفْتُول، أمْرَرْتُه إمْرَارًا وفَتَلَ الحبلَ فتْلاً: لواهُ وبَرَمَهُ، والبرمة: اسم من إبرام الحبل، وبرمتُ الحبلَ وأبرمْتُه، والمِبْرَمُ: شيءٌ كالمِغزَلِ. انظر: "المحيط في اللغة" (مر) 10/ 218، (برم) 10/ 242، و"المعجم الوسيط" 2/ 673.]] وفتلٍ [["تفسير مجاهد" ص 424، بنحوه، أخرجه الطبري 14/ 166، بنحوه من طريقين، وانظر: "تفسير ابن عطية" 8/ 501، وأبي حيان 5/ 531.]]، يعني من بعد قوة للغزل؛ بإمرارها [[في (ش)، (ع): (بإمرارها)، والمعنى واحد كما سبق.]] وفَتْلِها. وقوله تعالى: ﴿أَنْكَاثًا﴾ قال: واحدها نِكْث، وهو الغَزْل من الصوف والشَّعَر؛ يُبْرَم ويُنْسَج، فإذا أَخْلَقَت النَّسِيْجَة، قُطِّعَتْ ونُكِثَتْ خُيوطُها المُبْرمة وخُلِطَت بالصوفِ ومِيشتْ [[في (ش)، (ع): (ونُفِشت)، ومعنى (المَيْشُ): خَلْطُ الصُّوفِ والشَّعَرِ. "المحيط في اللغة" (ميش) 7/ 400.]]، ثم غُزِل ثانية، والنَّكْثُ المصدر، ومن هذا قيل: نَكَث فلانٌ عهدَه إذا نقضه بعد إحكامه؛ كما يُنْكَث خيطُ الصوف بعد إبرامه [[ورد في "تهذيب اللغة" (نكث) 4/ 3658، بنحوه، وانظر: (نكث) في "اللسان" 8/ 4536، و"التاج" 3/ 273.]]، وأنشد أبو عبيدة [[في جميع النسخ: أبو عبيد، والصحيح المثبت.]] للمُسَيَّب بن عَلَس [[زهير بن عَلَس، ولقبه المسيَّب، وهو خال الأعشى، وكان الأعشى راويته، وهو جاهلي ولم يدرك الإسلام، عدَّه الجمحي في الطبقة السابعة من فحول شعراء الجاهية، وكان من المُقِلِّين. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 1/ 21، و"الشعر والشعراء" ص95، و"شرح اختيار المفضل" 1/ 302، و"الخزانة" 3/ 240.]]: عن غَيرِ مَقْلِيَةٍ وأنَّ حِبَالَها ... لَيْسَتْ بأنكاث ولا أقطاع [["مجاز القرآن" 1/ 367، وورد برواية: (بأرْمامٍ) بدل (بأنكاث)، في "المفضليات" ص61، و"أمالي القالي" 3/ 130، و"شرح اختيارات المفضل" 1/ 304، وفي كل المصادر -ما عدا- الأمالي: (من) بدل (عن)، (المقلية): البغض، (حبالها): ما احتلبته من مودة، حبلٌ أرمام، وحبلٌ أقطاع: إذا كان قِطعًا مُوَصَّلة. والشاعر. يخاطب نفسه معاتبًا إياها على الرحيل من أرض سلمى وديارها ولمّا يستمتع بما أو يرى منها مكروها، ويواصل عتابه في هذا البيت قائلاً: أثرت ذلك، وهَوَى النفس كما كان لم يتسلَّط عليه تحيُّفٌ، وحبل الوصل برْمته لم يَضعُف.]] قال أبو إسحاق: ﴿أَنْكَاثًا﴾ منصوب؛ لأنه بمعنى المصدر؛ لأن معنى: نكثت نَقَضْتُ، ومعنى نقضت: نكثت [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 217، بنصه.]]، وهذا غلط منه لأن الأنكاث جمع نكث، وهو [[في (د): (وهم).]] اسم لا مصدر، فكيف يكون الأنكاث بمعنى المصدر، ولو كان [[(كان) ساقطة من (د).]] نكثًا لصح ما قال، ولكن أنكاثًا مفعول ثانٍ، كما تقول: كسره أقطاعًا، وفرقه أجزاءً على معنى جعله أقطاعًا وأجزاءً [[نقله الفخر الرازي 20/ 108، وعزاه للواحدي.]]، وهاهنا تم الكلام، والآية متصلة بما قبلها، والمعنى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ فتكونوا إن فعلتم كامرأة غزلت غزلًا وقَوَّتْ مِرَّتَهُ فلما اسْتَحْكَم نقضته فجعلته أنكاثًا، وهذا كلام [ابن] [[ساقطة من جميع النسخ.]] قتيبة [["تأويل مشكل القرآن" ص 386، بنصه تقريبًا.]]، ثم قال: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾ الدَّخَلُ والدَّغَلُ: الغِش والخيانة [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 162 ب، بنحوه، والطوسي 6/ 421، بنحوه، ونقله الفخر الرازي 20/ 108، بنصه وعزاه للواحدي. وانظر: (دخل) في "تهذيب اللغة" 2/ 1159، و"الصحاح" 4/ 1696، و"اللسان" / 1342.]]، قال الليث: ويخفف الدَّخل ويُثَقَّل [[ورد في "تهذيب اللغة" (دخل) 2/ 1159، بنحوه.]]، قال الفراء: يعني دَغَلًا وخديعة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 113، بنصه.]]. (وقال الزجاج: أي غِشًّا وغِلاًّ، وكل ما دخله عيب قيل: هو مَدْخُول، وفيه دَخَل، قال: و ﴿دَخَلًا﴾ منصوب) [[ما بين القوسين ساقط من (د).]]؛ لأنه مفعول له، والمعنى: تتخذون أيمانكم للغش والدَّغَل [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 217، بتصرف يسير بالتقديم والتأخير.]]، قال غيره: الدَّخَل: ما أُدْخِل في الشيء على فساد [[ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 421، بنصه، وقال: وإنما قيل: الدخل؛ لأنه داخل القلب على ترك الوفاء، والظاهر على الوفاء.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾، أَرْبَى: أي أكثر، من رَبَا الشيءُ يَرْبُو إذا كثر [[انظر: "تهذيب اللغة" (ربا) 2/ 1334، و"المحيط في اللغة" (ربو) 3/ 1545، و"اللسان" (ربا).]]، قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حِلْف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزّ، فنُهوا عن ذلك [["تفسير مجاهد" ص 351، بنصه، وأخرجه الطبري 14/ 167 بنصه من طريقين، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 103، بنحوه، و"تفسير السمرقندي" 2/ 248، بنحوه، وهود الهواري 2/ 385، بنصه، والثعلبي 2/ 162 ب، بنحوه، والطوسي 6/ 422، بنصه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 40، وابن الجوزي 4/ 486، والفخر الرازي 20/ 109، وابن كثير 2/ 644، و"الدر المنثور" 4/ 243، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، والمعنى: بأن يكون أو لأن يكون، فموضع (أن) نصب بإسقاط الخافض، على قول من نصب، (ومن أبقى حُكْمَ الخافض) [[ما بين التنصيص ساقط من (ش)، (ع).]] قال موضعه خفض، قال ابن قتيبة: أي لأن يكون قوم أغنى من قوم، وقوم أعلى من قوم، تريدون أن تقْتَطِعوا بأيمانكم حقوقًا لهؤلاء، (فتجعلوها لهؤلاء) [["تأويل مشكل القرآن" ص 386، بنصه، وما بين التنصيص مصوَّبٌ من المصدر، وفي النسخ: (فتجعلونها كهؤلاء).]]، وقال الفراء: معناه لا تغدروا بقوم لقلّتهم وكثرتكم أو قِلّتكم وكثرتهم، وقد غَرَّرتموهم بالأيمان فسكَنُوا إليها [["معاني القرآن" للفراء 2/ 113، بنصه.]]. وبيان هذه الجملة: أن القوم إذا عاهدوا قومًا أكثر من الذين عاهدوا فهم أمة أربى من أمة، لا يجوز لهم أن يغدروا، وكذلك إن كان على القلب من هذا [[أي على العكس من الحالة الأولى؛ بأن كانوا هم الأكثر والأقوى.]] وعاهدوهم؛ دخلوا في حلفهم خوفًا منهم لم يجز لهم الغدر، وتلخيص التأويل: النهي عن أن يحلف على ما هو منطوٍ على خلافه وأن يغر غيره بيمينه. وقوله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ﴾ ظاهره إخبار ومعناه النهي، والتقدير: لا تكونوا كتلك المرأة؛ متخذين أيمانكم للغش، بأن يكون قوم أكثر من قوم، قال الفراء: وموضع ﴿أَرْبَى﴾ نصب، وإن شئت رفعت؛ كما تقول: أظن رجلًا يكون هو أفضل منك، و (أفضل) النصبُ على العِمَاد [[العماد تَسْمِيةٌ كوفية لضمير الفصل، سمي بذلك لأنه يُعتمد عليه في التفرقة بين النعت والخبر؛ حيث يأتي ليبين أن ما بعد المبتدأ هو الخبر لا التابع، وله شروط. انظر: "البيان في غريب إعراب القرآن" 2/ 83، و"الدر المصون" 7/ 282، و"معجم القواعد العربية" للدّقر ص294، و"المعجم المفصل في النحو العربي" 2/ 696، و"معجم المصطلحات النحوية والصرفية" ص 173.]]، والرفع على أن تجعل (هو) اسمًا [["معاني القرآن" للفراء 2/ 113، بنصه.]]، قال الزجاج: موضع ﴿أَرْبَى﴾ رفعٌ ولا يجوز أن تكون نصبًا وهي تكون عمادًا؛ لأن العماد والفصل لا يكون مع النكرات وإنما يكون مع المعارف، كقوله: ﴿تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا﴾ [المزمل: 20]، والهاء في تجدوه معرفة، و ﴿أُمَّةٌ﴾ هاهنا نكرة [[ليس في معانيه، وورد في "تفسير الطوسي" 6/ 421، بنحوه.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ﴾ أي بما يأمركم وينهاكم، وقد تَقَدَّم ذكر الأمر والنهي، والكناية راجعة إلى الأمر، أي يختبركم الله بالأمر بالوفاء، وقال بعضهم: الكناية راجعة إلى التكليف [[انظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 486، و"تفسير القرطبي" 10/ 171، وأبي حيان 5/ 531.]]، وأمره ونهيه بمعنى التكليف، ومعنى ﴿يَبْلُوكُمُ﴾: يعاملكم معاملة المختبر، وذكرنا هذا في قوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ [البقرة: 155]. وقوله تعالى: ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي في الدنيا، قال المفسرون: أي من شأن البعث والقرآن [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 435، بنصه.]]، وقال أهل المعاني: هو عام فيما يقع الاختلاف فيه من الأصول والفروع [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 435، مختصرًا.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب